q
يبدو ان الحكومة الإيطالية برئاسة جوزيبي كونتي، عازمة بشكل جاد على انهاء ملف الهجرة واللجوء، الذي عاد الى الواجهة بعد إعلان الائتلاف الحاكم طرد حوالي نصف مليون مهاجر غير شرعي من البلاد. هذه الاجراءات اثارت الكثير من ردود الافعال بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ومنذ فوز حزبين شعبويين في إيطاليا...

يبدو ان الحكومة الإيطالية برئاسة جوزيبي كونتي، عازمة بشكل جاد على انهاء ملف الهجرة واللجوء، الذي عاد الى الواجهة بعد إعلان الائتلاف الحاكم طرد حوالي نصف مليون مهاجر غير شرعي من البلاد. هذه الاجراءات اثارت الكثير من ردود الافعال بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ومنذ فوز حزبين شعبويين في إيطاليا كما نقلت بعض المصادر، ووزير الداخلية ماتيو سالفيني من حزب رابطة الشمال المعادي للأجانب. يهاجم عبر وسائل التواصل الاجتماعي باستمرار المهاجرين ومساعديهم، وأغلق موانئ إيطاليا في وجه سفن الإنقاذ التابعة للمنظمات غير الحكومية.

وطبقا للبيانات المتوفرة لا توجد حاليا أزمة لجوء في الاتحاد الأوروبي، فأعداد المهاجرين الوافدين انخفضت إلى النصف مقارنة بعام 2017. غير أن الاتحاد الأوروبي يتحرك للرد على حملات التحريض التي تمارسها الأحزاب الشعبوية. بالنسبة إلى قارة تضم نصف مليار نسمة يمكن تحمّل أعداد المهاجرين الجدد، فحتى يونيو/ حزيران من العام الجاري قدم نحو 33.000 شخص، أقل من نصف العدد المسجل في 2017. والبلاد المتحملة لأكبر عبئ بالنظر إلى عدد السكان هي اليونان. وغالبية المهاجرين تأتي في هذه الأثناء إلى اسبانيا وبعدها تأتي إيطاليا. لكن في جميع بلدان الاتحاد الأوروبي تقريبا يلعب الشعبويون اليمينيون دورا، إذ أنهم يشكلون حكومات أو أنهم يشاركون فيها. وارتفاع شعبيتهم تعود لبث مشاعر الخوف تجاه ما هو أجنبي.

منذ فترة حكم سيلفيو برلوسكوني وإيطاليا تشتكي من نظام دبلن الخاص باستقبال اللاجئين في دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن حكومة روما تعاملت ببراغماتية مع المشكلة ولم تسجل المهاجرين الوافدين وتركتهم يعيشون في اقتصاد الظل الإيطالي أو يواصلون رحلتهم نحو الشمال. وابتداء من 2014 وعندما ارتفعت الأعداد بقوة ووصل في السنة اللاحقة أكثر من 1.2 مليون لاجئ إلى الاتحاد الأوروبي، ضغط الاتحاد من أجل الالتزام بقواعد دبلن المتفق عليها.

يومها شرعت حكومة رئيس الوزراء السابق ماتيو رينزي بتسجيل العدد الأكبر من المهاجرين في الموانئ الإيطالية. وفي آن واحد لم يمر اجتماع أوروبي دون أن تطلب فيه روما الحصول على المساعدة وتوزيع جزء من هؤلاء الناس على الدول الأوروبية الأخرى. أما رد الفعل من الأوروبي فكان اللامبالاة. وفي بداية 2017 لجأت إيطاليا إلى وسائل ذاتية وأبرمت اتفاقيات مع ميليشيات ليبية حصلت على المال والأسلحة لصد اللاجئين عن الإبحار إلى الضفة الشمالية. والاتحاد الأوروبي بدأ في تكوين شرطة خفر السواحل الليبية ودفع المال لرد القوارب المطاطية إلى شاطئ انطلاقها. وبهذا انتعش عمل الميليشيات، لاسيما وأنها غير مهتمة أصلا بوقف الهجرة.

اتفاق جديد

وفي هذا الشأن اتفق قادة الدول الثماني والعشرين، الأعضاء في الاتحاد الاوروبي وكما نقلت بعض المصادر، على خطة جديدة حول الهجرة، بعد اجتماع عاصف رضخت الدول الأوروبية خلاله لمطالب روما. واحتفى رئيس الوزراء الإيطالي الشعبوي جوزيبي كونتي بالاتفاق الجديد، وقال إن "إيطاليا لم تعد وحدها"، ونسب الفضل في التوصل إلى اتفاق جديد للضغوط التي قادتها إيطاليا على شركائها الأوروبيين. والاتفاق هو حل وسط بين الدول الأوروبية، المنفتحة على استقبال المهاجرين والأخرى الرافضة لذلك، حيث ينص الاتفاق على إنشاء "منصات إنزال" المهاجرين خارج أوروبا بهدف ردعهم عن اجتياز المتوسط. وينص كذلك على إقامة "مراكز خاضعة للمراقبة" في دول أوروبية على أساس اختياري، يوضع فيها المهاجرون بعد وصولهم وتجري فيها بصورة سريعة عملية فرز المهاجرين غير الشرعيين، الذين ينبغي ترحيلهم عن أولئك الذين يحق لهم طلب اللجوء ويمكن توزيعهم ونقلهم إلى دول أوروبية أخرى، وذلك بالمثل على أساس "تطوعي".

ويدعو الاتفاق الأعضاء كذلك إلى "اتخاذ كل الإجراءات" الضرورية على المستوى الداخلي لتجنب انتقال المهاجرين بين دول الاتحاد الأوروبي، في ما يجري من "حركات داخلية" غالباً ما تتجه نحو ألمانيا التي تشهد جدالاً سياسياً أضعف المستشارة أنجيلا ميركل. وعلى الرغم من تنديد منظمات غير حكومية في فرنسا، لخضوع الرئيس إيمانويل ماكرون للضغوط الإيطالية، إلا أن الرئيس الفرنسي أكد أن بلاده لن تقيم على أراضيها مراكز لاستقبال المهاجرين، لأن فرنسا "ليست بلد وصول أول".

تصريحات ماكرون جددت الغضب الإيطالي من فرنسا، ما دفع كونتي إلى الرد على تصريحات الرئيس الفرنسي حول وجوب إقامة مراكز استقبال المهاجرين في بلدان الوصول الاولى، بالقول إن ما قاله ماكرون "ليس وارداً في المادة السادسة (من الاتفاق)"، حول أن "مراكز الاستقبال في اوروبا يجب ان تقام في دول محددة. ادعوكم الى قراءتها مجددا".

ولم ينته الجدال هنا، إذ أكد رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال أنه "طالما اتفاق دبلن (حول شروط التكفل بطالبي اللجوء) لم يتغير، ليس هناك تضامن". وبلجيكا هي احدى الدول الثماني في الاتحاد الاوروبي التي قبلت التكفل ببعض الناجين من سفينة منظمة لايف لاين التي رست في مالطا بعد رفضها من قبل ايطاليا. وحذر رئيس وزرائها من ان "هذه العملية لن تتكرر قبل اصلاح (اتفاق) دبلن".

وقدم ماكرون بعض الاضافات، وقال "إن المراكز الاوروبية ستكون على اساس طوعي في دول الاستقبال الاولى. وعليها ان تقول ان كانت مستعدة لذلك. بعضها قال ذلك اثناء النقاش والتصريح بذلك يبقى شأنهم". واستبعد المستشار النمسوي سيباستيان كورتز فكرة اقامة مركز مماثل في بلاده. وقال "بالطبع لا. لسنا بلدا يملك حدودا خارجية للاتحاد الاوروبي، لسنا بلد وصول اول الا اذا قفز الناس (المهاجرون) بمظلة".

الحكومة الشعبوية في إيطاليا، بدت أكثر تشدداً في الإجراءات ضد المهاجرين في أعقاب اجتماع بروكسل، إذ أعلن وزير الداخلية الايطالي ماتيو سالفيني غلق أبواب إيطاليا أمام المنظمات غير الحكومية. وقال سالفيني، إن "المنظمات غير الحكومية لن ترى ايطاليا الا في البطاقات البريدية (..) الابواب ستغلق" موضحاً أن المنع سيشمل أيضاً "انشطة تزويد المنظمات غير الحكومية بالمحروقات". وأضاف "كما يقول العسكريون الايطاليون وحتى الليبيون، المنظمات غير الحكومية تساعد المهربين بوعي او بدونه" مؤكداً مع ذلك أن إيطاليا "ستواصل انقاذ من يجب انقاذهم مع الدول التي هي دول بمعنى الكلمة".

وما يزال الغموض يسود الاتفاق الجديد، لكن تلميحات تكشف ربما أن مراكز استقبال المهاجرين قد تكون بداخل دول الاتحاد. في هذا السياق، قال وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة، إن بلاده ترفض فكرة إقامة مراكز استقبال خارج الاتحاد الاوروبي. وعبر الرئيس الألباني كذلك عن معارضته الشديدة لهذا المقترح. وخلال القمة الأوروبية العاصفة في بروكسل، رفض قادة دول مجموعة فيسغراد (بولندا والمجر وتشيكيا وسلوفاكيا) المشاركة في سياسة الاستقبال، وشددوا في المناقشات على التخلي عن التضامن المفروض من خلال حصص المهاجرين.

وقال رئيس الوزراء المجري فيكتور اوربان "من الواضح ان اعادة توطين المهاجرين لا يمكن ان تتم بدون موافقة مسبقة ورضى الدول المعنية. والمجر ستبقى بلدا مجريا ولن تتحول الى بلد مهاجرين"، فيما اكد نظيره السلوفاكي بيتر بيليغريني انه "بشأن الحصص الطوعية، سأكون حذرا جدا". وتم توجيه تحذير للمنظمات غير الحكومية من ان "على كافة السفن العاملة في البحر المتوسط احترام القوانين المرعية وعدم تعطيل عمليات خفر السواحل".

ومن شان إقامة مراكز تجميع خارجية للمهاجرين، ان تجنب الأوروبيين الخلافات حول تحمل أعباء السفن. لكن ملامح المشروع لا تزال غامضة جدا، كما انه يثير العديد من الاسئلة حول مدى مواءمته أحكام القانون الدولي. ونددت منظمة "اطباء بلا حدود"، باتفاق الهجرة الأوروبي متهمة دول الاتحاد الأوروبي بأنها اتفقت على "صد الناس على أبواب أوروبا".

خلافات وتحركات

على صعيد متصل اعلن وزير الداخلية الايطالي ماتيو سالفيني، انه اذا كان رئيس الوزراء المجري فيكتور اوربان "شريرا" لانه رفض استقبال لاجئين، فان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون "شرير اكثر منه ب 15 ضعفا". وجاء كلام سالفيني في تصريح صحافي ادلى به بعد عودته من زيارة قصيرة الى ليبيا. واضاف سالفيني "عندما يكشف الاتحاد الاوروبي عن رغبة فعلية بحماية الحدود الخارجية بوسائل ملموسة، سنتمكن عندها من التفكير في اعادة التوزيع داخل حدوده".

واضاف "يقولون لي ان اوربان الذي تصفه عدة وسائل اعلام انه العدو رقم واحد، لا يحترم التزاماته باستقبال 300 شخص، هذا يعني ان ايطاليا كان عليها نقل 300 شخص الى المجر. لكن فرنسا مع رئيسها الصالح ماكرون لا تفي بالتزاماتها بالنسبة لتسعة الاف شخص. بالتالي ان كان اوربان شريرا فان ماكرون شرير اكثر منه ب15 ضعفا". واضاف "على ماكرون وميركل ان يكونا منطقيين وان يثبتا ان لاوروبا معنى" مؤكدا رفض ايطاليا فتح مراكز لاستقبال مهاجرين على اراضيها. وتساءل سالفيني "لا نفهم لماذا على ليبيا وايطاليا وحدهما دفع الثمن الاقتصادي والاجتماعي للهجرة". ومنذ تشكيل الحكومة الشعبوية في ايطاليا في الاول من حزيران/يونيو، يضاعف سالفيني زعيم الرابطة (يمين متطرف) التصريحات الاستفزازية لا بل النارية خصوصا ضد المهاجرين.

من جانب اخر قام وزير الداخلية الايطالي ماتيو سالفيني بزيارة طرابلس للبحث عن وسيلة تمنع آلاف المهاجرين من عبور البحر المتوسط، حيث لا يزال المئات في وضع غير مستقرّ. وأعلنت البحرية الليبية انقاذ حوالى ألف مهاجر الأحد قبالة السواحل الليبية. وأظهرت صور التقطت لحظة نزولهم من السفينة في طرابلس، المئات بينهم رجال ونساء وأطفال، يحنون رؤسهم أو يغطون وجوههم وقد بدا التعب عليهم بوضوح. وغابت الابتسامات التي تظهر عادة على وجوههم وهم على متن السفن التي تقلهم الى ايطاليا.

والوضع هو نفسه قبالة سواحل مالطا حيث تنتظر السفينة التابعة لمنظمة "لايف لاين" الألمانية غير الحكومية التعليمات وعلى متنها 234 مهاجرا. واكد سالفيني منع السفينة من الرسو في مرافئ ايطالية. وترفض مالطا وايطاليا استقبال المهاجرين على متن هاتين السفينتين، التزاما بالخط المتشدد الذي اعتمدته الحكومة الايطالية الشعبوية ووزيرها القوي سالفيني، منذ وصولها الى السلطة في الأول من حزيران/يونيو.

وتبحر سفينتان انقاذ أخريان، أكواريوس التابعة للمنظمتين الفرنسيتين "اس او اس ميديتيرانيه" وأطباء بلا حدود اضافة إلى "اوبن ارمز" التابعة لمنظمة "برواكتيفا" الاسبانية، الإثنين قبالة ليبيا لكن دون امكانية التدخل، بسبب عدم طلب خفر السواحل الليبيين منها ذلك. ويتولى خفر السواحل الليبيين في الوقت الراهن عمليات الانقاذ قبالة ليبيا، بعد أن سلمتها السلطات البحرية الايطالية، المنسق الرئيسي لعمليات للانقاذ هذه المسؤولية.

وصرح سالفيني "دعوا السلطات الليبية تقوم بانقاذ المهاجرين واعادتهم الى دولهم كما تقوم بذلك منذ فترة دون ازعاج أو مشاكل من سفن المنظمات غير الحكومية المتهافتة". وقام سالفيني بزيارة خاطفة إلى طرابلس حيث التقى نائب رئيس الوزراء في حكومة الوفاق الوطني احمد معيتيق وشكر خفر السواحل الليبية. وأعلن وزير الداخلية الايطالي، وهو أيضا زعيم الرابطة (يمين متطرف)، أن ايطاليا ستقترح انشاء "مراكز استقبال وتحديد هوية المهاجرين جنوب ليبيا خلال.

وقال "سندعم، باتفاق مشترك مع السلطات الليبية، اقامة مراكز استقبال وتحديد هوية (المهاجرين) جنوب ليبيا، على حدودها الخارجية، لمساعدتها بقدر ايطاليا، على التصدي للهجرة". وذكر معيتيق من جهته، أن بلاده "ترفض رفضا قاطعا اقامة مخيمات للاجئين في ليبيا". وأكد أنه دعا البلدان الاوروبية المطلة على البحر المتوسط، عبر ايطاليا، الى المشاركة في قمة حول الهجرة تعقد في أيلول/سبتمبر في طرابلس. بحسب فرانس برس.

وقد اقترحت فرنسا واسبانيا اقامة "مراكز مغلقة" على السواحل الأوروبية خصوصا في ايطاليا، للاهتمام بالمهاجرين الواصلين عبر البحر الابيض المتوسط. لكن سالفيني انتقد هذا الاقتراح. وكتب على تويتر بعد اجتماعه مع وزير الداخلية الليبي عبد السلام عاشور "اقامة مناطق استقبال في إيطاليا سيكون مشكلة بالنسبة إلينا ولليبيا نفسها لأن تدفق الموت لن يتوقف". وأضاف في بيان "الوسيلة الوحيدة للتصدي فعلاً إلى مصالح المهربين الاجرامية وتجنّب رحلات الموت، هي منع القوارب من الابحار".

اضف تعليق