q

لا تزال قضية نشر الرسوم المسيئة والتجرؤ على استهدف شخصية الرسول العظيم محمد (ص) مستمرة في مختلف وسائل الإعلام الغربية، من قبل بعض الجهات والمؤسسات والشخصيات المعادية للإسلام والمسلمين، على الرغم من الانتقادات وردود الافعال الغاضبة التي اثارتها هذه الممارسات الاستفزازية، التي عدها بعض المراقبين حربا جديدة وخطيرة تأتي تحت مسمى حرية الرأي والتعبير، وهو ما قد يساعد في تفاقم واتساع مساحة الحقد والكراهية لأسباب عرقية أو دينية. خصوصا مع وجود جهات واحزاب يمينية متطرفة تسعى وبشكل دائم الى الاستفادة من هكذا امور من اجل إشعال الفتن وتعبئة الرأي العام ودفعه إلى الإجرام وتأجيج الإسلاموفوپيا الغربية ضد الإسلام.

ويرى بعض المراقبين ان المؤسسات والحكومات الغربية تدفع اليوم ثمن سياساتها الخاطئة خصوصا وانها قد عمدت الى ايواء وانشاء ودعم الجماعات الإسلامية المتشددة لاستخدامها في تأمين مصالحها عند الضرورة، حيث سعت الجماعات المتشددة الى الاستفادة من الازمات والمشكلات الداخلية وردود الافعال الغاضبة، في توسيع اعمالها الانتقامية في المجتمعات الأوربية. من جانب اخر يرى بعض الخبراء ان على الحكومات الغربية اعادة النظر بسياساتها الحالية، والعمل على سن قوانين جديدة لتجريم هذه الممارسات الاستفزازية واعتبارها ارهاب فكري يدعوا الى نشر الكراهية والعنف.

استهداف مستمر

وفيما يخص استمرار حرب الاستهداف فقد اعرب النائب الهولندي المعادي للإسلام غيرت فيلدرز عن عزمه عرض رسوم كاريكاتورية تمثل النبي محمد على التلفزيون بعد رفض طلبه عرضها في البرلمان، ما يمكن ان يحرمه من الظهور على الشاشة لسنوات. وقال غيرت فيلدرز انه سيعرض هذه الرسوم خلال الفترة المخصصة للأحزاب السياسية دفاعا عن حرية التعبير بعد ان كانت مسابقة للرسوم الساخرة من النبي محمد في تكساس هدفا لهجوم تبناه تنظيم داعش.

وقال النائب في بيان صادر "الطريقة الوحيدة لنظهر للاسلاميين المتطرفين اننا لن نرضخ ابدا للارهاب والعنف هي ان نفعل بالضبط ما يريدون منعنا من القيام به". ونظرا للإساءة التي تمثلها هذه الرسوم بالنسبة لكثير من المسلمين فان عرضها على التلفزيون قد يعني منع حزب الحرية الذي ينتمي اليه فيلدرز من الظهور على التلفزيون من سنة لأربع سنوات. ويرفض فيلدرز اعتبار عرض الرسوم الكاريكاتورية استفزازا.

وتتيح هيئة الاعلام في هولندا للاحزاب السياسية وقتا لعرض افكار سياسية وهي لا تدقق مسبقا في محتوى الأشرطة التي تنوي هذه الاحزاب عرضها، ولا يمكنها ان تقرر مسبقا اذا كان هذا المحتوى يتفق او يتعارض مع القانون تجنبا لفرض رقابة مسبقة والاساءة لحرية العبير، وفق ما اكد روتغر فورتوين المتحدث باسم الهيئة. واضاف ان القضاء هو الذي يقرر بشأن تهمة التحريض على الكراهية.

ويشغل حزب فيلدرز 12 مقعدا من اصل 150 في البرلمان الهولندي وهو يسعى الى منع المصحف الذي يشبهه بكتاب "كفاحي" لادولف هتلر. كما يريد فيلدرز وقف استقبال المهاجرين من البلدان المسلمة. وهو ملاحق حاليا بتهمة التحريض على الكراهية بعد ان وعد انصاره خلال تجمع انتخابي في 2014 "بتقليل عدد المغاربة" في هولندا.

من جابها منعت السلطات الأمريكية وضع رسم كاريكاتوري للنبي محمد على الحافلات وقطارات الأنفاق في واشنطن، وهو ما أثار استياء منظمي مسابقة حول هذا الموضوع تسببت بإطلاق نار ومقتل شخصين في تكساس مطلع أيار/ مايو. واحتجت باميلا غيلير، مؤسسة منظمة "أمريكان فريدوم ديفنس" الموصوفة بأنها معادية للإسلام، على ما اعتبرته "انتهاكا لحرية التعبير"، قائلة إن "سلطات النقل في العاصمة رفضت وضع رسومات مثيرة للجدل". بحسب فرانس برس.

وكانت غيلير تعتزم نشر رسم يتناول النبي محمد فاز بمباراة في غارلاند، وهو يصوره حاملا سيفا قائلا "لا يمكنكم أن ترسموني"، فيما تظهر على يد الرسام عبارة "لهذا أنا أرسمك". وبحسب غيلير، فإن سلطات النقل في المدينة قررت عدم نشر أي إعلانات مثيرة للجدل حتى نهاية العام. وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن القرار اتخذ خوفا من أن تصبح الحافلات وقطارات المترو "أهدافا لعمليات إرهابية". وقتل رجلان أثناء مهاجمتهما المبنى الذي كان يستضيف مسابقة الكاريكاتير.

تكريم شارلي

وفي هذا الشأن ووسط تصفيق حوالى 800 مدعو وقوفا، تسلم صحافيان من مجلة شارلي ايبدو في نيويورك جائزة لحرية التعبير بعد اشهر على الهجمات الدامية التي استهدفت الاسبوعية الساخرة في باريس. وسلمت جائزة جمعية "بين" الادبية الاميركية التي تسعى الى الدفاع عن الكتاب حول العالم، الى رئيس تحرير شارلي ايبدو جيرار بيار وناقد السينما فيها جان باتيست ثوريه، في عشاء ساهر في متحف التاريخ الطبيعي قرب حديقة سنترال بارك.

واحيط الحفل باجراءات امنية مشددة حيث انتشر شرطيون يحملون اسلحة نصف رشاشة امام المبنى فيما راقب اخرون المنطقة برفقة كلاب بوليسية. والزم الضيوف جميعا على المرور عبر الات مسح. من بين المدعوين الكاتبان سلمان رشدي مؤلف "ايات شيطانية والان مابانكو الحائز على جائزة رونودو 2006 والممثلة غلين كلوز والكاتب في مجلة نيويوركر ادام غوبنيك والرسام فيها بوب مانكوف ورئيس جمعية اس او اس راسيزم لمكافحة العنصرية دومينيك سوبو، الذي اتى من فرنسا خصيصا للحضور.

لكن منح الجائزة الى شارلي ايبدو لم يلق تأييد الجميع. فقد قاطع ستة كتاب من بينهم الاسترالي بيتر كاري الحائز مرتين على جائزة بوكر، الحفل معتبرين ان شارلي ايبدو صحيفة كارهة للاسلام ومتعصبة. كما وقع حوالى 200 من اعضاء بين الـ4000 احتجاجا على هذا الخيار. لكن سلمان رشدي اعتبر ان الحضور "مهم جدا...لان فنانين قتلوا من اجل فنهم، وبين هي منظمة تدافع عن حق الفنانين في التطرق الى جميع المواضيع". واكد ادم غوبنيك "علينا ان نحضر، انها قضية شجاعة، وسنحتفي بالشجاعة الاستثنائية لشارلي ايبدو".

وصرح سلمان رشدي "من المهم مواصلة الدفاع عن مبدا حرية التعبير"، منتقدا بحدة معارضي اختيار شارلي ايبدو. وقال "انهم مجانين وحمقى وجهلة. فهم لا يتكلمون الفرنسية ولم يروا شارلي قط. خاب املي كثيرا لان عددا منهم اصدقائي". وراى جان باتيست ثوري في المسالة مجرد "ارتباك". واوضح "انه مبدا حرية التعبير الذي يكرم هنا، وليس مضمون شارلي ايبدو" مؤكدا انه لم يصدم بالجدل الذي يعكس بحسبه "جهلا بما هي الصحيفة، وبالتقليد الساخر في فرنسا".

وجرى تسليم الجائزة بعد هجوم في تكساس استهدف مسابقة للرسوم الكاريكاتورية حول النبي محمد نظمته جمعية مناهضة للاسلام تراسها باميلا غيلر. وصرح بيار "ليست بيننا امور مشتركة تذكر". واضاف، انها "نظمت مسابقة للرسوم المناهضة للاسلام للتنديد بأسلمة العالم الغربي. اما نحن فنقوم بعملنا، وعندما يتصدر الاسلام الاخبار نتطرق اليه، والا فنتطرق الى (الرئيس الفرنسي السابق نيكولا) ساركوزي او (زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين) لوبن، الخ". وتحدث عن دراسة لـ500 صفحة اولى لشارلي ايبدو اجراها علماء اجتماع افادت ان سبعا منها فحسب خصصت للنبي محمد.

وقبل الحديث امام مدعوي بين، اصر دومينيك سوبو امام جمهور اميركي باغلبيته على التزام شارلي ايبدو الدائم مكافحة جميع انواع العنصرية. واعرب بيار في كلمته عن "الفخر الكبير" بجائزة بين التي تلقتها "صحيفة ساخرة صغيرة كانت، قبل 7 كانون الثاني/يناير، مجهولة في اغلب مناطق العالم" وتكافح لبقائها. بحسب فرانس برس.

واضاف "في نصف ساعة من العنف الدامي، اصبحنا رمزا دوليا. بتنا نجسد حرية التعبير والضمير. اصبحنا ابطالا (...) لكن لا يمكن ان نكون الوحيدين الذين يمثلون قيما هي ملك الجميع" معتبرا ان "على جميع مواطني العالم الدفاع عنها لمكافحة الظلامية السياسية والدينية". واضاف وسط تصفيق الحضور "كلما زاد عددنا تفاقم ضعفهم".

من جانب اخر قال أحد رسامي الكاريكاتير القلائل الذين نجوا من هجوم شنه متشددون إسلاميون على صحيفة شارلي إبدو الفرنسية إنه سيستقيل موضحا إنه لم يعد بوسعه تحمل الضغوط. وأعلن رينالد لوزيه الذي يشتهر باسم لوز قراره في مقابلة مع صحيفة ليبراسيون التي استضافت شارلي إبدو وساعدتها على الصدور منذ تعرض الصحيفة لهجوم أسفر عن قتل معظم رسامي الكاريكاتير بها.

وقال لوز "جاء الوقت الذي أصبح فيه لا يمكن التحمل أكثر من ذلك. لا يوجد أحد حولك يرسم كاريكاتير. انتهى بي الأمر بأعداد الصفحات الأمامية لثلاثة من بين كل أربعة أعداد. كل عدد يطبع يمثل عذابا لأن الآخرين لم يعد لهم وجود." ورسم لوز غلاف أول عدد لشارلي إبدو بعد الهجوم والذي بيعت منه نحو ثمانية ملايين نسخة في شتى أنحاء العالم بالمقارنة مع نحو 60 ألف عدد كانت تباع أسبوعيا في العادة ولكنه قال في الآونة الأخيرة إنه لن يرسم بعد الآن كاريكاتير للنبي محمد لأنه مل هذا الأمر. ويعيش لوز تحت حماية الشرطة مثل باقي الناجين وزملاء له في صحف أخرى. وأشار لوز إلى ضغوط العمل وتدقيق وسائل الإعلام بوصفها الأسباب الرئيسية وراء استقالته.

جدل فرنسي

الى جانب ذلك تحت عنوان "من هو شارلي؟" أثار كتاب عالم الاجتماع الفرنسي والمؤرخ إيمانويل تود الذي صدر في 7 مايو/أيار، جدلا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية. إيمانويل تود حاول أن يسلط الضوء على التظاهرات الشعبية التي نظمت في 11 يناير/كانون الثاني الماضي بفرنسا عامة وباريس خاصة للتنديد بالهجمات الإرهابية التي استهدفت مقر مجلة "شارلي إيبدو" الساخرة بباريس ومتجرا يهوديا بضاحية فانسان، ما أدى إلى مقتل 12 في الهجوم الأول وأربعة في الثاني.

ففي حين سعت السلطات الفرنسية، وعلى رأسها الرئيس فرانسوا هولاند شخصيا ورئيس الحكومة مانويل فالس، إلى تسويق صورة هذه التظاهرات على أنها أكبر تظاهرات تشهدها فرنسا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مؤكدة على مدى التفاف الشعب الفرنسي بمختلف أطيافه وأديانه حول مبادئ الجمهورية والعدالة ورفض الإرهاب، جاء كتاب إيمانويل تود ليخلق شرخا في هذه النظرة ويطرح أسئلة لم تطرح آنذاك. فالعمال والفقراء لم يشعروا بأنهم شارلي!

وقال تود إنه لا يمكن أن نزعم بأن جميع الفرنسيين خرجوا في 11 يناير/كانون الثاني الماضي للتظاهر في الشارع، بل جزء منهم فقط، بينهم موظفون كبار ومثقفون وفرنسيون ينتمون إلى طبقة اجتماعية ذات دخل مادي مرتفع في حين غاب عن هذه المسيرة الفقراء وسكان الضواحي والأرياف والعمال البسطاء الذي لم يشعروا بأنهم "شارلي".

وقال تود في حوار خاص مع مجلة "لوبس" التي تدافع على قيم اليسار: "عندما يشارك 4 ملايين فرنسي في تظاهرة للتعبير عن حقهم في انتقاد ديانة الآخرين (يقصد هنا الدين الإسلامي) وعندما نعتبر أن المسلمين هم الفئة المستضعفة في المجتمع الفرنسي، طبعا شعر هؤلاء الفرنسيون بأنهم هم الأقوياء وهم الذين يؤمنون بالعدالة. لكن الحقيقة مخالفة جدا ولا تترجم ما يحدث على أرض الواقع".

وأضاف تود: "ما يقلقني اليوم ليس حفنة من المتطرفين والمختلين عقليا الذين يرتكبون هجمات إرهابية باسم الإسلام، بل الهستريا التي أصابت المجتمع الفرنسي إلى درجة أصبحت الشرطة تستدعي أطفالا لا تتعدى أعمارهم 8 سنوات إلى مراكز الأمن". وتابع: "لا يمكن أن أتقبل الفكرة التي بدأت تنتشر داخل المجتمع الفرنسي والتي تقول بأن الإسلام يشكل خطرا كبيرا على حياة اليهود، لسبب واحد وهو أنه لا توجد قارة تعرض فيها اليهود إلى القتل والمجازر مثل القارة الأوروبية".

ودعا إيمانويل تود إلى ترك المسلمين يعيشون باطمئنان في فرنسا. وقال: "يجب أن لا نضع كل المسلمين في كيس واحد مثلما تصرفنا مع اليهود في الثلاثينات، لأن مهما كانت درجة اندماجهم في المجتمع الفرنسي (المسلمون)، فهم أيضا بشر ولذا يجب الكف عن الضغط عليهم في كل مرة". كما انتقد إيمانويل تود الرئيس فرانسوا هولاند ورئيس الحكومة مانويل فالس قائلا: "فالس وهولاند، اللذان يتحدثان صباحا ومساء عن العدالة وعن الحرية، بينما يخربان المجتمع الفرنسي بسياستهما الاقتصادية غير العادلة، هما اللذان يمثلان الوجه السيء لفرنسا".

من جهة أخرى وفي مقابلة مع إذاعة فرنسية، هاجم إيمانويل تود بشدة رئيس الحكومة مانويل فالس قائلا: "بالنسبة لي تفاؤل مانويل فالس يشبه تفاؤل الثورة الوطنية وتفاؤل ماريشال بيتان (الذي كان مواليا للنازية) الذي كان يتهم فرنسيي المقاومة بأنهم ليسوا بالفرنسيين الحقيقيين". لكن كتابات وتصريحات عالم الاجتماع إيمانويل تود لم تمر مرور الكرام لدى المسؤولين السياسيين والمثقفين بل استوقفت العديد منهم، وعلى رأسهم مانويل فالس الذي انتقدها بشدة كبيرة.

وفي مقال نشره في موقع جريدة "لوموند" انتقد رئيس الحكومة الفرنسية التحليل الذي قام به إيمانويل تود بشأن تظاهرات 11 يناير/كانون الثاني الماضي. وكتب فالس أن البعض يريد أن يقلل من أهمية التظاهرات التي نظمت في المدن الفرنسية، لكن في الحقيقة هذه التظاهرات كانت عفوية وشعبية والمبادرة جاءت من الفرنسيين أنفسهم الذي وقفوا وقفة واحدة أمام الإرهاب منذ 7 يناير/كانون الأول الماضي".

وأشار فالس إلى أن "المسيرات الشعبية التي جمعت حوالي 4 ملايين فرنسي لم تكن موجهة ضد الإسلام والمسلمين، بل كانت مجرد صرخة من أجل الكرامة والتسامح وضد الإرهاب والجهاد باسم دين غيرت مفاهيمه وأصبح يعتدي على دولة القانون وعلى القيم الديمقراطية ويقتل اليهود والمسلمين والمسيحيين". وواصل أن "مهما كانت التعبئة الشعبية ضد الإرهاب التي عرفناها في 11 يناير/كانون الثاني، إلا أن هذا لا يجب أن يخفي المشاكل التي يعاني منها الفرنسيون مثل البطالة ونقص المساكن وانخفاض القدرة الشرائية، داعيا كل فرنسي من موقعه أن يقوم بكل ما في وسعه لتحسين وضع فرنسا وإبقاء شعلة الأمل مشتعلة في قلب كل فرنسي". بحسب فرانس برس.

اضف تعليق