q
لا شك أنَّ حتميات السياسة تعمل على خلق تكتلات بشرية، تتوافق في ما بينها في الاتجاه العام أو الرؤية، حول التطورات السياسية المختلفة في هذا البلد أم ذاك، وهو ما يستدعي معه بروز ما يعرف بالأحزاب أو التيارات السياسية، وهذه الأخيرة، تعمل جاهدة على تمييز نفسها بشتى الطرق والأساليب...

لاشك أنَّ حتميات السياسة تعمل على خلق تكتلات بشرية، تتوافق في ما بينها في الاتجاه العام أو الرؤية، حول التطورات السياسية المختلفة في هذا البلد أم ذاك، وهو ما يستدعي معه بروز ما يعرف بالأحزاب أو التيارات السياسية، وهذه الأخيرة، تعمل جاهدة على تمييز نفسها بشتى الطرق والأساليب، ومنها على سبيل المثال استعمال الرموز الدينية أو الشخصيات التاريخية أو الحيوانات أو الألوان وغيرها، كإشارة واضحة لها، لترسخ لدى بقية الأطراف المناوئة لها ولتوجهاتها أو حتى لدى الطبقات العامة، تلك الرموز.

والغريب في الأمر! أن جميع البلدان التي اتخذت لنفسها نمطاً لونياً ثابتاً خاصاً لها، سرعان ما تعمل على فرض أفكارها بالقوة على الآخرين، وهذا ينطبق على أصحاب الاتجاهات اليسارية (المعارضون) أو الاتجاهات المعتدلة (أصحاب القضية) على حدٍ سواء.

ولزاماً علينا كشعوب تدعي الوعي، أن نتوخى الحذر من استعمال تلك الرموز والأنماط اللونية؛ كونها ستسهم في حالة من التصادم والصراع بين جميع الأطراف المتبنية لها، وأن نأخذ العبرة من الشعوب التي سبقتنا في المضمار نفسه، كي لا نقع في المشاكل التي وقعت فيها، عن طريق القيام باستدراج الماضي إلى الحاضر، للابتعاد قدر المستطاع عن الكوارث التي قد تحصل ونقع في المحظور، أي الاعتماد على علم التأريخ واستدعاءه في إنهاء الأزمات الراهنة، وهو ما اعتمدت عليه جميع الدول الغربية للتخلص من أزماتها وعدم تكرار أخطاء الماضي وتجاوزها.

إن البلدان التي اتخذت في تجاربها السياسية النمط اللوني في تمايز عناصرها السياسية وأفرادها، أدت في النتيجة إلى حدوث مصادمات كبيرة أو حروب أهلية بسبب ذلك، ومن أبرز الأمثلة التاريخية على ما تقدم:-

* الجيشان الأحمر والأبيض: برز هذان الجيشان في روسيا، وهما من أسباب الحرب الأهلية الروسية 1917-1922، وكان الجيش الأحمر الذي انتمى إليه الغالبية من الفلاحين والعمال الروس، يرمز الأحمر فيه إلى الدم والقتل، وفي قباله ظهر الجيش الأبيض المناهض له، الذي أسسته الدول الغربية للقضاء على الثورة البلشفية للعمال والفلاحين، ورمز الأبيض فيه إلى النظام القيصري والرغبة في إعادته للحكم، إذ كان القيصر الروسي ايفان الثالث يطلق عليه (القيصر الأبيض)، وانتهى وجود الجيشين بعد نهاية الحرب الأهلية في عام1922.

* القمصان السود: ظهرت المنظمة في ايطاليا عام1919، التي انتمى إليها مجموعات كبيرة من الشباب التي ترتدي اللون الأسود (القمصان السوداء) بزعامة موسوليني، استعملت القوة تجاه المعارضين لها، وقادت انقلاب كبير ضد الحكم بعملية واسعة دعا إليها موسوليني نفسه، سميت بعملية (الزحف إلى روما)، في عام1922، التي انتهت باستلام موسوليني رئاسة الوزراء في ايطاليا واستحواذه على السلطة فيها، إلىأن قام الحلفاء بإسقاطه في الحرب العالمية الثانية عام1943.

* جماعة الكف الأسود: تأسست هذه المنظمة في فلسطين عام1930 على يد عز الدين القسام، وتولى زعامتها سرور برهم، وكانت مهمتها الأساسية اغتيال رجال العصابات الصهاينة، وانتهى وجودها بعد مقتل القسام عام1935.

* القمصان السود: ظهرت هذه الجماعة في بريطانيا في ثلاثينات القرن العشرين بزعامة اوزوالد موزلي، الذي كان معاديا لليهود في بريطانيا، واشتهر مؤسسها بإقامة علاقات وطيدة مع النازيين والفاشيين.

* القمصان الزرق والخضر: انتشر أنصار هاتين المجموعتين في مصر، إذ أسس مجموعة القمصان الزرق (الزرقاء) مصطفى النحاس وكانت مليشيا تابعة إلى حزب الوفد المصري تهدد المعارضين له. وعلى غرارها تأسست مجموعة القمصان الخضر(الخضراء) التي ارتبطت بصلات مع الملك فاروق، وتأسست تحت رئاسة حزب مصر الفتاة الذي كان من المناوئين لحزب الوفد وسياسته، وقد حلت عام 1937 بعد أن حصلت مصادمات بين الجانبين، وتم اعتقال أكثر من(300) شخصاً من أتباعها.

وهذه أبرز الأمثلة التاريخية التي يجب استذكارها لتكون أمام أعيننا لنأخذ العبرة والعظة منها، وعدم الانجرار وراء المسميات، التي قد تخلق نوعاً من الإرهاب الفكري، لدى أغلب الناس البسطاء الذين لا يرغبون بالدخول في هذه الفئة أم تلك.

ومما تجدر الإشارة إليه، أن هناك الكثير من المسميات التي نرجو من القارئ الكريم مراجعتها لزيادة الوعي والتفكير في الأمور السياسية التي تخصه وتلامس حياته، ومن جانب آخر، فان التركيز على المنظمات التي اتخذت أنماطاً لونية، في دراستنا هذه لغرض بيان الجوانب السلبية، إلا أن هناك بعض المنظمات اللونية الأخرى، سعت جاهدة في بناء الأوطان والبلدان التي هي فيها، وهو ما سيجعلنا نكتب عنها مستقبلاً إن شاء الله تعالى.

.....................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق