q
بإمكان الشباب المؤمن في كل مكان –وليس فقط في العراق- من ان يكونوا خير تجسيد لحديث رسول الله، صلى الله عليه وآله، بأن للحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد ابدا، من خلال إقامة الشعائر الحسينية بأفضل وجه، وبأفضل الطرق والسبل لإيصال رسالة هذه الشعائر والنهضة الحسينية الى المجتمع والأمة...

ما أن يحلّ شهر محرم الحرام حتى يندفع المئات من الشباب في مختلف بقاع العالم لنصب السرادق والتكايا والمواكب الخدمية، والمشاركة الجادّة في تأهيل الحسينيات والجوامع المآتم، و تزويدها بما يلزم من إضاءة، ومفروشات، وصحيّات، وتبريد في الصيف، والتدفئة في الشتاء، وسائر المستلزمات الضرورية لإقامة مجالس العزاء على الإمام الحسين، عليه السلام، وتجديد ذكرى نهضته المدوية، علماً أن في هذه المؤسسات الحسينية ثمة رجال يخدمون، ووجهاء وممولون وإداريون بمهام لا يستهان بها، بيد أن الغالب على المشهد؛ الشباب المتحمّس والمندفع في كل الاتجاهات ونحو مختلف الاعمال.

ولو تصفحنا تاريخ الشعائر الحسينية، بل وبدايات الحركة الاسلامية في خمسينات القرن الماضي، نجد أن قاعدة الانطلاق كانت متمثلة بالشباب، فمعظم الهيئات الحسينية كانت تعنون على أنها "موكب شباب"، سواءً للمناطق السكنية المعروفة داخل المدينة القديمة، او التي تحمل أسماء أبطال الطف، مثل "شباب القاسم"، أو "شباب علي الأكبر"، ولطالما اعتمد المرجع الديني الراحل السيد محمد الشيرازي على الطاقات الشبابية المتوثبة دائماً لإنجاح مشاريع عملاقة ذات أبعاد فكرية وتربوية واجتماعية، مثل تشييد المدارس والمكتبات والحوزات، وإقامة الفعاليات الثقافية والتشجيع على الزواج ومساعدة المحتاجين، فضلاً عن التشجيع الدائم على إقامة الشعائر الحسينية بشكلها المطلوب، ثم نقل هذه المراسيم، لاسيما المجالس الحسينية الى سائر المدن العراقية، ومن ثمّ الانتشار في جميع أنحاء العالم.

المرآة الناصعة لشخصية الشباب

ان مبادئ النهضة الحسينية متمثلة بالحرية والإصلاح والتغيير الجذري، يجدها معظم الشباب مرآة ناصعة لشخصيتهم ولنمط تفكيرهم في مرحلتهم العمرية، فالشاب في مرحلة ما بعد المراهقة يطمح لصياغة شخصيته المستقلة بحرية كافية، ويجرب قدراته الذهنية والعضلية، كما يجرب مواهبه ليجد له مكانة مناسبة في كيان المجتمع، وكلما كانت الصياغة متكاملة بالطرق الصحيحة، والتجارب ناضجة، يكون عنوان الشاب في المجتمع اكثر تألقاً وتأثيراً، فيكون الطالب المجد، ثم الخريج المتخصص في العلوم المختلفة، كما يكون العامل الكادح والمبدع في سوق العمل الحر، وايضاً يكون ذلك المقاتل الباسل الذي يسطر ملاحم بطولية أمام تحديات خارجية تهدد أمن بلده وشعبه.

فالحرية التي دعا اليها الامام الحسين في نهضته المدوية، وتمناها على أهل الكوفة ليتخذوا القرار المصيري والتاريخي، كان قد زيّنه بالقيم والمبادئ، وإلا ما الذي كان يمنع الشباب، وقد كانوا شريحة لابأس بها في نفوس أهل الكوفة آنذاك، من أن يتمسكوا ببيعتهم لمسلم بن عقيل، وولائهم للإمام الحسين، غير الجُبن والميل الى حياة الدعة والعيش دون مشاكل في الحياة –حسب تصورهم-؟ ولو كانوا يؤطرون حريتهم في اتخاذ القرار بالشجاعة والتضحية من أجل قيم الحق والفضيلة، لما تمكن شخص واحد تسلل الى الكوفة خلسة قادماً من البصرة مثل عبيد الله بن زياد من أن يقود الآلاف كالخراف نحو عاقبة مشؤومة من أسوأ ما شهده التاريخ.

والى جانب الحرية التي تمثل في أحد جوانبها بالنسبة لشريحة الشباب قضية تمس شخصيتهم وذاتهم، فان الإصلاح والتغيير على الصعيد الخارجي هو مما يطمح اليه الشباب الباحث دائماً عن الجديد في الحياة، وهذا ما نلاحظه اليوم في جمهور الطلبة الجامعيين في زمن التبادل السريع للمعلومات والافكار عبر تقنية الاتصال المجاني عبر العالم، فهو ميّال بشدّة الى إصلاح الاوضاع الفاسدة في بلده، ومن ثمّ العمل على تغيير الواقع حسب القدرات والامكانات المتاحة.

وقد حدد الإمام الحسين، عليه السلام، للشباب المتوثب وللعالم أجمع البوصلة نحو هذا الإصلاح والتغيير ايضاً، فهو نحو غايات نبيلة، وبأساليب وآليات نبيلة ايضاً، وإلا فان الأمويين والعباسيين فتحوا ابواب التغيير على مصراعيه في اوساط الامة، ولكن الى أين؟! هذا هو السؤال المحوري، لقد اتجه التغيير الى الفضيلة والعقيدة وأحكام الدين، وايضاً؛ في سبل صياغة التفكير بعيداً عن منهج القرآن الكريم وسيرة النبي وأهل بيته، صلوات الله عليهم.

روح التحدي

بعد أن كثرت الاخبار عن خذلان أهل الكوفة لمسلم وسائر الاصحاب الأجلاء المقربين لأهل البيت، ثم وصول أخبار القتل والسحل الى قافلة الامام الحسين وهي تحث الخطى نحو كربلاء، توجه الإمام الحسين الى ابن اخيه القاسم بن الإمام الحسن المجتبى، عليه السلام: "كيف ترى الموت عندك؟ فقال: فيك أحلى من العسل". وفي محاورة جرت بين الإمام وبين ابنه علي الأكبر حول المصير الذي ينتظرهم من جيش ابن زياد، فقال الأكبر، عليه السلام: "أولسنا على الحق؟ فقال الإمام بلى، فقال: إذن؛ لا نبالي أوقع الموت علينا أم وقعنا على الموت".

هذه المواقف وغيرها كثير في معركة الطف، هي التي تلهب المشاعر وتذكي جذوة التحدي في نفوس الشباب قبل ان تثير في نفوس الكبار في السن، فالشباب اليوم يتسم –فيما يتّسم به- بروح التحدي والإصرار في مقابل الأطر الضيقة من التفكير، والخشية على المصالح الخاصة ممن يطلق عليهم في السياسة "بالمحافظين"، واحياناً يحصل التقاطع العنيف، والتعارض، ثم المواجهة بينهم وبين هذا التيار في المجتمع، مما يتمخض عن نتائج غير محمودة للشباب ولغيرهم، وللمجتمع بشكل عام.

فاذا تكون للشباب قيم مثل قيمة الحق التي اعتمدها عليٌ الأكبر، عليه السلام، فان روح التحدي والإصرار والعناد ايضاً، ستكون بالاتجاه البناء، وباتجاه الخير لهم وللمجتمع وللبلد بأسره، فالاكبر، كما والده الإمام الحسين، لم يكن يريد أن يتخذ من قيم الحق وسيلة للبحث عن بطولة ودور في الحياة، بقدر ما كان يريد أن تسود قيم الحق، وهي العدل، والحرية، والفضيلة، وغيرها، ابناء المجتمع الكوفي الذي جاؤوا بناءً على طلب منهم، وليعيش الهناء والأمان والرفاهية كما خَبَر ذلك مع جده أمير المؤمنين، عليه السلام.

وبذلك فان بإمكان الشباب المؤمن في كل مكان –وليس فقط في العراق- من ان يكونوا خير تجسيد لحديث رسول الله، صلى الله عليه وآله، بأن "للحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد ابدا"، من خلال إقامة الشعائر الحسينية بأفضل وجه، وبأفضل الطرق والسبل لإيصال رسالة هذه الشعائر والنهضة الحسينية الى المجتمع والأمة.

اضف تعليق