q
{ }
ناقش مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية في ملتقاه الشهري لشهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري موضوعا تحت عنوان (البرنامج الاقتصادي لحكومة عادل عبد المهدي مقاربة في المنهج والمضمون) بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد كل...

ناقش مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية في ملتقاه الشهري لشهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري موضوعا تحت عنوان (البرنامج الاقتصادي لحكومة عادل عبد المهدي مقاربة في المنهج والمضمون) بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد كل سبت صباحا بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.

أدار الجلسة الحوارية الدكتور حيدر حسين أحمد آل طعمة، التدريسي في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة كربلاء، والباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، حيث قال "في العراق، أصبحت قضية الإصلاح الاقتصادي ضرورة استراتيجية وليست خياراً يمكن للحكومة أن تنتهجه؛ نظرا لتصاعد الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية ضد الهدر المالي واتساع مظاهر الفساد التي برزت اثاره البشعة بعد انهيار أسعار النفط العالمية الى دون 40 دولار للبرميل عام 2015. وقد الزم الواقع الجديد الحكومة العراقية على اتخاذ مجموعة من الإصلاحات لتخفيف الاحتقان الشعبي المتزايد، ولكنها اخفقت للأسف في اخراج الإصلاحات الاقتصادية من بطون التقارير والدراسات الى ارض الواقع بسبب الطبيعة التوافقية للنظام السياسي في العراق وهيمنة عدة أطراف على صناعة القرار الوطني.

وفي إطار الاستفادة من تجربة الحكومات السابقة، والانتكاسة التي حلت بالاقتصاد الوطني رغم توافر الامكانات المادية والبشرية، توقع المراقبون والخبراء ان يقدم رئيس الحكومة العراقية الجديدة برنامجا يعالج التحديات الاقتصادية الراهنة ويلبي كافة الطموحات الشعبية نظرا لتفاقمها بشكل خطير وتوافر الادوات والسياسات اللازمة لاستيعاب تلك التحديات اذا ما توفرت الارادة الوطنية.

مع ذلك، يفصح البرنامج الحكومي في شقه الاقتصادي عن السطحية والعمومية والابتعاد عن الواقع بشكل ملفت، فضلا على الوعود الطموحة في احداث طفرات طويلة باتجاه النمو والتطور الاقتصادي دون الخوض في السياسات الاجرائية اللازمة لتحقيق الاهداف الوسيطة.

كما ان البرنامج الاقتصادي لم يعد بشكل متسلسل وفق القطاعات الاقتصادية والتحديات الراهنة، وانما تداخل بشكل مذهل يؤشر بانه اعد على عجالة عبر تجميعه من الخطط والاستراتيجيات التنموية السابقة والتي اتسمت بالطموح المفرط.

واخيرا نود الاشارة الى ان البرنامج الاقتصادي عرض جبهة عريضة من الاهداف بشكل عشوائي دون مناقشة السياسات والادوات التي يمكن استخدامها في تحقيق الطموحات المذكورة، وهو بذلك لم يخرج عن سياق البرامج الاقتصادية للأحزاب السياسية قبيل الانتخابات وكرر ذات البرامج الاقتصادية للحكومات السابقة. والتي لم تتحقق ولا بنسبة 5%.

بعض ملامح البرنامج الاقتصادي

تناولت الفقرة الرابعة من البرنامج الحكومي للسيد عادل عبد المهدي الجنبة الاقتصادية تحت عنوان "تقويــــــة الاقتــــــــصاد"

1- صنع في العراق

- يبدأ البرنامج الاقتصادي في التركيز على تعزيز الصناعة العراقية وايجاد بدائل للاستيراد وتشجيع الصادرات.

- لكن لم يشار الى قاطرة الانتاج الوطني التي ستحقق تلك الاهداف، هل اعادة تأهيل شركات القطاع العام ام تحفيز ودعم القطاع الخاص؟ ام اعتماد مبدا المشاركة.

2- وزارة المالية ودورها الاقتصادي المأمول

- تشير الفقرة الاولى الى تقديم الحسابات الختامية بدأ من العام 2019، ماذا عن الاعوام السابقة؟ وكيف يمكن ان يكون تدقيق الحسابات بشكل انتقائي وليس عبر التسلسل الزمني. وهل يأتي ذلك ضمن مقولة "عفى الله عما سلف".

- تمت الاشارة الى الجباية الالكترونية ولم يشار من قريب او بعيد الى ضرورة اصلاح النظام الضريبي المختل.

- لم يشار الى تعظيم الموارد غير النفطية للحد من ارتباط الموازنة العامة بالاقتصاد بالنفط وتقلباته المستمرة.

- ايضا اغفلت الفقرة بشكل مؤسف جانب الانفاق العام والحاجة الى ترشيد وضبط النفقات التشغيلية ورفع كفاءة النفقات الاستثمارية، ليكون الانفاق العام رافعة لمستوى الخدمات العامة بدلا من تسربه الى جيوب الهدر والفساد.

3- تم استعراض جبهة من السياسات الرامية لتطوير القطاع الزراعي والصناعي والتجاري دون الاشارة من قريب او بعيد الى السياسات اللازمة لحماية المنتج الوطني من المنافسة والاغراق السلعي.

4- تركز الاستراتيجية الاقتصادية في برنامج الحكومة الجديدة على القطاع الزراعي كمحرك للقطاع الصناعي ومشغل للأيدي العاملة، في الوقت الذي قلصت فيه الحكومة السابقة خطط زراعة بعض المحاصيل للتعايش مع شحة المياه للأعوام القادمة، فضلا عن ضعف هذا القطاع في استيعاب الايدي العاملة بعد العام 2003 لصالح قطاع الخدمات.

5- في اطار المحور الاقتصادي والمالي والتنموي تم تحديد الاولويات بشكل متسلسل ينافي الاولويات الاقتصادية الملحة، مثلا تنمية القطاع السياحي جاءت كأولوية رابعة في حين تشجيع الصناعة الوطنية جاءت اولوية عاشرة وتفعيل السياسات الاقتصادية كأولوية (11)، وهذا يجانب الضرورة كما انه يناقض البرنامج الاقتصادي نفسه.

6- على مستوى السياسات الاقتصادية العليا، لم يتطرق البرنامج الى اهمية التنسيق بين السياسات النقدية والمالية والتجارية التي تعطلت بفعل ضعف الادارة وغياب الخطط الاستراتيجية العليا على ارض الواقع.

7- غابت المقاربات الاقتصادية الكلية اللازم تنفيذها ضمن اطار منهجي يستوعب كافة برامج الاصلاح الاقتصادي والمالي في البلد ويؤسس لتنمية اقتصادية مستدامة تحقق الاهداف الاقتصادية والاجتماعية.

8- رغم ان فكرة الصناديق السيادية في البلدان النفطية اصبحت واقع تعيشه كافة تلك البلدان، باستثناء العراق، فان البرنامج الحكومي اغفل تلك الضرورة، على الرغم من وجود الممكنات اللازمة للصندوق، واهمها تحديد سعر برميل النفط في الموازنة العامة باقل من (10-20) دولار، على ان تذهب تلك الزيادة الى الصندوق مباشرة.

ويتطلب الاقتصاد العراقي النفطي انشاء صندوق سيادي يضطلع بمهمة عزل الموازنة العامة والاقتصاد الكلي عن تقلبات أسعار النفط العالمية، لتفادي تكرار تجربة الاعوام السابقة وحشر الاقتصاد في الجزء الحاد من الازمة، وايضا من أجل تحقيق الاستقرار على المستوى الاقتصادي والمالي وحفظ حقوق الأجيال القادمة، إلى جانب كونه مرتكز مهم للشروع بالمشاريع ذات الأولوية الاقتصادية والاجتماعية من اجل تحقيق النجاح في عملية التنمية الاقتصادية.

ان التجربة الاقتصادية السابقة، تحتم على الحكومة الجديدة العمل على رسم خارطة طريق تفصيلية ومرنة للتكيف مع الصدمات الاقتصادية المتعددة التي يعاني منها البلد والبدء بسياسات اصلاح تدريجية تطال كافة القطاعات الاقتصادية والمالية والنقدية وبشكل متلازم فضلاً على توفير آليات فعالة للتنفيذ والرقابة وتقييم الاداء.

وفتح مدير الجلسة باب الحوار أمام الحاضرين بقصد إثراء الموضوع وإبداء آراؤهم من خلال الإجابة على السؤالين الآتيين:

السؤال الاول/ لماذا أغفل البرنامج الاقتصادي للحكومة الجديدة المشاكل الاقتصادية الكبرى في العراق؟

البرنامج الحكومي مرتبك 

- الدكتور علاء إبراهيم الحسيني التدريسي في كلية القانون بجامعة كربلاء، والباحث في مركز آدم "يشير اولا إلى المادة (76) التي رسمت خارطة تشكيل الحكومة وهي الزمت رئيس الجمهورية بتكليف مرشح الكتلة الاكبر، وهذا المرشح منح ثلاثين يوما لإعداد امرين الامر الاول اعداد برنامج حكومي يأتي به إلى البرلمان، والامر الثاني هو اعداد كابينة وزارية من اشخاص يقترحهم على البرلمان لنيل الثقة من عدمه، والثقة بطبيعة الحال تمنح لشخص رئيس الوزراء من خلال البرنامج المقدم، لذا فالسيد (عادل عبد المهدي) وبعد أن منح مدة الثلاثين يوم ترك قضية اعداد البرنامج الحكومي إلى عصبة من اعوانه ومساعديه، وهم ليسوا بالخبراء والمختصين وليسوا ذوي باع طويل في الاقتصاد".

اضاف الحسيني "بالتالي نحن لم نسمع باسم لامع قد اشترك في اعداد هذا البرنامج وعلى اقل تقدير في الجنبة الاقتصادية، لذا هم لم يعطوا للجانب الاقتصادي حقه خصوصا وأن المشكلة التي يعانيها العراقي هي اقتصادية في المقام الاول وهي بوابة الحل (الامني/الصحي/التعليمي/التربوي) في العراق، لذا فالسيد (عادل عبد المهدي) انشغل كثيرا في الاحزاب وفي مطالبتها وحصصها من الكابينة الحكومية وكان يخوض سجال طويل مع الكتل السياسية، وحتى النافذة الالكترونية التي فتحها السيد(عال عبد المهدي) هي مناورة للضغط على الاحزاب وهي لم تأتي ثمارها، فكان البرنامج الحكومي مرتبك ويعاني من اخفاقات كبيرة جدا وكان في صياغته عمومي اكثر من كونه تفصيلي وفيه خطوات عملية قابلة للتطبيق".

يكمل الحسيني "بالتالي لو كان السيد (عادل عبد المهدي) يفقه قليلا في المادة (110) من الدستور، التي خصت السلطات الاتحادية بصلاحية وضع السياسية النقدية والمالية وادارتها من خلال انشاء البنك المركزي وادارته، وكذلك فيما يتعلق بالتجارة عبر الحدود والتجارة عبر الاقاليم وكذلك ما يتعلق بالاقتصاد عموما، وكل هذه رسمت في المادة (110) وهي من الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية وبمعية البرلمان، لكن على ما يبدو أن هذه الفقرات لم تفقه بعد من قبل القابضين على السلطة التنفيذية، فكيف يوازن ما بين السياسية النقدية والسياسية المالية، وكيف يوازن بين ضرورة استقلال البنك المركزي المنصوص عليها في المادة (102)، وايضا ضرورة أن تصاغ سياسات نقدية وفق المادة (110) التي هي من اختصاص السلطات الاتحادية، هذه المعجزة إلى الان لم يقفوا على حدودها وابعادها وهذا يرجع إلى عدم تخصصهم في تفسير النصوص القانونية والدستوري، وكذلك أن يكونوا متخصصين بالسياسية المالية والنقدية".

اضاف ايضا "لذلك نجد هذه الاخفاقات التي تم الاشارة اليها سببها متأتي من الاخفاقات الحكومات السابقة، فعلى سبيل المثال لقد اشرتم كثيرا إلى مسالة (حماية المستهلك) فعندنا في العراق قانون حماية المستهلك رقم (واحد) لسنة (2010)، حيث تعلمون جيد بأن هناك مجلس يسمى (مجلس حماية المستهلك) الزم القانون تشكيله، وهذا المجلس واحدة من اهم اختصاصاته هو حماية المنتج الوطني والمحلي، وكذلك صياغة قواعد تحاكم السلع المستوردة، وهذا المجلس هو من اختصاص الحكومة، والحكومة منذ العام (2010) ولحد اليوم لم تؤسس هذا المجلس، والسبب واضح جدا فهناك تهاون في القيام بالمهام الدستورية والقانونية المناطة بالحكومة، اذا نحن ازاء مشكلة سياسية بالدرجة الاساس، وهي تسعى إلى تغليب المصلحة الحزبية والفئوية".

التخلص من الدولة الريعية

- الحقوقي احمد جويد، مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات "يصف البرامج الحكومية على مدى الحكومات السابقة في العراق، بأنها دائما ما تكون برامج حالمة ومن دون التفكير بالآليات التي من خلالها يمكن تطبيق هذه البرامج، لكن الدكتور (عادل عبد المهدي) وبما يمتلك من كاريزما هو من انصار نظرية التخلص من الدولة الريعية ومحاولة النهوض بالقطاع الخاص وبالاستثمارات، الا أن ذلك لا يعني بأن هذا البرنامج هو برنامج مثالي ومتكامل ونموذجي، لكن والحق يقال أن امام هذا الرجل فرصة مواتية لاسيما وأن اسعار النفط جيدة وهناك نوع من الاستقرار الامني والسياسي في العراق، وكل هذه الامور عناصر مهمة وحيوية في سبيل انجاح البرنامج الحكومي، الا أن عقبة الفساد تبقى هي العامل الابرز الذي ربما سيؤخر حركة النهوض بالقطاع الاقتصادي في العراق".

ايقاف نزيف الفساد

- عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية "يصف رئيس الوزراء العراقي بانه كان بعيد عن الاضواء السياسية وهو غير طامع بهذا المنصب، وانما جاء نتيجة ضغوط وارضاء لخواطر بعض الجهات المحلية والدولية، بالتالي ينظر للرجل على انه قائد مرحلة انتقالية، بغية اخراج السلطة من قبضة الدولة العميقة ووضعها امام مرحلة جديدة وهي دولة المؤسسات، لذلك فالمؤشرات واضحة كون مهمة رئيس الوزراء الحالي تتركز حول ايقاف نزيف الفساد لا محاسبة الفاسدين، وهذه الحكومة هي حكومة مسكنة وموقفة للتداعيات وهي تحاول أن تضع حد للفساد، ولكنها لن تكون بمستوى المحاسبة".

اضاف الصالحي "بالتالي فالبرنامج الاقتصادي والسياسي الذي اعدته الحكومة اليوم هو يتماشى مع هذا الجانب، اي أن البرنامج الحكومي (للدكتور عادل عبد المهدي) هو يسعى إلى امتصاص الزخم وتخفيف المعاناة وتقليل نسبة الاستيراد والاعتماد على الخارج، وايضا هو يسعى إلى وضع اساسيات لتفعيل العمل الداخلي".

التضخم الوظيفي والايدي الماهرة

- الشيخ مرتضى معاش، المشرف العام على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، "يرى أن المشكلة الاساسية التي تم الاغفال عنها في هذا البرنامج أن السياسة في العراق قبل الاقتصاد، فالاقتصاد ليس مهما عندنا في العراق ما دام النفط موجود، فهم لا ينظرون للمستقبل ولتقلبات السوق النفطية وصعود الطاقة المتجددة، ونفتقد الشجاعة اللازمة لإحداث التغيير أو التحول المطلوب في المجتمع العراقي، لاسيما على مستوى الخروج من الاقتصاد الاشتراكي والريعي والمركزي، إلى نوع جديد من الاقتصاد يعتمد على تشجيع العمل والاستثمار وعلى القطاع الخاص والخروج من الحالة النفطية".

اضاف معاش "والدليل ان الشجاعة غير موجودة انه بعد احداث البصرة وقضايا تشكيل الحكومة، نتج عن ذلك حكومة محاصصة يرى البعض انها لا تمتلك الكفاءات اللازمة، بالتالي لا زال اصل المشكلة موجود ولا يستطيع رئيس الحكومة مواجهة المخاضات الناتجة ليذهب نحو المستقبل، وذلك من خلال اخذ قرار شجاع والتخلص من تلك الامراض المقيتة التي تعرقل وجود الاستثمار وتطوير القطاع الخاص والخروج من الدولة المتضخمة بموظفيها والمركزية العميقة، وهذا التضخم الكبير في اعداد الموظفين الذين يستأثرون بغالبية الميزانية ان لم نقل كلها، وهذه مشكلة كبيرة جدا تعرقل تسهيل الاستثمار في الداخل، ومع هذا التضخم الوظيفي كيف يمكن أن انشاء قطاع خاص يستطيع حل مشكلة البطالة، هذا التضخم الوظيفي هو اساس المرض البيروقراطي الذي يعرقل تطور الاستثمار في القطاع الخاص ويعرقل تأهيل الايدي الماهرة، فاليد العاملة العراقية غير مؤهلة، بحيث ان اصحاب الاعمال يضطرون إلى استيراد العمالة الاجنبية الماهرة، لذلك على رئيس الوزراء العراقي أن يعمل على تأهيل اليد العاملة، وذلك من خلال تغيير أساليب التعليم مناهجه وفتح معاهد متخصصة".

اضاف ايضا "فالبطالة هي التي اشعلت الشارع البصري والشارع العراقي، لكن حل مشكلة البطالة تعتمد على شيئين، الاول الاستثمار الداخلي الذي يواجه بمشاكل بيروقراطية جمة، بالإضافة إلى الفساد الكبير والتضخم الوظيفي وعدم تأهيل اليد العاملة، كما ان المحافظات ليست لديها القدرة على تفعيل الاستثمار المحلي لأنها تابعة للمركز، والمركز تسيطر عليه الوزارات والوزارات تسيطر عليها المحاصصة، وهذه التركيبة هي تركيبة معقدة جدا قد تستعصي على الحل، ولكن بتفعيل اللامركزية يمكن فك كثير من العقد المستعصية".

الفساد يدمر الاقتصاد العراقي

- الدكتور خالد عليوي العرداوي، مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، قال "لا يمكن عزل الجانب الاقتصادي عن الوضع السياسي للحكومة، لذا فالحكومة الحالية لحد ما هي تعمل في افضل الظروف على المستوى الاقليمي والداخلي، وهذه المشاكل الكبرى لا يمكن حلها بسرعة وهي تحتاج إلى وقت طويل، بالتالي فان عملية ربط هذه المشاكل في قضية الاستثمار شيء مهم جدا، خصوصا وأن قضية البطالة لا تحل بمشاريع حكومية للقطاع العام وانما هي تحتاج إلى شراكات فعلية مع القطاع الخاص ومع المستثمرين الاجانب، فالاستثمار الاجنبي من المهم أن يدخل للعراق".

اضاف العرداوي "ايضا وبصرف النظر عن ما اغفل عنه البرنامج الحكومي في الجانب الاقتصادي، لكن ما اقترحه البرنامج الحكومي وما جاء به هل تستطيع الحكومة الحالية على تنفيذه، لاسيما وأن من الاشياء المهمة التي تدمر الاقتصاد العراقي هي الفساد، فهل فعلا يستطيع البرنامج الحكومي حاليا أن يعالج قضية الفساد في العراق، وهل يستطيع أن يوقف نزيف الفساد، فاذا نجح في هذه المهمة فهذا عمل جبار جدا قامت به الحكومة الحالية، الشيء الاخر التداول السلمي للسلطة وتركيبة المعادلة السياسية التي جاءت بعد(2003) ولحد الان، والتي انكسرت في هذه الحكومة نوعا ما".

يكمل العرداوي "فهل يعني هذا الكسر لتلك المعادلة اننا سوف ننطلق باتجاه تداول سلمي افضل للسلطة، وايضا بناء معادلة سياسية جديدة تكون افضل من المعادلة السابقة، ام لا سوف نشهد معادلة جديدة لكنها هي عبارة عن ثوب جديدة لمعادلة سابقة، الشيء الاخر الذي لابد الوقوف عنده فالسيد رئيس الوزراء وقته ضيق جدا، لكنه مع ذلك البرنامج كان جيد وهو قد اشار إلى ملاحظة مهمة كونه سوف سيتحول من موازنة البنود إلى موازنة البرنامج والاهداف، بيد أن ذلك لا يمنع فرضية احتمال فشل هذا الرجل كون كابينة الوزارية لا زالت ضعيفة، ورئيس الوزراء لا يستطيع أن يعمل شيء مع مجموعة وزراية غير كفوءة، الشيء الثاني ظهر بشكل جلي من خلال هذه التشكيلة الحكومية فلا زالت الاحزاب السياسية والكتل السياسية هي صاحبة السطوة، وهذا الامر لربما يخلق حالة من التقاطع في المصالح ما بين الاحزاب ورئاسة الوزراء، وعنداك من المرجح أن تكون الغلبة للأحزاب، وذلك على اعتبار أن رئاسة الوزراء لا زالت ضعيفة جدا اتجاه المعادلة السياسية في العراق".

اضاف ايضا "على العموم سنبقى متفائلين اتجاه عمل الحكومة الحالية، ونتنمى انها تستطيع أن تعبر بسفينة العراق إلى ما هو أفضل".

السؤال الثاني/ هل تستوعب كابينة عادل عبد المهدي وبرنامجه الحكومي التحديات الاقتصادية الراهنة وهل ستحقق الاهداف الاقتصادية المعلنة؟

- الدكتور علاء إبراهيم الحسيني "يعتقد بوجود بون شاسع بين الاهداف المرسومة والكابينة الوزارية، فهل هذه الكابينة الوزارية تحمل بين ثناياها من الشخصيات المختصة والتكنوقراط، فالجواب يأتي بان (واحد أو اثنين) من اصل (14) هم من التكنوقراط والبقية هم مرشحي احزاب، ولا تتفق مؤهلاتهم مع الوزارات التي تسلموها، وهذا خلاف الواقع فالوزارة يجب أن تدار من القمة وتنتهي بالقاع من الاشخاص المختصين، اما أن نأتي مثلا بشخص اختصاصه احصاء ونضعه على رأس وزارة لا علاقة لها بالإحصاء، فهذا الشخص بالتأكيد لن يتمكن من أن يضع بصمته في ادارة هذه الوزارة، أو أن نأتي مثلا بشخص شهادته الاكاديمية شيء واختصاص عمل الوزارة شيء اخر، فسيكون هذا اضحوكة بالنسبة للوكلاء وممرا لإرادة الاحزاب، وذلك لأنه غير قادرة على فهم طبيعة عمل الوزارة".

اضاف الحسيني "وبالتالي سوف تدار الوزارة اما من خلال هؤلاء الوكلاء وارادتهم وتكون شخصية أي الوزير ضعيفة أو العكس، أي يستطيع السيد الوزير أن يفرض ارادته من خلال التمرد على ارادت الاحزاب، فالأهداف التي رسمت والاحلام الوردية التي رسمت هي لن ترى النور من خلال هذه الكابينة، لذا فأمام السيد(عادل عبد المهدي) خيار كونه لم يضع بصمته في اختيار الوزراء، وايضا هو وضع قضية النافذة الالكترونية التي هي عبارة عن كذبة كبيرة، فمن خلال(30) الف تم تنقية (600) وهؤلاء يعتبرون من التكنوقراط، لذا فان السيد(عادل عبد المهدي) ومن خلال هذا العدد يستطيع أن يحقق النزر اليسير من البرنامج، اذا استعان بهؤلاء الاشخاص واوكل اليهم مسؤولية العمل بصفة مدراء عامين، ناهيك عن ابعاد المتحزبين والوكلاء السابقين والمدراء العامين، وهم عبارة عن اداة بيد الاحزاب للاستيلاء والهيمنة على مقدرات الدولة".

- الحقوقي احمد جويد "يعتقد أن الوزارة بحاجة إلى وزير يملك القليل من الاختصاص والكثير من الخبرة في الامور الادارية ناهيك عن الهمة والنزاهة، بالتالي فان قضية التكنوقراط هي ليست من الاولويات الاساسية خصوصا وأن الوزارة هي عبارة عن ادارة، لذا فان السيد (عادل عبد المهدي) وضع في حلقة ضيقة من خلال عرضه للكابينة الوزارية، بالتالي هو وقع في فخ الاحزاب السياسية التي اتفقت معه على شيء وفرضوا عليه شيء اخر، لذلك من الصعب على السيد (عادل عبد المهدي) تنفيذ برنامجه الاقتصادي، خصوصا وانه اذا اراد فعلا النهوض بالجانب الاقتصادي يجب أن يضرب على مفاصل الفساد ويسانده بذلك القضاء، الذي لحد الان وللأسف الشديد لا نعرف مصيره".

- عدنان الصالحي "يرى أن حكومة الدكتور(عادل عبد المهدي) اشبه ما يكون بحكومة تصريف الاعمال ولكن بشكل واطار دستوري، وهي تحاول قدر الامكان أن توجد في فترة من الفترات حلول للازمات المعقدة ومن ضمن هذه الحلول هي حلول رئاسة الوزراء، بالتالي فحكومة السيد (عادل عبد المهدي) هي فترة نقاهة للدول المتفاوضة وللكتل المؤثرة في المشهد العراقي، وهو عبارة عن حالة مؤقتة للتغطية على الاخفاقات الكبرى التي جرت في الفترة السابقة، علما بان الحكومة الحالية قد تستمر لأربعة سنوات أو اقصر من ذلك، وبعدها سياتي بحكومة غير هذا النمط وتكون فيها الدول الرابحة في الحرب الحالية هي صاحبة الكلمة الطولى فيها، اما قضية الجانب الاقتصادي والجانب السياسي واختيار الوزراء التكنوقراط هي مشهد عراقي صرف، لذا فاليوم يعاد ترتيب المشهد العراقي بطريقة جديدة ووفق النظام الدولي الجديد ووفق الاليات الجديدة، وبالتالي نحن اليوم امام دعاية اعلانية وسيعاد البث بعد ذلك".

- الشيخ مرتضى معاش "يتصور أن رئيس الوزراء الحالي قد استسلم للكتل السياسية، فتلك الكتل لا تفكر في بناء الدولة وانما تفكر في تحكيم وضعها الداخلي للسيطرة على الوزارات، بالنتيجة كل وزير عندما يأتي إلى الوزارة يأتي بأقاربه وبحزبه والعقود التي يستفيد منها، وذلك حتى يمول حزبه وهو لا يفكر في كيفية بناء اقتصاد العراق، لذلك نحن في الصيف القادم ربما سنعود إلى نفس المشكلة فيما لو عادت ازمة المياه والكهرباء، خصوصا وأن هذه الازمات هي غير محلولة اصلا في ظل تصاعد وتيرة التنافس بين الشركات العالمية والاقليمية".

اضاف معاش "لذلك فالتحديات الموجودة اليوم لم يستطيع تلبيتها البرنامج الحكومي الحالي، خصوصا وأننا نواجه ازمة كبيرة في ظل استمرار انخفاض اسعار النفط، فاليوم كلما تزداد الحرب التجارية تنخفض اسعار النفط، بالتالي نحن لا نمتلك الارادة اللازمة حتى نركز على استثمار مواردنا، بسبب عدم ادراك الكتل السياسية للتحديات المحلية حيث تعيش في حالة سكرة بالسلطة وغيبوبة عن الامر الواقع".

- الدكتور خالد عليوي العرداوي يرى "أن الوضع الدولي والاقليمي لا يتحمل الاخطاء، وذلك لان أي خطأ سوف يكون الثمن باهظ، وهذا ما لاحظناه من خلال خطأ خاشقجي الذي كان ثمنه باهظ على المملكة العربية السعودية، لذلك عندما ذهب الخيار نحو اختيار (عادل عبد المهدي) على أن يكون هو الشخصية المناسبة لاستقرار الوضع، بالتالي فان القوى السياسية التي تلعب في العراق وسواء كانت داخلية أو خارجية فهمت بأن الاخطاء ستكون باهظة التكاليف، لذا هي ارادت ترتيب البيت العراقي بطريقة تسمح ببقاء الوضع القائم على ما هو عليه، لذا عندما نطلب من السيد (عادل عبد المهدي) معالجة كل المشاكل العراقية".

اضاف العرداوي "لذا فالسيد (عادل عبد المهدي) وفي ظل البيئة التي يعمل بها سواء كان على المستوى الداخلي والدولي، بالتالي فأي فعل سياسي يتأثر بالبيئة الداخلية والخارجية، لاسيما وأن البيئة السياسية الداخلية هي ليست بيئة مواتية بالكامل وفي نفس الوقت هي ليست معادية بالكامل، لذا يمكن استثمارها بطريقة جيدة، لذلك يمكن أن تكون ادواته في اللعب هي نفس قواعد اللعبة التي تجري حاليا في المنطقة بشكل كامل، أي انه يحاول أن لا يخرج من التناغم الدولي والاقليمي، وايضا يحاول أن لا يستفز بشكل كبير متطلبات هذا التناغم، لكن بالمقابل اذا اردنا من السيد(عادل عبد المهدي) أن يكون لاعب فاعل في قضية التغيير داخل العراق".

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2018
www.fcdrs.com

 

اضف تعليق