q
في كل يوم تشهد الساحة الليبية تغيرات لم تكن في الحسبان، ففي الوقت الذي تتسارع فيه الخطوات التركية من أجل تقديم دعم عسكري لحكومة الوفاق الليبية، أعلن الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، سيطرته الكاملة على مدينة سرت ذات الاهمية الخاصة بالنسبة لليبيا...

في كل يوم تشهد الساحة الليبية تغيرات لم تكن في الحسبان، ففي الوقت الذي تتسارع فيه الخطوات التركية من أجل تقديم دعم عسكري لحكومة الوفاق الليبية، أعلن الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، سيطرته الكاملة على مدينة سرت ذات الاهمية الخاصة بالنسبة لليبيا.

هذه التحركات العسكرية تأتي بالموازاة مع تكثيف الحراك الدبلوماسي الذي تشهده العاصمة الجزائرية، حيث استقبلت في الآن كلا من رئيس حكومة الوفاق فايز السراج ووزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو مؤكدة على ضرورة العودة إلى الحوار الوطني مع تأكيدها على رفض أي تدخل أجنبي داخل ليبيا.

ان سيطرة الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر على سرت يحمل دلالات رمزية وواقعية من بينها انها افشلت التوقعات التي تشير الى وجود نية لتقسيم ليبيا الى مناطق متفرقة والسيطرة عليها بشكل اسهل فيما اذا بقيت وحدة واحدة.

هذه التطورات الميدانية على ارض الواقع بالتأكيد ستغير من المعادلات العسكرية في ليبيا، لاسيما وان سرت لها خصوصية بالمشهد الليبي، ما دفع بالحكومة التركية الى التدخل ومحاولة الايفاء بالتعهدات التي قطعتها مع حكومة الوفاق الوطنية.

وهنا علينا ان نركز على نقطة لا تقل اهمية عما تم ذكره وهي الحراك التركي في الوقت الراهن وما ينتج عنه من تدخل ميداني على الارض، الى جانب التحرك الدبلوماسي الذي كثيرا ما تعول عليه اطراف كثيرة في الوصول الى نتائج ايجابية والابتعاد قدر الامكان عن التصادم العسكري.

ولم نعرف بعد فيما اذا كان الدور التركي سيسهم في تغيير مجريات الاحداث، لكن ومع ما موجود من معطيات فان الدور التركي سيكون صعبا ما لم تكن هنالك رغبة حقيقية في انهاء الاوضاع من قبل الاطراف الليبية الداخلية.

الآن هنالك اكثر من خطة بهذا الاتجاه وقد يكون مؤتمر برلين وكذلك التحرك الروسي والجزائري، ما يعني هناك اكثر من مؤشر على حلحلة الاوضاع والذهاب نحو حوار دبلوماسي وسياسي فعال.

زيارة فايز السراج تأتي في إطار الدور الجزائري الذي من المهم ان يأخذ حيزه في المعترك الذي تمر به البلاد، اذ يعول الكثير على ان يتجلى هذا الدور في اخماد فتيل الحرب التي اخذت تقترب كثيرا من جميع الاطراف.

في الوقت الذي تواصل فيه الجزائر دعوتها لرفض التدخل الاجنبي بينما نجدها في ذات الحينس تعقد اتفاق مع حكومة انقرة، فهل ستشمل هذه الدعوات اتفاقها مع تركيا ام ستقتصر على التدخل التركي في الشأن الليبي.

عطفا على ما تم ذكره فان هنالك قناعة عربية بعدم الوصول الى خيارات المواجهة العلنية وتبقى التصريحات والتحركات ليس اكثر من عملية مد وجزر تحدث بين اغلب الدول في مثل هذه الظروف، فما تقومان به الدولتين مصر والجزائر يمكن ان نضعه في خانة الدور وليس التدخل في الشؤون.

هناك من يقول ان تشاووش اوغلو ربما يطرح على الجزائر فكرة استخدام اراضيها ومن ثم الوصول الى الاراضي الليبية، وهنا نتسائل حول امكانية اقناع الجزائر لاتمام هذه الصفقة بالاعتماد على اجوائها، لم نستبعد ابدا طرح من هذا النوع لاسيما وانه سبق ونوقش في الداخل التركي لكنه ليس من اولوياتها هو طلب من دول الجوار الليبي بأن تفسح لها المجال لاجل هذا، بل هي متبعة لغاية الآن الخط السياسي والتفاهم الدبلوماسي مبتعدة قليلا عن هذا الجانب.

تركيا وفي ظل ما يدور تدرك ان اشراك اي قوى الى جانب القوات التابعة لحكومة الوفاق الليبية سيزيد الاوضاع تعقيدا، وهو ما يجعلها تعمل جاهدة لفتح قنوات الحوار بين الاطراف الفاعلة في هذا المحور، اذ يعد هذا الحوار نقطة في غاية الاهمية كونه سيجنب الاطراف المزيد من الخسائر بشتى الجوانب.

فما تقوم به الجزائر في كل مرة لتقريب وجهات النظر هو الاكتفاء بالحديث مع حكومة الوفاق الليبية، امر يدلل على عدم اعترافها في الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، وهذا بطبيعة الحال متوقع كون الجزائر لم تخرج من الرؤية الدولية التي اكدت اعترافها بالحكومة الشرعية في البلاد بقيادة فايز السراج.

من بين جميع الاطراف اللاعبة في القضية الليبية هنالك دور مختلف لمصر قد يكون الاكثر تصعيدا للاحداث، خصوصا بعد الزيارات التي اجراها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في روما وباريس ولقاءه ترامب، كون المصريين ادركوا جيدا اهمية الابقاء على المؤسسة العسكرية في الجزائر واستخدامها في الوقوف بوجه التدخلات الخارجية.

ولم تسلم حكومة القاهرة من اتهامات واضحة موجهة لحكومة القاهرة حول وقوفها الى جانب طرف دون آخر، اذ بان واضحا وقوفها الى جانب الجيش الوطني، في المقابل هنالك مساع من قبل عواصم عربية لاثناء القاهرة عن مواقفها الحالية، ويبقى ما لم نعرفه هو هل ستكتفي مصر بهذا القدر من التدخل ام سنرى في الايام القليلة القادمة تحرك عسكري يقابل التحرك التركي.

اضف تعليق