q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

الهروب من كهف افلاطون

دروس من الفلسفة الكلاسيكية

من الخطأ محاولة تأمين السعادة من خلال، اكتساب الشهرة لأن الرغبة في الشهرة تضعك في عبودية للآخرين الذين تبحث انت عن ثنائهم. وبالمثل، الرغبة بالنقود والسلطة تضع المرء في عبودية بدرجة او بأخرى لأولئك الذين يستطيعون منحها او سلبها بعيدا. فقدان الشهرة او النقود او الثروة...

أحاديث ابكتيتوس (Discourses) هي سلسلة من المحاضرات للفيلسوف الرواقي ابكتيتوس كتبها تلميذه اريان عام 108 ميلادي وجرى فهمها كشكل من العلاج النفسي، يقوم به الفيلسوف الذي يتبنّى دور المعالج.

وكما يتضح من المقارنة، طبقا لابكتيتوس، فان الوظيفة الصحيحة للفيلسوف المهني هي مشابهة لوظيفة الطبيب النفسي او المعالج وذلك من ناحيتين، اولاً، ان اولئك الذي يعانون من أمراض فيزيقية يبحثون عن مشورة المعالج ليصف لهم العلاج المناسب بهدف استعادة الحالة الطبيعية للصحة. بالمشابه، اولئك الذين معهم أمراض في الروح (الذهن) يبحثون عن مشورة الفيلسوف ليصف لهم الوصفة الملائمة للعلاج بهدف استعادة الحالة الطبيعية للصحة النفسية والسعادة.

ثانياً، لا احد يتوقع ان تكون زيارة المرضى للطبيب سارة، المرضى يجب ان يعترفوا بأعراضهم المرضية الخاصة، يبحثون عن العلاج الطبي الخاص بهم، ويكونون راغبين لتنفيذ وصفة العلاج بصرف النظر عن عدم الراحة فيها. ونفس الشيء بالنسبة للفيلسوف، مراجعوه يجب ان يعترفوا بأعراضهم الخاصة (المتضمنة عدم الرضا بالحياة)، يسعون لمشورة خاصة، وينفذون وبرغبة العلاج (غير السار) عادة. وكما يقول ابكتيتوس:

"مدرسة الفيلسوف، يا رجال هي عيادة طبية: لا يجب عليكم مغادرتها بسعادة وانما مع ألم. لأنكم لم تكونوا في صحة جيدة قبل دخولكم اليها".

رسالة ابكتيتوس هي الحفاظ على الصحة النفسية، والفلسفة هي الشرط المسبق. ان وصفة العلاج ليست سهلة ولا سارة ولكن لو اُتبعت، فان الطالب الملتزم يستطيع التغلب على الاستياء ويحقق حالة دائمة من الرفاهية النفسية. باختصار، سنرى كيف انجز ابكتيتوس دوره كمعالج للروح، ولكن لابد اولاً، من ملاحظة سريعة عن الميتافيزيقا.

ثيولوجيا ابكتيتوس

كُتب الكثير عن ثيولوجيا ابكتيتوس وإشاراته المتواصلة لزيوس والآلهة. واذا كان تصوّر ابكتيتوس للآله يختلف كثيرا عن التصورات الحديثة باعتبار اننا بما لدينا من عقلانية فنحن نشترك بجزء من الاله زيوس ضمن أنفسنا ولا نحتاج اي شيء خارجي لحياة سعيدة، لذا فإننا سوف نتجنب اي نقاشات جادة حول الثيولوجي او الميتافيزيقا في هذا المقال، ونقتصر بدلا من ذلك فقط على تغطية الأبعاد الاخلاقية لتعاليم ابكتيتوس. والسبب هو ان طريقة العلاج الموجودة في (الأحاديث) التي وُصفت لمساعدة الطالب على الحصول على الحرية النفسية المطلقة هي طريقة فعّالة بصرف النظر عن موقف المرء الميتافيزيقي النهائي. وسواء اعتقد المرء باله أعلى، او نظام وحدة الوجود، او فوضى ذرية، فلايزال الموقف هو ان الشيء الوحيد الذي ضمن السيطرة التامة للمرء هي حكمه الشخصي وحده. نحن لا نستطيع السيطرة على الأحداث الطبيعية او الناس الآخرين او حتى على صحتنا (كليا)، لكننا نحتفظ فعلا بالسيادة الحتمية على عقيدتنا وهذا بالضبط وحصرا هو مجال التحسين الذاتي الأخلاقي بصرف النظر عن افكار المرء حول وجود نظام حتمي او فوضى في الكون.

القارئ، بالطبع، ربما يعارض بأن السيادة النهائية على عقيدة المرء تفترض سلفا وجود الرغبة الحرة وان الرغبة الحرة هي في الحقيقة وهم. هنا سوف نتجنب هذه القضية لسببين:

1- برجماتيا، من المستحيل لأي شخص ان يعتقد حقا انه لا يستطيع السيطرة على عقيدته الخاصة

2- ان كنت تتخلى عن السيطرة على عقيدتك لقوى قدرية، فلا معنى هناك في مناقشة أي شيء، لأن كل شيء بما في ذلك (اعتقادك او عدم اعتقادك بالرغبة الحرة) هو خارج عن سيطرتك. لذلك، نحن سوف نأخذها كمسلمة بديهية اننا نحتفظ بالسيطرة على الأشياء التي نؤمن بها والأهداف التي نضعها لأنفسنا. اذاً ما هو التشخيص الرئيسي الذي يسبب لنا الكثير من المعاناة، وما هي خيارات العلاج المتوفرة لنا من التقاليد الرواقية؟ قبل الاجابة، يجب علينا ان نفحص اولاً تصوّر ابكتيتوس للطبيعةالانسانية.

الطبيعة الانسانية، العقلانية، والسعي وراء السعادة

الشيء الجيد لطلاب الفلسفة الرواقية، طبقا لابكتيتوس، هي انهم سلفا لديهم المعرفة المسبقة والميول للعيش بسعادة وبحياة حرة من المنغصات النفسية. مهمة الفيلسوف هي ببساطة الحفاظ على هذه الحالة الطبيعية من الصحة عبر تشخيص وتصحيح الافكار الشاذة والسلوك، تماما كما يصف المعالج المضاد الحيوي لإزالة الالتهابات البكتيرية.

بالنسبة لايبكتاتوس، كل الكائنات الانسانية تشترك برغبة فطرية وقدرة ليكونوا سعداء، عقلانيين، ويعيشوا مع الآخرين. الانسان كما ذكر ارسطو، عقلاني، سياسي، حيوان اجتماعي. كذلك، الناس لديهم انجذاب طبيعي للحقيقة والانسجام وكراهية طبيعية للصراع وعدم الانسجام. الناس باتّباعهم العقل، يؤمنون بعقائد ويتصرفون بطرق معينة بسبب انهم يعتقدون انها طريقة صحيحة وصادقة للتفكير والسلوك. لا احد يضع هدفا للايمان بعقائد زائفة وغير منسجمة، او يتصرف بطرق غير عقلانية. اللاعقلانية هي المفردة التي نطبّقها على عقائد الآخرين، وليس على أنفسنا.

طبقا لما تقدم، اذا كنا غير مقتنعين بحياتنا، ذلك بسبب، اننا رغم ايماننا بعقلانية عقائدنا وافعالنا، لكننا في الاساس أخطانا في أحكامنا. انها مهمة الفيلسوف ليشير لنا كيف اننا مخطئون وكيف بدلا من ذلك "نستخدم الانطباعات بشكل ملائم ". هذا كان الاتجاه البيداغوجي الاساسي لكل المدارس الفلسفية القديمة (الرواقية، الايبيقورية، الارسطية، الافلاطونية، الشكية)، لكن التقاليد الرواقية كانت هي التقنية العلاجية الجدّية والأكثر فاعلية (ولهذا اصبح للرواقية التأثير العميق على تطور العلاج السلوكي الادراكي الحديث).

بالنسبة للرواقيين، في اتجاههم العادل، الذي يميزهم عن كل المدارس المنافسة كانت الفكرة بأن السعادة يمكن تحقيقها من خلال بلوغ الحرية النفسية التامة وغير المقيدة، وبدلا من المتعة فان هذا هو الخير الأسمى.

كل انسان، كحيوان عقلاني واجتماعي، لديه القدرة على تحقيق السعادة، لكن بما ان هناك العديد من الطرق يكون فيها الناس غير سعداء، فهم يقعون في مآزق نفسية وثقافية تمنعهم من هذا البلوغ. هذه المآزق هي مختلف انواع المصائب الفردية والعالمية الناجمة عن جعل سعادة المرء خاضعة لأشياء خارجة عن سيطرته.

التشخيص Diagnosis: عبودية نفسية مفروضة ذاتيا

الحقيقة الاستثنائية حول الرواقية هي تحديدها للمشكلة الاساسية المسؤولة عن كل المعاناة الانسانية وهي الرغبة في الاشياء التي ليست ضمن سيطرتنا، او بعبارة اخرى العبودية النفسية المفروضة ذاتيا للأحداث الخارجية وللناس من حولنا. ما الذي يجعلنا غير سعداء؟ عموما، نحن جُعلنا غير سعداء حينما تكون هناك اشياء نرغبها ولا نستطيع امتلاكها او عندما تكون هناك اشياء نمتلكها حقا ولكن لا نهتم بها ونسعى لتجنّبها. السعادة ببساطة هي حالة لا يرغب فيها المرء شيء اكثر او اقل مما يمتلك. ايبيكتوس أدرك ان هذه الحالة يمكن تحقيقها بشكل دائم لو ان المرء يدرّب ذهنه على قبول الأحداث تماما كما تحدث امامه.

اذا كان ابكتيتوس يشير مرارا لطلابه كعبيد –كما ورد في الأحاديث– ذلك بسبب انهم يفترضون رؤى تضعهم تحت عبودية دائمة للناس الآخرين وللأحداث الخارجية (1). يقول ابكتيتوس:

"كل شخص هو عرضة لمن يمتلك السيطرة على ما يريد او لا يريد، لأن صاحب السلطة هذا يستطيع منح ذلك الشيء او سلبه. اذا كان اي شخص يريد ان يكون حرا، عندئذ دعه لا يريد اي شيء ولا يسعى لتجنب اي شيء تحت سيطرة الآخرين، والاّ هو سيكون عبدا".

طبقا لهذا، من الخطأ محاولة تأمين السعادة من خلال، اكتساب الشهرة لأن الرغبة في الشهرة تضعك في عبودية للآخرين الذين تبحث انت عن ثنائهم. وبالمثل، الرغبة بالنقود والسلطة تضع المرء في عبودية بدرجة او بأخرى لأولئك الذين يستطيعون منحها او سلبها بعيدا. فقدان الشهرة او النقود او الثروة او السلطة – والذي قد يحدث في اي لحظة بصرف النظر عن افضل الجهود التي يبذلها الشخص – سوف يؤدي الى معاناة نفسية حادة طالما ان رفاهية المرء ترتبط بشيء شديد التقلّب وغير شخصي ومعتمد على الآخرين. حتى مجرد التفكير بضياع هذه الأشياء الخارجية سيخلق للمرء مستوى دائم من القلق والخوف.

التطبيق الرواقي للتفكير، يعلّمنا ان حالة متسقة وموثوقة من الرضا تتحقق فقط حين يربط الانسان نفسه مع الاشياء التي تحت سيطرته الكاملة وهي الحكم والفضيلة اللذان لن يضيعا ولن يُمنحا الاّ طوعا.

لذلك فان معاناة الانسان والقلق والخوف هي نتاج للخوف من فقدان شيء خارجي، وهذا يضع المرء في عبودية دائمة. الطريقة الوحيدة للتغلب على هذه المحنة هي بتحرير المرء من الاعتماد على الاشياء الخارجية عبر التحوّل نحو الداخل (الذات) ولما يهم المرء ويسيطر عليه حقا.

العلاج: تربية العقل والفضيلة

من الملاحظ ان ايبكتيتوس يضع اللوم كليا في عدم سعادة المرء على اكتاف المرء ذاته. السبب هو ان الشيء الوحيد الذي نحن مسؤولون عنه وتحت سيطرتنا التامة هو أحكامنا وليس الأحداث او الانطباعات التي نواجهها (الاحاسيس، المشاعر، الافكار العابرة). طالما ان السعادة والرفاهية مقتصرة على عالم الأحكام، وان أحكامنا هي كليا ضمن اختيارنا، فان رفاهيتنا هي كليا ضمن اختيارنا ايضا. اذا كنا غير سعداء، فان أحكامنا هي خاطئة، وطالما نحن نحتفظ بالسيطرة الكاملة على أحكامنا، فإننا لدينا القوة لتغييرها وبذلك نحسّن رفاهيتنا النفسية.

لم تكن هذه دائما هي الرؤية الشائعة. نحن عادة نلوم كل شيء الاّ انفسنا في عدم سعادتنا وحظنا التعيس. نحن نُقاد برغباتنا للأشياء الخارجية ونسلّم حريتنا طوعا لمن حولنا ولقوى وراء سيطرتنا. هذه هي مآزق نفسية نحن باستمرار نقع بها، وهي تتأثر بالمآزق الثقافية للحياة المعاصرة.

نحن تعلّمنا وقُصفنا باستمرار بتعليمات لتضخيم تقييمنا للمؤثرات الخارجية وتقليل قيمة شخصيتنا وقدرتنا العقلية. وبدلا من التركيز على تطوير الشخصية، نحن حريصون على صنع نقود كافية وتراكم كافي للسلع ليجعلنا نبدو ناجحين امام الآخرين. نحن نضع أنفسنا في عبودية لأصحاب الأعمال ولثناء جيراننا على حساب احترامنا الذاتي وقيمنا وقناعتنا الداخلية.

الترياق لهذا التقييم السطحي للأشياء الخارجية هو امر بسيط وهو عبر التحول نحو الداخل بالتركيز على الذات وتطوير الشخصية ومن ثم تحقيق حرية نفسية تامة. هذه هدية اُعطيت لنا من الطبيعة او من الآلهة كما يقول ابكتيتوس. انها متوفرة لكل شخص وفي كل الأزمان حتى اثناء فترات المحن والقلق الشديد. هنا يذكر ابكتيتوس كيف نتعامل مع الشدائد:

"ماذا اذاً في ايدينا ليساعدنا في مثل هذه الطوارئ؟ لماذا وما هو الشيء الآخر عدا ان نعرف ماذا لي وماذا ليس لي، ماذا في حوزتي من قوة وماذا ليس في حوزتي ؟ انا يجب ان اموت، فهل يجب ان اموت انينا ايضا؟ انا يجب ان اُسجن، فهل يجب ان أحزن على ذلك ايضا؟ انا يجب ان اُرحّل الى المنفى، فهل هناك ما يمنعني من الرحيل مع ابتسامة وهدوء مرح؟.. انت تستطيع ربط أقدامي بالسلاسل، ولكن حتى الاله زيوس لا يستطيع التغلب على قدرتي في الاختيار".

التعليق بشأن زيوس يُعد هاما هنا. ابكتيتوس طوال الأحاديث يذكّرنا بانه بينما اجسامنا الفيزيقية تمثل جزءا ضئيلا من الكون، لكن قدرتنا العقلية تضعنا بنفس مستوى الآلهة. هو يكتب:

"الا تعرف كم انت جزء تافه مقارنة بالكل؟ فيما يتعلق بجسمك ذلك صحيح، ولكن بشأن عقلك فانت لست اسوأ ولا أقل من الآلهة. ان حجم العقل لا يمكن قياسه بالطول والارتفاع وانما بقيمة الأحكام". انه فقط عبر تربية العقل وفي تطوير الفضيلة نستطيع العيش كالآلهة على الارض، غير منزعجين بالأحداث الخارجية. ورغم ان هذا الهدف النهائي للممارسة الرواقية لايمكن ادراكه كليا، لكن يجب على المرء بذل الجهد. كما يذكر ابكتيتوس:

"ذلك ما حققه سقراط ذاته عبر عدم الاهتمام بأي شيء عدا العقل في جميع الاشياء التي واجهها. وانت بالرغم من انك لم تصل الى سقراط بعد لكنك يجب ان تعيش على الاقل كما يرغب اي شخص في ان يكون كسقراط".

اذا كنت تريد ان تكون كسقراط (يعتقد ابكتيتوس انك يجب)، وتريد علاج حالتك من العبودية النفسية، فان وصفة العلاج الضرورية هي واضحة: لا ترغب في أي شيء عدا ما يحدث، لا ترغب اي شيء وراء ما تمتلكه حاليا، ركّز على تطوير الفضيلة المسترشدة بالعقل، ضع اهدافا واسّس افضليات ولكن لا تصبح مضطربا نفسيا ان هي لم تتحقق، استعملْ كل الشدائد والصعوبات كفرص لممارسة قرارك الرواقي، عالج كل الموقف والصعوبات بالطريقة المثالية بالنظر داخليا لما تستطيع انت عمله وليس خارجيا لما يستطيع الآخرون عمله لك.

عندما تتبنّى هذه الممارسات، انت تدريجيا تصبح مدركا كم هو متهور سلوك بعض الناس. منْ يشتكي من شيء ما ليس ضمن سيطرته عدا السخيف؟. من يضحي باحترامه الذاتي وعمله الذاتي على شيء لا يمكن تجنّبه عدا من لم يتعلم الفلسفة؟. مع ان هذه الممارسة قد تكون صعبة لكن المكافأة ستكون حرية نفسية تامة.

الانعكاسات على المجتمع

قد يحصل لدى القارئ انطباع بان تركيز ابكتيتوس الكلي على تطوير شخصية الفرد، لا يشير الى ان هناك شيء ذو معنى يقوله حول الاخلاق بالمعنى الأوسع للتصرف المناسب تجاه الآخرين.

ولكن، كما سنرى، ان فلسفة ابيكتيتوس لها نتائج اجتماعية ثرية. عندما يفهم المرء ان الخير الوحيد الصحيح للانسان هو العقل والفضيلة، وان جميع الناس يشتركون بنفس القدرة العقلية، عندئذ يكون المرء مجبرا لإدراك ان ما هو خير لنفسه هو خير للآخرين كما صيغ من جانب ابيكتيتوس في القاعدة الذهبية: "ما تريد تجنبه من معاناة لنفسك، حاول ان لا تفرضه على الآخرين".

وفي مكان آخر يذكر ابكتيتوس:

"انت تتجنب العبودية، مثلا، تحرص بأن لا تستعبد احدا، لأنك عندما تقبل العبودية من الآخرين، انما انت تؤكد عبوديتك. لأن الرذيلة لا تشبه الفضيلة، ولا الحرية تشبه العبودية. مثلما لا يرغب الفرد المعافى حضور المريض من حوله ولا يقبل باولئك الذين يعيشون معه وهم في حالة مرض، كذلك لا يقبل الفرد الحر ان يُخدم من عبيد، ولا يقبل ايضا حالة العبودية لمن يعيشون معه".

العقل يجبرنا للاعتراف بان ما هو خير لنا هو خير للآخرين، وان الرغبة بالمعاناة للآخرين هي اكبر نفاق، وان العيش بوجود المرض او العبودية هو غير مرغوب لصحة الروح.

كان ابيكتيتوس مواطنا عالميا. قال يجب ان نكون مثل سقراط الذي ذكر:

"... عندما تُسأل عن بلدك لا تقل انا من أثينا او من كورينثوس وانما قل انا مواطن في العالم".

رغم اختلاف الناس في الجسم او الجغرافية او الثروة المادية، لكنهم يشتركون بنفس القدرة العقلانية التي اُعطيت لهم من الله او الطبيعة. كل الناس ككائنات عاقلة، يشتركون بروابط عالمية وواجب بأن لا يفرضوا على غيرهم ما لا يرغبون فرضه عليهم. طالما ان ما نحتفظ به من سيطرة كاملة على قدرتنا العقلية وشخصيتنا الفاضلة، هو ما نرغب به لأنفسنا، لذلك نحن بالمثل يجب ان نرغب نفس الشيء لكل البشرية.

هذا التحول نحو الداخل من خلال تطوير الشخصية الاخلاقية للمرء يجعل من المحتمل ان يشارك المرء بأعمال ايثار، لأن الفرق بين الأنوية والتضحية سيختفي، مثلما يختفي ايضا التمييز العشوائي الذي يقسم الانسانية حسب العرق والطبقة والجنس. اذا انا لم اعد ارغب باستغلال الناس للحصول على الاشياء الخارجية (نقود، سلطة، شهرة)، فسوف افقد عادة استعمال الآخرين كوسيلة لغاية، ويمكن ان ابدأ بتصور الآخرين كأناس متساوين. وبهذا فان علاج ابيكتيتوس لعدم السعادة الفردية هو نفس العلاج الذي نريده للمجتمع ككل.

........................................
الهوامش
(1) العبودية التي يصف بها ايبكتيتوس طلابه تشبه عبودية اولئك الذين سُجنوا في كهف افلاطون، افلاطون استخدم الكهف ليصف صعود الروح الى العالم العلوي، الذي تتجسد فيه فكرة الخير. الناس الذين في الكهف يرون فقط ظلالا للأشياء التي تظهر امامهم وليس الضوء الحقيقي للواقع. هؤلاء قُيدت رقابهم وسيقانهم منذ الطفولة، وبقوا في نفس المكان غير قادرين على تحريك رؤوسهم، لذا هم يستطيعون النظر فقط الى الامام. بهذا هم ليسوا احرارا ولابد من تحريرهم وتمكينهم من مغادرة الكهف لكي ينتقلوا من عالم الظل (الوهم) الى العالم المشرق (الحقيقة).
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق