q
لا تزال دول الخليج العربي تعاني العديد من المشكلات والازمات الاقتصادية، التي تفاقمت في الفترة السابقة، بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد وانهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية، وهو دوفع دول الخليج التي تعتمد بشكل كبير على قطاع النفط والغاز، الى اعتماد خطط واجراءات جديدة...

لا تزال دول الخليج العربي تعاني العديد من المشكلات والازمات الاقتصادية، التي تفاقمت في الفترة السابقة، بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وانهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية، وهو دوفع دول الخليج التي تعتمد بشكل كبير على قطاع النفط والغاز، الى اعتماد خطط واجراءات جديدة في سبيل معالجة تلك المشاكل، والبحث عن وسائل جديدة لتنويع مصادر الدخل واستثمارات، العمل على تشجيع مبادرات تنويع الاقتصاد في النشاطات الخدمية والصناعية وتطبيق سياسات اقتصادية جديدة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تقلبات أسعار النفط.

و شهدت اقتصادات دول الخليج كما نقلت بعض المصادر، حالة من التراجع الكبير منذ بداية انتشار وباء كورونا بسبب انخفاض أسعار النفط عالمياً، نتيجة توقف الإنتاج العالمي وبالتالي تراجع الطلب على النفط، ما أثّر بالسلب على النشاط الاقتصادي. وتوقعت وكالة "ستاندرد أند بورز غلوبال" للتصنيف الائتماني في وقت سابق، أن ترتفع ديون حكومات دول الخليج برقم قياسي يبلغ حوالي 100 مليار دولار ، في ظل تنامي متطلبات التمويل بسبب أزمة فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط.

وتُمثل الإيرادات النفطية تقريباً ثلثي الإيرادات في الموازنة السعودية، بينما تمثل نحو 95% من إيرادات أبوظبي و95% من إيرادات الموازنة الكويتية. وفي البحرين، تسهم الإيرادات النفطية بـ78.3% من إيرادات الموازنة، وفي سلطنة عمان يُسهم النفط بـ70% من الإيرادات المتوقعة، بينما في قطر تسهم إيرادات النفط والغاز بنسبة 76% من إجمالي الإيرادات العامة. توقعت وكالة ستاندرد آند بورز الأمريكية، أن تُراكم دول الخليج الغنية بالطاقة عجزاً بقيمة 490 مليار دولار في السنوات الأربع المقبلة.

من جانب اخر استبعدت وكالة الطاقة الدولية أن يعزز التوصل للقاحات لكوفيد-19 بشكل كبير الطلب على النفط قبل منتصف العام، مضيفة أن "ضعف الطلب وارتفاع الإنتاج في بعض الدول يشيران إلى أن العوامل الأساسية للسوق ضعيفة". ويرى بعض الخبراء أن هبوط اسعار النفط لن يضر الاقتصاد الخليجي بشكل كبير، خصوصا وان بعض الحكومات قد كونت احتياطي مالي كبير في السنوات السابقة وهو ما قد يساعدها اثناء الازمات.

ووفق تقارير دولية، يعد الاقتصاد الخليجي أحد أكبر التجمعات الاقتصادية في العالم بناتج محلي إجمالي يبلغ 1.6 تريليون دولار، وسادس أكبر مصدر سلعي في العالم بإجمالي صادرات بلغ 609.5 مليار دولار. وحسب مراقبون، بدأت رحالة التعافي تظهر على أرقام ومؤشرات اقتصادات دول الخليج، بالتزامن مع إجراءات اتخذتها حكوماتها لإدارة أزمة جائحة كورونا.

استطلاعات وآراء

وفي هذا أظهر مسح لآراء المحللين تراجع توقعات تعافي اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي الست في 2021 وتباين التوقعات حيال انكماش الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي. وأبقى الاقتصاديون المشاركون في الاستطلاع الذي أُجري من 11 إلى 25 يناير كانون الثاني على توقعاتهم بأن تجتاز اقتصادات المنطقة المعتمدة على النفط والغاز عثرتها هذا العام بعد أن عصفت بها جائحة كورونا وانخفاض غير مسبوق في سعر النفط، سلعة التصدير الرئيسية لدول الخليج.

لكن توقعات النمو للعام 2021 تقلصت لجميع الدول الست - بدرجات متفاوتة - وكان خفض تقديرات نمو الناتج الإجمالي للإمارات والكويت وسلطنة عُمان هو الأشد. وظلت توقعات النمو للسعودية وقطر الأعلى بين دول المنطقة. ومن المتوقع أن ينمو الناتج الإجمالي للسعودية، أكبر اقتصادات المنطقة، 2.8 بالمئة في العام الجاري، انخفاضا من 3.1 بالمئة في توقعات ما قبل ثلاثة أشهر. وتحسن متوسط التوقعات لانكماش الناتج في 2020 إلى 4.4 بالمئة من 5.1 بالمئة. ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد 3.2 بالمئة في العام القادم و3.1 بالمئة في 2023.

وقالت كابيتال إيكونوميكس في مذكرة بحثية "سيستمر تعافي الاقتصاد السعودي على مدار العام الجاري. لكن في ظل زيادة تدريجية فحسب لإنتاج النفط واستمرار تشديد السياسة المالية، فإن التعافي سيكون أبطأ على الأرجح مقارنة مع بقية دول الخليج". ومن المتوقع أن ينمو اقتصاد الإمارات العربية المتحدة 2.2 بالمئة في العام الجاري، انخفاضا من نمو متوقع 2.7 بالمئة قبل ثلاثة أشهر. وشهدت الإمارات في الشهر الماضي زيادة في متوسط العدد اليومي لإصابات كوفيد-19 على مدى سبعة أيام إلى نحو ثلاثة أمثاله.

ومن المتوقع أن يكون الناتج الإجمالي للإمارات، مركز السياحة والتجارة في المنطقة، قد انكمش 6.6 بالمئة العام الماضي مقارنة مع توقع لتراجع ستة بالمئة صدر في أكتوبر تشرين الأول. ومن المتوقع أن ينمو 3.5 بالمئة في 2022. وارتفع معدل إشغال الفنادق وإيرادات الغرفة المتاحة في الإمارات ارتفاعا قويا الشهر الماضي، لينهيا عاما صعبا للقطاع في صورة أفضل حالا، بيد أنهما مازالا أقل من مستويات ما قبل الجائحة.

وقال بنك الإمارات دبي الوطني، أكبر بنوك دبي، في مذكرة بحثية "مع انتهاء موسم العطلات وتشديد قيود السفر منذ ذلك الحين في العديد من الدول بسبب ارتفاع إصابات فيروس كورونا، من المستبعد أن تستمر تلك الأرقام المرتفعة لإشغال الفنادق وإيرادات الغرفة المتاحة في الربع الأول من 2021. "بناء على سرعة توزيع اللقاحات، فإن التوقعات أكثر تفاؤلا للنصف الثاني من 2021، على الأخص في ظل انطلاق إكسبو 2020 في أكتوبر تشرين الأول 2021".

وبلغ متوسط التوقعات لنمو قطر 2.8 بالمئة في العام الحالي، في انخفاض طفيف من توقع عند ثلاثة بالمئة قبل ثلاثة أشهر. ومن المتوقع أن يكون اقتصاد قطر انكمش 3.5 بالمئة في 2020، وهو أقل معدل انكماش في الخليج وينطوي على تحسن مقارنة مع توقع لانكماش أربعة بالمئة في أكتوبر تشرين الأول. ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد 3.5 بالمئة في 2022. ومن المتوقع نمو اقتصاد الكويت 2.2 بالمئة في العام الجاري، انخفاضا من نمو 2.5 بالمئة في تقديرات الاستطلاع السابق. ويُتوقع أن يكون الاقتصاد انكمش 7.3 بالمئة في 2020 وأن ينمو 2.7 بالمئة في العام القادم. وفي أكتوبر تشرين الأول، توقع المحللون انكماش الناتج المحلي الإجمالي للكويت في 2020 بواقع 6.3 بالمئة.

ومن المتوقع أن تنمو سلطنة عُمان والبحرين، أضعف اقتصادين في المنطقة، 2.1 بالمئة و2.5 بالمئة على الترتيب هذا العام، مقابل توقعات لنمو الناتج الإجمالي 2.5 بالمئة و2.6 بالمئة قبل ثلاثة أشهر. ويُتوقع أن يكون اقتصادهما انكمش 5.3 بالمئة و4.7 بالمئة على الترتيب في 2020. وفي العام القادم، من المتوقع نمو عُمان 2.7 بالمئة والبحرين 2.9 بالمئة. بحسب رويترز.

وقالت أوكسفورد إيكونوميكس في مذكرة بحثية "سيستغرق الناتج المحلي الإجمالي في دول مجلس التعاون الخليجي 18 شهرا أخرى ليرتفع فوق ذروة ما قبل الأزمة". وأضافت "ترجع الندوب الاقتصادية المتوقعة من الصدمة المزدوجة لكوفيد-19 وانخفاض أسعار النفط إلى الاعتماد الكبير على الخام، والحدود الضيقة للدعم المالي، والتحديات الناشئة عن قوى عاملة يغلب عليها المغتربون، والدور المحوري للسفر والسياحة في الاقتصاد، والمخاطر الجيوسياسية".

ديون ترتفع

من جانب اخر قالت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية في وقت سابق إن ديون الكيانات المرتبطة بالحكومات في دول الخليج العربية الست سترتفع. وقالت فيتش "الانكماش الاقتصادي في 2020 سيفاقم مستويات الديون ويعظم مخاطر تبلور ديون الكيانات المرتبطة بالحكومة في ميزانيات الحكومات". وأضافت أن الدعم الحكومي لهذه الكيانات متوقع، وعزت ذلك إلى أهميتها للاقتصادات ووضعها الشبيه بالأبطال القوميين.

وقالت إن التصنيفات السيادية لقطر وعمان هي الأكثر ترجيحا أن تتأثر بمديونية الكيانات المرتبطة بالحكومة. وتمثل ديون الكيانات المرتبطة بالحكومة مسألة شائكة بالنسبة لدبي التي احتاجت إنقاذا ماليا قدره 20 مليار دولار من أبوظبي الغنية بالنفط للخروج من أزمة دين في عام 2009 هددت بإجبار بعض الشركات المرتبطة بالحكومة على التخلف عن سداد ديون بمليارات الدولارات.

وجاء في نشرة الإصدار الخاصة بسندات بملياري دولار طرحتها دبي هذا العام أنه في حين ارتفع دين الحكومة المباشر إلى قرابة 34 مليار دولار في نهاية يونيو حزيران، لم يكن لدى الإمارة تقديرات مجمعة لإجمالي الديون المستحقة على الكيانات المرتبطة للحكومة. وتعاني دول الخليج الغنية بالنفط من صدمة مزدوجة من أزمة فيروس كورونا، التي تضعف الطلب في الاقتصاد غير النفطي، وانخفاض أسعار النفط، مما يضر بالإيرادات هذا العام.

البطالة بالسعودية

أظهرت بيانات رسمية أن الاقتصاد السعودي انكمش سبعة بالمئة في الربع الثاني من العام الماضي في مؤشر على مدى عمق تداعيات فيروس كورونا المستجد على القطاعين النفطي وغير النفطي بينما سجل معدل البطالة مستوى قياسيا عند 15.4 بالمئة. وتواجه أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم ركودا عميقا بعد أن قلصت جائحة كوفيد-19 الطلب العالمي علي الخام وإجراءات احتواء الفيروس التي أضرت بالطلب المحلي. وقالت الهيئة العامة للإحصاء ”بلغ الانخفاض في معدل نمو القطاع الخاص 10.1% والقطاع الحكومي 3.5%“.

وذكرت ”تأثرت نتائج مسح القوة العاملة بشكل كبير بآثار جائحة كورونا (كوفيد-19) على الاقتصاد السعودي“. وفي الربع الأول، سجل اقتصاد السعودية انكماشا بنسبة واحد بالمئة نتيجة التأثير الجزئي لانهيار أسعار النفط والجائحة، والذي تفاقم في مارس آذار. وفي ذلك الحين، تراجع القطاع النفطي 4.6 بالمئة فيما نما القطاع غير النفطي بنسبة 1.6 بالمئة. لكن إجراءات العزل العام المرتبطة بمكافحة تفشي فيروس كورونا كان من المحتم أن تلحق الضرر بالاقتصاد السعودي بشدة في الربع الثاني.

وانكمش القطاع غير النفطي، وهو محور الإصلاحات السعودية الرامية لتنويع الاقتصاد بعيدا عن إيرادات النفط، 8.2 بالمئة في حين تراجع القطاع النفطي 5.3 بالمئة بحسب ما قالته هيئة الإحصاء. وقالت كابيتال إيكونوميكس إن الأداء الفصلي الكلي للناتج المحلي الإجمالي سجل أكبر هبوط سنوي منذ بدء السلاسل الفصلية في 2010. وقالت مونيكا مالك كبيرة خبراء الاقتصاد لدى بنك أبوظبي التجاري ”وتيرة التراجع غير مفاجئة. الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي كان سيتضرر أكثر من إجراءات العزل العام. وفي المقابل، كان انكماش القطاع النفطي محدودا لأسباب منها زيادة إنتاج النفط في أبريل نيسان“.

وأضافت ”الأكثر أهمية سيكون التأثير الراهن لجائحة كوفيد-19 واستمرار تراجع أسعار النفط. سيسفر التقشف والتشديد المالي عن خلفية من ضعف الاقتصاد المحلي وضعف توقعات خلق فرص عمل للمواطنين في القطاع الخاص“. ورفعت السعودية ضريبة القيمة المضافة إلى ثلاثة أمثالها في يوليو تموز لتعزيز الإيرادات غير النفطية لكن ذلك حد من الطلب المحلي وأثر سلبا على التعافي الاقتصادي. بحسب رويترز.

وقالت أرقام كابيتال نقلا عن بيانات البنك المركزي في أغسطس آب إن إنفاق المستهلكين تراجع 5.5 بالمئة على أساس سنوي في أغسطس آب مع بدء تطبيق زيادة ضريبة القيمة المضافة. وفي الوقت نفسه قفز التضخم إلى 6.2 بالمئة في أغسطس آب بسبب زيادة الضريبة. وقالت أرقام كابيتال في مذكرة بحثية إن رفع الضريبة ”يؤثر على الدخل القابل للإنفاق ويقوض بدرجة كبيرة ميزة القيود المفروضة على السفر التي تحفز الطلب المحلي“، في إشارة إلى توقعات بزيادة الطلب المحلي بعد إغلاق حدود السعودية لاحتواء تفشي الفيروس.

اضف تعليق