q
ينتظر الفلسطينيون أمطار الخريف الأولى ليبدأوا القطف، لكن عددا كبيرا من هذه الحقول يقع خلف السياج الأمني الذي بنته إسرائيل على امتداد 709 كيلومترات أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية في العام 2002 للحؤول دون تنفيذ هجمات من فلسطينيين ضدها. ويسميه الفلسطينيون جدار الفصل العنصري...

يقف المزارع الغزي مسعود حبيب في حقل الباذنجان الذي يملكه يراقب السياج الفاصل بين إسرائيل والقطاع المحاصر خشية استئناف الجانب الإسرائيلي رش المبيدات التي يقول إنها أحرقت المحاصيل الزراعية على مدار أربع سنوات خلت. بحسب فرانس برس.

تبرر إسرائيل رشها المبيدات بالأسباب الأمنية ولمنع هجمات ضدها لذلك هي تقوم بإزالة الأعشاب الضارة من المنطقة الفاصلة بين القطاع الذي تسيطر عليه حركة حماس الإسلامية والدولة العبرية، لكن هذا الإجراء يعود بعواقب وخيمة على المزارعين في غزة.

يقول مسعود مرتديا قميصا أزرق ملطخا بالطين "لقد كانوا يرشون المبيدات في الصباح الباكر وكانت الرياح تهب لصالحهم فتحمل كل المبيدات باتجاه أراضينا"، ويضيف "بعدها كانت تفوح رائحة أشبه برائحة المياه العادمة، تقطع أنفاس من يستنشقها".

ويعلق زميله مطيع حبيب "تصبح الأرض حمراء هكذا" مشيرا إلى التربة بين نباتات الباذنجان، لكنه يضيف "بعد يومين أو ثلاثة من رش المبيدات يختفي كل ما هو أخضر، ويصبح علينا أن نزرع الحقول من جديد دون مساعدة من أحد".

وفقا لمنظمة غيشا (مسلك) وهي مركز إسرائيلي للدفاع عن حرية الحركة، قامت السلطات الإسرائيلية بين عامي 2014-2018 برش المبيدات الزراعية حوالي 30 مرة على الأراضي الواقعة على طول السياج.

ويروي المزارعون كيف كانت السلطات الإسرائيلية ترش المبيدات بشكل دوري مرتين في العام، خلال شهري كانون الأول/ديسمبر وآذار/مارس، ويقوم الإسرائيليون بعدها بإحراق الإطارات للتأكد من اتجاه الرياح، وبحسب المزارعين، تبدأ بعد ذلك الطائرات المدنية الصغيرة بالدوران ورش المبيدات الزراعية على النباتات.

في العام 2015، بدأت منظمات غير حكومية معركة قضائية لوقف رش المبيدات، واعترفت وزارة الدفاع الإسرائيلية لوكالة فرانس برس "برش المبيدات لإزالة أي تغطية محتملة للعناصر الإرهابية". وتقول الوزارة بأن عملية الرش تقتصر على "أراضي دولة إسرائيل فقط (...) وفقا للتشريع ووفقا لما تسمح به السلطات".

تركيز عال

وأظهرت دراسة أجرتها مجموعة "فورينسيك آركيتكتشر" البحثية ومقرها لندن "تعرض الأراضي الزراعية التي تبعد أكثر من 300 متر عن الحدود الشرقية لقطاع غزة للتلف كون تركيز المبيدات أعلى لما هو مسموح به في أوروبا، ما جعل الأراضي غير صالحة للزراعة"، ومن بين المبيدات المستخدمة "الغليفوسات" و"أوكسي فلو فورن" و "ديورون". ويعتقد أن الغليفوسات مضرة للإنسان، وصنفت منظمة الصحة العالمية الغليفوسات بين المواد "التي قد تتسبب بالسرطان" لكن الاتحاد الأوروبي جدد في كانون الأول/ديسمبر 2017 الترخيص لمبيد الأعشاب هذا في جميع أنحاء أوروبا لخمس سنوات.

يقول المزارعون إن عملية رش الجانب الإسرائيلي للمبيدات توقفت الربيع الماضي، دون تأكيد رسمي، وتقول وزارة الدفاع الإسرائيلية "يتم رش المبيدات من وقت إلى آخر وفق الاحتياجات"، دون تقديم مزيد من التفاصيل، وبدا مسعود فرحا بحقوله التي اكتسبت اللون الأخضر مرة أخرى، ويقول بصوت عال ممسكا بحبات الباذنجان ذات اللون الأرجواني الداكن "الحمدلله إنها أفضل بكثير، أنظري"، ولا يمكن لمسعود حساب الخسائر التي مُني بها منذ العام 2014، لكنه يؤكد أن زراعة حقل مساحته 20 دونما يكلف نحو 10 آلاف شيكل (حوالي 2800 دولار) سنويا، ولم يتم تعويض أي مزارع سواء من قبل السلطات الإسرائيلية أو وزارة الزراعة في غزة، وتواصل المنظمات غير الحكومية الضغط على إسرائيل لوقف رش المبيدات بشكل دائم، ويقول شاب غرونبرغ من منظمة غيشا "لا يوجد أي مبرر أو أساس قانوني لمواصلة هذه الممارسة المدمرة للغاية".

ويشير سمير زقوت نائب مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان وهو مركز فلسطيني يعمل في قطاع غزة إلى أن الممارسات الإسرائيلية هذه تعود إلى 2005 بعد انسحاب إسرائيل من القطاع. وقال "عادوا إلى الأراضي باستخدام الجرافات ورش المبيدات لتنظيف الأراضي لإنشاء منطقة عازلة تمكنهم من مراقبة القطاع".

ليست المبيدات فقط

يشير المزارع رياض الناصر إلى أن رش المبيدات توقف مؤقتا لكن مخاوف المزارعين لم تتبدد في ظل إطلاق محتمل للنار من قبل الجنود الإسرائيليين باتجاههم في حال اقتربوا من السياج الفاصل، ويقول رياض وهو يحاول إغلاق يده التي تركت رصاصة إسرائيلية ندبة عميقة فيها "في التاسع من حزيران/يونيو 2017، جرحت يدي، أنظري لا أستطيع إغلاقها".

وليست هذه الإصابة الوحيدة التي تعرض لها رياض "لقد جرحت في قدمي في 14 أيار/مايو 2018 واضطر الأطباء إلى قطع إثنين من أصابع رجلي"، لكن الناصر أصبح يفهم المعادلة جيدا، وينوه إلى أن خطر إطلاق الجنود الإسرائيليين النار باتجاههم محتمل وحتى لو كانوا على مسافة أبعد من تلك التي تحددها إسرائيل، يراقب رياض العمال وهو يحصدون حبات الفلفل الحار معتمرا قبعة بيضاء، ويحاول مساعدتهم لكن إصابته جعلت من ذلك مهمة مستحيلة، يقول رياض "آتي إلى العمل وأنا غير مرتاح ومع ذلك أريد أن أدخل إلى أرضي فهذا حقي".

معاناة قطف الزيتون من الحقول الفلسطينية

تنتظر عائلات فلسطينية في جنوب الضفة الغربية المحتلة كل صباح تحت أشعة الشمس أن يرفع الجنود الإسرائيليون الحاجز الحديدي الأصفر الثقيل عند النقطة العسكرية للعبور إلى أراضيهم الواقعة خلف السياج الفاصل، وجني محصولهم من الزيتون.

ويبدأ موسم قطف الزيتون في الأراضي الفلسطينية مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر ويستمر لشهرين. وينتظر الفلسطينيون أمطار الخريف الأولى ليبدأوا القطف. لكن عددا كبيرا من هذه الحقول يقع خلف "السياج الأمني" الذي بنته إسرائيل على امتداد 709 كيلومترات أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية في العام 2002 للحؤول دون تنفيذ هجمات من فلسطينيين ضدها. ويسميه الفلسطينيون "جدار الفصل العنصري". بحسب فرانس برس.

وتبقى لعائلة الفلسطيني هاني حريبات حوالى ثلاثة دونمات مزروعة بنحو 45 شجرة زيتون، بعد بناء السياج الذي أتى على أراضي الفلسطينيين في قرية السكة وغيرها من القرى التابعة لمدينة دورا في محافظة الخليل.

ويقول هاني (36 عاما) وهو يقطف الزيتون بيديه المغبرتين "في اليوم الأول، انتظرنا ثلاث ساعات قبل أن يسمح لنا بالدخول"، مضيفا أن "مدة الانتظار تعتمد على الضابط المسؤول... اليوم انتظرنا نصف ساعة فقط"، ويشير الى إن إسرائيل استكملت بناء الجدار في قريته قبل نحو عشر سنوات، الأمر الذي عاد على مالكي الحقول بالأثر السلبي.

ويخرج هاني من جيبه ورقة تصريح إسرائيلي تحدد له أوقات دخول الأرض ما بين الساعة الثامنة صباحا والرابعة عصرا، هذا العام، سمحت السلطات الإسرائيلية لهاني وأقاربه بالدخول إلى الأراضي لمدة شهر ونصف، يستثنى منها أيام الجمعة والسبت وهي أيام العطلة في إسرائيل، وتختلف مواعيد دخول الفلسطينيين إلى أراضيهم خلف الجدار ومدتها من منطقة إلى أخرى ويحددها الجانب الإسرائيلي، وبحسب هاني، ترفض إسرائيل منح تصاريح جديدة لأفراد آخرين من عائلته، ووفقا ل"هيئة مقاومة الجدار والاستيطان" الفلسطينية، يبلغ طول مقطع الجدار المبني على أراضي القرية 2,5 كيلومتر تقريبا.

وخسر أهالي قرية السكة 400 دونم بسبب الجدار، بحسب الهيئة، حصة هاني منها عشرة دونمات، ويقول هاني الذي يعمل بشكل أساسي عامل بناء داخل إسرائيل، "كنت أزرعها بالقمح والشعير فأنتج نحو 400 كيس علف أقدمها طعاما لمئة رأس غنم كنت أملكها"، وتقاطعه زوجة خاله هادية أبو عيدة قائلة "حرمنا من أرضنا، أصبحنا ندخلها فقط في موسم الزيتون، كنت أزرع الشعير والقمح وكنا نأتي للتنزه"، وتضيف "حتى الأطفال لم يعد بإمكانهم أن يأتوا للعب"، وتسمح السلطات لأهالي قرية السكة بالوصول إلى أراضيهم مرة ثانية خلال العام لحراثتها.

تكلفة مرتفعة

وتنتج الأراضي المتبقية للعائلة زيتونا من النوع الرومي والبلدي، جميعها للاستخدام البيتي. وفي حال كان هناك فائض تقوم العائلة ببيعه، وتقول هادية (58 عاما) التي ارتدت عباءة سوداء وغطت رأسها بوشاح "الزيتون الرومي أفضل، يعطينا زيتا أكثر".

وأنتج الفلسطينيون العام الماضي نحو 14740 طنا من الزيت و593448 طنا من الزيتون، وفق أرقام الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وبحسب الجهاز، بلغت قيمة إنتاج معاصر الزيتون البالغ عددها في الأراضي الفلسطينية 260 معصرة، 8,8 مليون دولار، لكن هاني لم يتمكن السنة الماضية من حرث أرضه بسبب كثافة الأمطار ما أثر سلبا على إنتاج الزيتون هذا العام، وبينما كان يحتاج الى أربع دقائق مشيا على الأقدام للوصول من منزله إلى الأرض خلف الجدار، أمسى هاني مضطرا لأن يستأجر كما الآخرين جرارا زراعيا.

وتعين الجرارات الزراعية الأهالي على نقل أدوات قطف الزيتون والمحصول وكذلك الأفراد الذي تبلغ تكلفة الفرد منهم 30 شيقلا (8,5 دولار تقريبا)، ويضطر هاني أيضا إلى أخذ إجازة من عمله ليجد وقتا لقطف الزيتون، وهذا بالنسبة اليه خسارة مادية إضافية كونه يتقاضى أجرا يوميا، ويقول الطفل بشير، التلميذ في الصف الأول ابتدائي، وهو يحمل مشطا زراعيا يعينه على قطف الزيتون "أعطل من المدرسة من أجل الزيتون وللتسلية مع أصحابي". بينما تلاحظ منتهى أبو عيدة، وهي أم لثلاثة، وهي تمسك سلما خشبي تعتليه إحدى قريباتها لقطف الزيتون، "لون الزيتون يتغير مع الوقت. بداية الموسم يكون لونه أخضر"، ثم يتحول الى لون أغمق.

سرقوا أرضنا

وسار فريق فرانس برس بين أشجار الزيتون التي أحيطت بالأشواك الجافة صعودا نحو قطعة أرض ثانية للعائلة، هناك كانت تجلس الحاجة فاطمة حريبات، والدة هاني، (62 عاما)، مستظلة بإحدى أشجار الزيتون، ومرتدية ثوبا تقليديا مطرزا بألوان باهية. وكانت تعمل على فرز الزيتون وتنظيفه من الأوساخ.

وتقول ومن حولها أحفادها "لم أعد استطيع قطف الزيتون بسبب تآكل الغضاريف في ركبي وأحتاج لعملية"، لكن حسرتها الأكبر كيف أمست محرومة من أرضها ولا تستطيع دخولها بيسر كما من قبل، وتضيف وهي تشير بيدها إلى كتل الجدار الإسمنتية من خلفها "لقد أخذوا أرضنا، سرقوها، هذه أرضنا"، ويشير هاني الى إنهم يتعرضون للتفتيش قبل الدخول إلى الأراضي، ويشهد موسم قطف الزيتون مواجهات بين الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين تقع خلالها إصابات. ويقوم مستوطنون بحرق أشجار الزيتون وقطعها، وبحسب "هيئة الجدار والاستيطان"، فإن اعتداءات المستوطنات الموثقة حتى منتصف الموسم لهذا العام بلغت 120 اعتداء.

اضف تعليق