q

تعاني معظم دول القارة السمراء من ازمات امنية وصراعات سياسية حامية الوطيس، جعلت تلك الدول في حالة من انعدام الأمن وانتشار الفوضى والفساد، فضلا عن اتساع نفوذ الجماعات الارهابية المسلحة في القارة السمراء وغيرها الكثير من الأزمات الأخرى، وقد شكل هجوم حركة حركة الشباب على جامعة كينية راح ضحيتها نحو 150 طالبا، مأساة انسانية قد تفاقم من اتساع رقعة الأعمال الإجرامية في هذا البلد الافريقي الهش امنيا، فقد اعرب المراقبون عن مخاوفهم من مخاطر انتشار الإرهاب في كينيا والذي قد يمتد الى دول مجاورة خصوصا مع وجود بعض الخطط الخارجية التي تهدف الى إثارة الفتن بين الطوائف وتأجيج الحروب في تلك القارة المهمة من قبل بعض الدول العالمية، التي تسعى الى إحكام سيطرتها على إفريقيا بشكل عام من خلال حربها المستمرة ضد تلك المجاميع المسلحة وتحت مسمى القضاء على خطر الإرهاب.

فقد عُدَّ الهجوم على جامعة غاريسا هو الأكبر في كينيا منذ عام 1998 عندما فجر تنظيم القاعدة السفارة الأمريكية في العاصمة نيروبي مما أسفر عن مقتل ما يربو على 200 شخص، فيما عبرت المنظمات الحكومية وغير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان عن قلقها من ان استمرار الفوضى وتفشي الانتهاكات الحقوقية والإنسانية في كينيا بسبب العنف الطائفي، مما سيجعل هذا البلد تحت ديمومة الخطر على المدى البعيد.

في حين أعلنت كينيا حالة التأهب بعد الهجوم في جاريسا الذي أثار مخاوف جماعات مسيحية أفزعتها شهادات ناجين قالوا إن المتشددين سعوا لاحتجاز المسيحيين لقتلهم وأبقوا على حياة المسلمين.

وتكافح كينيا لوقف تدفق مقاتلي الشباب والأسلحة عبر حدودها المضطربة مع الصومال والتي تمتد مسافة 700 كيلومتر كما ألحق العنف أضرارا بالاقتصاد اذ أدى لعزوف السائحين والمستثمرين عن كينيا.

ومن بين المسلحين الأربعة الذين نفذوا هجوم جاريسا ابن مسؤول حكومي كيني من مقاطعة مانديرا المتاخمة لجيدو. وأبلغ والد عبد الرحيم عبد الله وهو من أصول صومالية عن اختفائه بعدما عبر الى الصومال للانضمام الى حركة الشباب.

وتسببت إراقة الدماء في زيادة الضغوط على الرئيس الكيني أوهورو كينياتا الذي حاول جاهدا وقف الهجمات التي استخدمت فيها البنادق والقنابل اليدوية وشوهت صورة كينيا في الخارج وقوضت صناعة السياحة الحيوية للبلاد.

ويرى بعض الخبراء بشؤون الارهاب بأن قضية مكافحة الارهاب والتطرف تشكل أهمية كبرى لدى جميع الدول من دون استثناء، وذلك أثر التهديدات الارهابية المتصاعدة نتيجة لتنامي التطرف من الجماعات الارهابية مثل حركة الشباب بالصومال، إذ بات يشكل تهديدا خطيرة للسلام والامن العالميين.

وعليه تظهر التطورات الامنية في القارة السمراء مؤشرات حقيقية لجعل هذه القارة بيئة خصبة لإرهابين أكثر أجراما واحترافا، تجسد في حادثة كينيا الاخيرة التي قامت بها حركة الشباب الارهابية، إذ تبذل هذا التنظيم الارهابي محاولات لإيجاد موطئ قدم لها افريقا على غرار تنظيم داعش الارهابي الذي انتشار مؤخرا في عدد من دول شمال افريقيا كليبيا ومصر وتونس، وهذا سيضع القارة الاكثر عنفا في مستنقع الارهاب الدموي.

صراع مع الارهاب

في سياق متصل قالت القوات الجوية الكينية إنها دمرت معسكرين لحركة الشباب في الصومال في أول رد عسكري كبير منذ قتلت الجماعة المتشددة طلابا في جامعة كينية الأسبوع الماضي، ونفت حركة الشباب قصف المعسكرين قائلة إن قنابل الطائرات سقطت على أرض زراعية، وكان مسلحون من الحركة التي تربطها صلات بتنظيم القاعدة قتلوا 148 شخصا يوم الخميس عندما اقتحموا كلية في جامعة جاريسا التي تبعد نحو 200 كيلومتر عن الحدود الصومالية، وقال المتحدث باسم قوات الدفاع الكينية ديفيد اوبونيو إن الطائرات قصفت المعسكرين في منطقة جيدو الصومالية يوم الأحد، وأضاف "تظهر صورنا الملتقطة من الجو أن المعسكرين دمرا تماما". بحسب رويترز.

وقال الشيخ عبد العزيز ابو مصعب المتحدث العسكري باسم حركة الشباب لرويترز إن ايا من المعسكرين لم يدمر في ضربات يوم الأحد وإن المقاتلات قصفت أراضي زراعية، واضاف "لم تستهدف كينيا ايا من قواعدنا"، ويصعب الوصول الى منطقة جيدو الريفية في الصومال ولم يتسن التحقق من صحة التقارير، بشأن الضربات من مصدر مستقل.

وفي العاصمة نيروبي حيث تزايدت انتقادات وسائل الإعلام المحلية لما وصفته بالرد الأمني السيء على هجوم جاريسا لاتزال عشرات الأسر تحاول التعرف على الجثث في مشرحة المدينة، وقال ايزك موتيسيا الذي سقطت ابنته ريسبر موتيندي كاسيوكا البالغة من العمر 23 عاما ضمن القتلى إن أجهزة الأمن "انتظرت أكثر مما ينبغي وأتيح للإرهابيين وقت طويل جدا ليقتلوا ابناءنا".

جهود لمكافحة التطرف

من جهته قال الرئيس الكيني أوهورو كينياتا إن المسؤولين عن الهجوم الذي قتلت فيه حركة الشباب الصومالية الإسلامية المتشددة 148 شخصا في جامعة كينية "مترسخون" في كينيا ودعا مسلمي كينيا إلى المساعدة في منع التطرف.

جاءت كلمة كينياتا التي بثها التلفزيون ردا على حصار دام 15 ساعة في حرم جامعة جاريسا يوم الخميس بعد أن قالت وزارة الداخلية إنها اعتقلت خمسة اشخاص مشتبه بهم في الهجوم بعضهم أثناء محاولته الهرب إلى الصومال.

وقالت الوزارة أن أربعة من المشتبه بهم كينيون ينحدرون من أصل صومالي والخامس تنزاني. وما زال مدبر الهجوم المشتبه به محمد محمود -وهو مدرس سابق في مدرسة إسلامية في جاريسا- هاربا. وعرضت كينيا 20 مليون شلن (215 ألف دولار) جائزة لمن يساعد في القبض عليه. بحسب ورويترز.

وقال كينياتا "مهمتنا في مكافحة الإرهاب أصبحت بالغة الصعوبة لأن مدبري وممولي هذه الأعمال الوحشية مترسخون في مجتمعاتنا"، وأضاف قوله "التشدد الذي يولد الإرهاب لا يتم في الأحراش ليلا لكنه يحدث في وضح النهار في المدارس الدينية الإسلامية .. في المنازل .. في المساجد مع أئمة ضالين".

وقالت الحركة المرتبطة بتنظيم القاعدة إن هجوم جاريسا يأتي لمعاقبة كينيا على وجودها في الصومال وعلى إساءة معاملة المسلمين في كينيا، وقالت الحركة في بيان أرسل عبر البريد الإلكتروني "لن تضمن أي إجراءات وقائية أو أمنية سلامتكم ولن تحبط أي هجوم آخر أو تمنع حمام دماء من الوقوع في مدنكم"، وفي رسالة موجهة للشعب الكيني توعدت حركة الشباب بحرب طويلة ومروعة قائلة إن المدن الكينية "ستخضب بلون الدماء الأحمر"، وأضافت "هذه ستكون حربا طويلة ومرعبة ستكونون أنتم أيها المواطنون الكينيون أول ضحاياها".

حملة انتقادات شديدة

فيما انتقد البابا فرنسيس بحدة بمناسبة الاحتفال بعيد الفصح، "الصمت المتواطئ" و"اللامبالاة" أمام "الغضب الجهادي" الذي يضرب المسيحيين وبدأ يعصف أيضا بكينيا، وقال البابا فرنسيس عند نهاية درب الصليب مساء الجمعة الحزينة في كولوسيوم متوجها إلى المسيح "أمير السلام"، "اليوم نرى أشقاءنا مضطهدين، تقطع رؤوسهم ويصلبون لإيمانهم أمام أعيننا وغالبا مع صمتنا المتواطئ".

وفي الفاتيكان هناك شعور بالغضب لعدم التنديد بعمليات الاضطهاد المتزايدة التي يتعرض لها المسيحيون على يد أفراد أو جماعات إسلامية بدءا بالعراق وصولا إلى كينيا مرورا بليبيا وباكستان أو نيجيريا، من قبل السلطات الغربية والمسلمة على السواء. بحسب فرانس برس.

وقد شكل الاستيلاء المفاجىء على مدينة الموصل العراقية في الصيف الماضي من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية" منعطفا. وحمل الكرسي الرسولي على إبداء موقف أكثر حزما إزاء غموض بعض السلطات المسلمة.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي دعا البابا فرنسيس بنفسه إلى "صحوة الضمائر بشكل واسع" لدى جميع الذين "يتحملون مسؤوليات على المستوى المحلي والدولي"، وفي كانون الأول/ديسمبر كان أكثر وضوحا بمطالبته "كل القادة المسلمين في العالم، من سياسيين ودينيين وجامعيين" إلى "الإعلان بوضوح" رفض عنف الجهاديين. وحرص على التحدث عن الأقليات الدينية المضطهدة الأخرى مثل الإيزيديين، وفي الآونة الأخيرة أخذ الحبر الأعظم على المجتمع الدولي "تجاهله" لعمليات الاضطهاد التي يتعرض لها المسيحيون.

من المتهم بمجزرة جامعة غاريسا الكينية؟

الى ذلك تتهم السلطات الكينينة الأستاذ السابق والجهادي الإسلامي المتشدد محمد محمود بالتخطيط للهجوم الإرهابي على جامعة غاريسا الذي خلف 148 قتيلا. وعرضت الشرطة الكينية مكافأة قيمتها 200 ألف يورو لمن يمدها بمعلومات حوله، اتهمت الشرطة الكينية الأستاذ السابق والجهادي الإسلامي حاليا محمد محمود بالتخطيط للهجوم على جامعة غاريسا. بحسب فرانس برس.

ويعرف محمد محمود، العضو في حركة الشباب الصومالية، أيضا باسم "دوليادن" (النافذ) و"غمادهير" (المخادع). وهو مطلوب لعلاقته بسلسلة من الجرائم والمجازر في المنطقة الحدودية في شمال شرق كينيا.

وعرضت الشرطة الكينية مكافأة قيمتها 215 ألف دولار (200 ألف يورو) مقابل معلومات توصل إلى محمود، ومحمود كيني الجنسية ومن أصول صومالية، مثل حوالى مليونين من الكينيين أي ستة في المئة من عدد السكان. وتعيش تلك الأقلية بشكل كبير في المنطقة الواسعة والفقيرة في شمال شرق البلاد، وغاريسا واحدة من أكبر مدنها.

كذلك تدعي حركة الشباب أن المنطقة الصومالية في كينيا جزء من الصومال، وهي منطقة طالما غاب عنها القانون وشهدت حركة انفصالية دموية بين العامين 1963 و1967 عرفت باسم "حرب شيفتا"، وبرغم عدم مشاركة محمود بشكل مباشر في هجوم جامعة غاريسا، شبه بعض الطلاب الناجون المهاجمين به خاصة أنهم كانوا يتحدثون اللغة "السواحلية" مثله، وقال البعض إنهم قد يكونون كينيين أيضا.

ويظهر محمود في الصور رجلا نحيلا بلحية خفيفة، وتقول الشرطة الكينية إنه كان يدرس في مدرسة دينية في غاريسا، ولكنه تطرف وانتقل إلى جنوب الصومال للانضمام إلى "اتحاد المحاكم الإسلامية" الذي سبق حركة الشباب الصومالية.

وقاد محمود قوة "ضاربة" شديدة الخطورة في مقديشو شنت العديد من المعارك الأكثر عنفا. وفي المقابل ظهر محمود أيضا كرجل متعلم "هادئ ولطيف"، وظهر محمود في العديد من أشرطة الفيديو التي تروج لحركة الشباب في معاركهم في جنوب الصومال، ثم أصبح في وقت لاحق قياديا في ميليشيا مدينة راس كامبوني في جنوب الصومال في ظل قيادة أحمد مادوبي، الزعيم الإسلامي السابق، والذي تحول في وقت لاحق إلى حليف لكينيا.

اضف تعليق