q
الجزائر بحاجة إلى إعادة بناء وتأهيل على أساس هندسة سياسية واجتماعية وعلمية تنتج دولة ديمقراطية تحكمها المؤسسات وليس الأشخاص. إن أبجديات بناء الدولة أدبياتها موجودة في كل مقاييس العلوم السياسية والعلاقات العامة وتتمثل في \"مبدأ السيادة الشعبية، واحترام الحريات المدنية، وحق المواطنين في الاختيار والتعبير...

غداة الاستقلال كان الاتجاه السائد في "هندسة الدولة الجزائرية" على أساس مبادئ بيان أول نوفمبر في خطوطه العريضة، وقد بقي هذا الأمل يتراوح بين الصعود والهبوط من قيادة إلى قيادة، فالبناء الذي كان يتوخاه المرحوم الرئيس أحمد بن بلة مثلا، ليس هو الذي تبناه المرحوم الرئيس هواري بومدين بعد الانقلاب، رغم أنهما كانا رفيقي السلاح. الشيء نفسه بالنسبة للرئيس المرحوم الشاذلي بن جديد الذي أتى بعدهما، قد خالف توجهات الرئيسين السابقين في بناء الدولة التي قال عنها أنها "لا تزول بزوال الرجال".

وهكذا إلى أن أتى الرئيس "المخلوع" عبد العزيز بوتفليقة سنة 1999على أمل أن يرتقي بالجزائر بواسطة الأبعاد الثلاثة (اقتصاد، معرفة، عدالة) لترقى نحو الاقليمية الدولية. لكن تبين أن بوتفليقة وجماعته لا يمتلكون "مشروع قيام دولة" تنافس على الأقل محيطها على أكثر تقدير، لكن الحراك الشعبي، كشف ما كان مستورا ويندى له الجبين من حجم الفساد الذي زرعته "البوتفليقية" في مفاصل المجتمع الجزائري المقاوم "للحقرة" وحولت البلاد إلى أضحوكة بين الدول.

وإلا كيف نصدق سجن "من كل زوجين اثنين"؟:رئيسا حكومتين، رئيسا مخابرتين، رئيسا بنكين، رئيسا أكبر مجمعين اقتصاديين.. والقائمة طويلة جدا لما تضمنته من أسماء وزراء وشخصيات وإطارات...

لقد مرت على الشعب الجزائري 20 سنه هباء منثورا، لولا رياح يوم 22 فبراير 2019 التي هبت وجعلت الشعب رجلا واحدا قائلا "للبوتفليقية" كفى تلاعبا بمصير أمة قهرت أعتى قوة استعمارية. لا مجال لكثير من العناء لمعرفة أسباب تدمير بلد مثل الجزائر الدولة القارة، هو أن بوتفليقة منح لنفسه صلاحيات دستورية مطلقة مما جر البلاد الى مفسدة مطلقة.

لقد حان الوقت لتصحيح كل "عيوب تأسيس هذه الدولة" التي ظلمتها نخبتها التاريخية والسياسة والثقافية التي أدارت البلاد دون حسيب ولا رقيب" لذا يجب إعادة هندسة هذه الدولة القارة من طرف رجال حراكها الشعبي لفشلها في بناء دولة إقليمية عادلة.

يجب أن يأخذ الحراك تجارب الدول التي كانت في مستوى الجزائر ثم تقدمت عليها: كإيران، وتركيا واسبانيا والبرتغال وماليزيا والفيتنام حتى لا أقول الهند والصين.. كما أنه يجب تفادي تجربة العديد من الدول التي تسابق أبناءها على الاستحواذ على التركة القديمة. حتى لا نبني السفينة الجزائرية الجديدة بألواح قديمة لأن هؤلاء لا نقول عنهم أنهم فشلوا بل دمروا البلاد.

إن بناء الدولة هو "علم" من علوم هندسة الكيانات القوية، قبل التهافت على تقاسم المناصب بين فئات المجتمع، فهو علم يستعين أيضا بخبرات الدول الصاعدة بإضافة علوم الاجتماع والاقتصاد والنفس والسياسة والقانون والمعلوماتية والتكنولوجيا الحديثة الخ.

الجزائر بحاجة إلى إعادة بناء وتأهيل على أساس هندسة سياسية واجتماعية وعلمية تنتج دولة ديمقراطية تحكمها المؤسسات وليس الأشخاص. إن أبجديات بناء الدولة أدبياتها موجودة في كل مقاييس العلوم السياسية والعلاقات العامة وتتمثل في "مبدأ السيادة الشعبية، واحترام الحريات المدنية، وحق المواطنين في الاختيار والتعبير والتظاهر، وحرية الإعلام، والأخذ برأي الأغلبية مع احترام رأي الأقلية، واحترام رأي المعارضة وعدم تخوينها، الفصل الفعلي للسلطات ووجود وسائل الضغط والرقابة على من بأيديهم صناعة القرار".

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق