q
القصد من \"الإهدار المزدوج\" هو وجد نوعان من الإبطال، الأول بشري معنوي، والثاني شيئي مادي: الأول: يشمل هدر طاقات الإنسان بكل أشكالها، ومنها الفكر والذكاء والابتكار والطاقات الروحية، وكل ما يتعلق بالإمكانات البشرية غير المادية، الثاني: يشمل كل ما هو مادي ضمن الموارد المتاحة الطبيعية أو المصنّعة، فالإهدار المادي قد يطول الأموال، والثروات، والمعادن والمياه والتطور العمراني التصميمي.

الإهدار يأتي بمعنى الإبطال، فإن قمت بإهدار شيء معنوي أو مادي، فهذا يعني أنك تعمَّدت إبطال أثره وقيمته، ويُقال أهدرَ دم فلان، بمعنى تعرّض للإفناء، أو فلان أهدرَ كرامة غريمه، بمعنى أذلّه وأبطلَ كرامته، وقد يحصل الإهدار في شقّين، المتعمَّد منه أو الناتج عن الإهمال، فيمكن أن يحدث الإهدار نتيجة سببين رئيسين، الأول عن عمد، والثاني سوء التصرف بمعنى الغباء، وفي كلا الحالتين تكون النتائج المترتبة متقاربة أو متشابهة، فلا يُنظَر للإهدار الناتج عن الغباء بدرجة أقل مما ينتج عن القصد، لأن حصيلة الأضرار واحدة.

أما القصد من جملة "الإهدار المزدوج" فيوجد نوعان من الإبطال، الأول بشري معنوي، والثاني شيئي مادي:

الأول: يشمل هدر طاقات الإنسان بكل أشكالها، ومنها الفكر والذكاء والابتكار والطاقات الروحية، وكل ما يتعلق بالإمكانات البشرية غير المادية.

الثاني: يشمل كل ما هو مادي ضمن الموارد المتاحة الطبيعية أو المصنّعة، فالإهدار المادي قد يطول الأموال، والثروات، والمعادن والمياه والتطور العمراني التصميمي، والزراعة وملحقاتها، والمنشآت الصحية والعلمية، والطرق والجسور والمعامل، والحِرَف الصغيرة والكبيرة، وباختصار يشمل الموارد المادية بكل أصنافها.

فالإهدار وفق هذا المعنى هو إبطال الموارد البشرية، ويطول مفعول الموارد المادية أيضا، وتأسيسا على ذلك تتراكم أضراره المزدوجة طالما تعجز العقول والثقافات عن معالجته، وكما يذهب المنطق فإذا أردت أن تُبطل المضِرّات عليك أن تعرف مصادر صنعها وروافد ديمومتها، أي لماذا يحدث الإهدار المزدوج، وما الذي يقود إلى ذلك، وإذا تمّ تحديد ومعرفة الأسباب، سننتقل إلى المرحلة اللاحقة، وهي كيفية المعالجة بعد سبر أغوار المسببات، فما هي أسباب الإهدار المزدوج.

أولا: الإهدار البشري.

يوجد نوعان لهذا الإهدار، الأول فردي، أي أن الفرد يقوم بنفسه بإهدار ممكناته الفكرية وذكائه أيضا، فهناك أفراد لا يعرفون قيمة مواهبهم ومؤهلاتهم ولا يعبأ كثيرون منهم بما يمتلكونه من مواهب وأفكار، فتضمحلّ رويدا، مثل نار مهملة لا أحد يغذيها بالوقود، فالأفكار والمواهب والإمكانات الفردية إذا تم إهمالها من قبل الفرد بسبب عدم معرفتها أو العجز عن تقييمها بدرجة دقيقة، حينذاك سوف تخبو شيئا فشيئا وتذوي وتنطفئ تماما، فيحدث لها الإهدار الذي يقف وراءه الفرد نفسه.

والثاني هو الإهدار الذي يأتي على النحو الجمعي، وهو نتيجة لتراكم الإهدار الفردي، ويعد من أخطر الظواهر التي يتعرض لها المجتمع والدولة لأنها سوف تتحول إلى ثقافة تصنع حزمة من السلوكيات التي تطبع حياة المجتمع والفرد في بوتقة واحدة تجمع بين النوعين من الإهدار، الفردي والجمعي.

ثانيا: الإهدار المادي.

هناك نوع آخر من الإهدار يقوم به الفرد أيضا، إنه الإهدار المادي، فينتج عن حالتين، الأولى حين يسرف الفرد في قضم وتدمير ممكناته المادية، بسبب الجهل أو الإهمال، فيكون سيّئ التخطيط، متهوّر، غير صبور، بعيد عن العلمية، يفقد قدراته مع مرور الوقت من دون أن يعبأ بهذه الخسائر التي تلحق بحياته الشخصية تدهورا طرديا.

والحالة الثانية عندما يصّر الفرد على إبطال الممكنات المادية التي يمكن له التحكم بها بصورة غير مباشرة وبعيدة عن الذاتية أو الحدود الشخصية، أي عن طريق وظيفته أو عمله الإنتاجي، فهناك موظفون يتجاوزون على المال العام عبر الاختلاس والرشاوى وإبرام الصفقات المشبوهة، هذا النوع من الإهدار الفردي المتعمَّد يقدّم للفرد نفسه فائدة مادية سريعة وقد تكون كبيرة، لكنها تُلحق أفدح الأضرار بالجمع، فالفرد هنا يبحث عن الربحية الذاتية السريعة والكبيرة بأساليب غير مشروعة تتسبب بإهدار مقصود ينتج عنه ضرر جمعي قد يكون ماحقا.

هذا هو الملخّص الأقرب لمسببات الإهدار، بالتالي لابد من رصدها بدقة ودراية وتركيز وتخصّص استبياني علمي، لكي نبدأ لحظة الانطلاق باتجاه المعالجات، فكيان الإنسان يُشبه إلى حد بعيد كيان الدولة والمجتمع، والإهدار وباء يصيب الأطراف كلها بأمراض قد يكون بعضها قاتلا، والصمت أو التردد أو التقاعس عن التصدي والحد من خطورة هذا الوباء سوف يراكم الإهدار يوما بعد آخر، وهذا يستدعي معالجات مستدامة توازي ديمومة الموارد الفكرية والمادية الفردية والجمعية، وهذا يتبع تعديل الثقافات والقيم وتطويرها، فردياً ومجتمعيا.

هذا المهمة المصيرية ليست وقتية، ونقصد بها مهمة مكافحة الإهدار، إنها مهمة (أبدية)، توازي ديمومة الحياة، أي طالما هناك بشر (فرد وجماعة)، توجد حاجة لكبح آليات الإهدار، وتظهر الحاجة الملحّة إلى نوع من الإستنفار الشامل، الثقافية الفكري الأخلاقي كي يفهم الفرد والجماعة ويؤمنوا بأن هذه الظاهرة من صنع الثقافات السلوكية البالية، وأن مهمة مكافحتها لا تستثني أحداً أوجهة.

ونضع هنا جملة من الملاحظات لمن يهمه أمر - القضاء على أو الحد من- وباء الهدر، علَّها تبزّ العقل وتستنهض الفكر، وتستعيد الخارطة الثقافية من غفوتها أو كبوتها، من هذه الملاحظات:

- صناعة ثقافة مبدئية شاملة ضد الإهدار بشتى مصادره وأنواعه.

- تبدأ موجات التثقيف على الكف عن الإهدار من الطفل، العائلة، المدرسة، الجامعة، محل العمل، لتطويل جميع المرافق التي يتجمهر فيها الناس لأي سبب كان.

- وضع خطط متينة لمكافحة الهدر، على أن تكون مقنعة وسهلة التطبيق.

- رسم ميزانيات لتحديد الموارد والصرفيات في التجمعات المختلفة، كالمدارس والمستشفيات والدوائر الخدمية والإنتاجية، حتى الأسرة لابد أن تتثقف بمقاومة الإهدار عبر تحديد الاحتياجات ومعرفة الصرفيات.

- إطلاق حملات وطنية يشترك فيها الجميع لنبذ سلوكيات الهدر.

- زج الإعلامي بأنواعه كافة ومصادره لترويح ثقافة نبذ الإهدار الفردي والجمعي، للموارد الفكرية والمادية.

- سن تشريعات مشددة لملاحقة الهادرين خصوصا أولئك الذين يمسون المال العام.

- نشر توجيهات سلوكية ثقافية فردية وجماعية، تدين الإهدار وتعدّه عدم شعور بالمسؤولية.

- وأخيرا رصد حالات الإهدار عبر عينات دقيقة، ونشر حجم الخسائر التي تتسبب بها، وإمكانية تفادي ذلك وفق معالجات سلوكية لا تكلّف كثيرا من الجهد أو المال.

اضف تعليق