q
تشير بحوث حديثة إلى إّن إثيوبيا يمكن أن تكون الصين الجديدة، لأنها تعمل على تحسين طرقها وسككها الحديدية، ولديها خطوط جوية جيدة. وعلى وفق تقارير صندوق النقد الدولي حول الاقتصاد الإثيوبي، فإن أديس أبابا لديها إدارة مستقرة تؤمن بأنّ التصنيع هو جزء أساسي من استراتيجية النمو الخاصة بها...

خرجت إثيوبيا من عباءة الصورة النمطية المعروفة عنها ممثلة بالصراعات والمجاعات، لتقود اليوم النمو الاقتصادي الأسرع في قارة أفريقيا والعالم، بحسب بيانات لمؤسسات اقتصادية دولية.

يبلغ عدد سكان البلاد حوالي 105 مليون نسمة، كما تعتبر في الوقت ذاته مهداً للبشرية، بفضل تاريخها الغني وإرثها الثقافي الواسع.

وبسبب عدم احتوائها على أية سواحل بحرية، تستخدم إثيوبيا ميناء جيبوتي من جهة، وتسعى لتصبح مركزا للاقتصاد بالمنطقة بفضل الطرق الدولية والسكك الحديدية التي تربطها مع دول الجوار، من جهة أخرى.

تتضمن التركيبة السكانية في إثيوبيا، مجموعات عرقية متنوعة، إذ تُشكل جماعة الأورومو 34.4 بالمائة من مجموع السكان، والأمهرة 27 بالمائة، والصومالية 6.2 بالمائة، والتيغري 6.1 بالمائة، والسيدامى 4 بالمائة، والغوراج 2 بالمائة، في حين تصل نسبة المجموعات العرقية الأخرى إلى 21.3بالمائة.

تبلغ مساحة إثيوبيا حوالي 1.1مليون كم مربع، وتستخدم شعوبها أكثر من 80 لغة، حيث تعتبر اللغة الأمهرية اللغة الرسمية المحكية في المؤسسات التابعة للحكومة المركزية، في حين يتم استخدام لغات محلية مثل الأورومو، والأفارجية، والصومالية، والتيغرينية في الولايات الفيدرالية.

بلغ الناتج القومي الاجمالي في إثيوبيا 79.9 مليار دولار حسب بيانات صندوق النقد الدولي للعام 2017، بمعدل دخل فردي يبلغ 850 دولارا للفرد. ويعتمد الاقتصاد بشكل أساسي على الزراعة، والصناعة، و الخدمات. وبلغ معدل النمو الاقتصادي 8.5% في عام 2018، وهو ما يفوق بكثير نمو الاقتصادات المتقدمة، كالهند (7.5%) والصين ( 6.2%) والاقتصاد العالمي (3.5%). ويرى صندوق النقد الدولي، أن ارتفاع النمو الاقتصادي في إثيوبيا مدفوع إلى حد كبير بزيادة النشاط الصناعي، بما في ذلك الاستثمارات في البنية التحتية والتصنيع.

لقد دفع هذا النمو أمّةً كانت مرتبطة منذ فترة طويلة بالمجاعة، من اقتصاد صغير بقيمة ثمانية مليارات دولار في مطلع القرن، إلى اقتصاد بقيمة 80 مليار دولار حالياُ، متجاوزا كينيا باعتباره أكبر اقتصاد في شرق إفريقيا.

تشير بحوث حديثة إلى إّن إثيوبيا يمكن أن تكون الصين الجديدة، لأنها تعمل على تحسين طرقها وسككها الحديدية، ولديها خطوط جوية جيدة. وعلى وفق تقارير صندوق النقد الدولي حول الاقتصاد الإثيوبي، فإن أديس أبابا لديها إدارة مستقرة تؤمن بأنّ التصنيع هو جزء أساسي من استراتيجية النمو الخاصة بها.

وتوصف إثيوبيا حاليا بأنها واحدة من قصص النجاح العظيمة في أفريقيا -ليس من الناحية الاقتصادية فحسب، ولكن من حيث الإصلاح الاجتماعي والسياسي. ويرجع الفضل في هذا بشكل كبير إلى رئيس وزرائها آبي أحمد. ووفقا للـ"فايننشال تايمز". فإنّ رئيس الوزراء الإثيوبي يُعَد زعيماً يجمع بين الثقة الكبيرة والعقلية العملية المطلوبة لتحقيق الانفتاح في السوق الإثيوبي، وخلق المزيد من فرص العمل في ظل تنامي الزيادة السكانية لبلده، حيث يلغ عدد السكان حالياً ما يقرب من 105 مليون نسمة.

تشمل المبادرات التحريرية التي أطلقها آبي أحمد التوجه نحو الخصخصة، مع التركيز بشكل خاص على قطاع الاتصالات، ومواصلة النمو في قطاعي الصناعة والخدمات، واكتشاف الفرص من خلال العلاقات التجارية الخارجية، مع السعي لاجتذاب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر.

أشركت الحكومة القطاع الخاص في مشاريع سيادية، بهدف خفض التكاليف الحكومية، عدا عن الخصخصة وإزالة الحواجز أمام الاستثمار الخاص في القطاعات الرئيسة.

كانت الأشهر العشرة الأولى لآبي في المنصب مذهلة بحسب معيار أي زعيم في جميع أنحاء العالم. وخلال تلك الفترة، أشرف على أسرع عملية تحرير سياسي في تاريخ إثيوبيا الذي يزيد على ألفي عام.

لقد تصالح مع إريتريا؛ وأفرج عن 60 ألف سجين سياسي، بما في ذلك كل الصحافيين المعتقلين سابقا؛ ورفع الحظر عن الجماعات المعارضة التي كانت تعدر منظمات إرهابية فيما مضى؛ وباتت النساء يمثلن نصف مجلس وزرائه.

كما تعهد بإجراء انتخابات حرة في عام 2020 وجعل أحد نشطاء المعارضة البارزين رئيسا للجنة الانتخابية.

مدفوعة برؤية رئيس الوزراء السابق ميلس لـ "دولة تنموية" على غرار كوريا الجنوبية أو الصين، ضخت الحكومة الأموال في الطرق والسدود العملاقة(كسدّ النهضة)، والزراعة والصحة والتعليم. ويقول ستيفان ديركون، أستاذ السياسات الاقتصادية في كلية بلافاتنيك الحكومية في جامعة أكسفورد، "إن المهمة التاريخية التي يضطلع بها أبي تتمثل في استكمال التحول الاقتصادي الذي بدأه ميلس. إن استغرقت المعجزة في كوريا الجنوبية 25 عاما كي تتحقق، بحسب ما يقول "فقد أنهت إثيوبيا نصف طريقها نحو المعجزة".

ومع أنّ آبي يصف نفسه بأنه "رأسمالي" إلا أنه مع ذلك يستشهد بقول ميلس "إن مهمة الحكومة تتضمن تصحيح إخفاقات السوق. سينمو الاقتصاد بشكل طبيعي، لكن يجب علينا قيادته بأسلوب موجه". مع ذلك، وخلافا لـ ميلس، يبدو آبي أقل تشبثا بفكرة أنه يتوجب على الدولة السيطرة على القمم العليا للاقتصاد.

ومع وجود 800 ألف طالب في الجامعات، وولادة 2.5 مليون فرد في إثيوبيا كل عام، قد يصبح نقص الفرص المتاحة عاملا لتحفيز الاضطرابات وبشكل سريع. وبهذا الصدد يقول آبي : "سأحظى بشعبية كبيرة إن تمكنت من تخليص ما يتراوح بين 60 و70 مليون شخص من الفقر. إن استطعت فعل ذلك، سواء كنت أحب ذلك الأمر أم لا، فسأحظى بشعبية كبيرة بين أفراد الشعب".

لقد حققت إثيوبيا طفرة اقتصادية كبرى تجاوزت بها العديد من اقتصادات جيرانها وسبقتهم إلى مستويات متقدمة في مستويات المعيشة مقارنة بهم.ووفقا لمؤشرات البنك الدولي تحسن معدل دخل الفرد في إثيوبيا بعدما ارتفع من 171 دولارا عام 2005 إلى 590 دولارا عام 2015، وإلى 850 دولاراً في عام 2017. وتخطط إثيوبيا ليكون أبناؤها عام 2025 من أصحاب الدخل المتوسط، بعد أن كان شعبها من أفقر شعوب العالم. ويرجع الفضل في هذا التقدم لما حققته من نمو اعتمادا على مقوماتها الاستثمارية التي تمتلكها، وقدرتها على الحفاظ على معدل نموها الاقتصادي المرتفع لمدة عشر سنوات متواصلة ما بين عامي 2004- 2014. وبموجب ذلك أصبح الاقتصاد الإثيوبي من أكثر اقتصاديات العالم نموا وتطورا. لقد ارتفع إجمالي الناتج القومي في إثيوبيا بشكل ملحوظ ليبلغ 79.9مليار دولار عام 2017 بعد أن كان 7.3 مليار دولار فقط عام 1981.

تعد الصين وتركيا وأمريكا والسعودية والمغرب والاتحاد الأوروبي من أكبر المستثمرين في إثيوبيا برؤوس أموال ضخمة. اضافة الى قطر والكويت واسرائيل والأمارات العربية المتحدة و هولندا، وفرنسا، واليابان، وأستراليا والسودان.

تتميز البيئة الإثيوبية بمجموعة من المحفزات والحوافز التي تجذب المستثمرين وتشجعهم لضخ أموالهم داخل إثيوبيا. تأتي القوانين الإستثمارية على رأس هذه المحفزات والتي تتسم بمرونة في تيسير الإجراءات أمام من يرغب في الإستثمار بإثيوبيا. كما ساعد مناخ الإستقرار النسبي في إثيوبيا والسياسة الهادئة التي تنتهجها الدولة خاصة مع تولّي أبي أحمد للسلطة، على زيادة الثقة في مصداقية الدولة سيما مع حرص رئيس وزرائها الحالي على فتح صفحة جديدة من العلاقات الدبلوماسية الخالية من الصراعات والهادفة إلى التركيز على تحقيق التنمية ورفع مستويات المعيشة للإثيوبيين.

.........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق