q

دانيال شيروت، سكوت ال مونتغمري

 

سياتل –لقد كتب الروائي الفرنسي العظيم فيكتور هوجو في سنة 1877 " الجيوش الغازية يمكن مقاومتها ولكن الافكار الغازية لا يمكن مقاومتها". ان قوة الافكار هذه الايام سواء كانت للخير أو للشر يجب ان نأخذها بعين الاعتبار وخاصة عندما نفكر في الراديكالية الاسلامية. ان الهجمات الارهابية الاخيرة في فرنسا والكويت وتونس تذكرنا بأهمية ان ندرك انه خلف هذه الاعتداءات هناك افكار خطيرة وليس فقط مجرمين غاضبين ومحبطين.

ان الحركات الجهادية الاسلامية العنيفة لا تشكل خطرا وجوديا على اوروبا او امريكا الشمالية . ان من الممكن ان تلك الحركات قد تتمكن بين الحين والاخر من تنفيذ عمليات ارهابية مميتة ولكن ليس لديها فرصة تدمير المجتمعات الغربية او السيطرة عليها . ان المحاولات المذعورة للزحف على البلاد الاسلامية والقضاء على التهديد جاءت بنتائج عكسية حيث أدت فقط الى زيادة جاذبية التطرف الاسلامي.

ان معظم المسلمين يرفضون النماذج القاسية للاسلام ولكن الكثير منهم – ان لم يكن الاغلبية-يتعاطفون مع فكرة الكفاح ضد املاءات الغرب واعادة الدين الى قوته وامجاده السابقة. ان من الخطأ التأكيد على ان اقلية صغيرة من المسلمين فقط يدعمون افعال المتطرفين أو ان الفصائل الاصولية اختطفت الدين الذين لا يمثلونه بالمرة . ان الراديكاليين الاسلاميين يتمتعون بدعم كافي ليشكلوا تهديدا خطيرا في مناطقهم من العالم ومن الاهمية بمكان فهم كيف حصل ذلك.

ان التوجهات الاسلامية المحافظة ذات الطبيعة القاسية والراديكالية موجودة منذ وفاة النبي محمد سنة 632 ولكن تم معارضة تلك التوجهات مرارا وتكرارا من قبل مدارس فكرية اسلامية اكثر تسامحا واعتدالا ومثل الاناجيل المسيحية واليهودية فإن القرآن مفتوح للتفسيرات والتي يمكن ان تكون ليبرالية او عقائدية وقمعية.

في آواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين اعتقد الكثير من المفكرين المسلمين- واشهرهم جمال الدين الافغاني- ان تبني العديد من المثل العليا والتي تم تطويرها في الغرب خلال فترة التنوير هو الطريقة الوحيدة لتشجيع التقدم . لقد كتب الافغاني وغيره ان رفض الاسلام للعلوم الغربية والتقدم هو تفسير خاطىء للقران.

لكن مع مرور الوقت خلال القرن العشرين خسر المصلحون الاسلاميون مواقعهم لصالح القوميين العلمانيين والذين اكدوا على ان العلمانية هي الطريق للحداثة . لكن وعد العلمانية اثبت انه وعد اجوف حيث ان دول مثل مصر وليبيا والعراق وسوريا تغرق الان في الاستبداد والفساد وهذا يوفر ارضية خصبة لنماذج اسلامية رجعية وعنيفة ومعادية للغرب.

ان هذه التوترات مستمده من العديد من الجذور الفكرية ولكن ربما ان اهم مصدر حديث هو كتابات المفكر المصري سيد قطب . لقد جادل قطب مع غيره من الاصوليين امثال الفيلسوف الباكستاني ابو الاعلى المودودي ان الاسلام الحقيقي قد تم اختراقه وافساده من قبل الافكار الخارجية وفقط عندما يتم استعادته سوف ينتهي قرنين من الاذلال على ايدي القوى الامبريالية الغربية ومؤخرا دولة اسرائيل الوليدة . ان الله سوف يناصر مرة اخرى المسلمين ضد اعدائهم والذين وصفهم قطب "بالصليبيين واليهود".

لقد حاولت الديكتاتوريات في شمال افريقيا والشرق الاوسط قمع المحافظين الاسلاميين ولكن السعودية –معقل المحافظين- استخدمت ثروتها النفطية من اجل مواجهة المحدثين العلمانيين واي نوع من الاصلاح في الاسلام بالاضافة الى تمويل المبشرين الاصوليين والمساجد المحافظة في طول العالم الاسلامي وعرضه. لقد تم اعدام قطب من قبل الدكتاتور المصري جمال عبد الناصر سنة 1966 وذلك كجزء من محاولة وحشية وغير ناجحة للقضاء على الاخوان المسلمين.

وفي واقع الأمر فإن هذه الحملات أدت فقط الى تقوية الاسلاميين المحافظين والذين ساعدهم ايمانهم على النجاة من القمع وعملوا على اقناع الشباب المسلم الساخط بإن التطرف هو الحل الممكن الوحيد لضعف مجتمعاتهم وانعدام الفرص.

ان من المؤكد ان مواجهة الافكار بالوسائل العسكرية سوف تؤدي الى الهزيمة فعندما ترسل القوى الغربية جنود الى الدول الاسلامية وتحاول اخضاع المتطرفين بالقصف أو تدعم الدكتاتوريات الوحشية أو تقدم الدعم الاعمى للسياسات الاسرائيلية فإن تلك القوى تؤكد على ادعاءات الراديكاليين الاسلاميين مما يعني القاء المزيد من المناصرين الى احضان هولاء.

ان جبهة القتال الحقيقية هي حلبة الافكار وعوضا عن الردود المسلحة والمذعورة المبالغ بها فإن ما نحتاج اليه هو التبادل الثقافي . ان هناك العديد من المفكرين الجديين في المجتمعات الاسلامية والذين يرغبون في احياء دعوة الاصلاح لاعتناق بعض افكار التنوير الغربي : قيمة العلم واهمية التسامح الليبرالي والحاجة الى المناقشات الحرة والمفتوحة. يتوجب على المفكرين الغربيين والذين يفهمون الاسلام ويتحدثون بعضا من اللغات الكثيرة لمعتنقيه ان يدعموا هذه التحركات الفكرية.

ان الصقور في الغرب يمكن ان يرفضوا تلك الاساليب ويصفونها بالضعيفة ولكن بينما يمكن ان يكون تأثيرها محدودا على المدى القصير فإن من المؤكد ان دورها سوف يكون حيويا على المدى الطويل. ان القوة التي هزمت الشيوعية في اوروبا- وهي أيدولوجية اخطر بكثير من الاسلام الراديكالي- لم تكن ببساطة الاحتواء العسكري بل ايضا قوة الافكار والمثل العليا.

* دانيال شيروت أستاذ الدراسات الروسية والأوروبية الآسيوية في جامعة واشنطن، سكوت ال مونتغمري هو عضو هيئة التدريس التابعة لها في مدرسة هنري ام جاكسون للدراسات الدولية في جامعة واشنطن

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق