q
في السنوات الاخيرة طرح مفهوم استعادة العراق لاستقلاله وهيبته في ظل التسابق الامريكي مع إيران من اجل الاستيلاء على أكبر قدر من موارد السيادة العراقية، وبالفعل استطاعت واشنطن نتيجة سطوتها العسكرية وقوتها الاقتصادية وهيمنتها التكنلوجيا، استطاعت سحب الكثير من موارد السيادة العراقية، ولم تكن طهران لتسكت عن هذا الامر...

في السنوات الاخيرة طرح مفهوم استعادة العراق لاستقلاله وهيبته في ظل التسابق الامريكي مع إيران من اجل الاستيلاء على اكبر قدر من موارد السيادة العراقية، بحيث يصبح البلد خاضعا لاحدى الدولتين، وبالفعل استطاعت واشنطن نتيجة سطوتها العسكرية وقوتها الاقتصادية وشبكة علاقاتها السياسية وهيمنتها التكنلوجيا، استطاعت سحب الكثير من موارد السيادة العراقية، ولم تكن طهران لتسكت عن هذا الامر فسحبت جزءا مما تبقى من السيادة لصالحها مستفيدة من علاقاتها العقائدية وقربها الجغرافي.

كل ذلك لم يكن ليحدث لولا وجود ارضية داخلية لهذه الهيمنة الخارجية السالبة للسيادة الوطنية، فهناك عناصر تساهم في سلب السيادة واصلاح هذه العناصر او معالجة بعضها يسهم في استعادة السيادة الوطنية والتخلص من الهيمنة الخارجية والتي تاتي على عدة صور:

١. اقتصادية

٢. سياسية

٣. عسكرية

٤. صناعية وتكنلوجية

٥. ثقافية

ولا يمكن التخلص من الهيمنة دفعة واحدة، لذلك علينا وضع اولويات، لا سيما وان بعض انواع الهيمنة تساهم في بقاء الجزء الاخر منها، على سبيل المثال هناك دول تركز على الهيمنة العسكرية كاولوية من اجل التخلص منها باعتبارها المعوق الاساس لتحقيق اي استقلال مهما كانت قوته، وقد اخذت الدول العربية بهذا النوع من حروب الاستقلال، كانت الجزائر وليبيا نماذج واضحة في هذا المضمار، ففي الاولى قدمت مليون شهيد من اجل طرد الاستعمار الفرنسي، وفي ليبيا قام عمر المختار ومحمد عبد الكريم الخطابي وغيرهم بثورات ضد الاحتلال الاجنبي.

في العراق ايضا كانت هناك ثورة ضد الاستعمار البريطاني، عرفت باسم ثورة العشرين، وفي سوريا ومصر والسودان واليمن، ركزت كل هذه الدول على الجانب العسكري للتخلص من الهيمنة الخارجية عليها، لكن هل نجحت في العبور الى الخطوة الثانية وهي التخلص من الهيمنة الاقتصادية والثقافية والسياسية؟

لم تعبر هذه الدول خطوة واحدة نحو تحقيق الاستقلال ما عدا العسكري، وحتى هذا الاستقلال العسكري كانت هناك تبعية من نوع اخر، او لنقل ان الدول العربية انتقلت من الخضوع التام للمستعمر الاجنبي، الى الخضوع الطوعي لدولة عظمى اخرى، فاغلب الدول العربية التي حققت الاستقلال العسكري من الهيمنة الغربية كانت خاضعة للمعسكر السوفيتي الشيوعي، فلم تكن هناك صناعات عسكرية عربية قادرة على تحقيق الاستقلال التام.

كان الشغل الشاغل للعرب هو تحقيق الاستقلال العسكري، وقد تحقق جزء شكلي فقط تمثل بعدم وجود قواعد عسكرية للدول الاجنبية لكن هناك خضوع للتكنلوجيا والصناعة الخارجية، ويعود هذا الى غياب الصناعة الوطنية بمختلف اشكالها، فخضعوا كليا للتكنلوجيا المستوردة، بل زاد الاعتماد على الخارج مع سيطرة الحكومات الجديدة بعد تحقيق الاستقلال.

والبلد الذي لا يصنع اسلحته ولا يصنع غذاءه فمن الطبيعي ان يكون اقتصاده ضعيفا غير قادر على المنافسة في ظل سوق عالمي شديد التنافسية، فسقط الاقتصاد الى غير رجعة، وبدل ان يتقدم خطوة الى الامام سقطت الدول العربية في فوضى الاستيراد ما افرغ ميزانيتها المالية وجعلها تعود شيئا فشيئا الى الدول التي سبق وان حاربتها من اجل اخراجها من البلاد.

باتت لدينا دولة لا تملك صناعة عسكرية ولا مدنية ولا اقتصاد قوي، فهل يمكن لهكذا دولة ان تحقق الاستقلال السياسي، في ظل بيئة دولية تربط كل تعاملاتها بالجوانب السياسية، بالتأكيد ستكون هناك شروط سياسية قاسية تهيء للتبعية في مرحلة لاحقة، كما حدث في سوريا التي اشتهرت بانها دولة لها قرارها وتؤكد دائما انها دولة محافظة على سيادتها، لكنها في النهاية اصبحت اسيرة لدى روسيا، والسبب هو الاعتماد على السيادة الشكلية بدون مرتكزاتها الكاملة.

لم تخضع سوريا والدول العربية الأخرى للهيمنة السياسية والتكنلوجية الاقتصادية والعسكرية وحسب، بل خضعت ايضا للهيمنة الثقافية، فالواردات لا تعبر عن صناعة فقط، انما تعبر عن ثقافة البلد المورد، كل منتج صناعي يعبر عن ثقافة البلد الذي انتجه، وبرور السنوات يتحول المنتج نفسه الى جزء من الثقافة الوطنية، والذي كان في حقيقته معبرا عن ثقافة اجنبية خالصة لا علاقة لها بالثقافة المحلية، وكلما طال امد السيطرة الخارجية انهارت الثقافة المحلية وانسلخت عن جذورها، وبمرور السنوات يصبح التفكير في التخلص من الأجنبي نوعا من الحرب على المجتمع الذي تشبع بالثقافة الأجنبية واتبعها ومارسها في حياته اليومية، وعندما يسمع عن محاربة شكل من اشكال التدخل الخارجي فحديثه كانه غريب على مسامع المجتمع.

اضف تعليق