q
تواصل الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ تولي الرئيس دونالد ترامب، الذي انسحب بشكل فردي من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018 ووصفه بأنه أسوأ اتفاق على الإطلاق، ممارسة الضغوط الاقتصادية على إيران في سبيل اجبارها على القبول بشروط امريكية جديدة، لكن باقي أطراف الاتفاق النووي ومنهم حلفاء قدامى...

تواصل الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ تولي الرئيس دونالد ترامب، الذي انسحب بشكل فردي من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018 ووصفه بأنه ”أسوأ اتفاق على الإطلاق“، ممارسة الضغوط الاقتصادية على إيران في سبيل اجبارها على القبول بشروط امريكية جديدة، لكن باقي أطراف الاتفاق النووي وكما نقلت بعض المصادر، ومنهم حلفاء قدامى للولايات المتحدة، و13 من أعضاء مجلس الأمن الدولي البالغ عددهم 15، يقولون إن مطالبة الولايات المتحدة بفرض عقوبات الأمم المتحدة باطلة. ويقول دبلوماسيون إن من المرجح ألا يعيد فرض هذه الإجراءات العقابية سوى قلة من الدول.

ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية في 3 تشرين الثاني/نوفمبر في الولايات المتحدة، تلجأ إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى الأساليب القصوى. وتم اعلان العقوبات على طهران في مؤتمر صحافي شارك فيه وزراء الخارجية مايك بومبيو والخزانة ستيفن منوتشين والدفاع مارك إسبر والتجارة ويلبور روس وآخرون. والتدابير العقابية الاميركية تشمل أي بلد أو كيان أو فرد لا يلتزم "عقوبات الأمم المتحدة" على إيران.

وأعلنت واشنطن في وقت سابق، أن العقوبات الأممية ضد إيران سيعاد فرضها بصورة تلقائية، وفقا لأحد آليات بنود الاتفاق النووي، مشيرة إلى أنها ستحرص على دعوة دول العالم للالتزام بها. لكن سائر أعضاء مجلس الأمن الدولي يخالفون الولايات المتحدة موقفها، إذ إنهم يعتبرون أن واشنطن فقدت حقها في تفعيل آلية الاتفاق المذكور، حين انسحبت منه في 2018. وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن "الولايات المتّحدة ستفعل ما دأبت على فعله دوما. ستتحمل نصيبها من المسؤولية". وأضاف "سنبذل كل ما هو ضروري لضمان تطبيق هذه العقوبات واحترامها".

ولجأ بومبيو في 20 أغسطس/آب الماضي إلى إجراء مثير للجدل حين أخطر مجلس الأمن الدولي رسميا بأن الولايات المتّحدة، فعّلت بند "العودة إلى الوضع السابق" (سناب باك) المنصوص عليه في الاتفاق النووي الإيراني والذي يتيح إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران بصورة تلقائية بعد مرور 30 يوما من تاريخ التبليغ. لكن سائر أعضاء مجلس الأمن الدولي يخالفون الولايات المتحدة في موقفها هذا، إذ إنهم يعتبرون أن واشنطن فقدت حقها في تفعيل هذه الآلية حين انسحبت من الاتفاق النووي في 2018.

غير أن واشنطن لا تبالي بموقف الأسرة الدولية، فهي لا تنفك تؤكد أن كل العقوبات الأممية التي رفعت عن إيران بموجب الاتفاق النووي سيعاد فرضها، بما في ذلك حظر الأسلحة التقليدية الذي ينتهي مفعوله في أكتوبر/تشرين الأول والذي فشلت إدارة الرئيس دونالد ترامب في تمديده في مجلس الأمن الدولي مؤخرا. وكان بومبيو قد اتهم حلفاء بلاده الأوروبيين بـ"الانحياز إلى آيات الله" الإيرانيين. وأتى اتهام الوزير الأمريكي ردا على إعلان فرنسا وبريطانيا وألمانيا أن الولايات المتحدة فقدت في 2018 حين انسحبت من الاتفاق النووي مع إيران الحق القانوني لتفعيل آلية "سناب باك".

عقوبات جديدة

فرضت الولايات المتحدة عقوبات على عدة مسؤولين وكيانات إيرانية بسبب مزاعم عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، شملت فرض عقوبات على قاض قالت إنه ضالع في قضية مصارع إيراني حُكم عليه بالإعدام. وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في بيان إن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على القاضي سيد محمود سادتي والقاضي محمد سلطاني والفرع الأول من محكمة شيراز الثورية وسجون عادل اباد وأرومية ووكيل اباد.

وقال الممثل الأمريكي الخاص لإيران وفنزويلا إليوت أبرامز إن العقوبات استهدفت قاضيا حكم بالإعدام على المصارع الإيراني نويد أفكاري. وقال بومبيو إن هناك تقارير عن أن سادتي، وهو قاض في الفرع الأول من محكمة شيراز الثورية، كان مشرفا على إحدى محاكمات أفكاري. وكان أبرامز قد قال في جلسة بلجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ”الولايات المتحدة ملتزمة بمحاسبة الذين يحرمون شعب إيران من الحرية والعدالة“.

وذكرت وسائل إعلام رسمية إيرانية أن أفكاري أُعدم بعد إدانته بقتل حارس أمن طعنا خلال احتجاجات مناهضة للحكومة في 2018. ورفضت المحكمة العليا الإيرانية إعادة النظر في القضية أواخر أغسطس آب. وأثارت قضية أفكاري غضب الإيرانيين على وسائل التواصل الاجتماعي وجماعات حقوق الإنسان الدولية. بحسب رويترز.

كما دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إيران إلى عدم إعدام المصارع. كما تحدث بومبيو عما قال إنه احتجاز ثلاثة أمريكيين، هم باقر وسياماك نامازي ومراد طهباز، مضيفا أن الولايات المتحدة ستبذل كل جهد ممكن لإعادتهم إلى بلادهم. كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على وزارة الدفاع الإيرانية وآخرين منخرطين في برنامج إيران النووي وبرنامجها للأسلحة، في تأكيد لإعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة على طهران، وقالت إيران إن العقوبات الأمريكية الجديدة، التي استهدفت 27 كيانا وفردا إيرانيا في قطاعات الأسلحة النووية والصاروخية والتقليدية، لن يكون لها أي تأثير واتهمت الولايات المتحدة بالسعي للدعاية.

وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن واشنطن فرضت أيضا عقوبات جديدة على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بموجب هذا الأمر، متهما إيران وفنزويلا بالعمل على ”انتهاك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة“ على مدى عامين تقريبا. وبموجب الأمر ذاته، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على وزارة الدفاع وهيئة الصناعات الدفاعية الإيرانية ومديرها مهرداد كتابجي. ومن بين المستهدفين الآخرين في إطار برامج مختلفة مسؤولون كبار في منظمة الطاقة الذرية الإيرانية وكذلك أفراد على صلة بمجموعة شهيد همت الصناعية وهي المنظمة الإيرانية المعنية بإنتاج الوقود السائل للصواريخ الباليستية.

الدافع وراء هذا الإجراء الأمريكي هو الانتهاء الوشيك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران والرغبة في تحذير الجهات الأجنبية من أنها إذا قامت بشراء أو بيع أسلحة لإيران، فسوف تواجه عقوبات أمريكية. والكيانات الأمريكية ممنوعة بالفعل من مثل هذه التجارة. وقال بومبيو في مؤتمر صحفي مع وزير الخزانة ستيفن منوتشين ووزير الدفاع مارك إسبر ووزير التجارة ويلبور روس ومستشار الأمن القومي روبرت أوبراين ”بغض النظر عن هويتك، إذا انتهكت حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران، فإنك ستواجه خطر العقوبات“.

نحى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الإعلان الأمريكي جانبا ووصفه بأنه ”ليس جديدا“. وقال ظريف ”الولايات المتحدة مارست كل الضغوط التي في استطاعتها على إيران. كانت تأمل في تركيع شعبنا بهذه العقوبات. لم يحدث ذلك“. لكن ظريف تحدث بنبرة تصالحية، مؤكدا أن طهران مستعدة لتبادل الأسرى مع واشنطن.

وقال مسؤول أمريكي كبير، تحدث شريطة عدم نشره اسمه، إن إيران قد تملك ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة نووي بحلول نهاية العام وإنها استأنفت التعاون في مجال الصواريخ طويلة المدى مع كوريا الشمالية التي تملك أسلحة نووية. ولم يقدم المسؤول دليلا على أي من هذين التأكيدين.وردا على سؤال حول تعليق هذا المسؤول الأمريكي، وصف ظريف منطقه بأنه معيب ونفى أن يكون لدى إيران أي نية لصنع قنبلة لأن الأسلحة النووية لن تجعل إيران أكثر أمنا.

وقال ”لدينا الآن نحو 3000 كيلوجرام وهو ما يكفي بناء على هذه التحليلات لثلاث قنابل بالفعل. لذلك لا داعي للانتظار حتى نهاية العام... لكننا لسنا بحاجة إلى صنع قنبلة“. وتقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن إيران لا تزال تخصب اليورانيوم حتى مستوى نقاء يبلغ 4.5 في المئة فقط ،وهو ما يتجاوز حد النقاء الذي حدده الاتفاق النووي والذي يبلغ 3.67 في المئة ولكن أقل بكثير من مستوى العشرين في المئة الذي كانت حققته قبل إبرام الاتفاق النووي، ناهيك عن مستوى 90 في المئة من النقاء الذي يعتبر مطلوبا للدرجة الأولى في تصنيع الأسلحة ومناسبا لصنع قنبلة ذرية.

امريكا واوروبا

على صعيد متصل تحدث الرغبة الاميركية بانهاء الاتفاق النووي الايراني المبرم في 2015 شرخا غير مسبوق بين الولايات المتحدة وحلفائها الاوروبيين الرئيسيين، قد يطول أمده في حال اعادة انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب لولاية ثانية. في الماضي لم يكن الشرخ عميقا الى هذه الدرجة : فقد اعتبر الاوروبيون المدعومون من بكين وموسكو وطهران الاعلان الاميركي باعادة فرض عقوبات اممية على ايران بان لا قيمة قانونية له. وسبق ان حدث شرخ عبر الاطلسي كما حصل خلال غزو العراق مثلا في 2003. لكن الولايات المتحدة واجهت في حينها معارضة فرنسا وليس بريطانيا.

واعلن باسكال بونيفاتشي مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية "انها المرة الاولى التي يعارض فيها البريطانيون الولايات المتحدة حول موضوع تعتبره الخارجية الاميركية اساسيا". واضاف ان بريطانيا بقيت على موقفها رغم "مطالب الولايات المتحدة التي اصبحت اكثر الحاحا" والهوة الدائمة التي سببها بريكست مع باقي اوروبا. وتواجه واشنطن في الملف الايراني منذ اكثر من عامين جبهة موحدة تشكلها لندن وباريس وبرلين التي تعتبر ان امنها مهدد بسبب مخاطر الانتشار النووي.

وتؤكد الولايات المتحدة "انها لا تخاف بان تكون لوحدها" وكثف وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو تصريحاته بشأن الأوروبيين المتهمين "بعدم تحريك ساكن" حيال ايران و"باختيار الوقوف في صف الجمهورية الاسلامية". وهذا الشرخ حول ملف ايران الذي بادر به الرئيس دونالد ترامب يشكل النقطة الرئيسية في تفكك العلاقات بين الولايات المتحدة وأقدم وأقرب حلفائهم الاوروبيين. ومنذ ثلاث سنوات ظهر الشرخ في ملفات أخرى مهمة - المناخ والقدس عاصمة لاسرائيل وحلف شمال الاطلسي - وايضا خلال مفاوضات في الامم المتحدة حول مواضيع أقل أهمية.

وما اثار مفاجأة كبيرة في صفوف الدبلوماسيين الاوروبيين غير المعتادين على مثل هذا التسلط، ذهبت واشنطن الى حد استخدام حق الفيتو او اقتراح مشاريع قرارات مضادة لفرض رؤيتها، وهو سلوك غالبا ما كان يخصص حتى الآن لخصوم الاميركيين. وفي كانون الاول/ديسمبر 2018 أثارت بريطانيا غضب واشنطن بعد ان وضعت نصا حول اليمن لا يستهدف ايران وينتقد السعودية. وفي نيسان/ابريل 2019 اعادت واشنطن صياغة نص وضعته المانيا حول العنف الجنسي كان يكثر الاشارة الى العدالة الدولية.

والعام الماضي كشف الخبير في مجموعة الازمات الدولية ريتشارد غوان ان "غياب وحدة استراتيجية بين الغربيين في مجلس الامن يمنح روسيا والصين قناة دبلوماسية لاعطاء دفع لمصالحها في نيويورك". ويرى برتران بادي الاستاذ في معهد الدراسات السياسية في باريس ان الاوروبيين باتوا في موقف "جمود" في الملف الايراني. ويضيف "أساسا الاولوية لدى الاوروبيين هي الحفاظ على التحالف مع الولايات المتحدة لانهم بحاجة اليها بما انهم غير قادرين على ضمان سياسة أوروبية دفاعية او أجنبية". ويتابع "يقولون جميعاعلينا ان نصمد حتى موعد استحقاق الانتخابات الرئاسية الاميركية في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر.

ويأمل كثيرون في أن يعيد فوز الديموقراطي جو بايدن الولايات المتحدة الى المنتديات الدولية التي ابتعدت عنها وسيعيد اللحمة الى التحالفات الغربية. ويقول باسكال بونيفاتشي "في حال انتخاب بايدن ستكون إحدى اولوياته إصلاح العلاقات المتوترة وحتى المتضررة بين دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة". بحسب فرانس برس.

وسيسعى الاميركيون والاوروبيون الى "تصويب الامور" من خلال إعادة دمج الولايات المتحدة في بعض الاتفاقات الدولية كما يقول فرنسوا هيسبورغ المستشار الخاص في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية. ويوضح "لكن في حال إعادة انتخاب دونالد ترامب هناك تهديد فعلي بان يستغل ذلك لكسر حلف شمال الاطلسي. والملف الايراني من الذرائع التي قد يستخدمها لطرح تساؤلات حول دور الولايات المتحدة في الحلف الاطلسي".

من جانب اخر قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن حملة الولايات المتحدة لممارسة أقصى ضغط على إيران باءت بالفشل حتى الآن، ورفض المساعي الأمريكية الرامية لمعاودة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران بسبب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي المبرم عام 2015. وقال ماكرون في كلمة للجمعية العامة للأمم المتحدة ”استراتيجية أقصى ضغط القائمة منذ عدة سنوات لن تجعل من الممكن في هذه المرحلة إنهاء أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار أو ضمان عدم تمكنها من حيازة أسلحة نووية“. وأضاف ”لهذا ستواصل فرنسا وشركاؤها الألمان والبريطانيون المطالبة بالتنفيذ الكامل لاتفاق فيينا لعام 2015 ولن يقبلوا بالانتهاكات التي ترتكبها إيران“.

وقال ماكرون إنه ليس بوسعه دعم توجه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وقال ”لن نتوصل لحل وسط بشأن تفعيل آلية (العقوبات) التي أقرتها الولايات المتحدة بمفردها، انسحابها من الاتفاق يجعلها في وضع لا يسمح لها بتفعيلها“. وأضاف ”هذا من شأنه أن يقوض وحدة مجلس الأمن، ونزاهة قراراته، ويخاطر بتفاقم التوترات في المنطقة“. وكرر تصريحات سابقة بأن اتفاق 2015 تضمن ضرورة إضافة إطار عمل لضمان عدم امتلاك إيران لأسلحة نووية مطلقا ويتصدى لبرنامج الصواريخ الباليستية لإيران وأنشطة زعزعة الاستقرار الإقليمية.

الى جانب ذلك نقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء عن سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية قوله إن روسيا أوضحت أن العقوبات الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران لن تكون لها أي عواقب سياسية أو عملية على التعاون بين موسكو وطهران. وقال ريابكوف كذلك إن روسيا لم تحدد للولايات المتحدة أي مواعيد نهائية جديدة في مفاوضات بخصوص معاهدة ستارت الجديدة، أحدث معاهدات التسلح النووي بين البلدين، لكنه قال إن الوقت ينفد.

اضف تعليق