q
ومن الثغرات السياسية والدستورية هو ان هذا الدستور وضع من قبل سلطة لا تملك الشرعية السياسية؛ لأنها قوات احتلال أما مجلس الحكم فكان مجلساً‮ ‬استشارياً‮ ‬معيناً‮ ‬من قبل سلطة الائتلاف،‮ ‬وان اعتماد أساليب ديمقراطية في‮ ‬وضع الدساتير‮ ‬يجب أن‮ ‬يعهد إلى الجمعية المؤسسة أو المنشأة للدستور،...

مثّل الدستور العراقي‮ ‬الدائم لعام‮ ‬2005 ‮‬سمَّة التغيير السياسي‮ ‬الجديد بعد انهيار النظام السياسي‮ ‬السابق‮ ‬1968‮-‬2003 ‮ ‬في‮ ‬9/4/2003، كما جسد مرحلة سياسية جديدة قوامها البدء بالانتقال الديمقراطي‮ ‬من حيث الانتخابات وتداول السلطة‮ ‬سلمياً،‮ ‬وإقرار وتمتع المواطن العراقي‮ ‬بالحريات والحقوق المدنية والسياسية،‮ ‬ولكن هذا لا‮ ‬يعفي‮ ‬من وجود ثغرات سياسية ودستورية قد شابت بعض النصوص الدستورية التي‮ ‬تتعلق بعدد‮ ‬من المسائل الدستورية والفكرية والقانونية‮.‬

وكتاب‮ "‬نقد الدستور‮.. ‬دراسة سياسية نقدية لأبرز إشكاليات الدساتير العراقية‮ ‬1925‮-‬ 2005 للأستاذ الدكتور د‮. ‬عبد العظيم جبر حافظ،‮ ‬الصادر في‮ ‬عام‮ ‬2020، يسلط الضوء على الإشكاليات التي‮ ‬شابت الدساتير العراقية بتفصيل كبير‮. ‬وسنركز في‮ ‬السطور الآتية على الدستور الدائم لعام‮ ‬2005‮.

إذ إن العملية الدستورية جاءت بمبادرة من سلطة التحالف المؤقتة برئاسة برايمر وذلك في‮ ‬شهر آب من عام‮ ‬2003، أي‮ ‬بعد شهر تقريباً‮ ‬من تشكيل مجلس الحكم العراقي،‮ ‬وكانت هذه المبادرة جزء من التخطيط السياسي‮ ‬للولايات المتحدة قبل الحرب بهدف إعادة بناء النظام السياسي‮ ‬على اساس الديمقراطية واقتصاد السوق،‮ ‬أي‮ ‬ما‮ ‬يسمى بالليبرالية السياسية والاقتصادية‮.‬

تشكيل لجنة

وبادر مجلس الحكم العراقي‮ ‬إلى تشكيل لجنة دستورية تحضيرية على صورته،‮ ‬أي‮ ‬أن كل عضو في‮ ‬مجلس الحكم قام بترشيح عضو في‮ ‬اللجنة الدستورية من حزبه أو طائفته‮. ‬ولم تفوض اللجنة التحضيرية بكتابة الدستور بل اقتصرت صلاحياتها على البدء بمشاورات مع قادة الرأي‮ ‬وغيرهم،‮ ‬وأدت المبادرة الى أحداث استقطاب حاد للقوى قبل أوانه،‮ ‬إلى كتل متصارعة،‮ ‬أنصب تناقضها على سبل اختيار المشرعين الدستوريين وليس على المبادئ الأساسية الناظمة للدستور المقبل‮. ‬وكانت تزايد الضغط الشعبي‮ ‬باتجاه وضع الدستور،‮ ‬وتوقيع اتفاقية نقل السيادة بمثابة تغيير ظرفي‮ ‬في‮ ‬السياسة الأمريكية بتجاه العراق أملته ظروف تصاعد العنف في‮ ‬العراق‮.

‬وتفيد المعطيات أن اللجنة درست ستة نصوص دستورية تقدم بها الفرقاء كما شهدت مشاركة من سلطة التحالف‮. ‬والسمة الأوضح في‮ ‬قانون إدارة الدولة العراقي‮ ‬المؤقت أنه أرسى الأساس لنظام سياسي‮ ‬ليبرالي‮ ‬جديد‮ ‬يقوم على حكومة دستورية،‮ ‬تمثيلية،‮ ‬تعددية مثلما أرسى قواعد نظام سياسي‮ ‬فيدرالي‮ ‬اتحادي‮ ‬لا مركزي،‮ ‬وتوافقي،‮ ‬وأرتكز هذا النظام السياسي‮ ‬على قاعدة اقتصاد السوق المحرر من قيود الاقتصاد الأوامري.

‬لكن لم‮ ‬يتحول اقتصاد العراق إلى الآن إلى اقتصاد سوق بل لازال اقتصاداً‮ ‬ريعياً‮ ‬أحادي‮ ‬الجانب‮ ‬يعتمد أساساً‮ ‬في‮ ‬ميزانيته المالية والسنوية على استخراج وتصدير النفط الخام‮. ‬كما أن تطبيق التوافقية الديمقراطية لم‮ ‬يكن ناجحاً‮ ‬في‮ ‬العملية السياسية.

‬إذ تحولت إلى محاصصات مذهبية وقومية وسياسية أدت إلى تدهور وفساد مالي‮ ‬وإداري‮ ‬في‮ ‬العملية السياسية العراقية؛ لأنها لم توظف التطبيق الصحيح للتوافقية كما ان دستور‮ ‬2005 ‮ ‬يخلو من نصوص دستورية توافقية‮. ‬

ومن الثغرات السياسية والدستورية هو ان هذا الدستور وضع من قبل سلطة لا تملك الشرعية السياسية؛ لأنها قوات احتلال أما مجلس الحكم فكان مجلساً‮ ‬استشارياً‮ ‬معيناً‮ ‬من قبل سلطة الائتلاف،‮ ‬وان اعتماد أساليب ديمقراطية في‮ ‬وضع الدساتير‮ ‬يجب أن‮ ‬يعهد إلى الجمعية المؤسسة أو المنشأة للدستور،‮ ‬وهذه الجمعية منتخبة من الشعب ومهمتها محددة بوضع الدستور،‮ ‬وما‮ ‬يكمل ديمقراطيتها الاستفتاء الشعبي‮ ‬على الدستور‮.

‬ومن الثغرات أيضاً‮ ‬على وفق قانون إدارة الدولة العراقي‮ ‬للمرحلة الانتقالية تم تكوين مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء،‮ ‬وقد اشتركت هيئات عدَّة في‮ ‬استشارات تكوين هذه المؤسسات؛ لذا لا‮ ‬يمكن القول أن هذه المؤسسات السياسية تم اختيارها فعلياً‮ ‬على وفق قانون إدارة الدولة العراقي؛ لأنها جاءت ثمرة تفاعلات سياسية‮/ ‬توافقية بين القوى العراقية النافذة والحاكم المدني‮ ‬برايمر،‮ ‬فقد تكون مجلس الرئاسة من رئيس ونائبين،‮ ‬لهم صلاحيات تكاد تكون واحدة،‮ ‬ولم تعرف سابقة اشتراك نواب رؤساء الدول في‮ ‬اتخاذ القرارات الرئاسية‮.‬

مسؤولية سياسية

‮‬إنَّ‮ ‬النقد الموجه إلى طريقة تشكيل الوزارة من رئيس الوزراء والوزراء،‮ ‬هو أنه لا‮ ‬يعرف فكرة التضامن في‮ ‬المسؤولية السياسية للوزارة الذي‮ ‬يعدّ‮ ‬هو جوهر النظام البرلماني‮. ‬وهناك ارتباك في‮ ‬وضع الماد‮ ‬4 ‮ ‬من الدستور،‮ ‬في‮ ‬بيان وطبيعة النظام السياسي،.

‬فقد أشار مباشرة إلى نظام الحكم وكان من المفترض أن‮ ‬يشير إلى طبيعة الدولة،‮ ‬أن العراق‮: ‬دولة جمهورية مستقلة،‮ ‬نظام الحكم فيها‮..... ‬كما أنَّ‮ ‬الآلية التي‮ ‬تنص عليها قانون إدارة الدولة كانت مشوبة بعيوب عدَّة،‮ ‬منها‮: ‬

أوَّلاً‮: ‬إنَّ‮ ‬شعب العراق خرج من سيطرة نظام شمولي‮ ‬وحزب حاكم واحد؛ لذلك كان من الأجدر معرفة اتجاهات الرأي‮ ‬العام فيما‮ ‬يتعلق بالأطر العامة لذلك النظام السياسي‮.

‬ثانياً‮: ‬اتجه قانون إدارة الدولة اتجاه معاكساً‮ ‬للمبادئ الديمقراطية،‮ ‬فيقرر في‮ ‬الفقرة ج من المادة‮ ‬61 ‮ ‬عدم قبول مسودة الدستور إذا رفضت من ثلثي‮ ‬الناخبين في‮ ‬ثلاث محافظات أو أكثر،‮ ‬وذلك بترجيحه رأي‮ ‬الأقلية على رأي‮ ‬الأكثرية،‮ ‬وهذا اتجاه‮ ‬يناقض نص المادة‮ ‬12 من‮ ‬القانون الذي‮ ‬يقضي‮ ‬أن العراقيين كافة متساوون في‮ ‬حقوقهم بصرف النظر عن الجنس أو الرأي‮ ‬أو المعتقد أو القومية أو الدين أو المذهب او الأصل وهو سواء أمام القانون،‮ ‬بمعنى أن قانون إدارة الدولة تبنى ديكتاتورية الأقلية؛ وذلك بترجيحه رأي‮ ‬الأقلية على الأكثرية‮.

‬كما بيّن الكاتب أن من الإشكاليات‮: ‬اللغة،‮ ‬إذ نصت المادة‮ ‬9 ‮ ‬على أن اللغة العربية واللغة الكوردية اللغتان الرسميتان للدولة،‮ ‬ويتساءل الكاتب‮: ‬هل ان المادة الدستورية تسعى إلى تحويل العراق إلى دولة ثنائية اللغة؟ فهناك اشكالية فكرية وسياسية في‮ ‬هذا النص الدستوري؛ لأن العراق ليس وحده‮ ‬يتمتع بالتعددية القومية،‮ ‬لكن تبقى اللغة الرئيسية هي‮ ‬اللغة السائدة كلغة تخاطب رسمية للدولة أما باقي‮ ‬اللغات فيقتضي‮ ‬احترامها،‮ ‬السؤال الآخر‮: ‬ما موقف القوميات والأقليات اللغوية من هذا النص الدستوري؟‮!.

‬وكما‮ ‬يبرز في‮ ‬الدستور إشكالية الاختصاصات،‮ ‬فمن‮ ‬يقرأ أن المجلس‮ ‬يقدم المشورة ثمَّ‮ ‬نقرأ عبارة أخرى تقول أن المجلس سلطة مراقبة تنفيذ القوانين وله حقّ‮ ‬استجواب رئيس الوزراء والوزراء،‮ ‬ويتساءل مؤلف الكتاب‮: ‬السؤال الذي‮ ‬يثار ماذا بعد الاستجواب؟ هل للمجلس حقّ‮ ‬سحب الثقة من وزير أو من حكومة بأكملها؟ ثم نجد ان الملحق ملحق قانون إدارة الدولة قد قلب المبادئ المعروفة في‮ ‬النظم الدستورية حين اناط السلطة التشريعية بمجلس الوزراء،‮ ‬ثمَّ‮ ‬اعطى للمجلس حقّ‮ ‬نقض الأوامر التنفيذية التي‮ ‬صادق عليها مجلس الوزراء.

‬إذ ان من القواعد شبه المستقرة أن رئيس الدولة هو الذي‮ ‬يعترض على مشاريع القوانين التي‮ ‬أقرت من قبل السلطة التشريعية،‮ ‬وليس العكس. ويعدّ‮ ‬هذا الدستور من الدساتير الجامدة،‮ ‬إذ‮ ‬يصعب تعديلها إلا بتصويت أكثرية ثلاثة أرباع أعضاء الجمعية واجماع مجلس الوزراء. وفيما‮ ‬يتعلق بالمادة‮ ‬4 فقد اشارت إلى تقاسم السلطة بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية،‮ ‬والحقيقة هي‮ ‬توزيع سلطة وليس تقسيم سلطة‮.‬

ومن الإشكاليات‮: ‬إنَّ‮ ‬الديباجة لم تؤشر قضية في‮ ‬غاية الأهمية وهي‮ ‬السعي‮ ‬للاستقلال والسيادة،‮ ‬كذلك ديباجة دستور العراق فيها اشكال أيضاً‮: ‬فلغتها تتناقض مع اللغة الدستورية،‮ ‬حيث تختلف لغة الدستور عن لغة التشريع كما أنها لغة انشائية وصيغته مفعمة بالاسقاطات الرغبوية والشعارات السياسية‮.‬

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق