q
والآن ونحن في أزمة مفترق الطرق التي تحكم الانفعال فيما سبق من أيامها، وراح ضحيته المئات من خيرة شبابنا، لا بد ان يتوقف الجميع ويسمعوا لصوت الحكمة، وهذا ما أكدته المرجعية أول أمس بقولها ان المشكلة ليست في الحكمة بل فيمن لا يسمع لها، وكأنها تقول لمن بيدهم الحل...

للأسف الشديد نحن لا نتعلم الا بعد ان نكتوي بالنيران، والذي نتعلمه سرعان ما يطويه النسيان، فالذي ليس في باله سوى التربع على عرش العراق، يندر ان يشحذ ذاكرته لاسترجاع الحوادث والاعتبار منها، مع ان تلك الحوادث ليست بعيدة وخسائرها كانت جسيمة يتعذر نسيانها، فقد أخذت معارك السلطة من شبابنا ما يندى له جبين الانسانية، ولو كان العراق يمضي هائما على وجهه بلا حكومات ما خسر من شبابه ما خسر خلال ما مر من سنين.

وهذا يعني ان الذين قدر لهم ادارة الأمور غير مؤهلين، ولا يملكون فكرا يمكّنهم من خوض غمار السياسة في عالم مكتظ بالألغام، ولذلك أوقعونا بكل ما هو آسن، وان اعترضت عليهم أذاقوك من الويلات ما لم يخطر لك على بال، مع ان الناس لم تطلب منهم المستحيل، وكل ما تتطلع له حياة كريمة آمنة في بلد خيراته تكفي أضعاف سكانه وتزيد.

لكن الذي لا تشغله سوى الامارة حتى وان كانت على حجارة كما يُقال، لا يحمد الله تعالى على نعمه، ولا يجعل من الانسان قيمة لها قدسية الأديان لو فهمنا الأديان بجوهرها وليس بأشكالها، وتسحق ماكنته من كان قبالته، لا فرق عنده ان كان المسحوق شابا ام طفلا، امرأة ام رجلا، فللسلطة لدينا معاني تختلف عما للآخرين، فأصحاب السلطة منزهون من كل عيب، وأبعد ما يكونون عن هذا الخراب الذي يملأ الأرجاء، دائما يلقون باللائمة على الناس، وينعتوهم بالغوغاء والعملاء وأنصار الدكتاتورية.

ولا يتذكر الواصفون ذلك اليوم الذي استقبلتهم فيه الجموع بالأحضان والتصفيق عاقدين عليهم الآمال بتخليصهم من أنين الليالي وسواد النهارات، ومنحوهم من الفرص ما يكفي، وصاروا لهم سواتر تحميهم من العوادي، وضحوا بما يملكون يوم ادلهمت الخطوب، لكن الأمل تلاشى، والانين تواصل، ونحيب الامهات لم ينقطع، والسبب عدم تطهير الصفوف من الفاسدين، ولم نستبعد المتخلفين، ولم نواجه المنفلتين، ومالنا السائب زاد من السراق، ولم نحفظ للقضاء استقلاله وللقانون هيبته، وبغياب الضمير عمل البعض لحساب الغرباء وجافى الأشقاء، و لم ترق له منازل الأهل، ولم يأسف ان نام عند أقدام الآخرين، وضاع البناة في طريق ازدحم بغير العارفين.

وفي هكذا وضع غابت الدولة، ولم يبق منها سوى الشكل والراتب آخر الشهر، وبغيابها انفلت السلاح وكثر الامراء، واستأسد ملوك الشمع، مع اننا للتو تحررنا من عبيد الفتاوى غير المبصرة التي أحزنت أفعالهم السماء قبل الأرض، وقلنا ان الخير آت، وانه درس عميق لقادتنا، سيراجعون من خلاله ما فات، وسيقّبلون جبين الشباب الذين انتفضوا مع أول استغاثة من موصلية دنست ظفائرها وحشية الارهاب، وان ارادة البناء ستبدأ فعلها، وسيُقبل الغد المشرق الذي انتظرناه طويلا، لكن الدرس الذي عمق وحدتنا، نساه الذين قدر لهم القيادة، وظلت الأبواب مفتوحة على مصاريعها للعابثين، كل ذلك مر، والكل بانتظار تصحيح المسار، لكن ذلك لم يحدث، وعليه انتفض الشباب.

والآن ونحن في أزمة مفترق الطرق التي تحكم الانفعال فيما سبق من أيامها، وراح ضحيته المئات من خيرة شبابنا، لا بد ان يتوقف الجميع ويسمعوا لصوت الحكمة، وهذا ما أكدته المرجعية أول أمس بقولها ان المشكلة ليست في الحكمة بل فيمن لا يسمع لها، وكأنها تقول لمن بيدهم الحل والعقد ان لا أحد منهم حتى الآن أصغى لنصائحها وما رأته من مخارج للمشكلة، والكل يعرف ان الأعداء الذين تعرفون لا يريدون لبلادنا النهوض، بل يرغبون بحرائق يتلو بعضها الآخر، بما لا يتيح للعراقيين التقاط الأنفاس، فبعد أن أحرقوا أهلنا في الغربية ودمروا مدنهم وشتتوا العوائل جاء الدور للجنوب، مستغلين انتفاضة الشباب الموضوعية في قيامها والواقعية في مطالبها، لذلك يجب مغادرة الانفعال والمكابرة، والاستجابة لصرخات الاصلاح التي تصدح بها حناجر الشباب، لتجنيب البلاد والجنوب منه تحديدا شر نيران تلوح في الأفق .

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق