q
يتحدث الجميع عن الإهدار في الطاقة الكهربائية والاسراف عند استخدام المياه الصالحة للشرب، ولم نجد من يذكر على لسانه إهدار الطاقات الشبابية التي يعد إهدارها اشد خطرا وظلما من الإهدار الأول، فالتفريط بالطاقات الشبابية لا يمكن ان يمر دون عواقب وخيمة على المجتمعات بصورة عامة...

يتحدث الجميع عن الإهدار في الطاقة الكهربائية والاسراف عند استخدام المياه الصالحة للشرب، ولم نجد من يذكر على لسانه إهدار الطاقات الشبابية التي يعد إهدارها اشد خطرا وظلما من الإهدار الأول، فالتفريط بالطاقات الشبابية لا يمكن ان يمر دون عواقب وخيمة على المجتمعات بصورة عامة.

عندما ترتفع نسبة الشباب مقارنة بكبار السن في مجتمع ما يطلق عليه مجتمع فتي أي مجتمع يميل الى المرحلة الأكثر عطاء وتقديما من غيرها بالنسبة للشرائح الأخرى، وما يميز هذا المجتمع هو قدرته على الإنتاج ومواكبة التطورات في مختلف المجالات العلمية والإنتاجية وغيرها من الحقول.

الشباب يتمتعون بأهمية كبيرة ومنذ عصور قديمة، نظرا لما يحتلونه من مراكز متقدمة في سلم بناء المجتمعات، وعليه ان أي مجتمع يريد النهوض بنفسه يجعل من الشباب القاعدة الأساسية لذلك النهوض، والمنطلق الأول نحو الرقي والازدهار.

الأدلة كثيرة وواضحة على ضرورة الاعتماد على شريحة الشباب من اجل إحداث التغيير، وأكثر هذه الأدلة قربا منا هو اختيار الرُسل وهم بمرحلة الشباب، فالنبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان شبابا حين اُختير لتبليغ الدعوة الإسلامية، بعد ذلك قامت هذه الدعوة على كاهل الشباب الواعي والمُدرك لابعادها ونتائجها.

يركز المهتمون بإحداث التغيير او دُعاته على استخدام الشباب كونهم السبيل الأمثل للوصول الى هذه الغاية، فالشباب هم الشريحة الأكثر قابلية على التطور واكتساب المعارف، وبناء النهضة في زمن قصير، يساعدهم على تحقيق ذلك ما يتمتعون به من صفات بحكم مراحلهم العمرية، فهم يتصفون بالنشاط والحيوية والقوة الجسدية، ما يجعلم فعّالين ومهمين في بناء المستقبل.

لا يمكن للاوطان ان تزدهر مالم تولي الشباب الاهتمام الكافي، فلا تحدث النهضة دون العلاقة التكاملية فيما بين الموارد البشرية وغيرها من الموارد الطبيعية، اذ لا يمكن الاستفادة من الأخيرة بعيدا عن الشباب الذين يأخذون على عاتقهم التخطيط والإدارة، الى جانب السعي الدائم للتطوير وإستحداث البرامج التنموية في القطاعات كافة.

من الركائز الأساسية في عملية النهوض هي كمية الوعي الذي يحمله الشباب، وكلما كانت هذه الشريحة اكثر نضوجا، كلما اقتربنا من التغيير اميال، فالوعي يجعل من عملية البناء قائمة على أسس علمية صحيحة قادرة على المضي بخطى ثابتة باتجاه الاستقرار، ومما تم ملاحظته في جميع الميادين هو لا يمكن الاستغناء عن إشراك الشباب في المهام التي يؤديها أصحاب الخبرات المتراكمة، فلا بد من الاستفادة من هذا الكم الهائل من الطاقات وتوظيفها بالشكل الصحيح.

ان وجود الشباب في مجتمع ما يعني وجود ثروات كامنة يمكن الاستفادة منها في جميع الأوقات، فهم بمثابة صمام الأمان وعنصر التوازن في أي مجتمع يروم التحول من وضع الى آخر اكثر انسجاما وقدرة على مسايرة المتغيرات الطارئة التي تحدث بصورة دائمة.

ولم يغفل الكثير من العلماء والمفكرين عن دراسة السبل التي بموجبها يتم استثمار شريحة الشباب وكيفية التعامل معها بإعتبارها الشريحة الاوسع في المجتمع، والتي تمثل المادة الخام التي تدخل في عملية صناعة التطوير والنهوض الدائمين، فبعضهم يؤكد على ضرورة تقديم بعض الاقتراحات للجهات المعنية لاحتواء الشباب وبناء مستقبلهم وتحقيق آمالهم، بعيدا عن حالة اليأس والإحباط.

ولعلم النفس رأي في قضية اليأس والإحباط التي اصابت الشباب في الفترات الأخيرة، واخذت بالتزايد نتيجة للواقع الذي يعيشونه من كبت وعدم اهتمام، الى جانب الفراغ الذي يمرون فيه، ويتعرض الشباب ايضا الى الضغط الاجتماعي نتيجة الوقوع ببعض الأخطاء، في حين كان من المفترض ان تقف الجميع الى جانبهم من اجل إيجاد الحلول والعلاجات لمشاكلهم المتشعبة واقتلاع جذور الإحباط التي نبتت في نفوسهم.

تحقيق الآمال لا يتم بصورة تلقائية بل يحدث نتيجة التخطيط السليم المستند الى أسس علمية رصينة، فالكثير من الشباب لم يتمكنوا الخلاص من هيمنة الفراغ القاتل الذي يصيب الكثيرين، مع عدم معرفة آلية الانقاذ، فنراهم منتشرون على الطرقات، ويعكف آخرون على الشبكات الاجتماعية التي لا تزال تحرق المزيد من الوقت الثمين يوميا.

وهنا لابد من التفكير بطرق اكثر قربا من الواقع، قادرة على تحويل حياة الشباب وتجذب انظارهم وتثير الفضول بداخلهم من اجل الابداع والتطوير، فالتفكير في القضاء على الفراغ في حياة الشباب بمشاريع تحفظ أوقاتهم وتجذب أنظارهم وتحفز إبداعهم، بما يخدم عملية التقدم والبناء اصبح ضرورة ملحة لايمكن تجاهلها.

وأولى نقاط الاستثمار في حياة الشباب تتمثل بالنظر اليهم على انهم كتلة من الإحساس والشعور بالمسؤولية، واشعارهم بالامكانيات التي يحملونها، وهذه نظرة الاحترام والتقدير تدفعهم الى مضاعفة الجهود والعمل وعدم السماح للظروف الأخرى ان تتمكن منهم.

الهم الشبابي يتطلب من الجميع المشاركة في حمله، والدعوة لضرورة إيلائهم الانتباه بقدر اكبر مما سبق، كون ذلك سينعكس على بناء وطنهم والاهتمام بمؤسساته المختلفة، ففي ظل الهجمات الشرسة التي يواجهها الشباب يبقى الامل معقود على أصحاب الوعي منهم للتصدي لمثل هذه الأفكار والانحرافات.

علينا ان نعرف جيدا ان شريحة الشباب هي مكان الإنطلاق الذي تصبوا اليه الامة، وهم أعمدة بناء الحضارة وصناعة الامل، لذا يتوجب التنقيب في منجم الشباب بصورة دقيقية وعمق لاكتشاف طاقاتهم وبعد ذلك توجيهها الى من يهتم بها ويعمل على تفعيلها التفعيل الممنهج، وهذا التفعيل يكون بمثابة الاستثمار المضمون النتائج فلا يمكن ان تكون التجارة بالشباب خاسرة بجميع التقلبات الاجتماعية وغيرها.

اضف تعليق