q
بات يتكشّف حديثاً أن أمريكا توظّف الحُكم العسكري داخل أراضيها وعلى شعبها، وبذرائع قديمة منذ قيامها ككنفدرالية بدستورها الذي شكّل صورة أمريكا الوردية، وبما يصل لخرق أحكامه باستحضار ذرائع قديمة أو اختلاق أخرى جديدة. والمُمارسة الأشيع في هذا الشأن هي توظيف القوة العسكرية داخلياً وصولاً للقتل...

كان النظام الأمريكي منذ نشأته نموذجاً للديمقراطية وسيادة المؤسسات المنتخبة شعبياً واستقلاليتها كتعبير عن إرادة الشعب وحكمه، لكنّ السنوات العشرين الأخيرة شهدت أكثر من رئيس ينتخبه عدد أقل من الشعب لكنه يفوز، ومع وصول دونالد ترامب للرئاسة بات الأمر أكثر إلحاحاً، وقد تحدث الكثير عن "وهم الديمقراطية الأمريكية" التي تسير في طريق مظلمٍ بسبب عدة عوامل تجعل الواقع السياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية بعيدًا عن الصورة المثالية التي يُروَّج لها عبر التأكيد على "القيم الديمقراطية الأمريكية"، والدستور الأمريكي، و"الآباء المؤسسين"، يتحدَّث الكثيرون في العالم عن واقع سياسي غير ديمقراطي في أمريكا، لكن مع ترويج "الدولة الأقوى في العالم" للديمقراطية ونشرها في دول "العالم الثالث"، يكون من السهل اتهام من ينتقد السياسة الأمريكية ومُحدداتها بـ "الإرهاب"، شهدت السياسة الخارجية لجميع الإدارات الأمريكية تشديداً على قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وضرورة ترويجها، كما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإدخال بعض ‏العناصر الجديدة على سياستها في المنطقة العربية، عندما خصصت قسماً من المساعدات التي تقدمها إلى بعض دول المنطقة لمنظمات المجتمع المدني، وللترويج لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن هل كان ذلك حقيقياً؟

حكم العسكر في أمريكا

بات يتكشّف حديثاً أن أمريكا توظّف الحُكم العسكري داخل أراضيها وعلى شعبها، وبذرائع قديمة منذ قيامها ككنفدرالية بدستورها الذي شكّل صورة أمريكا الوردية، وبما يصل لخرق أحكامه باستحضار ذرائع قديمة أو اختلاق أخرى جديدة. والمُمارسة الأشيع في هذا الشأن هي توظيف القوة العسكرية داخلياً وصولاً للقتل، واعتقالات بلا مُحاكمة، وهذا تفاقم وظهر للعيان في حُكم ترامب نتيجة تهوره، مضيفاً لما تبدّى من تهوّر بوش الابن وسكوت النُخب الأمريكية الحاكمة عنه (ديمقراطيوها كما جمهوريوها) وتمتع بوش بمزايا "رئيس سابق" بدل مُحاكمته كمجرم حرب هذا السكوت يشي بتواطؤ جارٍ بين عُتاة الحزبين، ما يُحيل ديمقراطية أمريكا للعبة الطواقي ولعبة الكراسي أكثر منها لديمقراطية تمثل إرادة الشعب حال كحال العالم الثالث ويبدو أفقه أسوأ ففي العالم الثالث تغلُب مُحاسبة النظام المعزول حتى إن كرّر الحُكم المُستجد آثام سلفه، بينما في أمريكا تغيب هذه المُحاسبة، ما يجعل مُمارسة الخطايا، بما في خرق الدستور وخرق لوائح حقوق الإنسان الدولية، من امتيازات الحُكم!.

هذه الخلفية تسهّل تغوّل أي رئيس، ولكن ترامب مهّد لتغوّله على الشعب الأمريكي مُتعدّد الأصول العرقية، بتصعيد ضد جوار ولاجئين من تلك الأصول، كان السماح لها باللجوء أو الهجرة يتوفّر لغرضين نفعيين لكابر الرأسماليين المُتحكّمين بأمريكا فالهجرة وفّرت لهؤلاء كمّاً من العمالة المُتدنية الأجر والمقام (في المزارع والمصانع وكخدم في البيوت)، مما يستنكف عنه الأمريكي ويقبض مثل أجره من "الضمان الاجتماعي" وأيضاً هي وفّرت لهم، برخص نسبي، "العقول" المُهاجرة من مُختلف دول العالم الثالث أو المنكوب بقمع أو بحروب الغالب أن أمريكا هي من شنّتها أو لها يد فيها ولكن الفورة الرقمية وفّرت لأمريكا العديد من الخبرات عن بُعد، ولم تعد تستقطب سوى نخبة النخب والعمالة الرخيصة مُكتف بها وما يلزم من الإثنين يوفّر لأمريكا بالهجرة السكانية النخبوية ضرباً لأعدائها، أو الإخلائية بعامة خدمة سياسية لحلفاء أمريكا وفي مقدمتهم إسرائيل.

ترامب نفّذ كل ما كان يفعله سابقوه ولكن بفجاجة غير مسبوقة، ووصل حد سحب أطفال اللاجئين ووضعهم في أقفاص، والشروع في خطة تفتقد كلياً للعقل، كبناء سور على حدود المكسيك والأخطر هو تكريس وتوسيع دور الجيش، ليس فقط في مُمارسة عنف، بالتعذّر بتهريب البشر أو البضائع بل هو مد صلاحيات الجيش لتطبيق ذات الممارسات – التي كانت تطبّق ضمن حدود 25 ميلاً داخل أمريكا مع جيرانها غير المرغوبين والتي تصل لجرائم تخرق حقوق الإنسان – على الشعب الأمريكي، وخرق حقوق الولايات في الدستور الفيدرالي بتسليط قوة عسكرية على احتجاجاتهم السلمية، كما في قمعه العسكري للمُظاهرات التي خرجت مُستنكرة التمييز العنصري لدى مقتل مُواطن أسود عمداً على يد رجل شرطة له تاريخ في العنصرية.

ألاكذوبة الكبرى

قال المحلل السياسى، رياض سعيد، إن قوانين حقوق الإنسان والديمقراطية مزيفة وأكذوبة كبرى، وهي للدعاية الإعلامية ولا أساس لها على أرض الواقع، موضحاً أن المؤسسات الأمريكية تتدخل فى شئون الدول العربية والشرق الأوسط بحجة حقوق الإنسان وهى فى الأساس لا تراعى ذلك مطلقاً، وأضاف "سعيد"، خلال مداخلة عبر "سكايب"، ببرنامج "بالورقة والقلم"، الذى يقدمه الإعلامى نشأت الديهى، عبر قناة "ten"، أن التظاهرات التى تعم الولايات المتحدة الأمريكية، الآن ناتجة عن العنصرية المترسخة فى أمريكا، وتابع: "ترامب أوصل أمريكا إلى الدرك الأسفل من ناحية النسيج الاجتماعى".

وأكد المحلل السياسى، أن العنصرية سبب كل ما يحدث فى أمريكا الآن، موضحاً أنه رغم أن القوانين تغيرت منذ 1865 بعد أبراهام لينكون إلا أن النفوس لم تتغير الآن، وتابع: "انتخاب ترامب ووصوله إلى الرئاسة كان بطريق العنصرية.. اليمن الدينى المتطرف هو الذى انتخب ترامب وأوصله إلى سدة الحكم.. عدد قتلى السود فى أمريكا يشكل 36% من حجم جرائم القتل، وهم فى الأساس يمثلون 12% من عدد سكان أمريكا.

ديمقراطية أمريكا العنصرية

أعاد مشهد الحراك الرافض للعنصرية في الولايات المتحدة فتح جميع الملفات المتعلقة بالتمييز الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في البلاد، فيما اختزل إسقاط تماثيل لرموز الاستعمار والاستعباد وصولا إلى الحرب الأهلية احتقانا لدى شرائح واسعة من مخلفات تلك الحقبة، وعكس توجها متزايدا لقطيعة كاملة معها، وفي الواقع، فإن النظام الانتخابي الأمريكي، بما في ذلك "المجمع الانتخابي" والمحاصصة المناطقية في توزيع مقاعد مجلس الشيوخ، تعود جذوره إلى تلك الحقبة، ويعكس بشكل خاص التسوية مع الجنوب الذي أصر على الاستمرار بممارسة الاستعباد وتمتع الولايات باستقلالية أكبر، ما قاد إلى الحرب الأهلية (1861- 1865)، بحسب تقرير لموقع "ذا أتلانتيك"، ما يثير انتقادات ضده ومطالبات بتغييرات جذرية في أقدم ديمقراطية حديثة.

وبالفعل، أشارت عدة تقارير إلى ذلك الجانب المظلم من "الديمقراطية" الأمريكية خلال السنوات الماضية، ولا سيما مع ازدياد وقوف مجلس الشيوخ عائقا أمام مشاريع قوانين تحد من قدرة الأمريكيين على حمل السلاح أو تلك المتعلقة بالتأسيس لنظام رعاية صحية، التي يرفضها البيض بالدرجة الأولى، مرورا بفوز دونالد ترامب بالرئاسة عام 2016 بفضل أصوات البيض المحافظين وثغرات "المجمع الانتخابي"، وليس انتهاء بتزايد حوادث قتل ذوي الأصول الأفريقية جراء عنف الشرطة ضدهم، وخاصة "جورج فلويد" مؤخرا.

لا مساواة في الشيوخ الشيوخ

وعلى عكس مجلس النواب، الذي يتم فيه توزيع مقاعده الـ435 على الولايات بحسب عدد سكانها، فإن مجلس الشيوخ يمنح مقعدين لكل ولاية بالتساوي، ما يعني أن "وايومنغ" التي بالكاد يتجاوز عدد سكانها نصف مليون نسمة، جلهم من البيض المحافظين، يتمتعون بتمثيل يساوي ولاية كاليفورنيا ذات الـ39.5 مليون نسمة، مع طيف واسع من العرقيات المختلفة، ويفسر ذلك مشهد سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ (53 مقابل 45، ومقعدان لمستقلين)، وسيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب (233 مقابل 197، ومقعد للحزب الليبرتاري، وأربعة شواغر)، وبطبيعة الحال فإن لمجلس الشيوخ صلاحية عرقلة القوانين التي يمررها النواب، وأكثر من ذلك، فإنه من صلاحيته إعادة رسم حدود الدوائر الانتخابية بما يخدم مصلحة الحزب الذي يسيطر عليه، كما أشار "روزينبيرغ" أيضا، في ثغرة أخرى بالديمقراطية الأمريكية.

أشار تقرير نشره موقع "ذا هيل"، "، إلى أن الولايات المتحدة شهدت خسارة المرشح الرئاسي الذي يحصد عددا أكبر من أصوات الأمريكيين أربعة مرات على الأقل، اثنتان منها في العقدين الماضيين، وآخرهم ترامب الذي انتزع الرئاسة بحصده 304 من أصوات المجمع الانتخابي، مقابل 227 لهيلاري كلينتون، رغم أن الأخيرة نالت أصواتا مباشرة أكثر منه بنحو ثلاثة ملايين صوت، وبحسب المادة الثانية من الدستور الأمريكي، فإن الناخبين في كل ولاية، لدى تصويت أغلبيتهم لأحد المرشحين للرئاسة، ولو كان ذلك بفارق صوت واحد، فإن رصيد الولاية بالمجمع الانتخابي، الذي يعكس عدد سكانها، يصب كله في صالح ذلك المرشح، في تجاهل لأصوات بقية الناخبين.

وبعبارة أخرى، إذا صوت جميع سكان نيويورك الـ19.5 مليونا، ذوي الأعراق المختلفة، لهيلاري كلينتون، فإنها ستحصل على 29 صوتا بالمجمع الانتخابي، فيما سيحصل ترامب على العدد ذاته بحال فوزه بولايتي جورجيا (10.5 مليون) وفيرجينيا (8.5 مليون)، حتى وإن لم يشارك غير ناخب واحد في كل منهما، وينتج عن هذا الإجراء أيضا تأثير غير متناسب على الانتخابات الرئاسية لصالح الولايات منخفضة السكان مثل ألاسكا وديلاوير ومونتانا وشمال وجنوب داكوتا وفيرمونت ووايومنغ، ذات الأغلبية البيضاء.

وبحسب تقرير "ذا هيل"، فإن الولايات السبع الكبرى: كاليفورنيا وتكساس وفلوريدا ونيويورك وإلينوي وبنسلفانيا وأوهايو، التي تضم وحدها نحو 40 بالمئة من سكان البلاد، تبقى رهنا للولايات الـ43 الأخرى، الصغيرة سكانيا، لتعديل كفة أحد المرشحين، ويوضح التقرير أن فوز أحد المرشحين بتلك الولايات السبع جميعها (209 من أصل 538 صوتا بالمجمع الانتخابي)، وهو ما يصعب تحقيقه أيضا، سيضعه أمام اختبار الحصول على 61 صوتا بالمجمع الانتخابي لضمان الفوز، وهي أصوات موزعة على عدد كبير من الولايات الصغيرة سكانيا وذات التوجهات المحافظة عموما، ما يحكم بالفشل على أي برنامج انتخابي لا يأخذ بالاعتبار توجهات التجمعات المحافظة، ويحرم التكتلات الكبيرة من حق التأثير.

إن مسألة الإصلاح ونشر الديمقراطية ليست جديدة في السياسة الخارجية الأمريكية وتعود إلى عقود سابقة، إلا أنها اكتسبت أبعاداً وأهمية خاصة بعد أحداث أيلول 2001، هنالك العديد من "الدول الديمقراطية" قد وجدت في شعارالحرب على الإرهاب، ملاذاً لاستمرار سياساتها القمعية ولذا أصبحت مبادئ حقوق الإنسان والحريات الأساسية مهددة، على الرغم من كونها جزءاً لا يتجزأ من الكرامة الإنسانية التي تسعى فكرة الحفاظ على الأمن القومي إلى حمايتها.

........................................................................................................................
المصادر
- ساسة بوست
- عربي بوست
- عربي 21
- RT
- جريدة الراية
- المركز الديمقراطي العربي

اضف تعليق