q
لم يشهد العالم فزعا وخوفا مثلما يشهده الان، جميع المطارات فيها إجراءات وقائية والعديد من الدول أغلقت حدودها، واجواءها بوجه القادمين من الخارج، مدن كاملة تحت الحجر الصحي، ودول تقطع التواصل مع قارة كاملة كما فعلت الولايات المتحدة الامريكية مع اوروبا، مباريات كرة القدم توقفت والتي كانت تلهي الناس...

لم يشهد العالم فزعا وخوفا مثلما يشهده الان، جميع المطارات فيها إجراءات وقائية والعديد من الدول أغلقت حدودها، واجواءها بوجه القادمين من الخارج، مدن كاملة تحت الحجر الصحي، ودول تقطع التواصل مع قارة كاملة كما فعلت الولايات المتحدة الامريكية مع اوربا، مباريات كرة القدم توقفت والتي كانت تلهي الناس عن الاهتمام بالشأن العام، والأنشطة الاجتماعية والتجمعات الثقافية أوقفت جميع أنشطتها، ووسائل الاعلام تقوم بتغطية ما يحدث للعالم، فكيف كانت هذه التغطية؟ هل نقلت الحقيقة بدقة وموضوعية؟ ام انها استمرت باسلوبها المعتاد عبر انتقاء جوانب معينة من الاحداث واهمال جوانب أخرى؟

قبل الحديث عن التغطية الإعلامية لا بد من توضيح طبيعة عمل وسائل الاعلام، فالاعلام هو انعكاس لطبيعة الصراع السياسي والاجتماعي القائم في جميع انحاء العالم، وكل وسيلة إعلامية تمثل اللسان الناطق باسم جماعة سياسية او اجتماعية، او ربما دولة كاملة، كما هو الحال مع الاعلام الدولي، والعالم يعيش صراعا دائما على طول تاريخ البشرية، المؤسسة الإعلامية لها اهداف محددة هي تقوية الاواصر الاجتماعية والسياسية بين أبناء الجماعة الواحدة، وزيادة الوعي بذاتها واشعارها بالتفوق على الجماعات الأخرى، من هنا ينشأ الانحياز الإعلامي، وتبدأ عملية الانتقاء، بمعنى انتقاء الاخبار التي تزيد من منسوب التفوق، بالإضافة الى التركيز على شيطنة الاخر، لان صورة الجماعة لا يمكن فهمها الا من خلال اضدادها.

فالاعلام الحر قليل جدا، وان وجد فلا يوجد له تاثير كبير، التاثير الأكبر لوسائل الاعلام المنحازة لانها تحقق للجمهور امنياته واحلامه بعالم وردي يحقق فيه النصر على اعدائها، ووسائل الاعلام المنحازة تقوم بانتقاء جوانب من الاحداث بما يتناسب وأهدافها، فاذا وقع حدث معين، وفيه جانبان، جانب سلبي على ممول القناة، وجانب إيجابي، تقوم وسائل الاعلام هذه بانتقاء الجانب الإيجابي واهمال السلبي، لكن بما اننا اما محاور عدة للصراع الدولي فنحن امام كتلتين من الانتفاخ الذاتي والشيطنة للاخر.

ما علاقة الصراع بالتغطية الإعلامية لفيروس كورونا؟

انتشار الفيروس في بلد معين يؤدي الى ظهور ضعف في هذا البلد، وربما انهياره اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، ومن ثم تقوم وسائل الاعلام الموالية للدولة المصابة بالتقليل من خطر انتشار الفيروس، والاشادة بالإجراءات الحكومية للوقاية منه، فضلا عن حياكة بعض نظريات المؤامرة لابعاد الشبهة عن وجود تقصير في القطاع الصحي او ما شابه، بينما تقوم وسائل الاعلام في الطرف الثاني من الصراع بالتركيز على حجم انتشار الفيروس وما يقد يتسبب به من خسائر اقتصادية للبلد المصاب به، وما طبيعة تاثيراته المستقبلية، وهذا ما حدث بالضبط مع جمهورية الصين الشعبية، اول دولة انتشر فيها فيروس كورونا الجديد كوفيد19، اذ بدأت التحليلات الاقتصادية عن مستقبل الصين الاقتصادية وانهيارها كقوة كبرى مع انتشار رقعة الفيروس، ومع ظهور الفيروس الجديد تعاملت وسائل الاعلام العالمية والمحلية وفق عدة مسارات وهي كالاتي:

المسار الاول: نقل الحقائق عن الفيروس من مصادرها الفعلية، مثل المستشفيات والمؤسسات المختصة، ومنظمة الصحة العالمية، فضلا عن نشر الأبحاث العلمية السابقة عن الفيروسات وطبيعة حياتها وسبل انتقالها الى الانسان، وما يجب ان يقوم به الانسان من إجراءات وقائية لحماية نفسه والاخرين من تلك الفيروسات غير القابلة للعلاج.

المسار الثاني: الاعتماد على التقارير المنحازة، بمعنى التوظيف السياسي للفيروس، بعض القنوات الفضائية تتعامل مع انتشار الفيروس وفق طبيعة الدولة التي يستهدفها، قناة الحرة الامريكية مثلا كتبت تقارير عن ايران شديدة التبسيط ومحاولات توظيف المرض من اجل استهداف ايران، اما وسائل الاعلام الايرانية فهي الاخرى كانت مشغولة بحياكة نظريات المؤامرة عن الولايات المتحدة الأمريكية واتهامها بنشر الفيروس، ما حول انتباه الجمهور من الوقاية من الفيروس الى التفكير بفتح جبهة جديدة من الصراع بين الدولتين والمستمر منذ سنوات، وابرز الاتهامات في هذا السياق هي:

١. اتهام دول بعينها بتصنيع الفيروس ونشره كجزء من الحرب البيلوجية الجديدة لاستهداف الصين، وبما اننا نتحدث عن استهداف الصين، فالضد الموضوعي لها هو الولايات المتحدة الأمريكية المتهم الاول في نشر الفيروس بعد ان فشلت في حربها الاقتصادية التي بدأها دونالد ترامب.

٢. اتهام دول معينة بتجاهل انتشار الفيروس لاسباب دينية او لتحقيق منافع اقتصادية، وهنا يبدأ الحديث عن ايران وايطاليا واسبانيا، ففي ايران اتهمت هذه الدولة بانها لم تمنع التجمعات وتقاعست عن مواجهة الفيروس ولم تعلن عنه الا بعد انتشاره، خشية تاثيره على الانتخابات، فضلا عن استمرار الزيارات الدينية، اما ايطاليا واسبانيا فهما متهمتان بعدم اتخاذ الاجراءات المناسبة لمنع السفر على القادمين من الصين خوفا من الخسائر الاقتصادية لا سيما في مجال السياحة.

المسار الثالث: التهويل والتهوين، بعض القنوات الفضائية عندما تشاهد تقاريرها تعتقد ان هذا الفيروس هو نهاية البشرية، واننا نعيش اخر أيامنا، ومنها الكثير، وفي الجانب الاخر هناك تهوين للفيروس وعلى انه يشبه الانفلونزا الموسمية التي تصيب الناس في فصل الشتاء، وما بين التهويل والتهوين ضاعت فرصة التقليل من المخاوف او زيادة مستوى الوقاية من المرض.

المسار الرابع: اخبار مواقع التواصل الاجتماعي، وأود التنبيه الى مسألة مهمة وهي ان المعلومات على مواقع التواصل غير صالحة للتداول لاسباب عديدة، لعدم وجود جهات متخصصة بنقل الاخبار، وغياب السيطرة على تدفق المعلومات وضعف الجمهور في التحقق من الاخبار، لذلك فهي البيئة المناسبة لنشر كل شيء غير صحيح، اما بالنسبة لفيروس كورونا على مواقع التواصل، فقد انقسم الى عدة اقسام:

١. معلومات توعوية وقد اخذ الكثير من المواطنين على عاتقهم نشر التوعية الصحية ونشر المعلومات الصحيحة للتعامل مع الفيروس.

٢. التهويل، بعض الناشرين نسخوا التهويل المنشور عبر القنوات الفضائية الى حساباتهم الشخصية، واستخدموا معلومات غير دقيقة من القنوات تلك، وبعض المعلومات المغلوطة التي لا تحمل أي مصدر سليم.

3. التهوين، هناك صفحات اخذت على عاتقها التهوين من الفيروس، وتنشر قضايا تاريخية تربط بين ما يحدث الان، واوبئة أخرى.

4. الصراع الديني، لقد تجلى الصراع بين الدين وغيره من التوجهات الرافضة له في ازمة وباء كورونا، اذ تحولت مواقع التواصل الاجتماعي الى منصة هائلة لتوسيع نطاق الصراع والهجمات المتبادلة بين المتدينين والمدافعين عنهم، وغير المتدينين والمدافعين عنهم.

ان خطر فيروس كورونا هو غياب الطريقة السليمة للتعامل معه، لأننا لا نعرف العلاج، والخطر الذي يواجه البشرية في التعامل مع المعلومات المتداولة عن الفيروس، وخاصة المعلومات المغلوطة والمتضاربة يزيد من صعوبة مواجهته.

اضف تعليق