q
كيفَ يمكن للقراءة أن تصنع قرّاءَها، وهل فعل القراءة هو الذي يضاعف من عدد القراء، أم هذه مهمة الكتابة والكتّاب، في الحقيقة هناك لبس في السؤال، فالقراءة هي مصنوع وليس صانعاً، أي أننا نحن القراء نصنع القراءة، بعد أن نقتني كتابا أو صحيفة أو نشتريها...

كيفَ يمكن للقراءة أن تصنع قرّاءَها، وهل فعل القراءة هو الذي يضاعف من عدد القراء، أم هذه مهمة الكتابة والكتّاب، في الحقيقة هناك لبس في السؤال، فالقراءة هي مصنوع وليس صانعاً، أي أننا نحن القراء نصنع القراءة، بعد أن نقتني كتابا أو صحيفة أو نشتريها، ومن ثم نبدأ بمطالعتها، إذن القراءة هي فعل أصنعه أنا القارئ، فكيف يمكن أن تصنعني؟

يوجد الكثير منكم دخل ذات يوم إلى مكتبة عامة، ولاحظ أعداد القرّاء وهم يلوذون بالصمت، ويغوصون في صفحات الكتب، ما هو الشعور الأول الذي يراودك أمنام هذا المنظر؟، حتما هناك انعكاس لهذا المنظر عليك، إنك سوف تشارك هؤلاء القراء، وتجلب كتابك من رفوف المكتبة، وتجلس قريبا منهم، وتبدأ بفعل القراءة.

لقد حصل تأثير عليك، إنك الآن تقرأ كتابك بين الجميع، لكن ما سحبك إلى الفعل القرائي، هي القراءة نفسها، بمعنى هي التي سحبتك إلى هذا الفعل وجعلت منك قارئا يًضاف إلى أعداد القراء في المكتبة، وهناك طريقة أخرى تصنع القراءة من خلالها قراءها، وغالبا ما تنتج عن النقاش الذي يبدأ بين الأصدقاء أو الزملاء القراء، فنتيجة لمناقشة هذا الموضوع أو ذاك، يتم التأكيد على أهمية قراءته وبحثه جيدا، مما يصنع رغبة الإطلاع والقراءة.

هل يمكنكَ أن تتخيل عالماً بلا قراءة، وأي عالم هذا الذي ينعدم فيه الفعل القرائي كلّيا، إنه عالم العصور الأولى، تلك التي كان فيها الإنسان لا يختلف عن غيره من الكائنات، ولو افترضنا وجود كتابة ولغة وحروف، من دون أن يلي الكتابة فعل القراءة!، فما هي جدوى ما يكتبه الكتّاب والمفكرون؟، وهل كان عالمنا سيصل إلى وصل إليه الآن بغياب القراءة؟ بالطبع الإجابة معروفة عن مثل هذه الأسئلة التي يجب أن تثار تحفيزا للفعل القرائي.

القراءة بحسب المختصين بهذا الفعل، عملية معرفية تستند على تفكيك رموز تسمى حروفا لتكوين معنى، والوصول إلى مرحلة الفهم والإدراك، وهي جزء من اللغة التي هي وسيلة للتواصل أو التفاهم بين اثنين أو أكثر، وتتكون اللغة من حروف وأرقام ورموز معروفة ومتداولة للتواصل بين الناس، فالقراءة هي وسيلة استقبال معلومات الكاتب أو المرسل للرسالة واستشعار المعنى المطلوب.

القراءة كذلك هي وسيلة للتعلم والتواصل مع الثقافات والحضارات عن طريق استرجاع المعلومات المسجلة في المخ، والمعلَّمة من قبل على شكل حروف وأرقام ورموز وأشياء أخرى مثل طريقة برايل للقراءة للمكفوفين.

توجد أنواع أخرى للقراءة غير المرتبطة باللغة، مثل قراءة الخرائط الجغرافية، وقراءة النجوم، وقراءة النوتات الموسيقية، والصور التوضيحية، وفي مصطلحات علم الحاسوب، فإن القراءة هي استرجاع معلومات من أماكن تخزينها على الحاسوب كالأقراص الصلبة والمرنة وغيرها.

إن الحاجة للقراءة تقع تحت تأثير الحاجة لها، فلا يمكن أن يتطور الإنسان عقلا أو سلوكا ما لم يلتجئ إلى هذا الفعل (القراءة)، جميع الفئات العمرية للناس لا يمكنهم الاستغناء عن فعل القراءة، واليوم تبدأ مع السنوات الأولى من عمر الإنسان في رياض الأطفال، ولكن تبقى الحاجة الأكبر للقراءة متعلقة بشريحة الشباب، كونها المكوّن البشري الأهم في تطوير المجاميع البشرية المتكتلة في دول وشعوب.

كيف نستطيع ترغيب الآخرين على القراءة، هل هناك أساليب وخطوات محددة لانجاز مثل هذا الهدف الحيوي؟

هناك طرق عديدة للتشجيع على القراءة كما يقترحها منشور اليوم السابع، ولكي يصبح هذا الفعل المهم جزء من حياة الإنسان يرافقه طيلة رحلته، فالأفضل أن يقوم المعنيون كـ الأب و الأم و المعلم وغيرهم بتشجيع الأطفال على تعلّم الفعل القرائي واعتياده كجزء لا يمكن الاستغناء عنه بشكل يومي.

لذا من المهم تربية الإنسان طفلا على القراءة، وهناك وسائل وأساليب مختلفة لتشجيعه على ذلك منها أن تقدم للطفل نموذجًا مثاليًا، فعندما تكبر وأنت محاطًا بالطعام غير المرغوب فيه سوف تميل للوجبات السريعة، وعندما تكبر محاطًا بالكتب ستحب الكتب، هكذا تنص القاعدة ببساطة لذلك احرص على أن يراك أطفالك وأنت تقرأ وتحدث معهم بحماس حول الكتب والقصص الشيقة فيها واجعلهم يرون أن الكتب تجلب لك المتعة والفرح، وستجلب لهم الفرح أيضًا.

عليك أن تخصص زاوية (مكانية) للقراءة لأن وجود زاوية هادئة ومريحة مخصصة للقراءة ومليئة بالكتب أمر لابد منه من أجل تشجيع أطفالك على القراءة، فالأطفال يحبون الحصون ويميلون لأي ركن يقضون فيه وقتًا خاصًا، فاحرص على أن تخصص ركنًا للقراءة واجعله مميزًا وجذابًا لهم كأن تضع له ملصقًا لشاطئ أو غابة أو حتى سفينة فضاء.

عليك أن تجلب الكتب إلى الحياة، فمن الرائع أن تجعل أطفالك يمارسون أنشطة مستوحاة من الكتب وتحول هذه الأشياء التي قرأوا عنها إلى تجربة، مثلاً إذا قرأوا عن الحيوانات اجعلهم يرونها، إذا أحبوا القراءة عن النجوم والفلك خذهم فى زيارة إلى القبة السماوية.

عليك أن تختار بعض الكتب الكلاسيكية التي تم تحويلها إلى أفلام، واجعل طفلك يقرأها ثم شاركه مشاهدة الفيلم المستوحى من الكتاب، بهذه الطريقة تحفزه بطريقة رائعة على القراءة.

يجب أن لا تبقى الكتب على الأرفف وإنما اجعلها تحيطها فى كل مكان ليكبر ويجد نفسه محاطًا بها، احتفظ بكتاب فى السيارة وضعها إلى جوار سريره وإلى جوار التلفزيون وفى كل مكان، حتى في الحمام.

كما يجب عليك أن تطرح الأسئلة، فعندما يخبرك طفلك أنه انتهى من قراءة كتاب ما دردش معه حول الكتاب واطرح عليه الأسئلة بخصوصه، ولا تجعل الأمر يبدو وكأنه اختبار وإنما اجعله يدرك أنك تهتم لرأيه، واسأله عن الشخصيات التي فضلها وعن الأحداث وتطورها وعن ما كان سيفعله لو كان في هذا الموقف، لأن ذلك سوف يحفزه على القراءة ويعزز فهمه لما يقرأه.

وعليك أن تقدم له الكتب كهدايا في المناسبات المختلفة، وحين يسألك عن اقتراح مناسب لهدية يقدمها لأصدقائه اقترح عليه الكتب مع توقيع يخبر المتلقي أو المهدي له لماذا اختار له هذا الكتاب، بهذه الطريقة تعلم طفلك أن الكتب هي وسيلة للتواصل مع الآخرين.

إننا إذا جعلنا الطفل يحب القراءة والكتب وهو في بواكير سنواته، هذا يعني أنه سيجعلها رفيقة له طوال حياته، وسوف يؤثر في أقرانه والمقربين منه، وسوف يحرص عندما يكبر ويقتدر أن يصنع بيئته الخاصة للقراءة والتي ستنتقل إلى أشخاص آخرين بعد أن تجتذبهم بفعل الصداقة والتأثير المتبادل.

هكذا يمكن أن يتولد لدينا مجتمع قارئ، لا يمكنه التفريط بهذا الفعل الذي سوف ينمّي العقل والمدارك، ليس لمن يعتاد القراءة ويجعلها من الطقوس المهمة في حياته، بل سيمتد ذلك مع مرور الوقت ليشمل طيفا واسعا من محبّي القراءة، وهذا يعني أنك لن تصنع طفلا قارئا واحد فحسب، بل إنك تعمل على صناعة بيئة حاضنة للقراءة مدى الحياة.

اضف تعليق