q
بعد جولة مطولة من الضغوط الدولية، اعلان المفوضية السامية لحقوق الإنسان قائمة بأسماء الشركات العاملة في المستوطنات، أعاد شيئا من الثقة في العدالة الدولية وعليه قررت الحكومة الفلسطينية، ملاحقة تلك الشركات التي وردت اسمائها في التقرير بتهمة المساس بحقوق الإنسان ومطالبتها بتعويضات جراء استخدام الأراضي الفلسطينية لصالح الدولة المحتلة...

منذ عام ألفين وستة عشر وحتى العام ألفين وعشرين المجتمع الفلسطيني يترقب ولادة القرار الذي رسم الفرحة على وجوههم، واستفز بالمقابل تل ابيب ودفعها الى استنفارا دبلوماسيا وسياسيا، لكنه استطاع ان يشكل دفعة معنوية للفلسطينيين بعد جولة مطولة من الضغوط الدولية، اعلان المفوضية السامية لحقوق الإنسان قائمة بأسماء الشركات العاملة في المستوطنات، أعاد شيئا من الثقة في العدالة الدولية وعليه قررت الحكومة الفلسطينية، ملاحقة تلك الشركات التي وردت اسمائها في التقرير بتهمة المساس بحقوق الإنسان ومطالبتها بتعويضات جراء استخدام الأراضي الفلسطينية لصالح الدولة المحتلة.

يمكن ان يكون اعلان هذه القائمة التي طال انتظارها عامل قوة لمحاسبة الشركات المتورطة في هذا العمل والتي تعود لدول كبرى، اذ من المؤكد ان يكون هذا العمل عملا إجراميا، ومن ثم دعوة المجتمع الدولي للوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني الذي تجرع مرارة الاحتلال منذ عقود خلت.

وهنا على الفلسطينيين ان يتخذوا من الإعلان هذا نقطة الانطلاق نحو المجتمع الدولي لمحاسبة الممارسات غير المسؤولة من قبل الحكومة الاسرائيلية، وما اقترفته من أعمال مخالفة للأعراف الدولية، حيث بالإمكان ان تضغط الجماهير الفلسطينية على تلك الشركات عبر مقاطعتها ومن ثم تكون قد مهدت لعملية انسحابها تدريجيا، وهذا لم يتحقق مالم تكن هنالك رغبة شعبية توظف هذه النقمة الدولية النسبية الى نتائج إيجابية تصب بمصلحة المواطنين بصورة عامة.

مئة واثنتا عشرة شركة تعمل في المستوطنات الاسرائيلية وتحديا بالضفة الغربية، ويمكن ان يلخص من هذا التقرير ان له تأثير على الجانبين الاقتصادي والسياسي، فعلى المستوى السياسي مقبول جداً ان يعتبر صفعة لحكومة نتنياهو والبيت الأبيض، لا سيما وأنها جاءت بعد اعلان بنود صفقة القرن.

ومن فوائد هذا القرار الأممي أيضا هو تقوية الجبهة الفلسطينية من اجل الدفاع عن الحقوق المسلوبة امام أنظار القوى الدولية التي لا تزال لم تحرك ساكنا إزاء تلك القضية التي أصبحت من القضايا المستعصية، في ظل تلك المنحدرات التي تسير بها الأحداث الفلسطينية الاسرائيلية يبقى على رئيس الوزراء الاسرائيلي ان يجد مخرج يوفر الحماية لمصالح الشركات العاملة في قطاع الضفة الغربية.

ولهذا القرار أهمية كبيرة فيما اذا اراد المجتمع الدولي أنصاف الشعب الفلسطيني والنظر بذلك الملف المعقد، ولكن في ذات الوقت على الفلسطينيين الا يعولوا كثيرا على النتائج التي من المتوقع ان يحدثها التقرير وذلك لأسباب بسيطة وواضحة.

اول تلك الأسباب هو معرفة المجتمع الدولي مسبقا بالانتهاكات الاسرائيلية منذ خمسينيات القرن المنصرم ولغاية اليوم، ولم يتمكن من قلب المعادلة لصالح الشعب والحكومة الفلسطينية، وهذا ناتج من الدعم الأمريكي اللامحدود للموقف الاسرائيلي.

ويضاف الى ذلك هو تحكم القطبين الأمريكي والاسرائيلي بنسبة كبيرة ببوصلة الأحداث الدولية، وهذا التحكم اصبح بمثابة الدرع الواقعي تتستر خلفه الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة وبالتالي يكون الموقف الدولي ضعيف امام تلك الانتهاكات المتواصلة.

ما نود الإشارة اليه بهذه السطور هو إذا كانت إسرائيل تمتلك هذه القدرة من التأثير على المجتمع الدولي ما الذي تخشاه من هذا التقرير؟، لكن قد يكون التقرير مزعجا بالنسبة لها كون هنالك العديد من الدول المشتركة في لجنة حقوق الإنسان وتصب معظم اهتمامها بما يحدث في الضفة الغربية.

ويحمل القرار تأثيرا اقتصاديا على الجانب الفلسطيني، يتمثل في انه يهدد الآلاف من العاملين بتلك الشركات والذي من المحتمل ان يكون أحد التحديات التي تواجه الحكومة الفلسطينية في ظل الضعف الاقتصادي الذي تمر به البلاد.

هنالك تخوف يخيم على الأجواء الفلسطينية، ناجم من محدودية التأثير الذي من المتوقع ان تحدثه الدول خارج الأسوار التي وضعتها امريكا وحلفائها.

وفي الختام فان القانون الدولي بلا ادنى شك من وضعته هي الدول الكبرى والمهيمنة، وتم استخدامه من قبلها لفرض إراداتها وكان آخرها فرض صفقة القرن، وما عملته الحكومتين يعد تلطيخ للقانون الذي من المفترض ان يكون المنقذ للشعوب المقهورة.

اضف تعليق