q
ملفات - شهر رمضان

تجارب الأُمم وخلقِ فُرص التَّمكين

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّابِعَةُ

من مصاديق إِستيعاب أَسباب وأَدوات التَّمكين من النَّجاح والإِستعداد لهُ، هو التَّراجع عن الخطأ عندَ اكتشافهِ والاستعداد لإِصلاحهِ، والعكس هوَ الصَّحيح، فالإِصرارُ على الخطأ، لأَيِّ سببٍ كان، دليلٌ واضحٌ على عدمِ القُدرةِ على إِستيعاب التَّمكين وشرُوطهُ وأَدواتهُ. فالحياةَ ليست نجاحات فقط، ومَن يتعامل معها بهذهِ العقليَّة...

(١١)

{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا}.

إِنَّ واحدةً من أَبرز مصاديق إِستيعاب أَسباب وأَدوات التَّمكين من النَّجاح والإِستعداد لهُ، هو التَّراجع عن الخطأ عندَ اكتشافهِ والاستعداد لإِصلاحهِ، والعكس هوَ الصَّحيح، فالإِصرارُ على الخطأ، لأَيِّ سببٍ كان، دليلٌ واضحٌ على عدمِ القُدرةِ على إِستيعاب التَّمكين وشرُوطهُ وأَدواتهُ.

والسَّببُ بسيطٌ جدّاً وهوَ؛ أَنَّ الحياةَ ليست نجاحات فقط، ومَن يتعامل معها بهذهِ العقليَّة لا يتصوَّر أَنَّهُ قد يُواجهُ فشلاً ولذلك فهو غَير مُستعدٌّ نفسيّاً لإِصلاحهِ.

والمُشكلةُ ليست في الخطأ وإِنَّما في الإِصرارِ عليهِ، بل أَنَّ الخطأَ في أَحيانٍ كثيرةٍ السَّبيلُ إِلى النَّجاحِ، فترى النَّاجحُون يُوظِّفُونَ الخطأ لتجاوزِ الفشل، أَمَّا الفاشلُونَ فيتجاهلُونَ الأَخطاء الواحدَ تُلوَ الآخر ليستوطِنَ عندهُم الفشلَ يوماً بعد آخر.

وفي الآيات التَّالية نُلاحظ أَنَّ القُران الكريم لا يتوقَّف عند الخطأ بمقدارِ ما يتوقَّف وبإِلحاحٍ وإِصرارٍ على ذكرِ الحل لتجاوُزِ الخطأ.

يقولُ تعالى {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} {أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا} {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

منها نفهم أَنَّ التَّراجع عن الخطأ ينفع في حالِ الإِلتزام بثلاثِ خَطواتٍ؛

- تحديد الخطأ أَو المُشكلة وعدم تعويمَها أَو خلطها.

- التَّراجُع عنهُ وعدم الإِصرار عليهِ أَو تغافلهُ.

- إِصلاحهُ وعدم تركهُ على ما هو عليهِ.

أَمَّا تجاهُل الخطأ والأَسوأ منهُ الإِصرار عليهِ بعد الإِقرار بهِ فيقودُ صاحبهُ إِلى الهاويةِ.

فالتَّوازن في التَّعامل معَ الأُمور، دليلُ الإِستعداد لإِستيعاب شرُوط التَّمكين.

يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) في عهدهِ للأَشتر {إيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ بِالاْمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا، أَوِ التَّسَاقُطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا، أَوِ الَّلجَاجَةَ فِيهَا إِذا تَنَكَّرَتْ، أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إذَا اسْتَوْضَحَتْ، فَضَعْ كُلَّ أَمْر مَوْضِعَهُ، وَأَوْقِعْ كُلَّ عَمَل مَوْقِعَهُ}.

يُحدِّثُنا القرآن الكريم عن تجربةِ قَومٍ انتبهُوا لخطئهِم ولكنَّهم تجاهلُوه! فماذا كانت عاقِبةَ أَمرهِم؟!.

يقولُ الله تعالى {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ- فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ- قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ- قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ- قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ- قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ- قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ- فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ- ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ- قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ- أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ- قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ- قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ- وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ}.

فبعدَ أَن إِنتبهوا لجهلهِم وفضحتهُم خِفَّة عقولهِم أَخذتهُم العِّزةُ بالإِثم بشِعار [النَّار ولا العار] فكانت عاقبتهُم العار في الدُّنيا والنَّار في الآخرة.

وهي النَّتيجة الطَّبيعيَّة لأَمثالهُم في كُلِّ زمانٍ ومكانٍ بغضِّ النَّظر عن الخلفيَّة.

(١٢)

{وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ}.

أَروعُ درُوس التَّمكين في التَّجارب، شريطةَ أَن نستوعبها.

ولذلكَ ضربَ الله تعالى لنا الكثير من تجارِب الأُمم والأَقوام السَّابقة لنتعلَّم منها مقوِّمات النَّجاح وأَسباب الفشل، فوصفها {أَحْسَنَ الْقَصَصِ}.

وإِنَّ أَغبى عبادَ الله تعالى هُم الذين يمرُّون على التَّجربة من دونِ أَن يتَّعظُوا بها، فهُم يُفرِّطونَ بعلمٍ كانُوا بحاجةٍ إِلى جُهدٍ ووقتٍ ليمرُّوا بتفاصيلهِ، كما يصفهُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {في التَّجارِبِ عِلمٌ مُستَحدَثٌ} خاصَّةً إِذا كانت قد ساقها الله تعالى في كتابهِ الكريم، فهي تجارب لا يرقى إِليها الشَّك ولا يُمكنُ أَن تكونَ ناقصةً مثلاً أَو غامِضةً أَو غَير واضحة ليتذرَّع بذلكَ المرءُ فيتجاهَلها.

يقولُ تعالى {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}.

فقَصصُ القُرآن الكريم وتجارِبهُ عِلمٌ بحدِّ ذاتهِ يوفِّر علينا الكثير من الجُهدِ والوقت، ولذلكَ فالذي لا يستفيدُ منها للتَّمكين للنَّجاحِ وتجنُّبِ الفشل لن يستفيدَ من غيرِها.

يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {وَمَنْ لَمْ يَنْفَعْهُ اللهُ بِالْبَلاَءِ وَالتَّجَارِبِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْء مِنَ الْعِظَةِ، وَأَتَاهُ الْتَّقْصِيرُ مِنْ أَمَامِهِ، حَتَّى يَعْرِفَ مَا أَنْكَرَ، وَيُنْكِرَ مَا عَرَفَ}.

أُنظُر كيف يوطِّئ القُرآن الكريم ليستفيدَ المرءُ من التَّجربة، يقولُ تعالى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.

فبالعقلِ المُنفتِح القادر على هضم التَّجربة واستيعاب الدَّرس تتحقَّق الغاية من التَّجارِب، أَو أَن يمُرَّ بها الإِنسانُ مرُورَ الكِرامِ، كما هو حالُ أَغلبِنا دائماً، عندما [نقفُل] عقولَنا كلَّما مررنا بتجرِبةٍ وكأَنَّها مثلٌ ضربهُ الله تعالى لغيرِنا!.

وأَنَّ قصَص القُرآن الكريم يُستفاد منها بوجهَيها؛ النَّتائج السلبيَّة كما في قولهِ تعالى {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ- فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ- فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ- وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}.

وقولهُ تعالى {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ- وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ}.

والإِيجابيَّة، كما في قولهِ تعالى {بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ}.

وقولهُ تعالى {فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.

وعن فلسفةِ التَّاريخ وتجارب الأُمم السَّالفة وكيفيَّة توظيفَها لخلقِ فُرص التَّمكين، يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {فَاعْتَبِرُوا بَمَا أَصَابَ الاْمَمَ المُسْتَكْبِرِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ بَأْسِ اللهِ وَصَوْلاَتِهِ، وَوَقَائِعِهِ وَمَثُلاَتِهِ، وَاتَّعِظُوا بِمَثَاوِي خُدُودِهِمْ، وَمَصَارعِ جُنُوبِهِمْ.

أُنظرُوا كيف يهدي أَميرُ المُؤمنينَ (ع) عُصارةَ وعيهِ واستيعابهِ للتَّاريخ لولدهِ الحسن السِّبط (ع) في وصيَّتهِ لهُ بقولهِ {أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي وَإِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذلِكَ مِنْ كَدَرِهِ، وَنَفْعَهُ مِنْ ضَرَرِهِ، فَاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ نَخِيلَتَهُ وتَوَخَّيْتُ لَكَ جَمِيلَهُ، وَصَرَفْتُ عَنْكَ مَجْهُولَهُ}.

(١٣)

التَّمكينُ رُؤيةٌ وأَدواتٌ، والرُّؤيةُ تتشكَّلُ بالتَّفكيرِ المُستندِ إِلى العِلم والتعلُّم.

وإِذا تتبَّعنا آيات القُرآن الكريم فسنُلاحظ أَنَّ بداية الإِنسان تبدأ بالتَّعليم والقراءة، لكنَّها تستمر بالتَّفكير والتفكُّر.

يقُولُ تعالى {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فهذهِ هي البِداية.

ثم يقُولُ تعالى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}. ثُمَّ كُلَّما ذكَّر بنعمةٍ من نِعمِهِ يردفها بقولهِ تعالى {لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

إِذن لا يكفي أَن تقرأَ في أَيِّ شيءٍ إِذا لم تُفكِّر فيه، وإِلَّا فستتحوَّل الى مكتبةٍ مُتنقِّلةٍ أَو إِلى جهازِ استنساخٍ فحسب!. ولذلكَ وردَ في المأثورِ يصفُ أَبا ذر {وكانَ أَكثرُ عبادتهِ التفكُّر}.

يتصوَّرُ البعض أَنَّ بإِمكانهِ تشكيلُ رُؤيةٍ إِذا قرأَ وتعلَّم من دونِ أَن يُفكِّر، وهذهِ مِن الأَخطاء الشَّائعةِ، ولذلكَ فإِنَّ التَّعليمُ عندنا يعتمد على المنهجِ التَّعليمي الذي نستنسخهُ من المناهجِ العالميَّة، إِن كانَ على مُستوى التَّعليم الجامعي، أَو من تُراثنا التَّعليمي الذي مرَّ عليهِ قرنٌ من الزَّمن، إِن كان على مُستوى التَّعليم الأَوَّلي، وقليلٌ مِن التَّحديثِ والتَّجديدِ.

ولذلكَ فإِنَّ التِّلميذُ عندنا يتخرَّج من الإِعداديَّة مثلاً أَو حتَّى من الجامعةِ ورُبما من مرحلةِ الدِّراساتِ العُليا وهوَ يحفظُ منهجاً كاملاً عن ظهرِ قلبٍ، غَير قادر على إِنتاج العِلم، ولذلك نبقى دائما شعوباً مُستهلِكةً لأَنَّنا لم نُغيِّر طريقة ووسائل وأَساليب التَّعليم عندنا لنحوِّلها من أُسلوب [الوِعاء العلمي] إِلى أُسلوب [الإِنتاج العلمي].

وهكذا بالنِّسبةِ لمُؤَسَّساتِنا الثَّقافيَّة والفكريَّة والمعرفيَّة فإِنَّها نادِراً ما تُنتِج الفِكِر، فكلُّ ما تفعلهُ هوَ تدوير المعرفةِ وليسَ إِنتاجها إِلَّا الَّمم.

متى تحوَّلَ الهدفُ عندنا من تعليمِ الطلَّاب إِلى إِنتاج المعرِفة فسنُحقِّق قفَزات ملمُوسة في التَّنمية والإِنتاج، فالغربُ لم يكُن ليُحقِّق كلَّ الذي نراهُ مِن تطوُّر إِلَّا بعد أَن غيَّر طريقة وأُسلوب التَّعليم عندهُ من خلالِ تأسيس الجامعات البحثيَّة وذلكَ منذُ قَرابة القرنَين أَو أَكثر.

والمُسلمُون وجامعاتهُم وحواضرهُم العلميَّة كانت عظيمة يومَ أَن كانت تُنتجُ علماً وتصدِّرهُ للبشريَّة كلِّها.

يجب أَن يكونَ هدفُ جامعاتِنا هو تقديم العُلماء وليسَ الخرِّيجين، كُلّاً حسبَ اختصاصهِ، أَمَّا عمليَّة نقل المعرِفة والفصل بينَ التَّعليم والبحث، وهوَ الأَمرُ الجاري في جامعاتِنا اليَوم، فهذا أُسلوبٌ لا يُغيِّر من واقعِنا المُزري أَبداً، إِذ هوَ يُساعدُنا فقط على أَن نحتفظ بمكانتِنا [العلميَّة] و[التنمويَّة] في أَسفلِ القائِمة في العالَم!.

أَمَّا في الغربِ فقد أَدركت الجامِعات البحثيَّة أَو [الجامِعات العظيمة] كما يسمِّيها [جوناثان كول] مؤَلِّف كتاب [جامِعاتٌ عظيمةٌ] أَنَّ مُهمَّتها هي تقديم الإِكتشافات العلميَّة فى العالَم [٨٠٪؜ منها تجري في الجامِعات] وتقديم الأَبحاث المُنتجِة، وإِعداد الشَّباب ليكونُوا قادةً في البحثِ والعِلم، ذلكَ أَنَّ الإِبداع والإِبتكار، ونقل العِلم إِلى الصِّناعة هوَ ما جعلَ الجامعات الكُبرى أَساس التقدُّم في العالَم.

عندما يكونُ الهدف هو البحث والعِلم والنَّاتج المعرفي والإِنتاج الصِّناعي والعائِد الإِقتصادي، نكونُ قد خلقنا فُرص التَّمكين الحقيقيَّة، إِذ سننتقلَ بهذهِ العقليَّة مِن الإِستهلاك إِلى الإِنتاج، ومِن التبعيَّة إِلى الصَّدارة، وبذلك فقط يُمكنُنا أَن نعيشَ في هذا العالَم ولا نعيشَ على هامشِ الحَضارة والتَّاريخ أَو حتَّى خارِج التَّاريخ!.

[email protected]

اضف تعليق