q
هذا هو الذي يفسر جزئيا لماذا يتمكن النواب الدورة من التصرف بطريقة بعيدة عن ارادة الشعب ورغباته وتطلعاته، وربما بالضد من مصالحه، دون اعتبار للرأي العام، الذي لا يملك اية اليات دستورية وقانونية للتصرف في الحالات التي يلمس فيها وجود انحراف برلماني عن جوهر الديمقراطية والسيادة الشعبية...

في عام ٢٠١٠ كتبت مقالا بهذا العنوان دعوت فيه، كما هو واضح من العنوان، الى استعادة الحقوق السيادية للشعب العراقي، وكان مبعث كتابة هذا المقال امرين: الامر الاول ايماني بان السيادة للشعب، تبعا للتفسير الذي قدمه الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر للاية رقم ٣٠ من سورة البقرة التي تقول: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ"، وهو المبدأ الذي اقره ايضا الامام السيستاني بقوله "إنّ الحكومة إنما تستمد شرعيتها ـ في غير النظم الاستبدادية وما ماثلها ـ من الشعب، وليس هناك من يمنحها الشرعية غيره".

وقد بينت في مقالي انف الذكر ان السيادة الشعبية تمثل حجر الاساس في البناء الديمقراطي، وهي مصدر السلطات والشرعية التي تتولاها الهيئات المختلفة في الدولة وخاصة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية.

وهي تعبير عن الايمان بان شرعية الدولة تنشأ من ارادة ورضا ابناء شعبها الذين يمثلون مصدر السلطة فيها. كما تعني ان الحكومة تنشأ وفق ارادة المواطنين، وتبقى خاضعة لهذه الارادة.

صحيح ان الدستور العراقي ينص في مادته الخامسة على ان "السيادة للقانون" و ينص على ان "الشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية"، و ينص في المادة 20 على ان " للمواطنين، رجالاً ونساءً حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح."

بالرغم من هذه النصوص التي يحتاج بعضها الى تعديل، الا ان الدستور العراقي لم يتوسع في منح الصلاحيات الدستورية لعموم المواطنين او الشعب والسبب في ذلك، كما اتصور، ان واضعي الدستور لم يكونوا مؤمنين بالديمقراطية بشكل سليم، او ربما لم يكونوا على فهم سليم لها، فكتبوا دستورا ضيق على العراقيين ممارسة سيادتهم الطبيعية، وجعلهم يذهبون الى صناديق الاقتراع مرة واحدة كل اربع سنوات، لكي ينتخبوا مجلسا للنواب (عن طريق القائمة المستبدة التي صادرت حق الاختيار الحر من الناخبين).

ليكون هذا المجلس السلطة التشريعية العليا في البلد، وهي سلطة تفوق سلطة الشعب الذي انتخبها، والذي أي الشعب، لم يعد يملك اية سلطة عليها، وكأن الدستور يقول بنظرية التفويض، وليس بنظرية النيابة، كما لو ان الشعب "فوض" سلطاته و"تنازل" عنها للنواب، بحيث تنقطع الصلة بين النواب والناخبين بمجرد اجراء الانتخابات، خلافا لنظرية النيابة التي تقول ان النواب هم وكلاء الشعب ونوابه في القيام بصلاحياته السيادية دون ان تسلبهم هذه النيابة او الوكالة هذه الصلاحيات، بما في ذلك مراقبة النواب، ومحاسبتهم، واستبدالهم اذا اساءوا التصرف بمنصب النيابة والوكالة.

وهذا هو الذي يفسر جزئيا لماذا يتمكن النواب الدورة من التصرف بطريقة بعيدة عن ارادة الشعب ورغباته وتطلعاته، وربما بالضد من مصالحه، دون اعتبار للرأي العام، الذي لا يملك اية اليات دستورية وقانونية للتصرف في الحالات التي يلمس فيها وجود انحراف برلماني عن جوهر الديمقراطية والسيادة الشعبية. ولم يعد بمقدور الشعب سوى التذمر وابداء عدم الرضا والارتياح، وهي امور كان بمقدور النواب تحملها والعيش معها، ما دامت لا تؤثر على صلاحياتهم المطلقة في التشريع، وتمنح الشعب سلطة حقيقية عليهم.

وهذا يفسر جزئيا حالة الانسداد في علاقة المواطنين بالنواب، والتي دفعت المواطنين الى التظاهر الاحتجاجي لعدم وجود الية دستورية يستطيع من خلالها الشعب تحقيق التغييرات التي يتطلع اليها.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق