q
ها هي أقصى حدود الضغط يقابلها أدنى حدود الصبر. لقد اتّخذت إدارة ترامب خطوة مثيرة أخرى نحو الإخلال بالوضع الراهن في إيران وحيال إيران، مع إلغائها المفاجئ لجميع التنازلات عن العقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيرانية. ويضع هذا القرار واشنطن في موقف صِدام مع الصين...

بقلم: سوزان مالوني

ها هي أقصى حدود الضغط يقابلها أدنى حدود الصبر. لقد اتّخذت إدارة ترامب خطوة مثيرة أخرى نحو الإخلال بالوضع الراهن في إيران وحيال إيران، مع إلغائها المفاجئ لجميع التنازلات عن العقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيرانية. ويضع هذا القرار واشنطن في موقف صِدام مع الصين والهند وتركيا، التي ستخضع وارداتها المستمرّة من النفط الخام الإيراني لعقوبات أمريكية بعد 2 مايو. ويبدو أنّ هذا القرار قد اتُّخذ بهدف الدفع بالقيادة الإيرانية إلى الحافة.

لكن إلى حافة ماذا تحديداً؟ إذ لا تزال النتيجة المنشودة من حملة الإدارة الأمريكية ضدّ إيران غامضة وتشكّل موضوعاً قابلاً للجدل حتّى. فقد شدّد وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو من جديد اليوم على أنّ الغاية من زيادة الضغط الاقتصادي على طهران تبقى الوصول إلى عملية تفاوض جديدة تهدف إلى وقف مجموعةٍ من السياسات الإيرانية المُزعزِعة للاستقرار. ويتوافق ذلك مع موقف الرئيس دونالد ترامب الثابت، المُرتكِز على قناعته بأنّ خلفيّته في التفاوض على اتفاقيات عقارية ستتيح له أن ينتزع صفقةً من الجمهورية الإسلامية تفوق ما تمكّن أكثر من عقد من الدبلوماسية والأعمال القسرية التي اعتمدها أسلافه الجهوريون والديمقراطيون من الحصول عليه.

وقد تبدو اعتقادات ترامب الواهمة في غير مكانها، ولكنّ المنطق القاضي بأنّ الضغط الحادّ بإمكانه أن يجبر طهران المتمرّدة على الخضوع قد لا يكون بحدّ ذاته غيرَ واقعي بالكامل. فلطالما كره القادة الإيرانيون التفاوض مع واشنطن، غير أنّ التدابير غير المسبوقة في ذلك الوقت التي اعتمدتها إدارة أوباما بين العامَين 2010 و2013 ساعدت على توليد حاجة جديدة وملحّة في طهران لإيجاد حلٍّ للأزمة وزخمٍ لعملية تفاوض جدّية ثنائية ومتعددة الأطراف. لذا بالنظر إلى مراحل أخرى من تاريخ إيران من بعد الثورة، يبدو واضحاً أنّ الضغط الوجودي عجّل سابقاً الموافقة على تنازلات غير متوقّعة من جانب القيادة الإيرانية.

مع ذلك، فيما تُطلق إدارة ترامب خطاباً معيّناً في العلن، يبدو أنّ تفكيراً مختلفاً يجول في خاطرها. إذ يشكّل تغيير النظام، أو انهيار النظام على الأقلّ، الخيارَ الصالح الوحيد للتعامل مع طهران، بحسب ما قاله مستشار الأمن القومي للرئيس ترامب، جون بولتون. وبالاستناد إلى الجدول الزمني الذي تحدّث عنه بولتون، واشنطن متأخّرة في تنفيذ هذه المهمة. فمنذ عامَين فقط، وعد بولتون جمهوراً جمعته مجموعةٌ مهمّشة من المنفيين الإيرانيين بأنّهم سيحتفلون معاً بإطاحة الجمهورية الإسلامية “قبل العام 2019” في طهران. وفي هذا السياق، تماماً مثل سائر السياقات الكثيرة التي تحدّث فيها بولتون عن إيران، هزئ من فكرة أنّ الجمهورية الإسلامية قادرة على تغيير سياساتها، حتّى تحت الضغط.

بالتالي، قد يفسّر هذا الشعورُ بفشل توقّعات بولتون السابقة والإقرارُ المتأخّر بأنّ مهارات الجمهورية الإسلامية بالصمود أعظم بكثير ممّا كان متوقعاً في السابق تصعيدَ الإدارة المفاجئ في الضغط على إيران. فسبق أن كبّدت إعادة فرض العقوبات الأمريكية أعباء كبيرة على إيران، إذ خفّضت العقوبات قيمة عملتها المحلّية وأدّت إلى رحيل أهمّ المستثمرين الأجانبّ وعقّدت جميع التبادلات التجارية الدولية بشكل حادّ، مع توقّع صندوق النقد الدولي بانكماش الاقتصاد الإيراني بنسبة ستة في المئة على مدى هذا العام. وباتت البلاد تعاني نقصاً في الكثير من السلع الأساسية وعاد الإيرانيون من جديد إلى طوابير توزيع الحصص الغذائية التي تذكّرهم بالحرب التي خاضوها لمدّة ثماني سنوات مع العراق.

لكن حتّى الآن، يبدو أنّ طهران تتدبّر أمرها مع تداعيات محدودة على استقرارها السياسي أو قدرتها على بسط نفوذها. وتبرز إشارات بلا شكّ بتقلّصٍ في مساعدتها الاقتصادية لجهات وكيلة مثل حزب الله وبشّار الأسد في سوريا، لكن ما من دليل كافٍ يشير إلى أنّ الجمهورية الإسلامية تقارب حافة الانهيار أو الاستسلام. ولم تقع طهران في الفخّ المغري الذي نصبه ترامب عبر نبذه للملف النووي، إذ لم تنكث بموجباتها المفروضة عليها بحسب الاتفاقية أو تتّخذ تدابير انتقامية بحقّ المصالح الأمريكية في المنطقة، الأمر الذي كان من الممكن أن يسهّل حصول حملة واشنطن القسرية على دعم دولي أوسع.

ولو كانت الدبلوماسية فعلاً هدف ترامب، لشكّل هذا الوضع المضطرب لحظةً مناسبة لانفتاح حذر على طهران. بدلاً من ذلك، يولّد احتمال تكيُّف طهران ببساطة مع ضغط مستدام طويل الأمد مخاطر جديدة للإدارة. فكما كتبتُ في بداية حملة الضغط الأقصى، بالنسبة إلى القادة الإيرانيين “الصمود يعادل النجاح”. ومع قلق إدارة ترامب بأنّ طهران بإمكانها أن تحقّق فوزاً على ضربة موجعة أمريكية عن طريق الصمود فحسب، باتت تهدف الآن إلى أن تضرب ضربة قاضية.

فهل ستنجح؟ على غرار جميع الأعمال الثورية، لا يزال من المبكر معرفة الجواب. فقد أظهر العقد الماضي بشكل قاطع أنّ واشنطن تستطيع أن تقضي على الاقتصاد الإيراني وأنّ المجتمع الدولي ليس بيده الحيلة أو الحافز لوقف هذه النتيجة بالكامل. غير أنّه ببساطة لم يحصل في السابق أنّ أدّى انهيار اقتصادي سببه خارجي إلى البدء بعملية ابتعاد ناجحة عن نظام سلطوي مترسّخ للغاية نحو ديمقراطية مستدامة أو استقرار إقليمي محسّن.

وما من أسباب كافية تدفع للاعتقاد بأنّ المجموعة الحالية من صانعي القرارات الأمريكيين تنظر بعين حذرة إلى التداعيات من المستويَين الثاني والثالث التي قد تشهدها مصالح الولايات المتحدة وحلفاؤها جرّاء تصعيدها للحرب الاقتصادية ضدّ إيران. فقد شدّد اليوم الجنرال علي رضا تنكسيري، قائد البحرية لحرس الثورة الإسلامية في إيران، على معادلة أمن الطاقة التي التزمت بها طهران في خلال الأعوام الثلاثين الماضية، محذّراً بأنّه إذا تمّ منع إيران عن تصدير النفط، فستواجه الدول المجاورة لها العقبات نفسها. فلطهران مجموعة متنوّعة من الأدوات المجرّبة خير تجربة، من الألغام تحت البحر إلى الوكلاء الإرهابيين إلى الحرب السيبرانية، التي تتيح لها أن تنفّذ تهديدها، بالإضافة إلى حافز جديد للقيام بذلك، نظراً إلى التنسيق الصريح السعودي والإماراتي مع إعلان اليوم. ولعلّه يجدر بترامب، الذي يغرّد بانتظام معرباً عن استيائه لارتفاع أسعار الوقود، أن يفكّر كيف تمكّن الرئيس الأمريكي الأخير من إدارة أزمة نفطية مستعرة في الخليج العربي اندلعت في خضمّ حملة إعادة انتخابه.

https://www.brookings.edu

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية 

اضف تعليق