q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

حكايتي مع كورونا والكهرباء والغريب

أكثر من ثلاثين يوماً من العزلة المنزلية

يعد التوثيق تجربة إنسانية لا تخلو من فائدة، لعلَّ أقلها إلقاء ضوء على هذه المرحلة الكورونية، كانت البداية في أحد أيام شهر حزيران، إذ بلغنا بإصابة أحد أخوتي بكورونا، كان وضعه الصحي حرجاً للغاية لمعاناته من مشاكل صحية في صدره، حصرت مهمتنا في توفير قنينة أوكسجين مع مستلزماتها، قنينة الأوكسجين...

يعد التوثيق تجربة إنسانية لا تخلو من فائدة، لعلَّ أقلها إلقاء ضوء على هذه المرحلة الكورونية، كانت البداية في أحد أيام شهر حزيران، إذ بلغنا بإصابة أحد أخوتي بكورونا، كان وضعه الصحي حرجاً للغاية لمعاناته من مشاكل صحية في صدره، حصرت مهمتنا في توفير قنينة أوكسجين مع مستلزماتها، قنينة الأوكسجين وجدت طريقها إلينا بيسر عبر هيئة الحشد الشعبي لكن كمنت الصعوبة في (جهاز القياس والتنفس).

لم تمضِ أيام ثلاثة لنعلم بإصابة الشقيق الثاني ووضعه حرج هو الآخر؛ وهو في الحجر المنزلي، وبإطلالة الثاني من تموز بُلغ زوجي أن أخاه، الساكن في البصرة، مصاب، وفي اليوم التالي، الجمعة الثالث من تموز تلقى خبراً آخر يفيد بإصابة ابنه الوحيد، البالغ من العمر 28 سنة، بالجائحة وانه نقل إلى مستشفى البصرة العام، لخطورة وضعه ويرقد في ردهة العناية المركزة. كان الأب مصمماً للتوجه إلى البصرة، ولم املك الخيار في منعه.

سافر، وعلمت منه أن ابنه لم يستجب للعلاج، وأن البرتوكول العلاجي غير له أكثر من مرة!، كنتُ ما زلتُ في بيتي لم أبرحه، وكانت الكهرباء (الوطنية) قد غادرت بيتنا قبل مغادرة زوجي، وكنتُ اعتمد على مولدة (السحب)، وفي مساء الخامس من تموز، طرق الباب شاب من الجيران، فأخبرني أن رجلاً يرتدي (دشداشة) ترجل من سيارته الصفراء، ونادى على زوجي مرَّات عدَّة، ثمَّ اخرج مسدساً ليرمي لكن انحشار إحدى الرصاصات منعه من ذلك!

وقفت مذهولاً، أنا لم أسمع شيئاً ربما بسبب صوت (المبردة) العالي.. هرعت مسرعة لاتصل بأخي (ح) الذي لا يفصلنا عن بيته سوى دقائق معدودة، فجاء على الفور برفقة أخي الأكبر (ع)، فذهبا إلى جيراننا، وسمعا منه تماماً كما رويت لهما، فطلبا مني الاتصال بزوجي والاستفهام منه، استغرب جداً ممَّا قلت ومن هذا الشخص!

أمعنا النظر في الأمر، قد يكون خطأ غير مقصود أو اشتباه. كان قراري البقاء في بيتي لبيان حقيقة الأمر على الرغم من اصرار أخي لمرافقته لبيته، شرعت باستعمال قفلين الأول للباب الخارجي، والثاني لباب الاستقبال!

تراجع مستمر

عدت ثانية لمتابعة حالة الابن في البصرة، فكانت في تراجع مستمر، فنصحهم الأطباء بتجهيز البلازما، وكانت رحلة البحث عنه ليست باليسيرة، ونتائج نقل البلازما يتضح أثرها في اليوم التالي.

كان الأب المواظب على الدوام أمام بوابة المستشفى، طيلة الاسبوع، قد شعر بالتعب وعدم القدرة على الحركة، توقع الجميع أنها بسبب الإعياء والحرّ والقلق؛ في اتصاله لم يفارقه السعال، كلماته تخرج بصعوبة؛ فشجعته على ضرورة الفحص فوراً، وفي يوم الجمعة الموافق العاشر من تموز تأكدت إصابته بكورونا!

ألجأتني الوحدة إلى بيت أخي (ح)، وفي يوم الأحد الموافق 12 من تموز، شعر بدوار وإجهاد، فشكّ أنه التيفوئيد! لكن نتائج الفحص في يوم الثلاثاء الموافق 14 تموز كشف عن أصابته بالفايروس التاجي؛ فلملمتُ أشيائي وعدت أدراجي في مساء الثلاثاء، وفي اليوم التالي قبل الظهيرة، طرق الباب رجلان أحدهما أعرفه، صاحب محل في الحي، والآخر لم يسبق أن رأيته، قدم نفسه أنه السيد (ر. م) من وجهاء المنطقة، وادعى أنه قصد منزلنا مرات وطرق كثيراً ولم يفتح له، وانه يتصل بزوجي ولا يجيب! فهرولت مسرعة داخل البيت واتصلت بأخي (ح) المصاب ليأتي لمنزلي لفهم مراد هؤلاء، وكسباً للوقت طلبت منهما الدخول، وبعد سؤال وجواب لم أفهم شيئاً، بل نجح هو في الحصول على معلومات عن زوجي وأخذ أرقام موبايلاتنا!

انتبهت بعد لحظات من التأمل، أن هذا (ر. م) يبدو محتالاً، وليس كما يدعي أنه وسيط لطرف ثالث، وانه على علم بظرفي الحالي، فطلب مني اخي المصاب نسيان الأمر!

عدت لبيت (ح) مجدداً في مساء يوم الاربعاء، خشية أن يقال اني هربت هلعاً من المرض كما أن بقائي يزيد من معنوياته في مقاتلة المرض!

في يوم الجمعة ليلاً الموافق 17 تموز رجعت لبيتي، وأيقنت في يوم السبت أن الكهرباء غادرت البيت كلياً، شرعت بالتحرك في الساعة الثانية عشرة ظهراً، لم أكن املك رقم صاحبة المولدة، لأنها ترفض أن يتصل بها المشتركون؛ فهي امرأة! فقصدت أولاً محل أسواق قريب وسألته عن الكهرباء (الوطنية) وعن قصة جمع المال لشراء محولة أخرى، ثمَّ توجهت لبيت صاحبة المولدة لاستفهم منها فلم تفتح لي! حصلت على رقم هاتفها بطريقة ما، واتصلت بها، فانهالت علي باللوم؛ لأنني يجب على أن اتابع مسير السلك الكهربائي!

وطلبت عدم الاتصال بها، كما هددت برمي (الجوزة) لأن مولدتها غير متوقفة على سلكي الكهربائي! تدخلت أختي لإصلاح الموقف مع صاحبة المولدة التي رمت السلك، وطلبت منها أن تعذرني، واتصلت أختي بكهربائي لإصلاح القطع بفعل سيارة، وفي الصباح اليوم التالي قُطع السلك مجدداً ومن المكان نفسه! فاتصلت بأخي الصغير (م) لمساعدتي؛ فعلمت أنه مصاب بكورونا.. فاصبح هو المصاب الرابع من اخوتي!

اتصلت بكهربائي المنطقة ليصلح الخلل فظل يرواغ بالوقت، يحدد موعداً فيخلفه مراراً وتكراراً، فعيل صبري.. فاستنجدت في اليوم التالي بزملاء موثوق بهم، لإحضار كهربائي.. وفعلاً تم.. وليخفض الكهربائي من تسعيرته المرتفعة، شرحت له وضعي أملاً في استعطافه، وأخبرته عن إصابة زوجي وأهله، وكذلك أخواني الأربعة، فاصفر وجه الرجل، فســــأل أخاه المساعد، كما روي لي زميلي، قـــــــــائلاً: “بهم كورونا!!.. شدكول.. نفلت”؟!

تسببت الكهرباء بثقل كاهلي، دفعتني للشجار مع زوجي؛ لاختياره لهذه المولدة، ولعدم ايجاد حل لخلل الكهرباء (الوطنية) كبقية العوائل، وأدت هذه المشاجرة إلى سوء حالته الصحية، ونقله إلى المشفى! المفارقة كانت أنني استلمت ورقة الكهرباء في حينها بمبلغ 34 ألفاً!

وضع صحي

كان الوضع الصحي لأخي (ح) ليس على ما يرام، إذ رماه الفايروس بسهم حمى أدت به الى الهذيان فضلاً عن ضيق في التنفس وعدم الرغبة في الأكل.. وما زاد الطين بلة أن السيد (ر. م) اتصل به في يوم ال 22 من تموز، قائلاً له ان زوجي شاهر سلاح على مجموعة ويريد تسوية الموقف عشائرياً.. فجادله، فزوجي ليس من النوع الذي يحمل سلاحاً ولا حتى سكيناً، وأنه مستعد لاستقبال العشيرة الآن وفي بيته!

بلغ ذروته

تسبب هذا الجدال بتدهور وضعه الصحي ليبلغ ذروته بعد منتصف الليل، إذ ارتفعت حرارته بشكل مقلق مع ضيــق في التنفس ممّا دفع بأخي (ع) إلى توجيهه نحو القبلة، ولم تنفع معه زرق الأبر وقنــينة الأوكسجين!

فلجأت إلى أهل زوجي، فاتصلت بأخيه المنتسب (ع. ع)، وعلمت منه أن الوضع الصحي لزوجي متدهور، وانه في المستشفى، وقد منع من الأكل، وعلق له (المغذي)، وأنه يعاني من مضاعفات كورونا ومع ذلك فصلت له في موضوع الرجل الغريب، وفي الحقيقة لم ألجأ إلى الشرطة ولا إلى عمليات بغداد؛ لأن وضعي النفسي والحجر الصحي لا يسمح لي بالتحرك كثيراً، فضلاً عن أنني أخشى المماطلة في الاجراءات والتسويف الذي سيذهب بالجهد والمال هباء منثوراً في ظل حرّ شديد وتأخر الرواتب وتفاقم حالة من حولي، ممَّا يجعلني ألزم البيت واصبر. وعدني أخو زوجي خيراً، وأبلغني أنه سيتصل بشيخ عشيرتهم حال شفائه من كورونا؛ فهو الآخر مصاب.

ويبدو أن ما حولي قرر مشاكستي… ففي مساء اليوم التالي، هممتُ بفتح القفل الداخلي لباب الاستقبال، لكن محاولتي باءت بالفشل!.. أغرقت القفل المتمرد بزيت الطبخ.. ونمت.. وفي الصباح لم انجح بفتحه أيضاً، شاهدت فيديوات عن كيفية فتح الأقفال دون مفتاح، وجهزت العُدد اليدوية ولم أفلح. خطر ببالي الأفلام وكيفية قيام السجناء بفتح الأقفاص بالسكاكين!.. فقلدتهم بسكين المطبخ المنشارية، بدأت العمل في الساعة الثانية بعد الظهر.. بعد عشر دقائق لاحظت أن السكين أحدثت شرخاً في حلقة القفل، فارتفعت همتي للاستمرار في العمل بشكل لا يوصف!.

وعند الساعة التاسعة والنصف ليلاً اطلق القفل صرخته الأخيرة، وقفز معلناً انتصاري على تمرده.. وبفتح حلقته انهمرت دموعي.. وذقت للحظاتٍ طعم سعادة السجين المظلوم عند خروجه من سجنه! بعد بضعة أيام اتصل زوجي ليطلعني أن كبيرهم اتصل بـ(ر.م)، وأن الأخير أعلن انسحابه من القضية (وبعد ما عنده شغلة)!

وحتى هذه اللحظة لم أعرف ما القضية؟ ولا (الشغلة)؟! وما معنى الانسحاب؟! وأكاد أجزم ليس هناك قضية بل مسألة ابتزاز لامرأة عانت من ظرف استثنائي.

انقضى شهر تموز الساخن.. وهلت أيام آب.. وأخذ المرضى بالتعافي.. وتراوحت تكاليف العلاج مع الحجر المنزلي بين (400- 750) ألف دينار عراقي للمريض الواحد.. وكم راودني السؤال: كيف يعالج الفقير مرضاه؟ ماذا لو أصيب أكثر من فرد في عائلة دون مستوى خط الفقر؟! وبعد عطلة عيد الأضحى مباشرة، في التاسع من آب، عاد الغائب من البصرة.. كانت تجربة ثرة، لكن بحق لا أريدها أن تتكرر ونسأل الله أن يحفظك العراق والعراقيين.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق