q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

تدمير السنة في العراق

تخطيط متعمد أو غباء ممنهج أو كليهما معا!

يندر أن نجد حربا تسير على نهج واحد، من حيث إستمرار إنتصار طرف، أو هزيمته، طوال مسيرة الحرب، فغالبا هناك كر وفر وتقدم وتراجع، إلا أن ما يهم حقا، هو النتيجة النهائية للحرب، والثمن الذي تم دفعه لا نجاز النصر، ونسبة الأهداف المتحققة من هذه الحرب.

تختلف الحروب الخارجية عن الداخلية، بكافة المقاييس، فالحروب الداخلية تكون أخطر نتائجا وأفدح كلفة، بشريا وماديا، أو بأثرها على البنى التحتية للبلد، والتركيبة الاجتماعية والسلم الأهلي وتفكك المجتمع، وزرع مشاعر البغضاء والعنصرية والقومية والمذهبية.

من أسوء أنواع الحروب، تلك التي يكون أحد طرفيها عصابات أو قوات تعمل بطريقة العصابات.. فهذه الحرب يصعب أن يتم خوضها من قبل قوات تقليدية، ويجب تهيئة قوات لها القدرة على التعامل مع تلك العصابات بنفس تكتيكاتها وأساليبها، على أن لا تخرج عن اطار القانون والأعراف الإنسانية.

مشكلة العراق وحربه على الإرهاب، تركت أثرا كبيرا على المجتمع العراقي، ربما لن نحس بأثاره إلا بعد مرور وقت طويل، وسيبقى هذا الأثر لوقت أطول مما نتصور، ورغم كثرة متغيراتها لكن الثابت الوحيد في متغيرات هذه الحرب، أن السنة كانوا طرفا فيها، بإختيارهم أو رغما عنهم!

تصديق الزعم بمظلومية السنة وإقصائهم، والنظرة المتطرفة والتكفيرية لبعض أبنائهم تجاه بقية الأديان والمذاهب وحتى القريبة منهم.. كل هذا دفعهم دفعا، ليكونوا حاضنة لمعظم التنظيمات الإرهابية.. لكن ظهور ساسة من السنة، أدعوا تمثيل مصالح الشارع السني، بينما هم نجحوا فقط في تمثيل مصالحهم الخاصة بكل صدق.. كان سببا رئيسيا في المأساة، والتمزق الاجتماعي الذي يعيشه السنة.

المجتمع السني قبلي بطبيعته، ويعاني من صراعات عشائرية قديمة في الزمن، زادها تنافسهم لاثبات الولاء للنظام السابق، بحكم تقربهم منه، وكان هذا التقرب والتنافس دمويا، تماشيا مع طبيعة النظام.. ومحاولة بعض ساستهم وعشائرهم، إتباع نفس الأسلوب مع التنظيمات الإرهابية، زاد هذا الصراع حدة ودموية.

كل هذه التداخلات ظهرت نتائجها بالتدهور الأمني، الذي نراه هذا الأيام في مدينة الرمادي، فبين عشائر إختارت أن تكون مع الإرهاب، وأخرى فهمت الدرس السابق، وبقيت تقاتل مع الجيش وتسانده، وساسة لم يهمهم في الموضوع سوى مصالحهم الخاصة، وتحقيق أكبر ربح ومنفعة ممكنة، فعملوا على تأجيج الشارع السني، وزرع مخاوف من بقية شركاء الوطن.. تاه الشارع السني، بخطة لا يعرف إن كانت تنفذ بشكل منهجي متعمد، أو بغباء وقصر نظر، أو بكليهما معا.

من المؤكد أن قضية داعش والإرهاب في العراق ستنتهي، وسيقضى على تلك التنظيمات، لكن أثارها والانقسام في المجتمع السني، والظروف الصعبة، سيكون لها أثر كبير في إضعاف دورهم في مستقبل العراق، وحصول إنكسار وانكفاء ذاتي، وهذا كله يتطلب من الشارع السني، أن يتعلم الدرس.

الدروس غالبا يكون ثمنها غالي جدا.. دماء وأموال.. لكنها تكلف أكثر إن لم نتعلم منها.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق