q
تُقاوم الحكومات في جميع أنحاء أزمة كوفيد 19 من خلال تنفيذ سياسات مالية ونقدية مشتركة بلغت بالفعل 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ووفقًا لأحدث تقييم عالمي صادر عن إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتحدة، قد لا تتمكن تدابير التحفيز هذه من تعزيز الاستهلاك والاستثمار...
بقلم: جوزيف ستيغليتز/حامد راشد

نيويورك ـ تُقاوم الحكومات في جميع أنحاء أزمة وباء كوفيد 19 من خلال تنفيذ سياسات مالية ونقدية مشتركة بلغت بالفعل 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومع ذلك، ووفقًا لأحدث تقييم عالمي صادر عن إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتحدة، قد لا تتمكن تدابير التحفيز هذه من تعزيز الاستهلاك والاستثمار بقدر ما يأمل صناع السياسات.

تكمن المشكلة في أن جزءًا كبيرًا من الأموال يتم توجيهه مباشرةً إلى احتياطي رأس المال، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الاحتياطيات الوقائية. يشبه هذا الوضع إلى حد كبير "فخ السيولة" الذي أثار قلق جون ماينارد كينز خلال أزمة الكساد العظيم.

في الواقع، يُعد تنفيذ التدابير التحفيزية بشكل حاسم وسريع أمرا مفهوما -في حالة من الذعر تقريبًا- وذلك لاحتواء التداعيات الاقتصادية للوباء. على الرغم من أن هذا النهج القائم على التدابير التحفيزية لم يكن مستهدفًا ولا دقيقًا، فقد اعتبره العديد من النُقاد الخيار الوحيد في ذلك الوقت. في غياب ضخ كميات هائلة من السيولة الطارئة، كان من الممكن أن نشهد حالات إفلاس واسعة النطاق وخسائر في رأس المال التنظيمي ومسار أكثر صعوبة نحو تحقيق الانتعاش الاقتصادي.

ولكن من الواضح الآن أن الوباء سيستمر لفترة أطول بكثير من مجرد بضعة أسابيع، كما كان مُتوقعًا في البداية عندما تم تنفيذ هذه التدابير الوقائية الطارئة، مما يعني أيضًا أن جميع هذه البرامج تحتاج إلى تقييم أكثر دقة من منظور طويل الأجل. خلال فترات عدم اليقين، ترتفع المدخرات الاحترازية عادةً مع احتفاظ الأسر والشركات بالسيولة النقدية خشية حدوث أزمات أخرى.

إن الأزمة الحالية ليست استثناءً. نظرًا للمخاوف بشأن المستقبل وفرص الإنفاق المنخفضة للغاية، فإن معظم الأموال التي تتلقاها الأسر والشركات في شكل شيكات تحفيزية من المحتمل أن يتم الاحتفاظ بها في حساباتها المصرفية. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تضطر البنوك إلى الاعتماد على السيولة الزائدة، وذلك بسبب نقص المقترضين الجديرين بالائتمان الراغبين في الحصول على قروض جديدة.

ليس من المستغرب أن الاحتياطيات الفائضة لدى مؤسسات الإيداع الأمريكية تضاعفت تقريبًا من 1.5 تريليون دولار إلى 2.9 تريليون دولار بين شهري فبراير/شباط وأبريل/نيسان. في المقابل، لم تتجاوز الاحتياطيات الفائضة المحتفظ بها في البنوك خلال أزمة الركود العظيم 1 تريليون دولار. تُشير هذه الزيادة الهائلة في احتياطيات البنوك إلى أن سياسات التحفيز التي تم تنفيذها حتى الآن كان لها تأثير مُضاعف مُنخفض. من الواضح أن الائتمان المصرفي وحده لن يقودنا للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية.

ومما زاد الطين بلة أن السيولة النقدية الفائضة الحالية قد تكون مصحوبة بتكاليف اجتماعية هائلة. بعيدًا عن المخاوف المُعتادة بشأن الديون والتضخم، هناك أيضًا سبب وجيه للقلق من أن فائض السيولة النقدية في البنوك سيتم توجيهه نحو المُضاربة المالية. تُعاني أسواق الأسهم بالفعل من تقلبات شديدة على أساس يومي، وقد تؤدي هذه التغيرات بدورها إلى استمرار حالة عدم اليقين المتزايد، مما يؤدي إلى مزيد من التدابير الوقائية فضلاً عن إعاقة الاستهلاك والاستثمار اللازمان لدفع عجلة الانتعاش الاقتصادي الذي تشتد الحاجة إليه.

في هذه الحالة، سنواجه فخ سيولة ومُعضلة سيولة معًا: زيادة هائلة في عرض الأموال واستخدامات محدودة فقط من قبل الأسر والشركات. يمكن أن تساعد تدابير التحفيز المُصممة تصميمًا جيدًا بمجرد السيطرة على تفشي فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19". ومع ذلك، ما دام الوباء يُشكل خطرًا متزايدًا على حياة البشرية، فلن نتمكن من العودة إلى الحياة الطبيعية.

يتمثل الحل الفعال الآن في تقليل المخاطر وزيادة حوافز الإنفاق. ما دامت الشركات تخشى أن يظل الاقتصاد ضعيفًا بعد ستة أشهر أو سنة من الآن، فإنها ستؤجل الاستثمار، مما يؤدي بدوره إلى تأخير الانتعاش. الدول وحدها قادرة على كسر هذه الحلقة المفرغة. يجب على الحكومات ضمان التأمين ضد المخاطر الحالية، من خلال تقديم تعويض للشركات في حالة عدم انتعاش الاقتصاد في وقت مُحدد.

هناك بالفعل نموذج لتحقيق هذا الهدف: قد تُصبح "سندات آرو-ديبرو" (والتي سُميت على اسم الاقتصاديين الحائزين على جائزة نوبل كينيث آرو وجيرارد ديبرو) واجبة الدفع في ظل ظروف محددة مسبقًا. على سبيل المثال، يمكن للحكومة أن تضمن أنه إذا اشترت أسرة سيارة اليوم، وظل منحنى الوباء عند نقطة معينة بعد ستة أشهر من الآن، فسيتم تعليق مدفوعات السيارة الشهرية. وبالمثل، يمكن استخدام القروض والرهون العقارية التي يتم سدادها بما يتناسب مع الدخل لتشجيع شراء مجموعة واسعة من السلع الاستهلاكية الأساسية، بما في ذلك السكن. يمكن تطبيق أحكام مماثلة على الاستثمارات الحقيقية التي تقوم بها الشركات.

وبالمثل، يتعين على الحكومات النظر في إصدار قسائم الإنفاق لتحفيز استهلاك الأسر المعيشي. اتخذت الصين بالفعل تدبير مُماثلة، حيث تُصدر الحكومات المحلية في 50 مدينة قسائم إلكترونية يمكن استخدامها لشراء سلع وخدمات مختلفة خلال فترة زمنية معينة. إن تاريخ انتهاء صلاحية القسيمة يجعلها حافزًا قويًا للاستهلاك والطلب الكلي على المدى القصير - عندما تكون هناك حاجة ماسة إليها.

مع احتمال استمرار جائحة كورونا لفترة أطول مما كان مُتوقعًا في البداية، سيكون هناك حاجة لاتخاذ المزيد من تدابير التحفيز. على سبيل المثال، على الرغم من أن الولايات المتحدة قد أنفقت بالفعل 3 تريليون دولار للمساعدة في مجالات مختلفة، دون المزيد من التدابير -ويأمل المرء أن تكون أفضل تصميمًا- فإن هذه الأموال ستُساهم في إنقاذ العديد من الشركات من الإفلاس لبضعة أشهر فقط، بدلا من إنقاذها فعليًا.

تتمثل إحدى الاستراتيجيات التي حققت نجاحًا ملحوظًا في العديد من البلدان في تقديم المساعدة للشركات شريطة الاحتفاظ بعُمالها ودعم رواتب الموظفين والنفقات الأخرى بما يتناسب مع انخفاض إيرادات المؤسسة. في الولايات المتحدة، قدمت النائبة براميلا جايابال، عضوة الكونجرس من ولاية واشنطن، والعديد من أعضاء مجلس الشيوخ اقتراحات تشريعية مُماثلة.

إن برامج التحفيز المصممة بشكل سيء ليست غير فعالة فحسب، بل من المحتمل أن تكون خطيرة للغاية. من شأن السياسات السيئة أن تُساهم في تفاقم عدم المساواة، وتعزيز عدم الاستقرار، وتقويض الدعم السياسي للحكومة على وجه التحديد الذي يُساهم في منع الاقتصاد من الوقوع في ركود طويل. لحسن الحظ، هناك بدائل أخرى. ولكن اعتمادها من قبل الحكومات لا يزال مسألة غير مؤكدة.

الآراء المعبر عنها هنا لا تعكس آراء الأمم المتحدة أو الدول الأعضاء فيها.

* جوزيف ستيغليتز، حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، وأستاذ بجامعة كولومبيا وكبير خبراء الاقتصاد في معهد روزفلت. من كتبه: خيبات العولمة، وكتاب الناس والسلطة والأرباح: الرأسمالية التقدمية لعصر الاستياء/حامد راشد، المدير العام السابق للشؤون الاقتصادية المتعددة الأطراف بوزارة الخارجية في بنغلاديش والمستشار الأول في مكتب السياسات الإنمائية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ورئيس مراقبة الاقتصاد العالمي في إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية.
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق