q
ثقافة وإعلام - أدب

جدال

الجدال في البيوت وفي الأزقة، في الأسواق وفي المجالس التي تسمّر فيها السؤال فوق الرؤوس ..يستمر الجدال ليلهي النسوة عن الطبخ والأولاد عن الذهاب الى المدارس، واللعب في الساحات التي امتلأت بالمتجادلين، و(الشيء) الذي اختفى منذ مدة عن أهل المدينة مخلفاً تلك الفوضى، طال معه...

في جدالهم الطويل، كانوا يختلفون بشأن سر اختفاء (شيء) لم يتفقوا على أوصافه، وفي جدالهم هذا، صاروا يتكاثرون، وتكثر الأوصاف وتعلو الاصوات، ويعم الضجيج الذي تتخلله معارك بالايدي والسكاكين والمسدسات أحياناً...!

الجدال في البيوت وفي الأزقة، في الأسواق وفي المجالس التي تسمّر فيها السؤال فوق الرؤوس ..يستمر الجدال ليلهي النسوة عن الطبخ والأولاد عن الذهاب الى المدارس، واللعب في الساحات التي امتلأت بالمتجادلين، و(الشيء) الذي اختفى منذ مدة عن أهل المدينة مخلفاً تلك الفوضى، طال معه الانتظار والجدال معاً، فتوقف العمال عن العمل واغلقت المصانع وكف الناس عن التبضع، فشحبت الاسواق واكتفى الجميع بالجدال.

افتقدت الشوارع السيارات والعربات ورجال المرور والشحاذين والنصابين والنشالين وغدت ساحات للمتجادلين..! جدال.. جدال.. جدال، وملامح (الشيء) الغائب ظلت غائمة، تحاول الأخيلة أن ترسم له شكلاً معيناً، لكن الرؤوس تزدحم بصور عدة عن (الشيء) الذي يريده الجميع، وينتظرونه كل يوم من الصباح حتى ساعات الليل المتأخرة.. موجات المتجادلين جعلت الناس اشبه بنثار حب في شوارع المدينة وأزقتها، أو هكذا بدت الصورة التي رآها فتى، دفعه الفضول ليطالع وجهات الأفواج الماشية والواقفة والمشتبكة، من مكان مرتفع، ومن هول ما رأى صرخ منادياً على أصحابه لكنهم كانوا منشغلين عنه بالجدال .. وقبل أن يهم بالنزول لمح في أقصى المدينة سيارة طويلة غريبة الأوصاف تلتهم الطريق، وتتجه نحو قلب المدينة كالاسد الهصور، يقودها رجل ملثم، ويتعلق حولها فتية أشداء مسلحون، متأهبون، يطالعون الطرقات التي تلاشت معالمها تحت أقدام الناس، المتجادلين.

السيارة التي كانت تنطلق بسرعة هائلة جاءت من خارج المدينة أو من أحدى ضواحيها، أو ربما هبطت من السماء، كما خيّل إليه. وكان عليه أن يكرر صرخته بصوت أقوى لينبه الناس المنشغلين بالجدال، لكن الوقت تأخر كثيراً، فالسيارة الغريبة راحت تندفع بقوة الى الشوارع المكتظة، مخلفة وراءها اعداداً كبيرة من المتجادلين المسحوقين.

بينما فرّ الآخرون باتجاه الأرصفة أو الى البيوت والمحال والمقاهي القريبة التي غدت كتلاً من أجساد مسكونة بالخوف وبسؤال جديد عن (الشيء) الذي أعاد الشوارع للخدمة والمدارس للأناشيد والدخان الى فضاءات المصانع، وأسكت ضجيج الجدال، وأعاد السكاكين الى المطابخ والمسدسات الى المشاجب، وكان على الناس بعد أن غادرت السيارة الى مكان غير معلوم في المدينة أو خارجها، أو انزوت في مكان ما تراقب أناس المدينة الذين كان عليهم أن يعرفوا سرها ويصفوا شكلها، ونقطة انطلاقها، وأعداد ضحاياها، وأسماء من كانوا فيها، وجهة انتاجها، و.. و.. و.. وتصاعد الجدال الذي نشب من جديد في البيوت والمحال والمقاهي والمدارس واتسع ثم اتسع ليعود الى الشوارع والاسواق والمصانع والبيوت، و.. و.. و.. وبصعوبة صعد شيخ طاعن في السن، الى سطح داره هارباً من ضجيج الجدال، ولما وقف على السطح صعقه ما رأى...

كانت المدينة قد استحالت الى سيارة عملاقة تندفع بقوة جنونية نحو جهة لا يعرفها فأمسك عصاه، ووقف مخرسّاً يطالع أفواج الناس الذين كانوا.... يتجادلون.

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
مصر
أحبائي
أسوأ أنواع الحوار هو الجدل العقيم
هذا الجدل يجرنا الى حافة الجحيم
ويبتعد بنا عن الطريق السوي السليم
فاللهم احفظنا منه يامن انت بنا عليم
أحبائي
دعوة محبة
أدعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه....واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات....مركز ثقافة الألفية الثالثة2019-03-17