q
عندما أعلنت فيسبوك عن اعتزامها إطلاق عُملة سيبرانية، أكدت أن هذه العملة (ليبرا) ستعود بالفائدة على الناس الأقل ثراء والذين يدفعون أكثر في مقابل الخدمات المالية، وخاصة في البلدان النامية ولكن عندما نقارن بين خطط شركة فيسبوك وتجارب هذه البلدان ذاتها، يتبين لنا مدى خطورة الليبرا...
بقلم: روبرتو تشانج/أندريس فيلاسكو

لندن ــ عندما أعلنت فيسبوك عن اعتزامها إطلاق عُملة سيبرانية، أكدت أن هذه العملة (ليبرا) ستعود بالفائدة على الناس الأقل ثراء والذين يدفعون أكثر في مقابل الخدمات المالية، "وخاصة في البلدان النامية". ولكن عندما نقارن بين خطط شركة فيسبوك الحالية وتجارب هذه البلدان ذاتها، يتبين لنا مدى خطورة عُملة الليبرا.

لنتأمل هنا تجربة الأرجنتين، التي تبنت في إبريل/نيسان من عام 1991 ترتيبا نقديا جديدا: إذ كانت تعتزم ربط قيمة البيزو الأرجنتيني بقيمة الدولار الأميركي، وعدم إصدار البيزو إلا في مقابل الدولار. وبهذا يصبح البيزو "مدعوما" بشكل كامل بالعملة الأميركية الجديرة بالثقة، مما يمكن الأرجنتين من إنهاء قرن من عدم الاستقرار النقدي.

في مستهل الأمر، هتفت الأسواق استحسانا للفكرة ــ إلى أن انقلبت الحال. فبعد مرور عشر سنوات، اضطرت الأرجنتين أولا إلى خفض قيمة البيزو ثم تعويمه، الأمر الذي أفقده ثلثي قيمته في غضون بضعة أشهر. وكانت الأزمة السياسية التي أعقبت ذلك عميقة إلى الحد الذي جعل خمسة رؤساء يتعاقبون على الأرجنتين في غضون أسبوعين! وكان عجزها عن سداد ديونها السياسية التي بلغت 82 مليار دولار هو الأكبر على مستوى العالم.

الواقع أن سياسة الأرجنتين الفاشلة، التي عرفت باسم "مجلس العملة"، هي على وجه التحديد ما تحاول شركة فيسبوك تطبيقه مع عُملة الليبرا، باستثناء وحيد يتلخص في أن الليبرا ستربط بسلة من العملات الرئيسية، وليس الدولار فقط. جربت دول عديدة في أوقات وأماكن مختلفة مجالس العملة، ومن الواضح أن الدروس العديدة التي تعلمناها منها تنطبق على الليبرا.

لأن كل ليبرا ستكون مدعومة بالكامل بعملات صعبة (أرصدتها موجودة إما في حسابات مصرفية أو سندات حكومية)، فإن عُملة الليبرا ينبغي لها أن تكون من الناحية النظرية في مأمن من الأزمات كما كان المفترض أن تصبح عُملة البيزو ذات يوم. ولهذا السبب تستطيع شركة فيسبوك أن تزعم أن الليبرا ستكون آمنة تماما لمستخدميها.

بكل أسف، في العالم الحقيقي، كما توضح تجربة الأرجنتين، من الممكن أن تشكل مجالس العملة خطورة بالغة. يتمثل الخطر الرئيس في خفض قيمة العملة. سوف يجري تحديد قيمة الليبرا في مقابل سلة العملات من قِبَل اتحاد تقوده شركة فيسبوك تحت مسمى جمعية الليبرا، وهنا ستتوازى الحوافز على النحو الخطأ على وجه التحديد. لنتخيل أن عُملة الليبرا نجحت، وأن مليارات من الناس في مختلف أنحاء العالم قايضوا ما يعادل تريليونات الدولارات الأميركية بالليبرا. إذا حدث ذلك فإن السماح لقيمة الليبرا بالانحدار ولو بجزء ضئيل للغاية من النقطة المئوية من شأنه أن يخلق مكاسب رأسمالية هائلة لشركة فيسبوك وشركائها.

إذا بدا هذا فظا للغاية (وهو كذلك)، أو من المحتمل أن يتعارض مع الهيئات التنظيمية والمحاكم، فلنتأمل هنا أحد السيناريوهات البديلة. إن السلة التي تدعم كل ليبرا تمثل متوسط مرجح لعدة عملات. ولكن من سيقرر الأوزان؟ جمعية الليبرا.

مرة أخرى تشير تجربة بلدان مثل الأرجنتين إلى ما قد يحدث. لنفترض أن هذه الأوزان، "لأسباب فنية"، تحتاج إلى تعديل، وأن الأوزان ارتفعت "بالصدفة" على عملات كانت تفقد قيمتها. إذا حدث هذا فإن المقيمين في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، سيكتشفون فجأة أنهم يستطيعون شراء دولارات أقل في مقابل الليبرا. وسوف تكون خسائرهم الرأسمالية مكاسب لشركة فيسبوك ــ وربما تكون الخسائر جسيمة.

ربما إدراكا لهذه المخاطر، يتضمن مشروع الليبرا نظام حوكمة مصمم لإزالتها. لكن هذه التأكيدات يصعب تصديقها. وهنا تبرز مشكلة عدم التوافق الزمني الكلاسيكية المألوفة لدى خبراء الاقتصاد: فمهما قالت شركة فيسبوك اليوم، سوف تكون الحوافز التي تدفعها إلى التهرب من الوفاء بوعدها هائلة.

تتعلق معضلة إضافية أخرى في الكيفية التي يفترض أن تجني بها جمعية الليبرا الأرباح. سوف تكسب الجمعية الفائدة على حيازاتها من العملات الرئيسية، لكنها لن تدفع فائدة على الليبرا. وهذه في حقيقة الأمر الطريقة التي تعمل بها البنوك المركزية، الجهة المحتكرة لإصدار عملاتها الخاصة، على جني الأرباح. ويطلق خبراء الاقتصاد على هذا مسمى "رسوم سك العملة".

اليوم أصبحت إمكانية تحقيق أرباح من رسوم سك العملة محدودة، نظرا لأسعار الفائدة القريبة من الصِفر على الودائع المصرفية والسندات الحكومية الصادرة بالعملات الرئيسية. ولكن ماذا يحدث عندما ترتفع أسعار الفائدة العالمية؟ هل تجني شركة فيسبوك الفارق ببساطة؟ أو هل تضطرها المنافسة هي وشركاءها إلى البدء في دفع فائدة على الليبرا؟ الواقع أن المنافسة لم تمنع البنوك التجارية من تقاضي رسوم باهظة على العملات الدولية، والليبرا من المحتمل أن تصبح أكبر كثيرا من أي بنك تجاري.

يتمثل خطر أكبر في أن جمعية الليبرا ربما تقرر في مرحلة ما التحول من الدعم الكامل لليبرا إلى الدعم الجزئي بالاستعانة بأصول سائلة آمنة. وسوف يكون من الصعب مقاومة إغراء القيام بذلك، لأن الاحتياطات التي تدعم الليبرا من الممكن أن تجني عائدات أعلى كثيرا إذا استثمرت في أسهم محفوفة بالمخاطر، على سبيل المثال. ولكن هنا، قد يصبح صرح الليبرا بالكامل عُرضة للمضاربة، مثله في ذلك كمثل الأنظمة المصرفية التجارية التي تفتقر إلى مقرض الملاذ الأخير. بطبيعة الحال، عند هذه المرحلة قد يصبح نظام الليبرا أكبر من أن يُسمَح له بالفشل، مما يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى الاضطلاع بدور الملاذ الأخير للإقراض. وهنا يظهر التضارب الزمني مرة أخرى!

ولكن ماذا عن الادعاء بأن الليبرا ستكون نعمة للشمول المالي في البلدان الناشئة والنامية؟ ربما. لكن الليبرا ربما تصبح بدلا من ذلك مصدرا للإزعاج الشديد لهذه البلدان. كانت الاقتصادات الناشئة لفترة طويلة تكافح ما يسمى بالدولرة: ميل السكان إلى البحث عن الأمان من خلال الاحتفاظ بحسابات بالدولار الأميركي في البنوك المحلية وتقويم العقود (بما في ذلك عقود الأجور) بالدولار. ولأن الدولرة تمنع البنوك المركزية من الاضطلاع بدور الملاذ الأخير لإقراض البنوك المحلية، فإنها تُحدِث حالة من عدم الاستقرار المالي. كما أنها تجعل السياسة النقدية أقل فعالية، من خلال الحد من التأثير الإيجابي لخفض قيمة العملة على الصادرات وتشغيل العمالة، على سبيل المثال.

تتخيل فيسبوك ذلك العالَم حيث يقترض الناس في كل مكان في نهاية المطاف بعملة الليبرا، ويستخدمونها للتجارة الوطنية والدولية. ويعني هذا بالنسبة للاقتصادات الناشئة الشفاء من الدولرة فقط لكي تصاب بحالة "الليبرلة" الأشد سوءا. وإذا حدث ذلك فإن الليبرا تتسبب بهذا في تعقيد السياسات النقدية وسياسات أسعار الصرف في هذه البلدان وتساعد في جلب فترة من النمو البطيء وعدم الاستقرار المالي.

من الواضح أن فيسبوك تراهن على نجاح عُملة الليبرا في إطلاق سوق صاعدة. لكن الفوائد المترتبة على استخدام عُملة الليبرا ليست مضمونة على الإطلاق. إن مشروع الليبرا مغامرة بالغة الخطورة، ويتعين على الهيئات التنظيمية الحكومية أن تمنعها من التحول إلى سرطان.

* روبرتو تشانج أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة روتجرز/أندريس فيلاسكو، المرشح الرئاسي السابق ووزير المالية لشيلي
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق