q
ما المطلوب من المتظاهرين العراقيين في هذه الحالة؟، يجب معرفة الأهداف التي يتظاهر من أجلها المتظاهرون، وهذا أمر في غاية الأهمية، ليس الهدف إضعاف الدولة، إنما الهدف هو إنصاف الشعب من خلال المساهمة في بناء دولة قوية، تجبر الطبقة السياسية والحاكم على إنصاف العراقيين...

كما هو مثبت ومتعارَف هناك اختلاف بائن بين مفهوميّ الدولة/ الحكومة، فالأخيرة هي من أركان الدولة، وبهذا التوصيف تُعَد تابعة أو جزء من كلّ.

فالدولة بحسب المختصين هي (مجموعة من الأفراد) يمارسون نشاطهم على (إقليم جغرافي) محدد ويخضعون لـ (نظام سياسي) معين متَّفق عليه فيما بينهم يتولى شؤون الدولة، وتشرف الدولة على أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية تهدف إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الأفراد فيها، وينقسم العالم إلى مجموعة كبيرة من الدول، وإن اختلفت أشكالها وأنظمتها السياسية.

الحكومة هي مؤسسة تعد من أقدم المؤسسات السياسية في العالم. ومنذ أقدم العصور كانت المجتمعات بحاجة إلى حكام ومنفذين لإدارة المجتمعات الإنسانية، وتُعرف الحكومة على أنها شكل من أشكال ممارسة السلطة في المجتمعات. ومن الممكن أن نقول أن هناك حكومة لأي مجموعة سواء كانت رسمية أو غير رسمية، كالعائلة والنادي والنشاط التجاري واتحاد العمل، إلا أننا نطلق كلمة حكومة عادة على الحكومة العامة، كحكومة أمة أو دولة أو ولاية أو محافظة أو مدينة أو قرية.

نخلص إلى أن الدولة هي الوعاء الأكبر، يتكون من أركان أربعة بحسب العلماء المختصين وهي:

الشعب: وهو مجموعة من الناس يعيشون معا في مكان واحد وتربطهم اللغة والعادات والتقاليد والدين فلا دولة بدون شعب.

الأرض: هي المكان الذي تقطنه مجموعة بشرية (الشعب)، وليس هناك شعب بدون مكان يستقر فيه.

السلطة: وهي تتضمن الحكومة التي تدير شؤون حياة الناس، وتوفّر الخدمات الأساسية لهم، وتدافع عنهم، وترافقها سلطة تشريعية وقضائية.

وهناك من يختصر أركان الدولة بالتالي:

- الركن الأول بشري: الشعب.

- الركن الثاني مادي: الجغرافية.

- الركن الثالث شكلي: السلطة السياسية.

المكانة الكبيرة للدولة العراقية

العراق دولة عضو في الأمم المتحدة، تنضمُّ إلى العديد من المنظّمات الدولية، معترَف بها من قبل الدول التي تقتسم معها العالم، لها أركان الدولة المكتملة، وهذا يعني أن (الحكومة) هي ركن من أركان الدولة العراقية، الوعاء الأكبر الذي يضم الأركان الأخرى، وبهذا تكون الحكومة جزء من (الكل/ الدولة).

السؤال هل يتظاهر المتظاهرون اليوم ضد الدولة أم ضد الحكومة؟

يترتب على الإجابة واجبات كثيرة وكبيرة على المتظاهرين سوف نأتي على توضيحها في السياق القادم لهذا المقال، وإذا اتفقنا أن الاحتجاجات الكبيرة التي عمَّت العراق اليوم موجّهةٌ ضد الحكومة فإن الأمر سوف يختلف كثيرا، والحقيقة أن ما يجري من مظاهرات في توجهاتها لا تستهدف الدولة، إنها تتظاهر على الفشل الحكومي في إدارة شؤون الشعب.

الحكومة أدارت الموارد المالية وثروات العراق بطريقة سيئة، تضمنت هدر الكثير من هذه الأموال والثروات عن قصد (الاختلاس، الصفقات المشبوهة، الرشا)، أو عن غير قصد كما يدل على ذلك أكثر من مشروع خدمي أو استثماري فاشل.

الحكومة عجزت عن تقديم الخدمات الأساسية التي يحتاجها الشعب في عموم محافظات العراق، مما جعلت حياته مليئة بالنواقص والحرمان والمصاعب.

الحكومة العراقية من خلال وزاراتها لم تستطع أن ترتفع بالتربية والتعليم إلى مستويات تواكب ما يحدث في العالم من تطور هائل في التعليم.

ينطبق هذا على قطاعات كثيرة وكبيرة، مثل الصحة، الزراعة، الصناعة، ومن أشدّ الأخطاء التي وعت فيها الحكومة وأكثرها خطرا على وجود الدولة، تغاضيها أو تلكّؤها في تطوير القطاع الخاص، مما حوّل العراق إلى دولة ريعية فاشلة، ويدل على هذا التضخّم الوظيفي المخيف الذي شلّ قدرات الدولة اقتصاديا، وكلّنا تحدثنا وكتبنا عن توقّف عشرات المعامل والمصانع الضخمة عن العمل مع خطيئة إعطاء مئات العمال رواتبهم الشهرية من دون أن يقدّموا أي نوع من الإنتاج، وهذا له عواقب وخيمة تندرج في شقّين:

الشق الأول: استنزاف ميزانية الدولة المالية في صرف أجور بلا إنتاج مقابل وهذا يدخل في مجال هدر أموال الدولة.

الشق الثاني: تحطيم نفسية الإنسان العراقي العامل، وجعله عاجزا عن الشعور بأنه إنسان فاعل ومنتج، فهو يحصل على أموال بلا مقابل مما يجعله يشعر بالأذى والقهر النفسي الذي يدمّر طاقاته ومواهبه ويجعله عاجزا عن الإبداع.

النواقص والأخطاء التي جاء ذكرها فيما سبق، يقع بالدرجة الأولى على عاتق الحكومة وليس على عاتق الدولة، هذا ما يجب أن يعرفهُ المتظاهرون جيدا، وهذا يوجب عليهم أن يوجّهوا احتجاجاتهم ضد الحكومة كونها هي المسبب للأوضاع المزرية التي يعيشها العراقيون وليس الدولة العراقية.

أخطاء يجب أن نتخلّص منها

ماذا يترتب على هذا الفهم، أي ما الذي يترتب على المتظاهرين على الحكومة وليس الدولة؟، هناك أخطاء وقع فيها المتظاهر حينما وجّه احتجاجاته للدولة وليس للحكومة، هناك أمثلة عن ذلك منها:

- إيقاف عمل الدوائر الخدمية والصحية منها لا يضرّ الحكومة بشيء، بل يلحق الأذى بالدولة.

- إيقاف عمل الموانئ يلحق خسائر اقتصادية كبيرة باقتصاد البلد، ويحرمنا من موارد نحن بأمس الحاجة إليها بعد أن تبحث السفن عن موانئ بديلة لتفريغ حمولتها.

- حرق بعض المؤسسات العائدة للدولة لا يخدم الشعب ولا المتظاهرين، حتى وإن حدث بفعل مخربين.

- استهداف البنك المركزي من قبل عصابة قام المتظاهرون بإبلاغ الجهات الأمنية عنهم، يؤشر محاولة شائنة لحرف هدف المتظاهرين، والإساءة لمؤسسات الدولة العراقية.

- حالات قطع الشوارع، بالإطارات المحروقة، قد تتسبب بأذى للحكومة، لكنها في نفس الوقت تسيء إلى الدولة والشعب كما يحدث في منع المرضى بالوصول إلى المستشفيات خصوصا الحالات الخطرة.

ما المطلوب من المتظاهرين العراقيين في هذه الحالة؟، يجب معرفة الأهداف التي يتظاهر من أجلها المتظاهرون، وهذا أمر في غاية الأهمية، ليس الهدف إضعاف الدولة، إنما الهدف هو إنصاف الشعب من خلال المساهمة في بناء دولة قوية، تجبر الطبقة السياسية والحاكم على إنصاف العراقيين.

وتجبرهم على التنحي من الحكم والإتيان بساسة جدد (وفق آليات جدية، قانون انتخابات، تعديلات دستورية، مفوضية انتخابات مستقلة، انتخابات بإشراف أممي)، وغيرها من الخطوات والآليات التي تضمن مجيء حكومة في وجوه جديدة ومنهج جديد وأساليب متطورة لإدارة الدولة بما يخدم العراقيين.

هذه الأهداف التي قد تبدو صعبة المنال، هي طوع بنان الشعب فيما لو تمكن المتظاهرون من تحديد أهدافهم، مع الصبر والمطاولة والتنظيم والتمسك بالأساليب التي تضعف الحكومة وتقوّي الدولة العراقية، وهذا يتطلّب جهدا تثقيفيا كبيرا ومنظّما تقوم به النخب المعنية (إعلام، مفكرون، ناشطون مدنيون، منظمات مدنية وغيرها)، كي تساعد المتظاهر على معرفة أهدافه، ويجب أن لا ننسى أهمية مواصلة التبرعات الشعبية والدعم اللوجستي لإدامة التظاهر السلمي.

اضف تعليق