q
اليوم تعيد القوى التي ترفع راية الاصلاح، القديمة والجديدة، ارتكاب نفس الخطأ بانشغالها بالقضايا الجزئية والسطحية، ناسية او متناسية، العلة الحقيقية، ولهذا السبب لا تقدم العلاج الحقيقي لهذه العلة. يستطيع اي متابع ان يعدد قائمة المصطلحات والعبارات المستخدمة تحت عنوان الاصلاح، وسوف يجد انها جميعا...

العراق بكل مكوناته الاولية (الشعب، الارض، الحكم، منظومة القيم الخ) بحاجة الى اصلاح جذري. وقراءة بسيطة للتاريخ، تكشف لنا ان الحاجة الى الاصلاح الجذري قديمة جدا. يقول بعض المؤرخين ان الخراب اخذ يدب في العراق منذ مطلع القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي.

ويقدم الجغرافي والمؤرخ محمد بن احمد المقدسي البشاري (٣٣٦-٣٨٠ هجرية) صورة بائسة للعراق منذ ذلك الوقت، في كتابه "احسن التقاسيم" حيث يصف العراق بانه"بيت الفتن والغلاء وهو في كل يوم الى وراء". صحيح انه جرت محاولات اصلاحية كثيرة منذ ذلك الحين، لكنها فشلت في المحصلة الاخيرة، لانها لم تعالج العلة الاساسية المسببة للخراب، وهي الخلل الحاد في المركب الحضاري ومنظومة القيم العليا الحافة بعناصره الخمسة، اي الانسان والارض والزمن والعلم والعمل.

وكانت مجرد محاولات ترقيعية فوقية سطحية لا تغوص الى القاع ولا تصلح الخلل الحاد. وفي كل منعطف، تتجدد الامال بامكانية تحقيق الاصلاح، لكن الامال تخيب بسبب ارتكاب نفس الخطأ في المعالجة. صحيح ان الدول تتركب من شعب وارض وحكم، لكن هذه الدول تصلح او تفسد وفقا لمنظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري. فاذا صلحت منظومة القيم العليا صلح الفرد والمجتمع والدولة، واذا فسدت منظومة القيم العليا، فسد الجميع، وخربت البلاد والعباد.

اليوم تعيد القوى التي ترفع راية الاصلاح، القديمة والجديدة، ارتكاب نفس الخطأ بانشغالها بالقضايا الجزئية والسطحية، ناسية او متناسية، العلة الحقيقية، ولهذا السبب لا تقدم العلاج الحقيقي لهذه العلة. يستطيع اي متابع ان يعدد قائمة المصطلحات والعبارات المستخدمة تحت عنوان الاصلاح، وسوف يجد انها جميعا دون القول باصلاح منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري. وهذا بحد ذاته وصفة مبكرة بالفشل في تحقيق الاصلاح. وهذا جوهر ما يسميه الاخ الاستاذ لقمان الفيلي بالتيه.

مازال الباحثون عن الاصلاح في تيه عن الطريق الموصل اليه. وانا ازعم ان الطريق الموصل الى الاصلاح هو اصلاح منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة. وسبب زعمي هذا هو ان هذه المنظومة هي المحركة لسلوك الفرد والمجتمع والحكام، وهي المؤشرات العليا للسلوك، فان استقامت استقام ما عداها، والعكس صحيح. وما لم يركز الطامحون باصلاح اوضاع البلاد والعباد على اصلاح منظومة القيم العليا الحاكمة على البلاد والعباد فسوف يظل العراق يدور في دائرة مفرغة، او كما قال المقدسي "كل يوم الى وراء"، لانه بدون اصلاح هذه المنظومة سوف تفشل الجهود الاصلاحية المبذولة في الدوائر الاخرى.

اصلاح منظومة القيم عملية ستراتيجية تربوية طويلة الامد يمكن ان تقوم بها عدة اطراف في المجتمع. وعلى رأس هذه الاطراف المدرسة. ففي المدرسة، ومنذ المرحلة الاولى منها، يبدأ العمل على زرع القيم العليا في نفوس الاطفال وتربيتهم عليها وتنشئتهم عليها، ليصبحوا بعد ١٢ سنة، هي السنوات التي يقضونها في المدرسة، مواطنين صالحين فعالين يحسنون التصرف في اي موقع يتواجدون، ويكونون لبنات ايجابية و متينة في مجتمع حسن التنظيم يصلح ان يكون القاعدة التأسيسية لدولة حضارية حديثة. وهذا يتطلب تبني نظام تربوي حديث قادر على تحقيق هذا الامر.

كما يستطيع خطباء الجمع ودور العبادة القيام بدور مشابه مادام هناك جمهور عريض يستمع اليهم ويتأثر بهم. وهذا يتطلب توفير فهم حضاري للقران خاصة والدين عامة يستطيع ان يلتقط الاشارات القرانية للقيم العليا حيثما وجدت واشاعتها بين المتلقين.

كما تستطيع وسائل التواصل الاجتماعي خاصة ووسائل الاعلام عامة ومنظمات المجتمع المدني القيام بدور مشابه.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق