q
ان الانتخابات طريق آمن لعراق معافى، لكنه محفوف بالمخاطر اذا ما افتقد للنزاهة والاستقلال، فلابد للانتخابات من بيئة مؤاتية لكي يتحقق غرضها بوصول عناصر كفوءة ونزيهة الى دوائر صنع القرار لإحداث التحول المنشود الذي طالبت به جماهير اكتوبر بعد يأسها من امكانية الطبقة السياسية من انقاذ البلاد...

واحد من احتمالين، اما نحن واهمون، او نضحك على أنفسنا، ويبدو ان الاحتمال الثاني هو الأصح، والا ما تفسير عقدين من الخراب الشامل الذي يلف البلاد طولا وعرضا، يضاف الى المتراكم من الخراب الذي خلفته عقود ما قبل التغيير؟، ومع ذلك هناك من يُصر على أن النهج الذي نسير على وفقه صحيحا، وسيعطى ثماره آجلا، ولست أعرف ما الذي ستثمره الأشجار التي نخرها الفساد والتخلف؟

العراقيون يؤمنون تماما بالنظام الديمقراطي، ويدركون ان لا سبيل غيره لارتقاء الامة وعمران البلاد، ولا ينتابهم أدنى شك بأنه الخيار الذي يجعل المواطنة مفهوما ملموسا في الواقع، والكفاءة معيارا لشغل المناصب، والسلطة يجري تداولها سلميا، والقرار تصنعه المؤسسات وليس المزاج الشخصي للمسؤول، والحرية فضاء رحبا لكل العراقيين، لكن النظام الديمقراطي يراد له من يؤمن به حقا، ويعتقد ان الطائفية فكرة مقيتة من انتاج الكهوف وليس منابر النور، والمحاصصة اسلوب انتهازي يفرغ الديمقراطية من محتواها، وما هو اجتماعي في الديمقراطية لا يقل شأنا عما هو سياسي.

النظام الديمقراطي يراد له قوى سياسية مستنيرة، والمتنورون اولئك المتفاعلون مع معطيات الحاضر والمستقبل أكثر من انغماسهم في قيم الماضي، والسؤال هل تؤمن القوى والتيارات الفاعلة في مشهدنا السياسي بالنهج الديمقراطي؟ لا أظن ذلك، والصراعات الدموية بينها خير دليل، فكريا يرى البعض نفسه وصيا على الآخرين، وتتعارض أيديولوجيته مع فكرة الديمقراطية بالأصل، ولم يتمكن من تكييفها مع روح العصر، وظلت حبيسة الماضي بما في ذلك الماضي من نبذ لقيم الحداثة، بالمقابل هناك جماعات وأحزاب بلا هوية سياسية، لا تعرف لهم ملمحا معينا، سطحيون في أفكارهم، يصح وصفهم بالتافهين، جرفت غالبيتهم الصدفة والمصالح الضيقة الى عالم السياسة، تشغلهم الغايات بصرف النظر عن الطريق متخلفة كانت ام متحضرة، فمرة تراهم هنا واخرى هناك، وهؤلاء لا يقلون خطرا عن المهوسين بالماضي على النظام الديمقراطي، ولا تتأمل خيرا من الأثنين في بناء نظام ديمقراطي رصين يحقق أحلام العراقيين المنتظرة. فهذه الأحلام مرهونة بالمتنورين الذين همشوا، وصمت الآذان من سماع صراخاتهم المنادية بوطن له قيمة بين الامم.

ومع ان الانتخابات طريق آمن لعراق معافى، لكنه محفوف بالمخاطر اذا ما افتقد للنزاهة والاستقلال، فلابد للانتخابات من بيئة مؤاتية لكي يتحقق غرضها بوصول عناصر كفوءة ونزيهة الى دوائر صنع القرار لإحداث التحول المنشود الذي طالبت به جماهير اكتوبر بعد يأسها من امكانية الطبقة السياسية من انقاذ البلاد مما هي عليه من واقع مرير عبر اصلاح الخلل الذي أصاب بعض مفاصل العملية السياسية.

والسؤال الثاني هل توافرت هذه البيئة؟، حتى الآن : لا، وهل بمقدور الحكومة تهيئتها في غضون مدة السنة التي حددها رئيس الوزراء الكاظمي ؟، أظن ان الجواب مماثلا لجواب السؤال السابق، فلا يمكن أن تكون الانتخابات نزيهة ومستقلة، مع سلاح سائب في جميع أرجاء البلاد، وقوى مسلحة خفية ومعلنة لها من النفوذ والتأثير أقوى مما لدى الدولة، ولا تقتصر على مكون من دون آخر، ويراودني الشك بقدرة الحكومة على حصر هذا السلاح بيدها خلال سنة لتمارس سلطة فعلية، واذا لم تتمكن الدولة من ذلك، فاقرأ على نزاهة الانتخابات واستقلالها السلام، وانها ستكون شكلية والتغيير فيها لن يطول سوى الوجوه الهامشية، وستضعنا بمواجهة احتقانات جديدة تدخل البلاد في أنفاق أشد ظلمة من سابقاتها. كما تتطلب هذه البيئة اصدار تشريعات ضامنة للاستقلال والنزاهة في الانتخابات، وذلك مشكوك فيه مع مرور هذه التشريعات عبر برلمان يبرع في صياغة التشريعات بحسب الهوى، ولذلك فالانتخابات المبكرة ليست خيارا مناسبا. أظن ان الأولوية لإصلاح العملية السياسية ودستورها وتشريعاتها الاخرى من خبراء سياسيين وقانونيين محايدين لتطهير بيئتنا السياسية من الالغام وتمتين الآليات الديمقراطية.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق