q
طبيعة الإنتقال في الأدوار السياسية يبين أن هنالك نضوجاً في العمل السياسي ينتقل من التوافق المشروط إلى التوافق بالإختيار، حيث كان في انتخاب رئيس الجمهورية من قبل مجلس النواب بجولتين وإنسحاب الحزب الديمقراطي الكُردستاني دليل على أن التوافق بالإختيار تصدر مشهد الإتفاقات السياسية بين الأحزاب...

رغم شدة تعقيدات التوافقية الديمقراطية التي حكمت المشهد السياسي العراقي منذ عام ٢٠٠٣ إلا أن طبيعة الإنتقال في الأدوار السياسية يبين أن هنالك نضوجاً في العمل السياسي ينتقل من التوافق المشروط إلى التوافق بالإختيار، حيث كان في انتخاب رئيس الجمهورية من قبل مجلس النواب بجولتين وإنسحاب الحزب الديمقراطي الكُردستاني دليل على أن التوافق بالإختيار تصدر مشهد الإتفاقات السياسية بين الأحزاب والكتل المهيمنة على المشهد السياسي العراقي.

منذ انتخاب رئيس مجلس النواب والتكّون في التحالفات السياسية يتبدل في العلاقة بين الأحزاب الكُردستانية في اختيار طريقة التفاوض مع تحالفي الإصلاح والإعمار من جهة، والبناء من جهة أخرى، إذ من غير الممكن اعتماد سياسة الإنضمام بشكل كلي لأنه يؤثر على نصيب هذه الأحزاب خصوصاً بعد أزمة البصرة وتفكك التحالف داخل محور الإصلاح والإعمار، الأمر الذي قرب كثيراً التفاهمات بين سائرون والفتح، وكان من نتائج ذلك إعادة التوافق بشأن المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء.

شكل التقارب الأخير والحوارات الجدية بين الكتل السياسية عملية نقل مهمة ترشيح منصب رئيس الجمهورية للكتل الكُردية غير أنها لم تتمكن من التوافق على مرشح واحد، الأمر الذي نقل الاختلاف إلى البرلمانيين ليقرروا بأنفسهم اختيار الرئيس. ورغم أن هذه الإرادة في الاختيار يرتبط جزءاً منها بإرادة زعماء الكتل إلا أنه في الحقيقة نسف الإتفاق الضمني بشأن التصويت لمرشح الحزب الديمقراطي السيد فؤاد حسين.

وبعيداً عن أسباب الخلاف بشأن مرشح الحزب الديمقراطي الكُردستاني، إلا أن المقبولية من الناحية الشعبية كانت تتجه نحو برهم صالح بسبب ثقله السياسي وعلاقاته المتميزة مع القوى الإقليمية والدولية فضلاً عن أنه كان الأقرب سياسياً إلى تحالف البناء، فحنكته السياسية تبعث ضمانات إلى الرأي العام بإمكانية التغيير الذي يقصده الشارع العراقي.

إن هذا التبدل في ذهنية البرلمانيين من شأنه أن يضاعف من قوة الإرادة الفردية على التكتلية التي سادت المشهد السياسي، فعملية ترك الإختيار لصالح النواب بعثت برسائل إيجابية إلى الشارع، فضلاً عن أنها ساهمت في تعديل القناعات المستحكمة التي كانت تهيمن على تفكير الكثير من المختصين بنتائج الإنتخابات والعملية السياسية برمتها.

يمكن أن يلاحظ أن هنالك أمرين كانا بارزين في انتخاب مجلس النواب لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، الأول يتعلق بأن الإختيارات كانت خارج دائرة تمثيل القوى المؤثرة في المشهد العراقي وبعيدة عن صراعاته، إذ أنه لكلا الشخصيتين علاقات متميزة مع القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في المشهد السياسي العراقي، وهذا الأمر يزيد من الإستقلالية في الدور العراقي الجديد. فصعوبة ترجيح الخيارات التي ارتبطت بالمشهد الإنتخابي والتحالفات السياسية أصبحت باعثة للقلق خصوصاً بعد أزمة البصرة ودور المرجعية في إيجاد الحلول لتلطيفها لحين تشكيل الحكومة الجديدة، والتي كان من نتائجها مطالبة تحالف سائرون حكومة الدكتور حيدر العبادي بالإستقالة لأنها لم تكن جدية في إدارة الأزمة ولم تتعامل معها بما تستحقه من متطلبات. وقد ساهم هذا التفكك في تقليص أدوار القوى المؤثرة في تشكيل المشهد السياسي المرتقب.

أما الثاني فإنه على صلة وثيقة بحالة التصويت والتوافقات السياسية إذ إنتقلت العملية السياسية بشكل نوعي نحو اختيار مرشحين مختلفين تماماً عن ما تم الترويج له من قبل. ومع ذلك فإن برهم صالح المنتخب كرئيس للجمهورية سيتمكن بحكم مقبوليته السياسية من إعادة توجيه الوضع السياسي داخليا وخارجياً على نحو متميز بحكم جاذبيته السياسية وأناقة دبلوماسيته التي ستغير الكثير من وضع العراق إقليمياً ودولياً.

هذا بالإضافة إلى إنسجامه مع رئيس الحكومة الذي سيعزز من التعاون المشترك في تنفيذ المطالب الجماهيرية، بالإضافة إلى مقبولية السيد عادل عبد المهدي من الأحزاب والكتل الأكثر تأثيراً في مجلس النواب. وتبقى المسؤولية أمام رئيس الحكومة في كيفية إختيار فريقه الحكومي، وهل سيتمكن من إعادة نمط التوافق بالاختيار مرة ثانية في اختيار وزرائه لتكتمل بنية النظام عن طريق التوافق بالإختيار لا بالشروط المفروضة؟.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق