q
شرعت وزارة المالية منذ فترة بكتابة مسودة موازنة عام ٢٠٢٠ بشكلها النهائي، والتي قدرت إيراداتها بحسب العديد من المطلعين بـ ١٣٩ تريليون دينار، بعد احتساب سعر البرميل بـ ٥٣ دولار أمريكي، وليس هذا بالأمر الجديد أو الغريب ففي كل عام تعكف كل الجهات ذات العلاقة...

شرعت وزارة المالية منذ فترة بكتابة مسودة موازنة عام ٢٠٢٠ بشكلها النهائي، والتي قدرت إيراداتها بحسب العديد من المطلعين بـ ١٣٩ تريليون دينار، بعد احتساب سعر البرميل بـ ٥٣ دولار أمريكي، وليس هذا بالأمر الجديد أو الغريب ففي كل عام تعكف كل الجهات ذات العلاقة على العمل بهدف تسليم الموازنة في مواعيدها القانونية والدستورية، لكن قد يكون الغريب أو الصادم في الأمر ما صرحت به اللجنة المالية النيابية في يوم السبت ٢٧/٧/٢٠١٩ حول تفاقم العجز في الموازنة لمستوى بلغ ٧٢ تريليون دينار.

ولمن لا يحيط بمعنى العجز بمفهومه الاقتصادي فانه يعرف بأنه "انعكاس لعدم قدرة الإيرادات العامة على تغطية النفقات العامة أي زيادة النفقات العامة علو الإيرادات العامة" وقد تكون هذه الأرقام تقديرية وغير دقيقة كما صرحت بذلك سابقاً وزارة المالية، لكنها وبكل حال من الأحوال تعكس وبكل وضوح حجم الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالعراق، وخصوصاً إنها صدرت من جهة مطلعة ومختصة بالشأن المالي والاقتصادي في البلاد وهي اللجنة المالية النيابية.

ان ارتفاع العجز في الموازنة العمومية من تقدير ٢٢،٨ عام ٢٠١٩ إلى تقدير ٧٢ تريليون كما صرحت به اللجنة المالية النيابية يعود للاحتمالات التالية:

• الاحتمال الأول هو زيادة حاصلة في الإنفاق الحكومي بشكل يفوق حجم الواردات المتاحة خلال العام القادم.

• الاحتمال الثاني هو تراجع مستوى الإيرادات العامة لسبب أو لأخر مع ثبات حجم الإنفاق العام مما يؤدي إلى اختلال توازنهما.

• أو كلا الاحتمالين معاً.

وحيث إن قرابة ٩٠٪ من مصادر تمويل الموازنة العمومية في العراق هو عن طريق ما يوفره تصدير النفط الخام وبيعه، ومع ملاحظة ثبات حجم التصدير الذي قدر بـ ٣،٨ مليون برميل بما فيها ٢٥٠ ألف برميل عن طريق إقليم كردستان (في حالة الالتزام والإيفاء بهذا البند) وحتى مع تراجع تقدير سعر البرميل من ٥٦ إلى ٥٣ فان الفرق لازال دون مستوى العجز المقدر في الموازنة القادمة فلا يمكن القول بتراجع مستوى الإيرادات العامة للدولة ويتبقى بذلك سبب واحد لارتفاع العجز وهو زيادة الإنفاق الحكومي في الفترة القادمة.

ومع مراجعة موازنات السنوات السابقة ومقارنتها مع تصريح اللجنة المالية النيابية حول العجز المتوقع نلاحظ القيمة المرتفعة للعجز الكلي، والتي قد تتجاوز ٢٠٪ من القيمة الكلية للموازنة، فقد كان في عام ٢٠١٧ (٢١،٦ مليار) ليبلغ في عام ٢٠١٨ إلى (١٩مليار) ثم يعاود الارتفاع في تقدير قانون موازنة ٢٠١٩ إلى (٢٢،٨ مليار) ثم يقفز في تقدير عام ٢٠٢٠ بـ (٧٢) تريليون دينار !!!

قد يكون من الملائم في هذا المقال الإشارة إلى ما قاله واكد عليه عالم الاقتصاد الألماني (فاكنر) والذي وضح وجود علاقة إيجابية بين الإنفاق العام والنمو الاقتصادي، فكلما زاد الإنفاق الحكومي تزايد دخل الفرد، وهذه القاعدة الاقتصادية قد تصطدم بقوة أمام التناقض الغريب في حالة العراق، فخلال السنوات الثلاثة السابقة يلاحظ ارتفاع قيمة الكلية الموازنات العمومية، وتنامي العجز في الموازنة والذي عرف بأنه "عجز مخطط" وان كنت شخصياً لا أراه يمت بشيء للعجز المخطط بمفهومه الاقتصادي الذي وضعته المدرسة الكينزية في أعقاب الأزمة المالية الكبرى عام ١٩٢٧، حيث بني مفهوم العجز المخطط لهدف إخراج السوق من حالة الركود إلى حالة الانتعاش، من خلال ضخ كميات إضافية من الأموال عن طريق زيادة الإنفاق العام، ولو على حساب الإيرادات الكلية، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع حصة الفرد الواحد من الإنفاق الكلي وزيادة كمية الأموال المطروحة في الأسواق المحلية، مما يحفز عملية الشراء والإنتاج لتغطية الطلب المتزايد نتيجة ارتفاع الدخول الفردية للمجتمع، فتندفع عجلة العمل والتنمية بناء على قاعدة العرض والطلب، فكلما ارتفع دخل الفرد ازداد طلبه على السلع فيزداد الإنتاج ويدفع السوق للخروج من حالة الركود الو حالة الانتعاش.

هذه القاعدة الاقتصادية التي بني على أساسها مفهوم العجز المخطط لا نراها في العراق إلا بصورة مشوهة وغير واضحة المعالم، ففي العراق ومنذ عام ٢٠٠٣ ولغاية الوقت الحاضر والموازنات الحكومية يلاحظ عليها ثلاث حالات:

• ارتفاع القيمة الكلية الموازنات سنة بعد أخرى باستثناء أعوام (٢٠١٥ – ٢٠١٦ – ٢٠١٧) بسبب انهيار أسعار النفط عالمياً.

• ارتفاع قيمة العجز في الموازنة سواء من حيث الرقم المطلق أو بالنسبة للناتج المحلي الكلي.

• ارتفاع الدين العام سواء نتيجة العجز المتنامي والمتزايد أو لأسباب اجتماعية واقتصادية وأمنية حتى وصل لقرابة ١٢٧ مليار دولار.

وفي نهاية المطاف يلاحظ عدم واقعية هذه الموازنات وعدم جدوى العجز المخطط في تحريك السوق وانتشاله من حالة الكساد التي تفتك به وفشلها في توجيه الدفة الاقتصادية للبلاد، فبالرغم من ضخامة الانفاق حتى وصل لـ ١٣٩ تريليون دينار، وارتفاع تقديرات العجز لـ ٧٢ تريليون دينار بتقديرات موازنة ٢٠٢٠، يبقى المواطن يعاني شحة العمل ويسأل نفسه بعد ان تعب من سؤال الحكومات المتعاقبة أين تذهب هذه الأموال؟ وأين يذهب العجز المخطط؟ ولماذا العجز المخطط أصلاً إذا لم يكن هناك عمل أو لم يكن هناك تعيينات ولم يكن بناء ولا ماء صالح للشرب ولا كهرباء ولا استثمار ولا علاج للفساد ولازال أكثر من ٣٠٪ من سكان يسحقون دون مستوى خط الفقر فما داعي العجز المخطط وأين ذهبت وتذهب وستذهب الأموال.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق