q
أقترح استحداث تشكيل في وزارة الداخلية باسم الشرطة البيئية وتعزيزها بالتشريعات المناسبة لمحاسبة ملوثي البيئة سواء أكانوا مؤسسات كما هو حال المستشفيات والمعامل التي ترمي نفاياتها في الأنهر، او الأفراد الذين يتركون مخلفاتهم في الأماكن العامة والعبث بالحدائق ورمي النفايات في غير أماكنها...

من بين الظواهر اللافتة في بلادنا كثرة الصيدليات التي يتضاعف عددها بين آونة واخرى، حتى وصلت الى الأحياء الشعبية البسيطة، ومثلها العيادات الطبية الخاصة، فشراء الدواء صار مفردة من مفردات التسوق اليومي، اذ يندر أن يمر يوم والدواء ليس في قائمة مشترياتك، وتكشف هذه الظاهرة عن تراجع واضح بالمستوى الصحي في بلادنا، ويرتبط هذا التراجع بضعف الخدمات الطبية المقدمة من المؤسسات الرسمية، وانخفاض مستوى الوعي الصحي لدى المواطنين، وتلوث البيئة التي يعيشون فيها.

وأظن ان البيئة تشكل مدخلا مهما اذا ما اريد الارتقاء بالمستوى الصحي، فتأثيراتها معروفة للجميع ولا داعي للحديث عنها، ومع ان الجميع يعاني من بيئتنا الملوثة، الا ان المعنيين وكذلك المواطنين لم يولوا البيئة ما تستحق من عناية، فنحن محاطون ومن الجهات الأربع بأكداس النفايات، شوارعنا قذرة، وأحيائنا يندى لها الجبين، والخدمات البلدية متعثرة. ومع انخفاض المبادرات التطوعية، وضعف الوعي البيئي تغدو مهمة تنظيف المدن عسيرة على الجهات البلدية، والطامة الكبرى عندما لا تعني البيئة شيئا للعاملين في البلديات أنفسهم، فتراهم يرمون النفايات على جانبي الطرق الرئيسة ، ويهملون الحدائق العامة، ولا يخططون لاستحداث متنزهات جديدة او تشجير الجزرات الوسطية او مقتربات الشوارع ، فضلا عن عدم وجود جهة رقابية تحاسب الذين يسيئون للبيئة، بينما البيئة في العالم صارت من بين أبرز القضايا المعاصرة التي عُقدت من أجلها مؤتمرات وندوات دولية عديدة ، وابرمت لها اتفاقيات ومواثيق وعهود، ولكي تذكّر الامم المتحدة الحكومات والشعوب بها خصصت الخامس من حزيران من كل عام يوما عالميا للبيئة.

وانتهجت مختلف الحكومات سبلا لجعل جميع الأشياء صديقة للبيئة، بينما نحن من أكثر المجتمعات عداء للبيئة في سلوكنا، بالرغم من خسارتنا بسبب تأثيراتها نسبة كبيرة من مدخولاتنا الشهرية كأجور مراجعة الأطباء وشراء الأدوية، فضلا عن حرماننا من الاستمتاع بالمناظر الجميلة التي من شأنها بث الاسترخاء في النفوس.

يقتصر حديثي على جانب بسيط من العمل البيئي المتمثل بالنظافة والتجميل، وليس الموضوعات المعقدة كالتلوث الاشعاعي، والتلوث البصري وتلوث الماء والهواء وغيرها، اذ ينفق المواطنون أموالا طائلة في شراء (أجهزة تنقية الماء) التي لا يخلو أي بيت عراقي منها، فضلا عن شراء علب الماء الجاهزة ، ذلك ان الثقة بصلاحية ماء الاسالة معدومة، و يبدو ان عمل الاسالة يقتصر على الضخ وليس التصفية بما يجعل الماء صالحا للشرب، أما صيانة الأنابيب ومحاسبة المتجاوزين على الشبكة فمن النوادر، فلا يخطر على بال أحد الآن الحصول على اجازة لربط منزله بشبكة الماء الرئيسة، كل يعمل على هواه من دون تحسب او خوف من جهة معينة.

طبعا الأعذار جاهزة لأية جهة يوجه لها اللوم بإهمال البيئة، بدءا من المواطنين ومرورا بالبلدية وانتهاء برعاة البيئة، ومن تلك الأعذار ما هو صحيح، لكن الأصح اننا بإزاء كارثة بيئية حصيلتها انتشار الأمراض بشكل غير طبيعي قياسا بالدول الاخرى، وهذا يستوجب ألا نترك الحبل على الغارب لمن يسيئون للبيئة أفرادا ومؤسسات.

ولهذا أقترح استحداث تشكيل في وزارة الداخلية باسم (الشرطة البيئية) وتعزيزها بالتشريعات المناسبة لمحاسبة ملوثي البيئة سواء أكانوا مؤسسات كما هو حال المستشفيات والمعامل التي ترمي نفاياتها في الأنهر، او الأفراد الذين يتركون مخلفاتهم في الأماكن العامة والعبث بالحدائق ورمي النفايات في غير أماكنها، وسن عقوبات جزائية تبدأ من الغرامات المالية وتصل الى السجن في الحالات التي تستحق ذلك، فمنذ العشرينيات والثلاثينيات كانت لدينا قوانين بيئية صارمة منها ما يتعلق بالروائح الكريهة، تصوروا، فالمواطن لا يهتم بالبيئة مالم يشعر ان هناك من يتابع أمرها، وعند ذاك سيلتزم بها قناعة او خوفا. ان تحسين البيئة يقلل من الضغط على المؤسسات الصحية، ويوفر للدولة والعائلة أموالا غير متوقعة، ويخفف من حدة مزاجنا المتوتر.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق