q
ان مفهوم السلام من المفاهيم الجدلية بين اصحاب الفكر والرأي، اذ تختلف وجهات النظر بينهم حسب المرجعية الثقافية والاجتماعية، ويبقى السؤال الذي يبحث عن إجابة، هل سيأتي اليوم الذي تؤمن فيه جميع الشعوب بثقافة السلام واللاعنف، وهل سيأتي اليوم الذي تشيع فيه المحبة والتسامح بين الكل وتنتهي نزعة التميز بين الاشخاص؟...

حالة من عدم الاستقرار والحيرة تصيب اغلبنا ولا نعرف ما السبب من ورائها، فحالة التخبط قد تستمر لمدة اسابيع دون الوقوف على علتها والعمل على علاجها او اتخاذ ما يخفف وطئتها.

هذا الشعور هو ما يسمونه الحرب لكنه ليس مع طرف آخر بل مع الذات، وأستطيع القول ان نسبة كبيرة من الاشخاص يخوضون هذه الحرب دون اي مقدمات تنذر بالوصول الى هذه النتائج، ما يبقي الافراد يمرون في ظرف غير طبيعي ويحتاج الى معاملة خاصة يتمكنون عبرها الخروج من هذه الحرب بأقل الخسائر.

في الاسطر الاولى تحدثنا عن الحرب الداخلية اي بين الفرد وذاته، وحان الوقت للحديث عن الحروب التي تحدث على ارض الواقع بين شعوب العالم بسبب بعض الخلافات التي تنشب بين رؤساء الدول باختلاف نظام الحكم المتبع في دولهم سواء كان ديمقراطي او دكتاتوري.

وللحرب آثار على جميع المستويين، ويبقى اهم هذه التأثيرات هو ما يتعلق بالجوانب الانسانية، اذ عانت البشرية ومنذ قرون نتيجة شيوع الحروب وعدم الالتزام بحقوق الانسان ومراعاتها من قبل الاطراف المتنازعة، فسادت لغة الحرب وأصبح من الصعب السيطرة عليها.

ما يثير الاستغراب هو التمادي بالعنف وصولا الى مستويات متقدمة، دون الاكتراث لحرية الافراد في العيش الرغيد، وهذا التقدم يوازيه ابتعاد فضيع عن مبدأ السلام واشاعة روح المحبة واللاعنف بين افراد المجتمع.

لعد وصل الحد بالمجتمعات البشرية الى التخمة نتيجة الصراعات والمناكفات الدائرة وتدور في الوقت الحالي، وهذا الاشباع ولد حالة من النفور الدائم لجميع الاصوات التي تنادي بالحروب وتعمل على ادامة الاوضاع دون استقرار لجني أكبر نسبة من الارباح جراء بيع الاسلحة والمعدات الحربية الاخرى.

الله جل وعلى خلق البشرية لكي تعيش بسلام، لا لأجل ان تتناحر، وبما أن السلام هو نعمة للبشرية، فإن العنف، من اهم مظاهر نكران هذه النعم، اذ تعد الحروب لعنة، تصيب المجتمعات التي لا تعرف كيف السبيل للخلاص، فالسلام هو عامل مهم من عوامل استقرار المجتمعات التي هي بأمس الحاجة اليوم الى التعايش والمحبة ونبذ الحروب والعداء والتفرقة.

لم تتمكن الشعوب من التقدم خطوة واحدة في ظل الصراعات، اذ تهدد الحروب مستقبل الاوطان وتقضي على طفولة الأطفال، وتهدم المنشآت والحضارات والإرث التاريخي.

فشعوب العالم جميعها تنشد الوصول للغاية العظيمة المتمثلة بالسلام ومحاربة العنف الذي لا يتماشى مع المبدأ السماوي، اذ حاربت الديانات السماوية على مر الازمان استخدام العنف بشتى الظروف كونه يقلل من قيمة الانسان بصورة عامة ويجعل منه شخصية مهزوزة منهزمة.

لا يمكن بأي شكل من الاشكال إهمال دور السلام في حياة الفرد، فالاهمية القصوى التي يتمتع بها السلام، يصبح من الاخطاء الفادحة الاستغناء عنه وعدم العمل على تدعيمه، وتعزيز مبدأ التسامح والتصالح والرحمة لكي يعيش الجميع بأمن وامان.

الانسان لم يخلق ليُقتل ويُباد بل خلق ليعمل ويعمر الارض وينشأ المنشئات الصناعية وتطوير البنى التي تخدم البشرية وتأخذ بيدها نحو الرقي لا التخلف والتراجع، وما يمكن تحقيقه في أوقات السلام أضعاف ما يمكن تحقيقه في النّزاعات الدموية والحروب البشرية.

ثمة حقيقة يجب معرفتها وادراكها بصورة دقيقة، وهي ان مفهوم السلام من المفاهيم الجدلية بين اصحاب الفكر والرأي، اذ تختلف وجهات النظر بينهم حسب المرجعية الثقافية والاجتماعية التي ينتمون اليها، فما يراه البعض ثقافة سلام يفسره البعض الآخر ثقافة استسلام.

ويبقى السؤال الذي يبحث عن إجابة، هل سيأتي اليوم الذي تؤمن فيه جميع الشعوب بثقافة السلام واللاعنف، وهل سيأتي اليوم الذي تشيع فيه المحبة والتسامح بين الكل وتنتهي نزعة التميز بين الاشخاص؟ ستبقى هذه الاسئلة اسيرة الظروف والتحولات.

اضف تعليق