q
يقف المواطن العراقي منذ عدة أيام محتاراً امام بائع الخضار وهو ينظر الى الطماطم وقد ارتفع سعرها الى حد جاوز المعقول، وقد لا تكون حيرة المواطن العراقي نابعة من رغبته في شراء الطماطم، ففي النهاية يمكن الاستغناء عنها امام سعرها المرتفع جداً، بل ان حيرته...

يقف المواطن العراقي منذ عدة أيام محتاراً امام بائع الخضار وهو ينظر الى الطماطم وقد ارتفع سعرها الى حد جاوز المعقول، وقد لا تكون حيرة المواطن العراقي نابعة من رغبته في شراء الطماطم، ففي النهاية يمكن الاستغناء عنها امام سعرها المرتفع جداً، بل ان حيرته من أسباب ارتفاع سعرها؟

لقد اجابت وزارة الزراعة عن هذا التساؤل في بيان أصدرته يوم الاثنين ٣٠/٩/٢٠١٨ بشأن ارتفاع الأسعار مؤكدة فيه ان هذا الارتفاع جاء نتيجة قلة توريد المحصول من الجانب الإيراني، وداعية التجار الى عدم التركيز على دولة واحدة بل اعتماد جميع المنافذ الحدودية لسد الاستهلاك المحلي ومنع ارتفاع الأسعار!!!

وهذا ما اثار حيرتي وتساءلي شخصياً، الم يكن الأولى بنا التركيز على الزراعة المحلية واعتماد آليات عمل تضمن عودة المزارع العراقي لأرضه التي هجرها منذ فترة ليست بالقصيرة بسبب قلة الدعم الحكومي للإنتاج الزراعي المحلي من جهة، وعدم قدرته على مواجهة المحاصيل المستوردة من جهة ثانية، وقد بين الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية على لسان رئيسه حيدر العصاد ان العراق بإمكانه الاكتفاء الذاتي بمنتجه المحلي من الطماطم فيما لو توفرت عدة ظروف منها، المخازن الجيدة والالتزام بالروزنامة الزراعية وإيقاف الانفلات في المنافذ الحدودية، وعدم التركيز على محاصيل معينة على حساب المحاصيل الأخرى، والتي لا بد تطبيقها لإخراج العراق من التبعية الغذائية لدول الجوار.

وقد لفت انتباهي قول السيد العصاد ان المجاملات السياسية لدول الجوار واهمال المنتج المحلي هي المسبب في ارتفاع أسعار هذه المحصول، ولا اعلم الى أي حد قد تصل بنا المجاملات السياسية على حساب الوطن والمواطن.

ان الخطر الحقيقي في هذه المجاملات في انها ترهن استقرار العراق الغذائي والاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي بيد هذه الدول، وقد لا يتصور البعض حجم ضغط الذي قد يشكله منع هذه الدول تصدير خمسة او ستة من المحاصيل الزراعية الضرورية للعراق في وقت تقف فيه الزراعة المحلية عاجزة عن سد الاحتياجات الداخلية للأسواق العراقية، ومن لا يستطيع ان يتصور حجم خطر جعل الاستقرار الداخلي مرهون بالعوامل الخارجية فعليه مراجعة وتذكر مشهد الاحتجاجات والتظاهرات في محافظة البصرة وهي ليست عنا ببعيدة وما كادت ان تقود اليه من فوضى بعد منع ايران تصدير الكهرباء للعراق بسبب عدم تسديد مستحقاتها المالية او لحاجتها الداخلية المتزايدة من الكهرباء.

ان رهن الاستقرار الداخلي لأي بلد بالصادرات الأجنبية هو خطر فادح يقوده نحو التبعية السياسية والاقتصادية ويجعل من البلد المستورد ريشة وسط رياح رغبات البلد المصدر، وهنا تكمن المشكلة العراقية فهو مستورد لكل شيء ومن كل الاتجاهات، فالعراق دائماً ما يتصدر قائمة اكثر الجهات المستوردة لكثير من الدول مثل الصين وتركيا وايران وغيرها الكثير من الدول التي ربط العراق الاستقرار الداخلي لأسواقه باستيراداته من هذه الدول.

بالإضافة الى ان الاستيراد المتزايد والمفتوح وفق سياسة الإغراق السلعي والتي ابتلي بها الاقتصاد العراقي لها تبعاتها السلبية المتعلقة بالكثير من المشاكل الاقتصادية والزراعية مثل ارتفاع نسب البطالة بين أبناء الشعب العراقي لتوقف عناصر الإنتاج والاكتفاء بالاستيراد من الخارج لإشباع الاحتياجات الداخلية، بالإضافة الى موت الالف الهكتارات من الأراضي الزراعية نتيجة هجرها من قبل الفلاحين لعدم توفر الدعم الحكومي الكافي للقطاع الزراعي مثل الأسمدة والمبيدات والمكائن الحديثة والعجلات الناقلة ومعالجة شحة المياه، وغيرها من العقبات التي يجب ان تضعها الحكومة العراقية القادمة في اعلى قائمة أولوياتها لإيجاد الحلول المناسبة اذا ارادت ان تحقق اكتفاء ذاتي حقيقي يضمن للمجتمع العراقي استقراراً كاملاً يجعله بعيداْ عن الضغوطات الخارجية التي تهدد امنه المجتمعي.

* باحث اقتصادي

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق