q
ليس المطلوب أن تتطابق وجهات نظرنا جميعا في كل شيء ولكن المطلوب هو بقاء التعاون واستمرار المحبة والود لبعضنا البعض، وان لا نسحب اختلافنا في حقل من حقول الحياة إلى بقية الحقول والجوانب. ولكي لا نقتل إنجازاتنا ومكاسبنا جميعا بأيدينا تعالوا نتعلم كيف نختلف...

لا شك أن الدين الاسلامي، شكل قفزة نوعية ومهمة في التاريخ الإنساني، بما قدمه هذا الدين من نظم وتشريعات، تكفل حرية الإنسان الفردية والاجتماعية، وتسعت نحو تحقيق السعادة للإنسان في هذه الحياة.

وتبدأ هذه النظم والتشريعات ببيان أن الله سبحانه وتعالى، قد أوكل للإنسان خلافته في هذه الأرض بعد تكريمه إياه، وتفضيله على الملائكة، قال تعالى ﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون﴾.

وقال تعالى ﴿ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ﴾.

فأصبح الإنسان هو الذي يسخر جميع المخلوقات له..

ومن هنا أبرز هذا التكريم الرباني للإنسان، التعبير الذي ينبغي أن يسعى الإنسان للحفاظ عليه في هذه الدنيا وهو إنسانيته..

والعمل على توفير جميع السبل والوسائل للحفاظ على هذا التكريم. وينبغي التأكيد في هذا الإطار، أن التكريم الإلهي لم يكن خاص بإنسان دون الاخر، وإنما هو تكريم لنوع الانسان بدون تمايز أو فروق عرقية أو طبقية أو عنصري أو ما أشبه. (كلكم سواسية كأسنان المشط).

ومن تجليات هذا التكريم أن جعل الله سبحانه وتعالى الإختلاف بين الناس حالة طبيعية في الوجود الإنساني، لأن الباري عز وجل قد خلق البشر مختلفين من نواحي عديدة.

1- لتكونهم من ذكر وأنثى ﴿وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى ﴾.

2- مختلفين لإختلاف ألسنتهم وألوانهم ﴿ومن آياته خلق السماوات والأرض وإختلاف ألسنتكم وألوانكم﴾.

3- مختلفين لإختلاف عقائدهم ﴿هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ﴾.

وعلى ضوء هذا الاختلاف تنشأ الوحدات الاجتماعية المستقلة، لكن لا لكي تتباعد عن بعضها وإنما لكي تتعارف.

فالتعارف هو المنظور القرآني لتجاوز الاثار السيئة والسلبية لحالة الاختلاف: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ﴾.

ويقول المرحوم الشيخ محمد أبوزهرة في تفسير هذه الآية (إن التعارف يوجب التعاون في رفع الحق، وخفض الباطل وسيادة الفضيلة والمساواة العادلة بين الناس، وأن يدفع الظلم عن كل بني الإنسان وأن يقف أهل كل إقليم أنفسهم لمساندة الضعيف في أي أرض من أرض الله، حتى لا يفسد الظلم أهل الأرض).

ولقد أثبت القران الحكيم الحق في الاختلاف لجميع البشر، واعتبر أن الاختلاف في العقائد والافهام والمواقف، هو سنة من سنن الله تعالى في الارض.

فقد قال تعال: ﴿ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين﴾.

ومن الطبيعي أن الاقرار بحق الاختلاف، يستلزم الاقرار بالتعددية والتنوع في المجتمع، وحينما ننظر إلى الصحيفة التي كتبت كدستور للدولة الاسلامية الأولى، تتوضح في بنودها الاقرار والاعتراف التام بحالة الاختلاف والتنوع والتعددية، فقد جاء فيها: (هذا كتاب محمد (ص) بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، من تبعهم، فلحق بهم، وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين). وعلى الصعيد السياسي العملي أيضا، لا شك أن تجربة الامام علي (ع) مع الخوارج تؤكد حقيقة إعتراف الإسلام بالاختلاف والتعددية في المجتمع الإنساني، قال تعالى ﴿ولا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ﴾.

وتاريخيا لم يكن ينظر مفكرو الأمة وأئمتها للإختلاف كمصدر ضعف وتراجع، بل إعتبروه تعبيرا عن غنى الثقافة وزخم الحضارة المرتبطين بعمق التجربة التاريخية وإتساع الانتشار الجغرافي.

وجماع القول في هذه المسألة أن الاختلاف حالة طبيعية ومتناغمة مع نواميس الوجود الإنساني، إذ (إقتضت مشيئة الله أن يخلق الناس مختلفين متباينين في قدراتهم الفكرية، وفي أمزجتهم وفي أذواقهم. فتختلف بسبب ذلك أنظارهم وفهومهم، ويعطي هذا الاختلاف والتنوع للحياة مظهر التجدد، ويبعدها عن التكرار والرابة. ويمكن تنويع الانتاج الإنسان ومن تكثير الصور الفكرية للموضوع الواحد. ويظل هذا الاختلاف المنتج للتنوع إيجابيا ومفيدا، وما دام نابعا عن تلك الفروق الفطرية وعن التابين الموضوعي في البحث عن الحق).

وبهذا فإن الاختلاف في حدوده الطبيعية هو أصل الوحدة، ومصدر الحرية ومنبع التقدم والتطور، ماعلينا إلا أن ننزع من أذهاننا روح التشاؤم ونعمق روح الثقة بالعقل والانسان، عندئذ يصبح الحوار ونحن مختلفين ممكنا، وتصبح الحرية والاحترام المتبادل شرطا لاستمرار هذا الحوار.

ويقول المارودي في كتابه نصيحة الملوك حول أن الاختلاف مسألة طبيعية "كلام كل كتاب وأخبار كل نبي لا يخلو من إحتمال تأويلات مختلفة، لأن ذلك موجود في الكلام بنفس طباعه وكلام أولى بهذه الصفات من كلام الله اجل ذكره، إذا كان أفصح الكلام وأوجزه وأكثره رموزا وأجمعه للمعاني الكثيرة. ولا بد في الدين من وقوع الحوادث الطارئة التي يحتاج إلى النظر فيها والنوازل التي لا يستغنى العلماء عن استخراجها ولذلك صار لكل رأي تتبع ومشروعون وأئمة ومؤتمون كان سببا لإختلاف الامم وإنشقاق عصاها ".

فالاختلاف حسب هذا القول أمر طبيعي بطبيعة النص الشرعي المقدس وما يؤدي اليه من تأويل متعدد وقراءات مختلفة، ولكن ينبغي القول "أن الاختلاف الذي يسمح به الشرع هو نتيجة طبيعية ومنطقية لمشرعية الاجتهاد لأن من المستحيل القبول بالاجتهاد دون القبول بآثاره التي من جملتها إختلاف أنظار المجتهدين".

وبالتالي فإن حمل الناس على الرأي والفهم الواحد يناقض حقيقة الاجتهاد والنواميس الكونية فيما يرتبط بالاختلاف البشري.

كما أن حمل الناس على الرأي الواحد يناقض الفكر الديمقراطي المعاصر إذ أن "الاختلاف في المفهوم الديمقراطي ليس تفتيتا وتجزئة بل هو بديل عن كل استداد مغلف بغلاف الوحدة، حين تكون هذه الأخيرة مجرد تغطية للإنفراد بالسطة... نعم هناك سلبيات ومزالق للتعددية حتى في مستوى التعبير المؤسسي الديمقراطي، إلا أن عيوب الديمقراطية تصحح بالديمقراطية وليس بالغائها".

ولكننا في الوقت الذي نعتبر أن الاختلاف حالة طبيعية مرتبطة بالوجود الانساني، نرفض الاختلاف المطلق أو ما يصطلح عليه ب (الاختلاف من اجل الاختلاف)، لأن معنى هذا الاختلاف هو التشتيت الدائم والمستمر للآراء والأفكار ويبقى كل منها منغلق على ذاته رافض للآخر، كل منهما يشكل عصبية لا تقبل التعايش والحوار، فهو صراع عصبوي حتى لو تجلبب بجلباب الاختلاف. لذا فنحن نرفض هذه الاشكال من الاختلاف، لأنها تؤدي إلى الفوضى في النظام الاجتماعي العام.

ولهذا فإن السؤال الذي يطرح في هذا المجال هو كيف ندير اختلافناتنا أو ما هي السبل الناجعة لإدارة الاختلاف:

1- الاعتدال

دائما التطرف في كلا الاتجاهين (الحب والبغض) يصادر الحقيقة، ويشرع للاستبداد وإقصاء الرأي الاخر. هذا تطرف يدعي لصاحبه من حيث يشعر أو لا يشعر أن الناطق الأوحد بإسم الدين والقيم. فالتطرف يحرم الناس المشاركة في صنع الحقيقة والمعرفة، ويصادر منهم الحق في الاختلاف، له وحده (المتطرف) الحق في أن يخالفهم، وليس لهم أي حق في إبداء رأي مخالف له..

وينبغي القول في هذا الصدد، أنه لا يوجد على وجه هذه البسيطة إنسان (ماعدا المعصوم) يمتلك مركز إصدار الحقيقة، وان قوله هو القول الفصل في كل شيء.. فـ "ليس من حق أحد أن يقف أمام الملأ ويقول: أنا الإسلام ! ليس من حق أجد أن يتحصن بكتاب الله، ثم يعلنا علينا من ورائه أن من نصره وأيده فقد دخل في زمرة المؤمنين الصالحين ومن خذله أو عارضه فقد خرج على كتاب الله، وصار من أعداء الله المارقين !، ليس من حق أحد أن يزعم بأنه يتمتع بحصانة إسلامية خصته بها السماء من دون كل المسلمين، فرفعته فوق كل الرؤوس، ونزهته عن النقد والسؤال، وأحاطته بسياج من العصمة والقداسة".

إن التطرف يؤدي بصاحبه إلى الشدة، وتستولي عليه روح الضيق بالمخالفين ويسارع إلى اتهامهم في أفكارهم ونياتهم وأخذهم بالشبهة وسوء الظن.

وحين يسود التطرف تستباح الحقيقة، ويزيف الواقع وتنتهك السمعة والكرامة، ويرجم أصحاب الرأي المخالف على حد تعبير الدكتور أحمد كمال أبوالمجد.. لأن التطرف في العلاقات الإنسانية يجعل صاحبه منفصل دائما عن الذات ومبررا لكل ما يصدر عنها منتقدا غيره إياه جارحا لكل ما يصدر عنه.

لهذا نجد أن الإسلام يؤكد على مسألة التسامح بين الأخوة، والابتعاد عن سوء الظن والتشهير والاسقاط وما أشبه.. فقد جاء في الحديث الشريف (ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه، ولا تظن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد له في الخير محملا).

(أطلب لأخيك عذرا فإن لم تجد له عذرا فإلتمس له عذرا)

(ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة).

لهذا فإن صدر الإسلام يتسع لإختلاف الاراء، فلا نضيقه بأهوائنا ونوازعنا الذاتية السيئة، فلا بد لنا أن ندير خلافاتنا بصفاء قلب وعفة لسان وحرص متبادل على صون الكرامات وحفظ المودات، وأن نبتعد عن قوارص الكلم وفنون التجريح والتشهير والإسقاط، وكل ما يسبب ويؤدي إلى شحن النفوس بالضغين والبغضاء.

2- مدنية الاختلاف

بما أن الاختلاف مسألة طبيعية في الاجتماع الإنساني لذلك ينبغي الابتعاد قدر المستطاع عن جعل هذا الاختلاف وكأنه خلاف بين الحق والباطل.

إننا ولكي ندير إختلافاتنا بشكل إيجابي ينبغي لنا تحويل الاختلاف إلى حالة مدنية موضوعية، لا إلى خلاف ديني، لأنه إختلاف في تحديد مصاديق القيم والمباديء المتفق عليها من قبل الطرفين.

"ويبقى من خصائص الحوار الديني، خصوصا في إطار الإسلام الذي يتميز بشموله والارتباط الاساسي بين عقيدته وشريعته وآدابه، أن من اليسير على الأطراف في حوار دائر حول أمور السياسة والاجتماع والاقتصاد، أن يضفي عليه بعضهم طابعا دينيا، وأن يلقى على مائدة الحوار بنص يتعرض من قريب أو بعيد لموضوع الخلاف بين المتحاورين وبذلك يكتسب الحوار كل ما يحيط بأمور الدين من قداسة، وكل ما يلحق المخطئين فيها من شبهات الإثم، والانحياز للضلال فيتحول الحوار إلى محاكمة... يضطر في المخالف إلى توجيه جهده كله للدفاع عن نفسه، وإثبات براءته من خطيئة الاستخفاف بالنصوص والاجتراء على الله والقول في الدين بالهوى. لقد كان من اثار هذه الظاهرة غياب المنهج النقدي عن كثير من القضايا المهمة في نطاق البحث الديني، وخوف كثير من العلماء الثقات لتمتد إلى النيل من الجهر بآرائهم حتى لا يتعرضوا لحملات تتجاوز الرأي وتقييمه... لتمتد إلى النيل من دينهم وتقواهم وأمانتهم وحسن نواياهم".

لذلك من الضروري الابتعاد عن حالات تديين الاختلاف أو إعطائه طابعا دينيا بحيث تصبح عملية الاختلاف وكأنها صراع بين الحق والباطل.. فما دام الاختلاف ظاهرة طبيعية على مستوى البشرية، لذلك من الخطأ الفادح سلب صفة البشرية من خلافاتنا ووجهات نظرنا المتباينة، وفي إطار مدنية الاختلاف وبشريته، لا بد من التحلي بصفة الموضوعية حين الاختلاف. والموضوعية منهج بهدف مقاربة اراء وأفكار الاخر المختلف بدون زيادة أو نقيصة... كما أنها تقتضي أن لا ينظر المرء إلى الاخر المختلف من علو، وإنما هي رؤية متساوية وقريبة منه.

3- الاتفاق على خريطة المستقبل

عادة حينما يكون الحوار بين المختلفين حول قضايا الماضي ومشاركة كل طرف في صنعه عادة لا يتوصلون إلى حلول بل إلى المزيد من الإصرار المتبادل على الآراء والافكار، لذلك ينبغي أن تكون جلسات المختلفين وحواراتهم حول غدهم لا أمسهم، وقد تكون الآية القرآنية (قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون) تشير إلى ذلك.

4- فريضة الحوار

إن غياب فريضة الحوار هو الذي يحول كل اختلاف فكري أو اجتماعي أو سياسي إلى حرب ساخنة، وتجدد أسبابها وشروطها بإستمرار حالة الجفاء وغياب فقه الحوار.

إن تكريس قيمة الحوار في أوساطنا وأجوائنا هو الذي يجعل الاختلاف في وضعه الطبيعي ودون أن يؤثر ذلك على القواسم المشتركة لدى الطرفين. ومن المؤكد أن التعصب هو أحد أشكال الإنحطاط والتخلف في العلاقات الانسانية التي تؤسس للعداء والقطيعة بدل التعايش والحوار المتواصل. فالحوار والمجادلة بالتي هي أحسن كان لها الفضل في رد الكثير من الآراء الوافدة والدخيلة.

فلا يمكننا أن نمنع الانسان من عدم إبداء رأيه أو التعبير عن افكاره، ولكننا بإمكاننا محاورته ومناقشته.

فالإمام علي (ع) حينما ظهرت أفكار الخوارج مثلا لم يحاربهم، وإنما حاورهم وناقشهم وكان موقفه منهم، موقف المجادل الذي يقارع الرأي الباطل بالرأي السديد مؤيدا ذلك بالأدلة والبراهين والوقائع الساطعة. "بوسعك أن تتبين مدى حماية الإسلام لحق التعبير عن الرأي أيا كان صاحبه، إذا تأملت في قوله عز وجل من الآية السابقة (وجادلهم بالتي هي أحسن) فإن المجادلة لا تكون إلا في جو يصغي في كل من الطرفين إلى الرأي الاخر، وإذا كانت المجادلة لبيان الحق وتمييزه عن الباطل واجبا كلف الله به المسلمين، فلا شك أن تهيء مناخه، من الإصغاء إلى الرأي الاخر، ومهما كان جانحا، واحب هو الاخر، إذ أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو اجب، وهذا الواجب لا يتم إلا بتمكين صاحب الرأي الجانح (في اعتقادنا نحن) من التعبير بكل أمان عن رأيه، إذ بذلك توجد المادة التي يدور حولها الجدل والحوار ".

وينبغي التذكير في هذا المجال أنه لا يوجد مجتمع في التاريخ الإنساني، لا تتعايش في رؤى وأيدولوجيات مختلفة ومتباينة، ذلك لأنه ينطوي بالضرورة على مصالح متغايرة، ويمارس إختيارات مختلفة. ولكن التقدم والتطور لا يكون من نصيب إلا المجتمع الذي استطاع أن يوجد علاقة إيجابية وحسنة ومتعايشة بين هذه الرؤى والمدارس الفكرية المختلفة.

وعن طريق هذه العلاقة الايجابية والمتعايشة التي تربط هذه الرؤى يحتضن المجتمع عناصر التقدم والتطور في مختلف الأبعاد والحقول، وبهذه العملية نحول إختلافاتنا إلى مصدر لتطوير ذاتيتنا الفردية والجماعية، وبهذا نغني ثقافتنا ونعيد توازننا الاجتماعي التاريخ. فالاختلاف في حدوده الطبيعية ليس مرضا يجب التخلص منه والقضاء عليه، بل هو محرك المجتمع نحو الأفضل، ومصدر ديناميته، وهو يقود لو أحسنا أدارته إلى المزيد من النضج والوعي والتكامل.

عن طريق هذه الأمور نستطيع أن ننجح في إدارة خلافاتنا، ونفقه أن نتعاون من بعضنا البعض دون أن تتطابق وجهات نظرنا في كل شيء.

وحتى تكتمل صورة التعامل الايجابي مع ظاهرة الاختلافات في المجتمعات البشرية، هذه مجمعة من الوصايا والقضايا التي تحول دون تحول الاختلافات إلى عوامل هدم وتخريب في المجتمع:

أ‌- ضرورة عدم الاكتفاء بأدنى الفهم والمعرفة، وإنما تهيئة النفوس والعقول إلى إستقبال أقصى الفهم والمعرفة. إذ أن الكثير من الاختلافات تأخذ سبيلها السيء والسلبي من جراء الفهم الناقص للمسألة التي جار حولها الخلاف، لذلك وقبل أن يرتب أحد أطراف الاختلاف أي قناعة أو موقف، لا بد من أن يفهم المسألة بشكل كامل بحيث توفر لديه المعرفة التامة حول المسألة المعنية.

ب‌- ضرورة إحترام حق الرأي، إذ أننا لا يمكننا أن نصادر حق الإنسان في التعبير عن آرائه وقناعاته ولا شك أن الاختلاف فرض احترام حق الرأي، لذلك نحن مطالبون بأن لا نشن على الطرف الاخر (المختلف) نعوت تؤدي إلى التسقيط والتخوين وما أشبه، لأننا نحترم رأيه ونجعل هذا الاختلاف في هذه الدائرة.

ت‌- إخراج الذات من دائرة الاختلاف، وهذا يقتضي أن نعتبر أنفسنا مختلفين ضمن مختلفين، لا أن الاخرين هم وحدهم المختلفون معه أي المخالفين. وينبغي الابتعاد عن التعالي، تعالي كل خصم على خصمة بإدعاء احتكار العلم الكوني واستعمال النص المقدس لفرض سلطته هو على الجميع. وقد قال تعالى: (قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين).

ث‌- ضرورة حضور البعد الأخلاقي في الاختلاف، إذ أن طائفة ليست قليلة من الاسباب والامور التي تجعل حالة الاختلاف، من حالة طبيعية إلى مسألة تؤدي إلى التخريب ووجود حالات التصدع الداخلي. كل ذلك يحدث بفعل غياب القضية الاخلاقية في مسائل الاختلاف، لذلك فمن الضروري، وحتى نحافظ على طبيعة الاختلاف، من وجود الضوابط والقيم الاخلاقية التي تجعل الاختلاف في حدوده الطبيعية. وقديما قيل أن الخلاف لا يفسد للود قضية. ونحن نرى سيرة أهل البيت (ع) مع معارضيهم، والمختلفين معهم عقائديا أو فكريا أو سياسيا، يتعاملون معهم وفق الضوابط الاخلاقية، لأن تجاوز هذه الضوابط يحول مسألة الاختلاف إلا سلاح هدام لكل نقاط القوة والنشاطات الايجابية في الساحة.

ج‌- ضرورة التواصل بين العلماء والدعاة، فلكي لا تتوسع شقة الاختلافات، وتتحول إلى صراعات ينبغي التواصل الدائم بين العلماء والدعاة وكل من يشكل حالة عامة في المجتمع. لأن هذا التواصل يبدد الغيوم السلبية للاختلاف. ويعرف وجهة نظر كل طرف للاخر بشكل مباشر.

ويشير إلى هذه المسألة مصطفى بن حمزة بقوله "الخطر في هذه التقابلات لا يكمن في الاختلاف في حد ذاته، وإنما يكمن في افراز هذا الاختلاف لروح التشرذم والشتت ما دام الدعاة يعجزون عن مد جسور التلاقي والتواصل بينهم، وما داموا يتعصبون ويتشددون في تمسكهم بما تأدى اليه اجتهادهم وما داموا يرون أن ما عنجهم هم الحق الذي لا خلاف فيه... وان ما عند مخالفهم هو الباطل الذي لا خلاف فيه. وعلى أساسه يرسمون مواقع جديدة تستنزف جهادهم وطاقتهم. إذ يتصورون أن مخالفهم يجب أن يكون موضوع دعوتهم وارشادهم فيجعلون الأوكد من عملهم زحزحته عما هو عليه من رأي، هو أيضا وليد اجتهاد ونتيجة نظر في الأدلة الشرعية".

لذلك فليس المطلوب أن تتطابق وجهات نظرنا جميعا في كل شيء ولكن المطلوب هو بقاء التعاون واستمرار المحبة والود لبعضنا البعض، وان لا نسحب اختلافنا في حقل من حقول الحياة إلى بقية الحقول والجوانب.

وأخير ولكي لا نقتل إنجازاتنا ومكاسبنا جميعا بأيدينا تعالوا نتعلم كيف نختلف.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق