q
إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات الأمريكية عن إيران من شأنه أن يعزز موقف رئيسي ويخفف من حدة الأزمة الاقتصادية الإيرانية ويكون له تأثير في محادثات الخليج. ولا ترغب إيران ولا دول الخليج العربية في العودة إلى حالة التوتر التي شهدها عام 2019 جراء سلسلة من الهجمات...

قال محللون إن دول الخليج العربية لن تتراجع على الأرجح عن الحوار لتحسين العلاقات مع إيران بعد فوز قاض من غلاة المحافظين بالرئاسة لكن محادثاتها مع طهران قد تصبح أكثر صعوبة.

وقالوا إن آفاق تحسن العلاقات بين إيران الشيعية والأنظمة الملكية العربية السنية في الخليج قد تتوقف في نهاية المطاف على إحراز تقدم في إحياء اتفاق طهران النووي المبرم عام 2015 مع الدول الكبرى بعد فوز إبراهيم رئيسي في انتخابات الرئاسة. بحسب رويترز.

ويتولى القاضي ورجل الدين الإيراني، الخاضع لعقوبات أمريكية، منصبه في أغسطس آب، في حين تستمر المحادثات النووية في فيينا في عهد الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، وهو رجل دين أكثر براجماتية.

وبدأت السعودية وإيران، الخصمان الإقليميان منذ أمد بعيد، محادثات مباشرة في أبريل نيسان لاحتواء التوتر في نفس الوقت الذي انخرطت فيه القوى العالمية في المفاوضات النووية.

وقال عبد الخالق عبد الله المحلل السياسي الإماراتي “بعثت إيران الآن رسالة واضحة مفادها أنها تميل إلى موقف أكثر تطرفا وأكثر تحفظا”. وأضاف أن انتخاب رئيسي قد يجعل تحسين العلاقات مع دول الخليج تحديا أصعب.

وتابع قائلا “لكن إيران ليست في وضع يمكنها من أن تصبح أكثر تطرفا... لأن المنطقة أصبحت صعبة للغاية وخطيرة للغاية”.

وسارعت الإمارات وسلطنة عمان بتهنئة رئيسي. وتمثل دبي، المركز التجاري الإماراتي، بوابة تجارية لإيران، ولعبت عُمان دور الوساطة الإقليمية في كثير من الأحيان.

وباتت السعودية والبحرين البلدين الوحيدين بالخليج اللذين لم يعقبا بعد على النتيجة.

وقال خالد السليمان في صحيفة عكاظ السعودية “تعددت الوجوه والرئيس هو (آية الله علي) خامنئي”.

وعبر رئيسي، وهو من أشد المنتقدين للغرب وحليف الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، الذي يتمتع بالسلطة المطلقة في إيران، عن دعمه لمواصلة المفاوضات النووية.

وقال عبد العزيز صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث “إذا نجحت محادثات فيينا وكان الوضع أفضل مع أمريكا، فعندئذ قد يتحسن الوضع في ظل وجود غلاة المحافظين القريبين من الزعيم الأعلى في السلطة”.

قال جان مارك ريكلي المحلل في مركز جنيف للسياسات الأمنية إن إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات الأمريكية عن إيران من شأنه أن يعزز موقف رئيسي ويخفف من حدة الأزمة الاقتصادية الإيرانية ويكون له تأثير في محادثات الخليج.

ولا ترغب إيران ولا دول الخليج العربية في العودة إلى حالة التوتر التي شهدها عام 2019 جراء سلسلة من الهجمات التي استهدفت ناقلات نفط في مياه الخليج ومنشآت نفط سعودية، ثم إقدام واشنطن خلال حكم الرئيس السابق دونالد ترامب على اغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في العراق.

وقال محللون إن التصور بأن واشنطن تنفصل الآن عسكريا عن المنطقة تحت قيادة الرئيس الأمريكي جو بايدن يدفع إلى اتباع نهج أكثر واقعية في منطقة الخليج.

ومع ذلك طالب بايدن إيران بالحد من برنامجها الصاروخي والتوقف عن دعم وكلائها في المنطقة مثل جماعة الحوثي في اليمن وهي مطالب تحظى بدعم قوي من دول الخليج العربية.

وقال ريكلي “لقد أدرك السعوديون أنه لم يعد بوسعهم الاعتماد على الأمريكيين من أجل أمنهم... ورأوا أن إيران تمتلك الوسائل لممارسة ضغط حقيقي على المملكة من خلال الهجمات المباشرة وأيضا من خلال مستنقع اليمن”.

وتركز المحادثات السعودية الإيرانية بشكل أساسي على اليمن حيث لم تعد الحملة العسكرية التي تقودها الرياض منذ أكثر من ست سنوات ضد جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران تحظى بدعم الولايات المتحدة.

وتحافظ الإمارات على اتصالاتها مع طهران منذ عام 2019 في حين تقيم علاقات أيضا مع إسرائيل عدو إيران اللدود في المنطقة.

وفي الأسبوع الماضي، كتبت سنام وكيل الباحثة في مؤسسة تشاتام هاوس البريطانية تقول إنه كان من المتوقع استمرار المحادثات الإقليمية لا سيما المتعلقة بالأمن البحري ولكن “لا يمكن أن تكتسب (المحادثات) الزخم إلا إذا أظهرت طهران حسن النية”.

الحكم من خلال الوقائع على الأرض

من جهته قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان يوم الثلاثاء إن المملكة ستبني حكمهما على حكومة الرئيس الإيراني المنتخب حديثا إبراهيم رئيسي بناء على الوقائع على الأرض، لكنه أضاف أن الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي هو صاحب القول الفصل في السياسة الخارجية.

وقال رئيسي مع فوزه إنه يريد تحسين العلاقات مع دول الخليج العربية في حين دعا السعودية إلى وقف تدخلها في اليمن على الفور.

ولم تنجح السعودية، رغم الحرب المستمرة منذ ست سنوات، في هزيمة حركة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران. وتعارض السعودية كذلك الاتفاق النووي الإيراني الذي تحاول طهران وواشنطن إحياءه عبر محادثات غير مباشرة.

وقال وزير الخارجية السعودي في مؤتمر صحفي مع نظيره النمساوي "السياسة الخارجية في إيران، من منظورنا، يديرها الزعيم الأعلى على أي حال. لذلك نحن نبني تعاملاتنا ونهجنا مع إيران على أساس الوقائع على الأرض، والتي ستكون مصدر حكمنا على الحكومة الجديدة بصرف النظر عن من يتولى المنصب".

ولم يوضح كيف يريد لهذا الواقع أن يتغير لكنه قال إنه "منزعج للغاية" من عدم رد إيران حتى الآن على أسئلة بخصوص برنامجها النووي، في إشارة على ما يبدو إلى سعي الوكالة الدولية للطاقة الذرية للحصول على تفسيرات بشأن مصدر جزيئات يورانيوم عُثر عليها في موقع تحت الأرض في الجمهورية الإسلامية.

وتواصل السعودية وحلفاؤها في الخليج الضغط على إيران بشأن البرنامج النووي، الذي تقول طهران إنه سلمي تماما، فضلا عن صواريخها الباليستية. وتعتقد وكالات المخابرات الأمريكية والوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة بأن إيران كان لديها برنامج سري للأسلحة النووية أوقفته عام 2003.

وبدأت السعودية وإيران محادثات مباشرة في أبريل نيسان في محاولة لاحتواء التوتر بينهما.

توقع باستمرار النهج الإيراني المتشدد

كتب معلقون في صحف تسيطر عليها الدولة انهم لا يتوقعون تغيرا يذكر في سياسة إيران الخارجية مع إحكام المتشددين قبضتهم على السلطة.

وكتب عبد الرحمن الراشد في صحفية الشرق الأوسط المملوكة لسعوديين يقول "لا نتوقع بعد انتخاب إبراهيم رئيسي تبدلات مهمة في السياسة الخارجية، على اعتبار أنها في دائرة اختصاص المرشد الأعلى، وسيمرّ الاتفاق الشامل الذي فاوض عليه فريق (الرئيس المنتهية ولايته حسن) روحاني في فيينا". بحسب رويترز.

وتراقب الرياض وحلفاؤها المحادثات بين القوى العالمية وإيران بهدف إحياء اتفاق 2015 النووي، الذي انسحبت منه واشنطن في عام 2018 وتعارضه دول الخليج لعدم تصديه لبرنامج طهران الصاروخي ودعمها لوكلاء في المنطقة.

وقال محللون إن التقدم في محادثات فيينا سيحدد قوة الدفع في المحادثات المباشرة بين الرياض وطهران والتي بدأت في أبريل نيسان لاحتواء التوتر الذي تفاقم بسبب حرب اليمن وزاد عقب هجوم في عام 2019 على منشآت نفطية سعودية.

وقال علي الخشيبان في مقال بصحيفة الرياض "الصلح مع إيران ممكن ولكن في إطار سياسي براجماتي بحت...". وأضاف "فلغة التوزان والتعادل في المعطيات هي اللغة السياسية الوحيدة القادرة على كبح التدفق الإيراني للمنطقة".

كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد قال في أبريل نيسان إن الرياض تريد علاقات طيبة مع طهران، في نهج أكثر تصالحا مع سعيه لإحداث توازن بين العداء القائم منذ فترة طويلة والاعتبارات الاقتصادية، وتجاوز الخلافات مع واشنطن بشأن كيفية معالجة السلوك الإيراني في المنطقة.

وسحب الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي طالب إيران بكبح برنامجها النووي وإنهاء الدعم لوكلاء بالمنطقة، الدعم للحملة العسكرية التي تقودها الرياض في اليمن ضد الحوثيين المتحالفين مع طهران والذين يواصلون الهجمات على المملكة عبر الحدود.

وقال الكاتب السعودي خالد السليمان إن الأمريكيين "لا ينفكون عن إدارة خدودهم لتلقي الصفعات الإيرانية" وإنه ينبغي لواشنطن عدم تقديم "التنازلات المجانية" التي تزيد إيران جرأة.

التصدي لبرنامج الصواريخ الإيراني

وقالت دول الخليج العربية إن هناك خطورة في فصل الاتفاق النووي عن برنامج إيران الصاروخي وسلوك طهران "المزعزع للاستقرار" وطالبت مجددا بإشراكها في المحادثات.

وتعارض طهران أي محاولة لإضافة قضايا أخرى للاتفاق الذي قبلت بموجبه تقييد برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الدولية. ويريد الرئيس الأمريكي جو بايدن إحياء الاتفاق الذي تخلى عنه سلفه دونالد ترامب.

وحث وزراء خارجية دول الخليج العربية القوى العالمية على اتفاق بقيود أشد وأطول أمدا و"ربطه بخطوات عملية لبناء الثقة" لمنع اندلاع سباق للتسلح ومزيد من الصراعات في المنطقة.

وفي بيان صدر عقب اجتماع في الرياض، قال الوزراء إنه يجب إشراك دول الخليج العربية في المفاوضات العالمية مع طهران وإنها على استعداد "للتعاون والتعامل بشكل جدي وفعال مع الملف النووي الإيراني... في إطار احترام السيادة وسياسات حسن الجوار".

وشدد البيان على "خطورة الفصل بين تداعيات الاتفاق النووي مع إيران" وبرنامج إيران الصاروخي ودعمها للوكلاء في المنطقة، وحث طهران على الانخراط في المفاوضات بجدية وتفادي التصعيد.

وبدأت السعودية وإيران، اللتان قطعتا العلاقات في 2016، محادثات مباشرة في العراق في أبريل نيسان بهدف احتواء التوتر.

وتخوض الدولتان تنافسا تظهر انعكاساته بأنحاء المنطقة، بما في ذلك اليمن حيث يقاتل تحالف عسكري بقيادة الرياض جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران منذ أكثر من ست سنوات.

وقال عبد العزيز صقر من مركز الخليج للأبحاث هذا الأسبوع “قالت دول الخليج إنه بإمكان الولايات المتحدة العودة إلى (الاتفاق النووي)، هذا قرارهم لا يمكننا تغييره، لكن... يجب أن يأخذ الجميع في الاعتبار المخاوف الأمنية الإقليمية”. وشارك صقر في حوار سعودي إيراني غير رسمي سابق.

ويخشى المسؤولون الخليجيون أنهم لا يتمتعون لدى إدارة بايدن بنفس النفوذ الذي كان لديهم في عهد ترامب. ومارسوا ضغوطا للانضمام إلى محادثات فيينا لكن هذا المطلب قوبل بالرفض.

علينا أن نتعايش معهم

بينما يستكشف كل من الطرفين الآخر، قالت السعودية إنها تريد “أفعالا يمكن التحقق منها”.

وبين يدي إيران عدد من الأوراق، ليس أقلها دعمها لحركة الحوثي في اليمن، التي أخفق السعوديون في هزيمتها بعد ست سنوات من الحرب التي استنفدت صبر واشنطن.

وقال صقر “اليمن حلبة قليلة التكلفة بالنسبة لإيران ومكلفة جدا بالنسبة للسعودية. وهذا يمنح إيران موقفا تفاوضيا قويا”.

وقال مصدر إقليمي ثالث إن الإمارات من جانبها على اتصال مستمر مع إيران في محاولة للتهدئة، لا سيما منذ تعرض ناقلات نفط للهجوم قبالة سواحلها في عام 2019.

والأولوية الآن بالنسبة لدول الخليج هي التركيز على اقتصاداتها بعد كوفيد-19. لكن الضمانات الأمنية جزء مهم من هذا التعافي.

وقال المصدر الثالث لرويترز “أي اتفاق (نووي) أفضل من عدم وجود اتفاق، ولكن كيف يمكنك إقناع العالم، والمستثمرين، بأن هذا الاتفاق حقيقي يمكنه أن يصمد أمام اختبار الزمن؟”.

وتأمل دول الخليج أن تحافظ واشنطن على قدرتها على الضغط على طهران من خلال الإبقاء على بعض العقوبات، بما في ذلك تلك التي تهدف إلى معاقبة الجهات الأجنبية على دعم الإرهاب أو انتشار الأسلحة.

وقال بلينكن في جلسة لإحدى لجان الكونجرس إنه يمكن استخدام الاتفاق “كمنطلق للنظر في إمكانية تمديد الاتفاق نفسه، وإذا لزم الأمر تعزيزه، وكذلك لمعالجة” المخاوف الإقليمية.

لكن الشكوك لا تزال تساور دول الخليج. وقال سفير الإمارات لدي واشنطن يوسف العتيبة في أبريل نيسان إنه لا يلمس أي دليل على أن الاتفاق النووي سيصبح “أداة لتمكين المعتدلين”.

وقال العتيبة “لكن علينا أن نتعايش معهم في سلام... لا نريد أي تدخل أو صواريخ أو وكلاء”.

اضف تعليق