q
الديمقراطية هي الاساس الثاني من اسس الدولة الحضارية الحديثة، بعد الاساس الاول وهو المواطنة، وبما اننا نصف النظام البعثي (١٩٦٨-٢٠٠٣) بانه نظام دكتاتوري قائم على سلطة الفرد المطلقة، فقد كان من المفروض ان يكون بديله نظاما ديمقراطيا، وهذا ما اعلنت عنه المعارضة العراقية السابقة...

الديمقراطية هي الاساس الثاني من اسس الدولة الحضارية الحديثة، بعد الاساس الاول وهو المواطنة، وبما اننا نصف النظام البعثي (١٩٦٨-٢٠٠٣) بانه نظام دكتاتوري قائم على سلطة الفرد المطلقة، فقد كان من المفروض ان يكون بديله نظاما ديمقراطيا، وهذا ما اعلنت عنه المعارضة العراقية السابقة، وما جرى النص عليه في الدستور.

لكن بعد ١٧ سنة لم تسفر العملية السياسية التي شاركت فيها احزاب اسلامية وعلمانية، عربية وكردية، شيعية وسنية، وغيرها، في اقامة نظام ديمقراطي على الاقل بالمعايير المعتمدة من قبل "مؤشر الديمقراطية" الذي تصدره "الايكونوميست" البريطانية.

ويستند المؤشر في تصنيفه على 60 معيارًا فرعيًّا مجمّعة في الفئات الخمسة التالية: العملية الانتخابية والتعددية، وعمل الحكومة، والمشاركة السياسيّة، والثقافة السياسية الديمقراطية والحرّيات المدنيّة.

وتُصنّف الدول في واحد من أربعة مستويات: الديمقراطية الكاملة؛ وديمقراطية معيبة، ونظام هجين، والنظام الاستبدادي.

وفي التقرير الاخير صُنّف العراق ضمن ضمن الدول المستبدة حيث جاء في المرتبة ١١٨ من اصل ١٦٧ دولة اخرها كوريا الشمالية. وشكل هذا تراجعا عن موقع العراق لعام ٢٠١٧ مثلا حيث كان من الدول الهجينة بالمرتبة ١١٢.

وتدل هذه الارقام على تراجع متواصل منذ عام ٢٠٠٣ الى اليوم. فقد كان يقال في البداية ان العراق "ديمقراطية هشة قابلة للارتداد"، ثم اصبح "ديمقراطية هجينة"، واخيرا اصبح نظاما مستبدا. هذا رغم اجراء الانتخابات الدورية اربع مرات، ويخطط الان للمرة الخامسة، سواء كانت مبكرة ام في موعدها الاصلي.

وبدون الخوض فيما يعتبره بعض الباحثين الشروط الاقتصادية لاقامة الديمقراطية، الا اننا نستطيع ان نلحظ اسبابا مباشرة مرئية بالعين المجردة للفشل في اقامة ديمقراطية حقيقة في العراق.

السبب الاول المنظور لذلك هو ان القسم المؤثر من الذين تولوا السلطة بعد سقوط النظام الدكتاتوري لم يكونوا يؤمنون فعلا بالديمقراطية. ولا يسجل تاريخهم الشخصي اية مواقف ايجابية لصالح الديمقراطية. وحتى الذين استخدموا كلمة الديمقراطية في احاديثهم العامة لم يظهر منهم انهم يفهمون الديمقراطية بشكلها السليم والصحيح. وقد يكون من الصعب، ان لم من المستحيل اقامة ديمقراطية بقادة غير ديمقراطيين.

واذا كانت الاحزاب السياسية هي المدارس غير الرسمية لاشاعة الثقافة الديمقراطية، فاننا لم نجد من الاحزاب المؤثرة تأثيرا ملموسا في المجتمع ممن يتبنى الديمقراطية فعلا، ممارسة وتطبيقا وتثقيفا، لا في الحياة الداخلية للحزب، ولا في النشاط العام له.

والمجتمع العراقي مجتمع اسلامي مخضرم، مازالت قطاعات كبيرة جدا منهم تؤمن بالاسلام سواء بصيغته الشيعية او السنية. ومازال عدد كبير من رجال الدين وتابعيهم من الناس لا يؤمنون بالديمقراطية، ويعتبرون ان الديمقراطية بضاعة غربية، استعمارية، مخالفة للاسلام. و لايبدو ان افكار المرجع الاعلى السيد السيستاني وقبله الشيخ النائيني ومحمد باقر الصدر قد اثرت بصورة كافية للسماح بتبيئة الافكار الديمقراطية في العقل الجماعي العام للمجتمع العراقي.

بل انني وجدت البعض من كبار المثقفين ممن يدعون الى النظام الرئاسي بدل النظام البرلماني ممن يفهمون النظام الرئاسي بشكل مطابق للنظام الدكتاتوري الاستبدادي. وحين سالته عن مفهومه للنظام الرئاسي قال لي: "والرئيس في النظام الرئاسي غير مسؤول امام البرلمان و يختار وزراءه دون موافقة البرلمان ولا يحتاج الوزراء الى ثقة البرلمان ولا يستطيع البرلمان اقالة الرئيس ولا اقالة الحكومة وصلاحياته مطلقة ...ولا سحب الثقة ولا استجواب والوزراء مسؤولون امام الرئيس فقط". ووجدت الكثيرين من المواطنين قد كفروا بالديمقراطية، قبل ان يعرفوها على حقيقتها، وصاروا يتمنون عودة السلطة المطلقة بعد ان اساءت الاحزاب الحاكمة استخدام السلطة باسم الديمقراطية المزيفة.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق