q
الآن يلمس الاتحاد الأوروبي، الذي يواجه أزمة في إيران بسبب تفسخ الاتفاق النووي المبرم في 2015، فرصة في ليبيا بعد إخفاق موسكو في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع حفتر، ويقول بعض سفراء الاتحاد الأوروبي إن الصدمة التي أحدثتها تداعيات الضربة الجوية الأمريكية...

(رويترز) - بعد تفجر الاشتباكات من جديد في ليبيا أوائل العام الماضي اضطر فريق خاص من دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي في طرابلس للانتقال إلى تونس ليفعل ما كان يفعله لعدة سنوات ألا وهو الانتظار، وفي الوقت الذي تعقد فيه ألمانيا قمة برعاية الأمم المتحدة يوم الأحد المقبل لرسم مسار يضع نهاية للصراع في ليبيا، التي تشهد اضطرابات منذ سقوط معمر القذافي في 2011، تعتقد القوى الأوروبية أن بوسعها الآن البدء في التغلب على هذا الجمود والدفاع عن مصالحها على أعتاب أوروبا الجنوبية.

غير أنه مثل خبراء الاتحاد الأوروبي الشاعرين بالملل والمكلفين بدعم مسؤولي وزارات ليبية في مقرهم المؤقت في تونس خلال السنوات الخمس الأخيرة، تأتي الدبلوماسية الأوروبية في كثير من الأحيان متأخرة وبعد ضياع قدرتها على التأثير، كما أن الدبلوماسية الأوروبية انكشفت أمام سياسة ”أمريكا أولا“ التي يتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وقال مسؤول السياسة الخارجية الجديد بالاتحاد الأوروبي خوسيب بوريل أمام البرلمان الأوروبي هذا الأسبوع ”نحن الأوروبيون نتحصن وراء الاعتقاد بأنه لا يوجد حل عسكري لأننا لا نريد المشاركة في حل عسكري“، وأضاف ”لا أحد سيسعد إذا قامت على الساحل الليبي حلقة من القواعد العسكرية من البحريتين الروسية والتركية في مواجهة الساحل الإيطالي“، وكان الاتحاد الأوروبي، الذي مرت عليه فترة كان فيها قادرا على التباهي بأنه قوة ناعمة ساعدت في تحويل الدول الشيوعية المجاورة إلى اقتصاد السوق، قد أرسل أول بعثة إلى ليبيا لتدريب حرس الحدود في 2013 لكنه اضطر لتنفيذ كل عمليات التدريب خارج ليبيا ابتداء من 2015 وعاد إلى ليبيا لفترات وجيزة في 2017 و2019.

وفي ظل قرب طرق الهجرة في ليبيا من الشواطيء الأوروبية وإمداداتها من الطاقة في البحر المتوسط التي تسعى تركيا وراءها، أصبحت السياسة تجاه بلد كان في السابق يمثل أولوية للاتحاد الأوروبي رمزا للخلافات.

فقد أيدت إيطاليا، المستعمر السابق لليبيا، حكومة فائز السراج المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس بينما أيدت فرنسا خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي في شرق البلاد، وعقدت باريس وروما مؤتمرات سلام منافسة بينما عملت روسيا وتركيا، وهما دولتان على خلاف في بعض الأحيان مع قيم الديمقراطية وحقوق الانسان التي يتمسك بها الاتحاد الأوروبي، على تهميش التكتل الأوروبي، وجرت أول محادثات بشأن وقف إطلاق النار الأسبوع الماضي في موسكو لا في بروكسل، وإلى حد كبير غابت واشنطن، أوثق حلفاء أوروبا، عن المشهد فيما يمثل اختلافا كبيرا عن 2011 عندما تعاونت الولايات المتحدة وأوروبا تحت مظلة حلف شمال الأطلسي في حملة قصف جوي لدعم الانتفاضة التي أطاحت بحكم القذافي.

وقال سفين بيسكوب المحلل لدى معهد إجمونت ببلجيكا ”في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لم يكن لدى الاتحاد الأوروبي قط فكرة واضحة عن أهدافه ولذلك لم يسلك مسلكا استباقيا بل كان يستجيب بردود الفعل فقط، لقد سمحنا بضياع فرص كثيرة“.

نهج أوروبي

الآن يلمس الاتحاد الأوروبي، الذي يواجه أزمة في إيران بسبب تفسخ الاتفاق النووي المبرم في 2015، فرصة في ليبيا بعد إخفاق موسكو في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع حفتر، ويقول بعض سفراء الاتحاد الأوروبي إن الصدمة التي أحدثتها تداعيات الضربة الجوية الأمريكية بطائرة مسيرة مستهدفة قائدا عسكريا إيرانيا شحذت همة الأوروبيين الذين بدأوا يستقرون على ”نهج أوروبي“ جديد.

وقد أبدت بريطانيا وفرنسا وألمانيا هذا الأسبوع تصميما جديدا للضغط على طهران للالتزام بالاتفاق فقامت بتفعيل آلية فض المنازعات الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران، ورغم ذلك ومع اقتراب المؤتمر الذي يعقد يوم الأحد بخصوص ليبيا لم تنح إيطالي وفرنسا حتى الآن خلافاتهما جانبا وتقفان خلف الحكومة القائمة في طرابلس، وسعت ألمانيا، التي ترى في نفسها قوة أكثر حيادية من فرنسا وإيطاليا، لشغل مقعد القيادة فاستثمرت المستشارة أنجيلا ميركل الوقت في طلب الدعم من نظرائها في روسيا وتركيا ومصر، كذلك تريد القيادة الجديدة للاتحاد الأوروبي في بروكسل أن تلعب دورا أكبر على الصعيد الجيوسياسي ووقف الوهن الذي لحق بنفوذ أوروبا. وقد بدأت في أوائل يناير كانون الثاني جهودا دبلوماسية وسط مخاوف من تفجر الأوضاع في الشرق الأوسط بعد الضربة الأمريكية التي استهدفت إيران، وأجرى كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي محادثات مع السراج في بروكسل ودعوا إلى عقد اجتماع استثنائي لوزراء خارجية الاتحاد وأجروا مكالمات مع الرئيس الإيراني وانضموا إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمر عن منطقة الساحل في أفريقيا.

وقال مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي يشارك في رسم السياسة الخارجية ”نحن لا نحاول أن تكون لنا سياسة خارجية هجومية ... لكن رؤساء الدول بحاجة لفكر جديد أكثر تأكيدا للذات“، وقال مسؤولون ودبلوماسيون إن حكومات أجنبية صديقة تريد أن يحقق الاتحاد الأوروبي نجاحا على المستوى العالمي. وقد دأب زعيم المعارضة في فنزويلا خوان جوايدو على المطالبة بمساعدة الاتحاد الأوروبي في زيادة الضغط على الرئيس نيكولاس مادورو.

ومنذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران وإعادة فرض العقوبات الأمريكية عليها دعت طهران الاتحاد الأوروبي مرارا إلى إنقاذ الاتفاق بالحفاظ على القنوات التجارية مفتوحة، غير أنه في ضوء خروج بريطانيا، التي تمثل هي وفرنسا القوتين العسكريتين الرئيسيتين في أوروبا، من الاتحاد الأوروبي قد يجد الاتحاد أن من الصعب الارتقاء إلى مستوى طموحاته.

وليس لدى أي من الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي خطط لنشر قوات في ليبيا. كذلك فقد توقفت عملية صوفيا البحرية التي أطلقها الاتحاد الأوروبي وأنقذت مهاجرين قبالة الساحل الليبي وساعدت في تنفيذ حظر سلاح.

كما رفض الحلفاء الأوروبيون دعوات أمريكية في حلف شمال الأطلسي للمساعدة في حماية الممرات الملاحية في منطقة الخليج، وفي بعض الأحيان ثبت أن مجرد الاتفاق على صياغة البيانات مصدر للانقسامات أيضا.

وقال برونو ماكايس وزير شؤون أوروبا السابق في البرتغال والذي يعمل الآن مستشارا في السياسة الخارجية ”العلامة الإيجابية هي أن الجميع يتفقون الآن على أن هذا الوضع غير قابل للاستمرار“.

اضف تعليق