q
ملفات - شهر رمضان

رمضان فرصة للتغيير بمقاسات القرآن

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ-السّنةُ الثّانيَةِ (١)

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا}.

 مَعَ بزوغِ هلالِ شهرِ رمضان المبارك، نعودُ من جديدٍ الى القرآن الكريم على اعتبار أنهما توءمان لا ينفصلان ابداً كون رمضان ربيع القران، كما في قول الامام ابي جعفر الباقر عليه السلام {لكلِّ شيء ربيعٌ وربيعُ القرآنِ شهرُ رمضان}.

 نحن، اذن، على موعد جديد مع كتاب الله العزيز لتخضرَّ آياته وتينع سوره وتزهو مفاهيمه في نفوسنا وفي مجالسنا ومنتدياتنا في هذا الشهر الفضيل.

 وعادةً ما يهتمّ الناس بالقرآن من ناحية القراءة والتجويد والترتيل لتحسينها وتطويرها بغضّ النّظر عن الانتباه الى فحوى الآيات التي نمرّ عليها، فاهتمامنا ينصبّ على ختمه مرة او اكثر في هذا الشهر، اكثر من اهتمامنا باستيعاب الاية.

 ان من المفروض ان نهتم بمعاني الآيات وجوهرها ودروسها وعبرها وأحكامها كما نهتم بقواعد القراءة والتجويد، ونتسابق في فهم الآية واستيعابها كما نتسابق في إنهاء ختمة القراءة او اكثر في هذا الشهر الفضيل.

 لقد وصف امير المؤمنين (ع) القراءة السليمة للقران الكريم بقوله {أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَالِينَ لاِجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً، يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ، فَإِذَا مَرُّوا بِآيَة فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً، وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً، وَظَنُّوا أنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، وَإِذَا مَرُّوا بِآيَة فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ، وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ، فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ، مُفْتَرِشُونَ لِجَبَاهِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ، وَأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ، يَطْلُبُونَ إِلَى اللهِ فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ}.

 انّ شهر رمضان المبارك فرصة لتغيير الذّات بمقاسات القرآن الكريم، وهو الهدف الذي نزّلهُ الله تعالى على رسوله الكريم في ليلة القدر، فغايات آياته هي العقل والروح والارادة.

 العقل؛ من خلال انارة الأفكار والانفتاح والغاء مفهوم التزمّت والانغلاق واحتكار الحقيقة.

 انّه يخاطب العقل كأعظم مخلوق خلقه الله تعالى، ولذلك فانّ ايّة قراءة لآيات القران الكريم لا تلامس العقل ولا تؤثّر فيه ولا تطهّره من التخلف والخرافة والجهل والامّية، انما تبقى قراءة ناقصة غير مجدية.

 الرّوح؛ من خلال تطهير القلب من الأمراض، كالنفاق والرياء والخيانة والازدواجية والاستئثار والخوف والجبن والشك والتردد وغيرها.

 الإرادة؛ من خلال تثبيت الايمان في القلب، فآياته {كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} واليقين بصفات الله تعالى عبر الايمان بالغيب والذي من أبرز مصاديقه الايمان المطلق بصفات الله عز وجل.

 ومن اجل ربيع مختلف للقران الكريم في هذا الشهر الفضيل، يلزمنا اثارة كل جوانب آياته في نفوسنا وعقولنا، العلم والأدب والفن والتاريخ والفلسفة والاخلاق والعرفان وكل شيء، كلٌّ حسب اهتماماته واختصاصاته وحاجاته، لنتعامل معه بعقلية منفتحة تستوعب كل الأبعاد التي اراد اثارتها القران الكريم من دون تزمّت او تكلّس او عصبية او تعصّب، لان ذلك يقلّل من قيمة القراءة ويُبعدنا عن جوهر رسالة القران الكريم التي هي انسانية عالمية قبل ان تكون دينية.

 ان الاستنتاجات المنحرفة التي يتوصل اليها التكفيريون من الارهابيين القتلة، وكذلك الاستنتاجات السلطويّة في قراءات فقهاء التكفير وعلماء السوء، علماء البلاط، انّما سببها توظيف الآيات لخدمة اجندات خاصة من منطلق البحث في شرعنة الجريمة بكل مستوياتها، ولهذا السبب نصحَ امير المؤمنين (ع) عبد الله بن عباس عدم محاججة الخوارج بالقرآن الكريم بقوله له عندما بعثه لهم لمحاججتهم{لاتُخَاصِمْهُمْ بِالْقُرْآنِ}

لانها محاججة لن تنتهي، وعادةً ما تقود الى الجدال العقيم، لماذا؟

{فَإِنَّ الْقُرْآنَ حَمَّالٌ ذُو وُجُوه، تَقُولُ وَيَقُولُونَ}.

[email protected]

 

اضف تعليق