q
ما تزال عقوبة الإعدام احدى اهم القضايا الجدلية في العديد من دول العالم، فمنذ فترة ليست بالقصيرة، اختلف الفقهاء والمشرعون حول الإبقاء على عقوبة الإعدام أو إلغائها، وقد انعكس ذلك على مختلف دول العالم، فبينما احتفظت العديد من الدول بهذه العقوبة، نجد دولاً أخرى قد قامت حالياً بإلغائها...

ما تزال عقوبة الإعدام احدى اهم القضايا الجدلية في العديد من دول العالم، فمنذ فترة ليست بالقصيرة وكما نقلت بعض المصادر، اختلف الفقهاء والمشرعون حول الإبقاء على عقوبة الإعدام أو إلغائها، وقد انعكس ذلك على مختلف دول العالم، فبينما احتفظت العديد من الدول بهذه العقوبة، نجد دولاً أخرى قد قامت حالياً بإلغائها ولجميع الجرائم، في حين أن دولاً أخرى ألغتها لجميع الجرائم ما عدا الجرائم الاستثنائية. ويرى المطالبون بالإبقاء على عقوبة الإعدام، أن ذلك يعد حماية للنظام والأمن في المجتمع، وأن العقوبة لا تستخدم إلا تجاه فئة خطيرة على المجتمع تهدد أمنه بل وحتى بقاءه لهذا يحرص المشرع على النص على هذه العقوبة، ردعاً للعتاة من المجرمين، وضماناً لحق الضحايا وعوائلهم.

تعارض منظمة العفو الدولية عقوبة الإعدام في جميع الحالات دون استثناء بغض النظر عن طبيعة الجريمة أو ظروفها؛ أو الشعور بالذنب أو البراءة أو الخصائص الأخرى للفرد؛ أو الطريقة التي تستخدمها الدولة في تنفيذ عملية الإعدام. تعتبر منظمة العفو الدولية عقوبة الإعدام انتهاكاً لحقوق الإنسان، وعلى وجه الخصوص الحق في الحياة والحق في عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وكلا الحقين يكلفهما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الأمم المتحدة في 1948.

ورغم أن أكثر الدول، لاسيما في أوروبا، ألغت العقوبة أو أوقفت العمل بها، فإن نحو 60% من سكان العالم، حسب منظمة العفو الدولية، يعيشون في دول تطبقها. ويعود ذلك، بحسب المنظمة، إلى تطبيقها في أكثر دول العالم سكانًا؛ الصين والهند والولايات المتحدة، رغم أن الأخيرتين يُنظر إليهما على الساحة الدولية كأكبر ديمقراطيتين في العالم. ويعد توثيق حالات الإعدام أمرًا شديد التعقيد بالنسبة للناشطين الحقوقيين، سيما في ظل دول تحكمها تشدد على مبدأ "السرية". وعقوبة الإعدام معمول بها في أكثر الولايات الأمريكية، وهو ما يعتبره ناشطون في البلاد "عارًا" على دولة تزعم الدفاع عن مبادئ حقوق الإنسان على الساحة الدولية. وبشكل إجمالي، تطبق العقوبة 30 ولاية (من أصل 50) إلى جانب الحكومة الفدرالية ومؤسسة الجيش.

وتعد الصين الدولة الأولى في العالم من حيث عدد أحكام الإعدام التي يتم تنفيذها، إلا أن العدد المحدد لحالات الإعدام يظل غير معلن وبالتالي مؤكد. ويعتقد حقوقيون رغم ذلك أن السلطات الصينية أعدمت آلاف الأشخاص في السنوات الأخيرة. وتطبق البلاد العقوبة في الغالب على المُدانين في جرائم القتل والمخدرات، وتنفذها عن طريق الحقن القاتل أو بإطلاق الرصاص. وفي 2018، نُفّذت معظم عمليات الإعدام المعروفة في الصين وإيران والمملكة العربية السعودية والعراق وفيتنام. وفي 2018، سجّلت منظمة العفو الدولية تنفيذ ما لا يقل عن 2531 حكماً بالإعدام في 54 بلداً، وهو ما يمثل انخفاضاً طفيفاً عن الرقم البالغ 2591 الذي تم تسجيله في 2017. ومن المعروف أن 19336 شخصاً على الأقل كانوا ينتظرون تنفيذ أحكام الإعدام عالمياً في نهاية 2018.

الولايات المتحدة

وفي هذا الشأن رفضت المحكمة العليا الأميركية السماح لحكومة دونالد ترامب باستئناف الإعدامات على المستوى الفدرالي بعد تعليق دام 16 عاما. لكن هذا التعليق موقت بانتظار دراسة معمقة ترغب أعلى سلطة قضائية أميركية القيام بها في وقت لاحق. وفي تموز/يوليو أعلن وزير العدل بيل بار استئناف الاعدامات الفدرالية ما أثار مفاجأة، وحدد تاريخ خمس عمليات إعدام بالحقنة القاتلة في سجن تير أوت في إنديانا بين 9 كانون الأول/ديسمبر 2019 و15 كانون الثاني/يناير 2020.

وكان أربعة من المدانين المعنيين قدموا طعنا أمام القضاء محتجين على البرتوكول المعتمد لإعدامهم. وقبلت محاكم بتعليق إعدامهم إلى وقت درس ملفاتهم. وقالت الحكومة الجمهورية إنها تريد معاقبة مرتكبي جرائم "وحشية"، وبالتالي طلبت من المحكمة العليا إلغاء قرار التعليق. ورفضت المحكمة العليا البت في المسألة وعهدت بالأمر إلى المحاكم المحلية. وقال شون نولان، محامي أحد المحكومين بالإعدام، "أبلغت المحاكم بوضوح أنه لا يمكن للحكومة التسريع في الإعدامات للإفلات من الدراسة القانونية لشرعية ودستورية بروتوكول الإعدام الجديد".

وقال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن قرار إدارة الرئيس دونالد ترامب معاودة العمل بعقوبة الإعدام يتناقض مع التوجه المحلي والدولي لإلغائها أو وقفها. وتعارض الأمم المتحدة منذ فترة طويلة عقوبة الإعدام، مطالبة بإلغائها أو على الأقل وقفها. ويقول منتقدون في الولايات المتحدة إنها تطبق بصورة غير متناسبة على الأقليات والفقراء. وقال المتحدث باسم حقوق الإنسان بالأمم المتحدة روبرت كلوفيل في إفادة إخبارية ”الأمر يستند إلى خطر إعدام أشخاص أبرياء وهو غير مقبول“. وأضاف ”هناك تقارير في الولايات المتحدة تظهر عن طريق استخدام أدلة الحمض النووي وغيرها أن أشخاصا أبرياء أعدموا هناك“. بحسب رويترز.

وقال كلوفيل إن قرار وزارة العدل ”عودة إلى الوراء“. وتابع ”سأشير أيضا إلى أن قرار وزير العدل الأمريكي يتعارض بشدة مع التوجهات في الولايات المتحدة برمتها وكذلك مع التوجه العالمي“. وكانت آخر عملية إعدام اتحادية في الولايات المتحدة عام 2003. وقال مسؤولون بوزارة العدل إن عملية التقاضي الطويلة منذ ذلك الحين وبشأن العقاقير المستخدمة تاريخيا في تنفيذ عمليات الإعدام منعت الحكومة من الاستمرار في تلك الممارسة. وطالب ترامب بزيادة استخدام عقوبة الإعدام بالنسبة لتجار المخدرات ومطلقي النار بصورة جماعية، وهو طلب تضع وزارة العدل منذ ذلك الحين إطارا لتنفيذه.

ونوّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفعالية عقوبة الاعدام في ردع تجار المخدرات، مؤكدا ان الدول التي تطبق هذه العقوبة حققت نتائج جيدة في مكافحة هذه الآفة التي تحصد في الولايات المتحدة ارواح 200 شخص يوميا. وقال ترامب ان "تجار المخدرات ومروجي المخدرات يتسببون بأضرار حقا". وأضاف إن "بعض الدول تطبق عقوبات قاسية جدا جدا، عقوبة الاعدام (...) وعلى فكرة فان هذه الدول لديها مشاكل مع المخدرات اقل مما لدينا".

وكان ترامب أشاد بسياسة القبضة الحديدية التي يتبعها نظيره الفيليبيني رودريغو دوتيرتي في مكافحة مروجي المخدرات في بلاده، على الرغم من ان "الحرب على المخدرات" التي يشنها الاخير واجهت انتقادات حادة من جانب منظمات الدفاع عن حقوق الانسان. وشدد الرئيس الاميركي على "اننا بحاجة الى الحزم مع تجار المخدرات (...) علينا ان نكون صارمين جدا جدا في العقوبات ". واستغرب ترامب كيف انه "اذا اطلقت النار على أحد يحكم عليك بالسجن المؤبد، يحكم عليك بالاعدام. هؤلاء الاشخاص يمكن للواحد منهم ان يقتل الفي او ثلاثة الاف شخص ولا شيء يحدث لهم".

ماليزيا

في قرار رحبت به المنظمات الحقوقية، أعلنت الحكومة الماليزية إلغاء عقوبة الإعدام، ما ينقذ حياة أكثر من 1200 شخص كانوا ينتظرون تنفيذ تلك العقوبة بحقهم. وأرجع وزير الاتصالات هذا القرار إلى معارضة الماليزيين المتزايدة لهذه العقوبة. ولا تزال 23 دولة فقط تستخدم عقوبة الإعدام، وتعتبر الصين "أكبر منفذ للإعدام بالعالم" تليها إيران ثم السعودية. وأعلن وزير الاتصالات الماليزي غوبيند سينغ ديو، قرار الحكومة إلغاء عقوبة الإعدام، في إطار إصلاح رحبت به منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، خصوصا مع انتظار أكثر من 1200 شخص تنفيذ تلك العقوبة في البلاد.

وقال الوزيرإن "الحكومة موافقة على إلغاء عقوبة الإعدام" مضيفا "آمل أن يتم تعديل القانون قريبا". وأوضح أن الحكومة اتخذت قرار إلغاء العقوبة القصوى على ضوء معارضة الماليزيين المتزايدة لها. ولاقى القرار ارتياحا وقبولا من قبل المجتمع الحقوقي في ماليزيا. وأعلن ن. سورندران من المنظمة الحقوقية "محامون من أجل الحرية" في بيان أن "عقوبة الإعدام وحشية وتنطوي على درجة من القسوة لا يمكن تصورها".

ورأى أنه بعد إلغاء عقوبة الإعدام، ستتمتع ماليزيا بالسلطة الأخلاقية للدفاع عن الماليزيين الذين يواجهون عقوبات إعدام في الخارج. وقف تنفيذ العقوبة بحق المتهمتين باغتيال الأخ غير الشقيق لزعيم كوريا الشمالية من جانبه، قال وزير الشؤون الحكومية ليو فو كيونغ في وقت سابق إنه سيكون هناك وقف لتنفيذ إعدام السجناء المحكومين بذلك، حسب ما نقلت وسائل إعلام محلية. وذكرت صحيفة "ذا ستار" نقلا عنه "بما أننا سنلغي العقوبة، يجب عدم تنفيذ كافة الإعدامات". وسينقذ إيقاف العقوبة امرأتين متهمتين باغتيال الأخ غير الشقيق لزعيم كوريا الشمالية العام الفائت. بحسب فرانس برس.

والسيدتان متهمتان باغتيال كيم جونغ نام بغاز الأعصاب السام "في إكس" في مطار كوالالمبور في شباط/فبراير العام الماضي عندما كان ينتظر للصعود على متن طائرة متوجهة إلى ماكاو. وفي آب/أغسطس الفائت، قررت محكمة ماليزية أن هناك أدلة كافية لتأكيد تهمة القتل الموجهة إلى الإندونيسية ستي عائشة (26 عاما) والفيتنامية دوان ثي هوونغ (29 عاما). وكان القانون الماليزي الحالي ينص على عقوبة الإعدام شنقا لمجموعة من الجرائم تتراوح بين القتل والخطف مرورا بحيازة أسلحة نارية وتهريب المخدرات، وهو تقليد موروث من عهد الاستعمار البريطاني.

كما تنص قوانين المخدرات الماليزية على تنفيذ حكم الاعدام ضد أي شخص، يتم إلقاء القبض عليه ومعه أكثر من 50 جراما من المخدرات. وفي نيسان/أبريل الفائت، حلت ماليزية في المرتبة العاشرة من حيث عدد عقوبات الإعدام في قائمة تضم 23 دولة نفذت العقوبة.

اليابان

من جانب اخر وبعد محاكمة استمرت 20 عاما، نفذت السلطات اليابانية حكم الإعدام في زعيم جماعة أوم السابق شوكو أساهارا وستة آخرين من أعضائها، بعد إدانتهم بتنفيذ هجوم بغاز الأعصاب على قطار أنفاق طوكيو العام 1995، ما أسفر عن مقتل 13 شخصا وإصابة أكثر من 6 آلاف آخرين. وكان أساهارا أسس تلك الجماعة في 1987 وبلغ عدد المنتمين إليها في أوج مجدها 10 آلاف شخص على الأقل.

وكان تشيزو ماتسوموتو الذي اشتهر باسم شوكو أساهارا على رأس قائمة من 13 صدرت أحكام بإعدامهم بسبب الهجمات التي أسفرت عن مقتل 13 وإصابة أكثر من ستة آلاف. وقطعت وسائل الإعلام اليابانية إرسالها لإذاعة الخبر. وارتكبت الجماعة سلسلة من الجرائم منها هجمات متزامنة بغاز السارين على قطارات أنفاق طوكيو في ساعة الذروة في مارس/آذار 1995. والسارين غاز أعصاب طوره النازيون. وأصابت صور جثث الضحايا التي تناثرت على الأرصفة اليابان بصدمة وحطمت أسطورة السلامة العامة.

واستمرت المحاكمات لأعضاء جماعة أوم بما فيهم أساهارا 20 عاما وانتهت في يناير/كانون الثاني 2018 حين أيدت المحكمة العليا الحكم بالسجن المؤبد على كاتسويا تاكاهاشي لدوره في هجوم العام 1995. وصدرت أحكام حينئذ بإعدام 13 من أعضاء الجماعة. ويبلغ أساهارا من العمر 63 عاما وهو معلم يوغا فقد بصره جزئيا وصدر حكم بإعدامه العام 2004 بعد إدانته بثلاثة عشر اتهاما منها الهجمات بالغاز على قطار الأنفاق بالإضافة إلى جرائم قتل فيها أكثر من 12 شخصا آخرين.

ودفع ببراءته ولم يدل بشهادته قط لكنه كان يتلعثم ويدلي بتعليقات غير مترابطة أمام المحكمة خلال محاكمته التي استمرت ثماني سنوات. وأيدت المحكمة العليا الحكم في 2006. وأسس أساهارا جماعة أوم في 1987 وقال إن الولايات المتحدة ستهاجم اليابان وتحولها إلى مكب للنفايات النووية. وقال أيضا إنه سافر عبر الزمن حتى العام 2006 وتحدث إلى أشخاص في ذلك الوقت عن تفاصيل الحرب العالمية الثالثة. بحسب فرانس برس.

واستخدمت الجماعة غاز السارين العام 1994 وأطلقته في مدينة ماتسوموتو بوسط اليابان في إحدى ليالي الصيف في محاولة لقتل ثلاثة قضاة كان من المقرر أن يصدروا أحكاما بشأنها. وفشل الهجوم في تحقيق هذا الهدف واستخدمت فيه شاحنة براد لنشر الغاز لكن الرياح وزعته في حي سكني مما أدى إلى مقتل ثمانية وإصابة المئات. وبلغ عدد المنتمين للجماعة في أوج مجدها عشرة آلاف على الأقل في اليابان وخارجها بينهم خريجون من أعرق الجامعات اليابانية.

ويعتبر 80 % من اليابانيين أنّ عقوبة الإعدام تدبير أساسي في الترسانة القضائية. وينتظر راهنا نحو 110 سجناء تنفيذ عقوبة الإعدام في حقهم، من بينهم 52 شخصاً يقبعون في رواق الموت منذ 10 سنوات. وتضمّ اليابان سبعة سجون مزوّدة بتجهيزات لإعدام المساجين. ومنذ العام 1873، أصبح الإعدام ينفّذ شنقاً في قاعة خاصة. ويلّف الحبل حول عنق الشخص ويفتح نظام كهربائي فتحة تحته ليسقط فيها بسرعة. وقالت منظمة العفو الدولية في بيان في وقت سابق إنّ "أحكام الإعدام في اليابان تنفّذ بسريّة ولا يبلّغ السجناء بالأمر إلاّ قبل ساعات من تنفيذها في بعض الأحيان. أمّا أفراد العائلة والمحامون والجمهور، فهم لا يطّلعون على الأمر إلا بعد حدوثه".

اضف تعليق