q

قدم محمد علاء الصافي معاون مدير مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث ورقته البحثية في ملتقى النبأ الاسبوعي والذي انعقد في مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، وحملت الورقة عنوان (دور المؤسسة الدينية في إدارة الازمات)، هذا نصها:

الأزمات واقع يعيشه العالم، ليس الآن بل منذ نشوء الدول قبل آلاف السنين، فليس هناك جديد في واقع الأزمة، ولكن الجديد يبقى محصوراً في كيفية ادارتها ومعالجتها، فالأزمة إذاً هي واقع طبيعي يعيشه الانسان، الفرد، الجماعة، المكوّن، الأقلية، وصولا الى الدولة والمجتمع، ووفقاً لذلك فإن الجميع معرَّض للأزمات كونها نتاج متوقّع وحتمي للنشاط البشري الخاطئ، حتى الناس الأذكياء (المجتمعات والأفراد) قد يتعرضون لأزمة مفاجئة، بل الدول الكبرى والمتطورة يمكن ان تداهمها أزمة في أية لحظة قادمة.

هذا الامر لا غرابة فيه، لكن سوف تكمن الغرابة في طريقة التعامل مع الازمة، كيف سيعالجها المسؤولون السياسيون ومن يكون بمعيتهم وإمرتهم؟ وما هي الوسائل المناسبة للحد من نتائج الأزمات وانعكاساتها الخطيرة على الدولة والمجتمع، في حقيقة الامر هذا السؤال يشمل الجميع، بدءاً من الافراد والجماعات صعودا الى قمة الهرم، وتبقى درجة التميّز محصورة في قدرة القادة والمسؤولين على تقليل الخسائر التي تعكسها الأزمة، بمعنى أدقّ كلما كانت الاضرار الناتجة عن الأزمة أقل وطأة وأضرارا، كلما كان التعامل معها من لدن القادة والمعنيين صحيحا ومناسبا.

المؤسسة الدينية وبتاريخها الطويل والمليء بالتجارب والخبرات في مواجهة الازمات والتهديدات الكبرى، ولنا في ذلك الكثير من الامثلة التطبيقية ومن عصرنا الحديث، مثل الحركة الدستورية "المشروطة والمستبدة" في إيران والتصدي للاحتلال البريطاني في ثورة العشرين في العراق، وفتوى الجهاد الكفائي ضد تنظيم داعش الارهابي حالياً، نجد أن المؤسسة الدينية تنظر للازمات والتهديدات من منظورين، الاول: ضمن خط المؤسسة الدينية الواعية التي تجتهد في معالجة الازمات التي تمُر بها الامة من جميع النواحي، العقائدية والاجتماعية، والاستقلالية التامة في عملها والوقوف بوجه الاستبداد والفساد، والتصدي للأخطار الخارجية التي يتعرض لها الدين والأمة على حد سواء.

وهذا الخط في المؤسسات الدينية لايستطيع مواجهة التحديات والازمات دون الاستعانة بالخبرات الاجتماعية والمراكز البحثية المختصة والوسائل المتطورة، والتي تكون هذه الجهات السند الحقيقي والرافد المهم لهذه المؤسسة للوقوف على مشاكل الأمة.

 الخط الثاني في المؤسسة الدينية (التقليدي): الذي يُحاول أن يكون كالخط الأول ولكن تحكمه التناقضات كحال التناقضات التي نشهدها اليوم في الساحة العالمية!!، فثمة مؤسسات دينية تؤكد على نبذ الجمود الفكري وتدعو الى توحيد الصف والكلمة وتشجب التفتت وتفرُّق الكلمة بلسانها وتخالف هذه الأمور بعملها!!.

من الكلمات المضيئة للمرجع الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (لابُدّ من تأسيس مليون مؤسسة دينية كالمساجد والحسينيات والمستشفيات والمدارس والمكتبات والجرائد والنوادي، ويجب إقامة ما لا يقل عن مليون منظمة، ينتظم إليها المسلمون، وفيها يتمّ استثمار طاقات الأفراد، وتقوم هذه المنظمات بأعمال سياسية وثقافية واجتماعية).

فلابُد من إيجاد منظمات تخصصية للقيام بأعمال محددة. وتنبع أهمية تشكيل هذه المنظمات من أننا بحاجة إلى تجذير تكويننا الحضاري على أرض صلبة، والبناء لا يقوم إلاّ على أساس متين.

أرى من الواجب في ظرفنا الراهن اليوم، واختلاف التوجهات في المؤسسات الدينية من بلد لآخر، أن يكون لعلماء كلِّ بلدٍ مجلسٌ استشاريٌ، يكون سنداً لهؤلاء العلماء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي تقدم الإسلام إلى الأمام.

وهذا لا يتحقق إلاّ بقيام الأطراف بتقديم بعض التنازلات من أجل الهدف الكبير، وبالطبع فإنّ الفوائد التي تجنيها مختلف الأطراف أكبر من خسائرها عند تنازلها عن أهدافها وطموحاتها الشخصية.

علينا أيضاً طرح تساؤلات في نهاية هذا البحث:

1- هل أن المرجعية الدينية لها دور ايجابي أم سلبي في إدارة الازمات؟

2- هل تأثرت المرجعيات الدينية المختلفة بفترات المد القومي ومن ثم المد الوطني والطائفي؟ وهل أثر ذلك على نهجها تجاه مقلديها؟ مثلاً الفرق بين المؤسسة الدينية في ايران والعراق!!

3- هل تستطيع المؤسسات الدينية الوصول بالعراق لبر الأمان بعد التدخل المباشر بالوضع السياسي أكثر من مرة؟

نحتاج لاستشراف المستقبل في تدخل المؤسسة الدينية في الازمات الكبيرة، ونحتاج بذلك لجهات تستطيع تحليل الامور والمخاطر التي تتعرض لها الامة، ويجب على المرجعيات الدينية دعم تأسيس المنظمات والجهات الحقوقية للدفاع عن الحقوق والحريات لصناعة الرأي العام وإيصاله للعالم.

بعد الانتهاء من ورقته اشترك عدد من الحضور في النقاش والتعقيب والاجابة على عدد من الاسئلة التي طرحتها الورقة.

المداخلات

كانت اول المداخلات للدكتور قحطان الحسيني التدريسي في جامعة الحلة، والذي تساءل بدوره: هل ان المرجعية تقحم نفسها في ادارة الازمات؟ يجيب عن تساؤله بقوله: في الازمات الصغيرة والمحدودة تنأى المرجعية الدينية عن التدخل فيها، لكنها تتدخل في الازمات العنيفة التي تهدد المجتمع. البعض يفسر مثل هذا التدخل تفسيرا سلبيا، وبعض اخر يفسره تفسيرا ايجابيا. وهي في تدخلها تعمل على تهدئة المجتمع، وتقليل حدّة الصراعات بين السياسيين، كما في اصدارها لفتوى الجهاد الكفائي ضد داعش، حيث وجدت نفسها مجبرة على التدخل بعد ما لمست عجز السياسيين عن التعامل مع مثل هذا التحدي الجسيم والخطير، والمهدد لوحدة العراق.

ثم تساءل الحسيني: هل المرجعية قادرة على ادارة الازمة بعد ان تتدخل فيها؟ يرى في الاجابة عن تساؤله، انها غير قادرة على ذلك، والسبب كما يعتقد لانها لا تمتلك مؤسسات او مراكز ابحاث تستشرف مستقبل هذا التدخل، وهي ليست مسيطرة على ذلك التدخل الذي يقوم السياسيون بتجييره لصالحهم، وذلك لانشغالها بالعلوم الدينية والحوزوية.

الباحث احمد المسعودي التدريسي في جامعة كربلاء، والمتخصص في الفكر الاسلامي المعاصر، ومدير منتدى (نفكر) الشبابي، يعتقد بوجود ادوار سلبية للمرجعية الدينية المنغمسة بالسياسة بما تفرضه مواقعها وادوارها في السلطة كما الحال في ايران في الوقت الحاضر، حيث تعمل على مايصطلح على تسميته بتكريس (الدكتاتورية الدينية).

في العراق لانجد مثل تلك التدخلات للمرجعية المقترنة بالسلطة، مع دور للاعلام في اقحام المرجعية في ادوار لاتريدها او غير معنية بها، مع رفض تلك المرجعية لزج اسمها في المواضيع مدار الاهتمام على الساحة العراقية.

مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات الاستاذ احمد جويد، يعتقد ان المرجعية الدينية وعلى طول الخط تحاول ان تنأى بنفسها بعيدا عن السياسة، وهي حين تتدخل في شأن سياسي عام، فان تدخلها يكون ايجابيا، وذلك عن طريق رسم الخطوط العامة وترك التفاصيل.

محمد مصطفى مدير العلاقات العامة لمؤسسة النبأ، يعود الى تاريخ المرجعية منذ تكونها في القرن الرابع الهجري، ويرى استحالة توصيف ادوارها بالايجابية بصورة مطلقة، بل ترافق ذلك مع ادوار سلبية محكومة بظروفها.

مرتضى معاش يقدم مداخلته من خلال التفريق بين امرين للنظر الى دور المرجعية: فالمرجعية المحافظة تحاول ان تقصر وظيفتها على الحفاظ على الحدود الشرعية والدينية، اما المرجعية التقليدية الوسط فتتدخل في المواقف المتأزمة جدا.

ويلفت معاش النظر، الى ان الكثيرين يتهمون المرجعية بالاستبداد اذا تدخلت في شؤون السياسة والسلطة، واخرون يتهمونها باللاأبالية اذا لم تتدخل في نفس تلك الشؤون. استشراف المستقبل حول التدخلات المرجعية في الشؤون السياسية العامة، او غيرها من الملفات، يحتاج الى مراكز دراسات تقدم المشورة لتلك المرجعيات حول مفاصل التدخل وتأثيرها وانعكاساتها على المستقبل. لكن على العموم، يواصل معاش، ان المرجعية تعتبر صمام الامان للامة من السقوط.

نزار حيدر: مدير مركز الاعلام العراقي في العاصمة واشنطن، يعتقد اننا وقبل اطلاق الاحكام بالايجابية او السلبية حول تدخلات المرجعية، يجب علينا قراءة ظروف كل مرحلة رافقت بعض الاحداث وادت الى تدخل المرجعية فيها.

يعيدنا حيدر الى ثورة العشرين كمثل بارز لذلك من خلال موقف المرجع الديني كاظم اليزدي من ثورة العشرين والذي كان موجودا في حوزة النجف الاشرف، وموقف المرجع الديني محمد تقي الشيرازي والذي تواجد في الحوزة الدينية في مدينة سامراء. مع ملاحظة ان فتوى ثورة العشرين صدرت بعد ثلاث سنوات من العمل السياسي والاجتماعي المتواصل والشاق ولم تكن وليدة لحظتها الاعتباطية كما يتصور كثيرون.

ويعتقد حيدر ان مرجعية النجف بعد العام 2003 لم يكن في واردها التدخل في الشأن السياسي لولا الفشل المريع للسياسيين العراقيين وعلى صعيد اكثر من ملف، ويمكن تسجيل ثلاثة تدخلات للمرجعية منذ العام 2003 وحتى الان، وهي (الاصرار على كتابة الدستور – التحشيد لاول انتخابات جرت بعد العام 2003 – فتوى الجهاد الكفائي)، وهي تدخلات حمت العملية السياسية الوليدة، كما حافظت حتى اللحظة على وحدة العراق.

حول التساؤل الثاني الذي طرحته الورقة، يرى الدكتور قحطان الحسيني، ان تأثير المرجعية يتحدد حسب الازمة وطبيعتها، وان البلد الذي يواجه ازمة داخل حدوده تتوجه الجهود المرجعية اليه.

الدكتور احمد المسعودي، يعتقد ان المرجعية الدينية وقفت سدا منيعا تجاه محاولات استئصال التشيع من العراق على وجه الخصوص، مع دفاعها بشكل عام عن الشيعة.

اما احمد جويد فيعتقد ان ولاية الفقيه تمارس تدخلات اكثر في الشؤون السياسية، مع الاخذ في نظر الاعتبار ان المرجعيات التي تؤمن بولاية الفقيه او التي لاتؤمن بهما هما عابرتان للحدود.

اما مرتضى معاش فيرى ان المرجعية التقليدية لاترضى بالتدخل في الشؤون السياسية رغم تبدل الازمان او الاحداث، فوظيفتها تقتصر على اصدار الاحكام الشرعية والحفاظ على جوهر وروح التشيع. ويعتقد ان المرجعية الدينية تحتاج الى ادوات للانتقال الى ادوار ثانية غير دورها المركزي، لتصبح مؤسسسة لها رؤية غير خاضعة للراي العام المتقلب في توجهاته السياسية، وهذا لايكون الا من خلال تحولها الى مؤسسة لها خبراء ومستشارين.

ويضيف معاش، ان المرجعية الدينية في وضعها الحالي هي في مايمكن تسميته (مرحلة الثبوت) بما لها من سلطة معنوية وروحية، وحان الان انتقالها الى مايمكن تسميته (مرحلة الاثبات) من خلال استثمار رصيدها في تلك السلطة لتوجيه النقد وتغيير المسارات المنحرفة.

نزار حيدر ومن خلال قراءته للتاريخ المرجعي الطويل، يرى ان المرجعيات الدينية كثيرا ماتدخلت بالحراك الثوري في الكثير من البلدان وخاصة في ايران والعراق، لكنها تنآى بنفسها عن التدخل في العمل السياسي او السلطة لما لهما من خصوصيات ترفض المرجعية ان تقحم نفسها فيها.

في وقتنا الراهن ترفض الكثير من المرجعيات التدخل في الشؤون السياسية بسبب ماتقوم به ايران من ادوار، مما يؤدي الى خشيتها من ان يتم تصنيفها الى الجانب الايراني.

في نهاية الملتقى خرج الحاضرون بعدد من التوصيات يمكن اجمالها على الشكل التالي:

عدم التدخل في الشؤون السياسية دون قراءة الاحتمالات المستقبلية.

التدخل الايجابي اذا احتاج البلد اليه.

تحول المرجعية الدينية الى العمل المؤسساتي

التدخل مطلوب وبقوة ضد كل مايقود الى تفتيت البلد.

تقوية المنظمات غير الحكومية ومراكز الابحاث لصناعة الرأي العام المسؤول.

صناعة خبراء مستقلين عن السلطة لاكتشاف الازمات وادارتها.

 

اضف تعليق