q
اليوم تجري عملية العودة الى الاستبداد وتصنيع دكتاتور جديد على قدم وساق باستخدام نفس الاساليب، مع اختلاف المقاييس لاختلاف الزمان والاشخاص، بطريقة تبدو ناعمة لكنها في منتهى الخبث، وصولا الى تنصيب اله جديد يُرغم العراقيون على طاعته والانضمام الى حزبه قيد الانشاء واسكات المعارضين والمنافسين...

يمتاز العراقيون عن غيرهم من الشعوب، بانهم اكثر خبرة بكيفية صناعة الاستبداد والدكتاتورية، ذلك لانهم عايشوا بشكل يومي مسهب بناء الدكتاتورية البعثية وصعود صدام حسين بشكل تفصيلي ولمدة ٣٥ عاما، ولهذا لم تعد تنطلي عليهم اساليب اعادة بناء الاستبداد.

استولى البعثيون على الحكم في ١٧-٣٠ تموز عام ١٩٦٨ وهم حزب صغير ربما لا يتجاوز عدد اعضائه المئتين، حسب الروايات، لكنهم تمكنوا من الاستحواذ على الدولة والسلطة تدريجيا حتى وصلوا الى مرحلة "عبادة الشخصية" باعلان صدام حسن "القائد الضرورة"، وهو مصطلح سياسي حزبي يناظر مصطلح "واجب الوجود" الفلسفي الذي يستخدم للحديث عن الله سبحانه وتعالى. وهذا يعني انهم وضعوا صدام حسين بالنسبة للعراق كما الله بالنسبة للوجود، وانطلت اللعبة على الناس بالقمع والارهاب والقسوة، واحيانا بشراء الضمائر بثمن بخس، وبخاصة ضمائر "الظالمين المستضعفين" و"الحاشية المتملقين"، كما يصطلح عليهم الشهيد محمد باقر الصدر، انتزاعا من قوله تعالى في سورة سبأ الاية ٣١:"وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ"، وقوله في سورة الاعراف الاية ١٢٧: "وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ".

ومن خلال سيرة البعثيين على مدى ٣٥ سنة عرفنا خارطة اقصر طريق لبناء الاستبداد والدكتاتورية، وهي تشمل النقاط التالية:

اولا، بناء جهاز امني وقمعي قوي، يشكل السلاح الضارب بيد الحاكم المستبد، وكانت البداية من جهاز حنين سيء الصيت.

ثانيا، الهاء الشعب بمعارك وقضايا جانبية تصرف انتباهه عن عمليات بناء الدكتاتورية، مثل قصة ابو طبر والحنطة المسمومة وغيرها.

ثالثا، التخلص من كل الاشخاص ذوي القدرة على التحدي والاستقطاب، وبخاصة من اصحاب المعرفة بماضي صدام وحقيقته، سواء كانوا داخل الحزب ام خارجه، مثل عبد الخالق السامرائي، وحردان التكريتي وغيرهما.

رابعا، الاستخدام المفرط للقسوة في تصفية الاحزاب المنافسة والمعارضة، كما حصل للحزب الشيوعي وحزب الدعوة، والاحزاب الكردية، وحركة القوميين العرب.

خامسا، تسخير الاعلام باقصى طاقته لتزييف الوعي العام وتسخيره بخدمة الدكتاتورية الجديدة وتجميل صورة الدكتاتور، ومنع الرأي الاخر وتكميم الافواه، على قاعدة: "فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ"، وقاعدة:"قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ".

سادسا، محاربة اصحاب الرأي والاقلام الحرة، بمنعهم من النشر، او منع كتبهم، واعتقالهم، وتصفيتهم جسديا اذا تطلب الامر، وقد دفع ثمن هذه السياسة الالاف من المفكرين والكتاب والاعلاميين والفنانين والادباء الذين لم يسايروا صدام وحزبه، وكان نصيبهم التصفية الجسدية او الاعتقال او الهرب الى خارج العراق، وفي مقدمتهم محمد باقر الصدر وعزيز السيد جاسم وغيرهم كثيرون مما لا يسعني الاسهاب بذكر اسمائهم.

سابعا، شراء ذوي الضمائر الضعيفة من اشباه الكتاب والفنانين من العراقيين والعرب للتسبيح بالوهية صدام وعبادته.

اليوم، تجري عملية العودة الى الاستبداد وتصنيع دكتاتور جديد على قدم وساق باستخدام نفس الاساليب، مع اختلاف المقاييس لاختلاف الزمان والاشخاص، بطريقة تبدو ناعمة لكنها في منتهى الخبث، وصولا الى تنصيب اله جديد يُرغم العراقيون على طاعته والانضمام الى حزبه قيد الانشاء واسكات المعارضين والمنافسين واصحاب الرأي والكلمة والعقل الحر. وما اعتقال المحلل السياسي ابراهيم الصميدعي، ومن قبله منع نشر مقالات احد الكتاب في صحف الدولة، الا خطوات تمهيدية لاقامة الدولة القمعية الاستبدادية الدكتاتورية، ازاء هذا لم يعد السكوت ممكنا ولا جائزا!

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق