q
حينما تواترت أنباء عن أن قطر ربما تكون عن غير قصد ساعدت في إنقاذ ناطحة سحاب في نيويورك تملكها عائلة جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أُصيبت الدوحة بالدهشة، فكوشنر، كبير المستشارين في البيت الأبيض، حليف مقرب لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان...

(رويترز) - حينما تواترت أنباء عن أن قطر ربما تكون عن غير قصد ساعدت في إنقاذ ناطحة سحاب في نيويورك تملكها عائلة جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أُصيبت الدوحة بالدهشة، فكوشنر، كبير المستشارين في البيت الأبيض، حليف مقرب لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي قاد مقاطعة إقليمية ضد قطر، التي تتهمها الرياض بدعم الإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة.

وأبرمت بروكفيلد، وهي شركة استثمار عقاري عالمية ضخت فيها الحكومة القطرية استثمارات، صفقة العام الماضي أنقذت برج شركات كوشنر، رقم 666 في الجادة الخامسة بمانهاتن في نيويورك، من صعوبات مالية.

وقال مصدران مطلعان لرويترز إن الإنقاذ، الذي لم تلعب فيه الدوحة أي دور وعلمت به للوهلة الأولى من وسائل الإعلام، دفع إلى إعادة النظر في كيفية استثمار قطر لأموال في الخارج من خلال صندوق ثروتها السيادية العملاق.

أضاف المصدران أن الدوحة قررت أن جهاز قطر للاستثمار، صندوق الثرة السيادي للبلاد، سيسعى إلى تفادي ضخ أموال في صناديق أو أوعية استثمارية أخرى لا يسيطر عليها بشكل كامل، وقال أحد المصدرين ”بدأت قطر تبحث في كيفية ضلوع اسمها في الصفقة، حيث تبينت أن ذلك جاء بسبب صندوق تشارك في ملكيته... ومن ثم أطلق جهاز قطر للاستثمار عملية لتجديد استراتيجيته في نهاية المطاف“.

وقال متحدث باسم جهاز قطر للاستثمار ”الجهاز غير ضالع بالتأكيد في تطورات العقار رقم 666 بالجادة الخامسة والادعاءات بشأن استراتيجية استثمار جهاز قطر للاستثمار غير حقيقية. لا يوجد تغيير في استراتيجية الاستثمار فيما يتعلق بأخذ حصص مسيطرة“.

ولم يرد جهاز الاستثمار على أسئلة تفصيلية أخرى من رويترز بما في ذلك ما يتعلق باستثماراته في المستقبل عبر صناديق وأي رغبة في تعزيز السيطرة على تدفقات الأموال تلك، وقامت بروكفيلد لإدارة الأصول، ومقرها كندا، بإنقاذ برج كوشنر من خلال وحدتها العقارية بروكفيلد بروبارتي بارتنرز، التي استحوذ جهاز قطر للاستثمار على حصة فيها قدرها تسعة في المئة قبل خمس سنوات. وامتنعت بروكفيلد ووحدتها عن التعليق.

وقالت المصادر إن التحول في استراتيجية جهاز قطر للاستثمار بدأ في أواخر العام الماضي، حينما أتاح رؤية نادرة من الداخل لأحد أكثر صناديق الثروة السيادية سرية في العالم، وربما تؤدي إعادة النظر إلى تعقيدات كبيرة على ساحة الاستثمار العالمية، نظرا لأن جهاز قطر للاستثمار هو أحد كبار المستثمرين السياديين في العالم، حيث يدير أصولا بما يزيد عن 320 مليار دولار.

وقام الصندوق القطري بضخ أموال في الغرب على مدى السنوات العشر الماضية، بما في ذلك إنقاذ بنوك بريطانية وسويسرية أثناء الأزمة المالية في 2008، إضافة إلى الاستثمار في أسماء بارزة مثل فنادق بلازا وسافوي ومتجر هارودز في لندن.

مقاطعة قطر

كان جاريد كوشنر رئيسا تنفيذيا لشركات كوشنر حينما استحوذت على البرج رقم 666 في الجادة الخامسة في 2007، مقابل 1.8 مليار دولار، وهو مبلغ قياسي حينئذ لمبنى إداري في مانهاتن. وشكل هذا المبنى ضغطا على الشركة العقارية لعائلته منذ ذلك الحين.

وتم إنقاذ البرج المثقل بالديون من خلال بروكفيلد في أغسطس آب الماضي، حينما وقعت الأخيرة عقد إيجار للمبنى مدته 99 عاما ودفعته مقدما. ولم يتم الإفصاح عن الشروط المالية للصفقة، واشترى جهاز قطر للاستثمار حصة قدرها تسعة في المئة في بروكفيلد بروبارتي بارتنرز، المعروفة باسم (بي.بي.واي) والمدرجة في تورونتو ونيويورك، مقابل 1.8 مليار دولار في 2014، ولدى بي.بي.واي أصول بنحو 87 مليار دولار، وهي جزء من أصول بما يزيد عن 330 مليار دولار تديرها بروكفيلد الأم. وجاء قيام جهاز قطر للاستثمار بشراء الحصة متماشيا مع استراتيجيته لتعزيز الاستثمارات في العقارات الأمريكية المتميزة. ولا يمنح الاستثمار الصندوق القطري مقعدا في مجلس إدارة بي.بي.واي.

وقال مصدر مقرب من بروكفيلد لإدارة الأصول لرويترز إن صندوق الثروة السيادي القطري ليس ضالعا في صفقة 666 بالجادة الخامسة. ولم يكن مطلوبا من بروكفيلد إخطار الصندوق القطري سلفا، وأثارت عملية الإنقاذ غضب الدوحة، بحسب المصدرين المطلعين على استراتيجية الصندوق القطري، نظرا لأن كوشنر، وهو زوج إيفانكا ابنة ترامب، كان منذ فترة طويلة أحد الداعمين الرئيسيين في واشنطن لولي العهد السعودي، الابن المفضل لملك السعودية ووريث العرش.

وكان الأمير محمد بن سلمان المحرك الرئيسي في دفع دول من المنطقة لقطع علاقاتها مع قطر، وفرض حظر على تلك الدولة الصغيرة منذ منتصف 2017. وتتهم السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر قطر بدعم الإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة، وتقول إن تلك الدول تريد ببساطة الانتقاص من سيادتها.

وقال المصدر المطلع على استراتيجية الصندوق السيادي القطري ”لا أحد يزيد الاستثمار من خلال الصناديق مثلما يفعل جهاز قطر للاستثمار. تريد قطر أن تكون على دراية كاملة بالأماكن التي تتجه إليها أموالها“.

وقال المصدران إن جهاز قطر للاستثمار لن يقلص استثماراته القائمة في بروكفيلد أو جهات أخرى، لكنه لن يستثمر بعد الآن في صفقات مماثلة، وقال المصدر القريب من بروكفيلد إن العلاقات مع جهاز قطر للاستثمار لا تزال قوية.

استثمارات ما زالت ضخمة

جاءت إعادة النظر في استراتيجية جهاز قطر للاستثمار أيضا في أعقاب تعديل في إدارته العليا في نوفمبر تشرين الثاني الماضي، حينما تم استبدال رئيسه التنفيذي الشيخ عبد الله بن محمد بن سعود آل ثاني، الذي استمر فترة طويلة، وحل محله رئيس إدارة المخاطر السابق منصور إبراهيم آل محمود. وتم تعيين وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيسا لمجلس الإدارة، ولا تقدم قطر، التي تستمد ثروتها من كونها أكبر بلد مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، أي بيانات عن حجم الأموال التي تستثمرها في صناديق خارجية.

وقال مدير صندوق غربي يستمد أموال بشكل منتظم من صناديق سيادية ”ما رأيناه مؤخرا يتمثل في أنه لم يضخ أموالا كثيرة... إما أنهم يستثمرون بأنفسهم، أو أنهم يحتفظون فقط بكثير من الأموال“، ويعكس تحول قطر اتجاها على نطاق أوسع بين صناديق الثروة السيادية لخفض اعتمادها على مديري الاستثمارات الخارجية، في محاولة لإحكام السيطرة على أموالها، فعلى سبيل المثال، قال جهاز أبوظبي للاستثمار العام الماضي إن 55 في المئة من أصوله كان يديرها مديرون خارجيون في 2017، انخفاضا من 60 في المئة قبل عام.

وحتى إذا توخى جهاز قطر للاستثمار مزيدا من الحذر في اختيار أوعيته الاستثمارية، فهناك بعض الدلالات على تضاؤل شهيته لاستحواذات خارجية كبيرة، ففي ديسمبر كانون الأول، قال رئيسه الجديد منصور إبراهيم آل محمود لرويترز إن الصندوق يركز على الاستثمارات ”الكلاسيكية“ في الغرب، مثل العقارات والمؤسسات المالية، وسيسرع أيضا وتيرة الاستثمار في التكنولوجيا والرعاية الصحية.

وقال مصرفي غربي أجرى محادثات مع مسؤولين قطريين ”تتمثل التعليمات من الأعلى في الإنطلاق إلى الخارج وإبرام صفقات كبيرة“، وأضاف أن الصفقات التي يبرمها جهاز قطر للاستثمار لم تتوقف حتى في ذروة المقاطعة الخليجية، التي دفعت الصندوق بداية لوضع نصف ما ضخته شركات القطاع العام في البنوك القطرية وقدره 43 مليار دولار، لتخفيف أثر نزوح أموال، ومع نمو أسعار النفط والغاز على مدى العامين الماضيين، لم تتخلف قطر عن اقتناص عقارات شهيرة.

وفي عام 2017، تعهد جهاز قطر للاستثمار بزيادة استثماراته في بريطانيا إلى 35 مليار جنيه استرليني (45 مليار دولار) من 30 مليارا. ومنذ ذلك الحين، أنفق نحو 1.7 مليار جنيه استرليني على العقارات، و1.1 مليار أخرى على البنية التحتية في البلاد، وفي الأشهر الماضية، اشترت قطر فنادق بلازا في نيويورك، وجروسفينور هاوس في لندن.

اضف تعليق