q
بالنسبة للسيد الشيرازي، والمعروف عن هذه العائلة الكريمة انهم يمتلكون اخلاقا طيبة، اعتقد من مميزاته الاخلاقية فهي (التواضع العلمائي) وهو واضح عنده من خلال الاسلوب العملي، والتواضع العلمي، والتواضع الاخلاقي، وهذه طبعا من الصفاة الكريمة عند كل انسان مؤمن، ولكنها عند الانسان الذي هو مرشد...

هذا الحوار يغطي سنوات طويلة من معرفة الشيخ حسن الغديري للمرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الشيرازي وقربه معه في اكثر من زمان ومكان وموقف..

هو الشيخ حسن رضا بن مؤمل حسين الميثمي، من مواليد عام 1372 ه، من العلماء الافاضل في المملكة المتحدة، مؤلف وشاعر، يتولى رئاسة مجلس القضاء الجعفري في المملكة المتحدة.. (المصدر: دائرة المعارف الحسينية / معجم المشاريع الحسينية / الجزء الثاني)

اللقاء الاول

يقول الشيخ الغديري: الحديث عن الامام الراحل السيد محمد الشيرازي (رحمة الله عليه) ليس بالسهل واليسير، وليس حديثا عن شخص، بل هو عن مزاياه الشخصية وعن صفاته الكريمة، من العلم والعمل والجهاد والتقوى والفضيلة والكمال، واعتقد ان السيد الراحل (رحمة الله عليه) كان حاملا لجميع الصفات لنائب الامام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في هذا العصر علما وعملا.

اما بالنسبة لمعرفتي به قبل لقائه، فتعود الى زمن الدراسة في الحوزات العلمية، وقد تعرفت عليه عبر الكتب وعبر الاساتذة، واتصور ان ذلك كان سنة (1965م او 1966م) فكنا نحضر للدرس عند اساتذتنا، كانوا ايضاً يتكلمون عن السيد الشيرازي، وبعدما انتقلنا الى قم المقدسة وذلك في سنة (1971م) ايضا هناك في الحوزة كنت ادرس كفاية الاصول للمرحوم الخراساني في علم الاصول، استاذنا ذكر كتاب كفاية الاصول للسيد محمد الشيرازي فسألت عن الكتاب وعن المؤلف فقال اذا كنت تريد ان تفهم الكفاية يجب ان يكون لديك هذا الكتاب، وكذلك عندما كنت احضر درس المكاسب للشيخ الانصاري (رحمة الله عليه) الاستاذ كان يذكر اذا تريدون ان تفهموا بيان ومعنى فراجعوا كتاب ايصال الطالب الى المكاسب للسيد محمد مهدي الشيرازي.

في احدى المرات ذهبنا الى استاذ الفلسفة، وكان يدرسنا كتب شرح المنظومة للسبزواري ذكر اسم الامام الراحل فقال عليكم بشرح السيد محمد الشيرازي.

حقيقة رأينا في جميع العلوم وجميع الكتب ونحن ندرس تلك المواد كثيرا ما ذكر الاستاذ السيد الشيرازي، وينقل الكثير عن الكتاب. ومرة انا ذهبت الى بيت أحد الاساتذة وسألته من هو هذا السيد الشيرازي، الذي لديه شرحا للكفاية وعنده شرح للمكاسب وعنده شرح للفلسفة، وقد بدأ هذا الاستاذ حديثه قائلا: انا لا اعرف السيد الشيرازي معرفة شخصية، ولم ازره ولم اره، ولكن عبر الكتاب فهمت هذه الشخصية العظيمة، واذا كان لاحد يريد الوصول الى مرحلة الاجتهاد، يجب عليه ان يطالع كتبه. سألته اين يسكن. قال انه من كربلاء، وهو الان في الكويت.

بعد سنوات رزقني الله بأداء فريضة الحج في سنة (1977م) ومن هناك ذهبنا الى الكويت، وكان معنا احد الاصدقاء من قم وهو كان يعرف السيد الشيرازي، فقال يمكن ان نذهب ونزوره، فبقينا هناك يوم وليلة، وذهبنا الى السيد الشيرازي وتشرفنا بزيارته وقد رحب بنا كثيرا، وشجعنا، وبعدها ارشدنا الى عدد من الامور الاخلاقية والعلمية، وقد سألت سماحته هناك: سيدنا انتم كتبتم في كل العلوم كتابا، فكيف تسنى لكم هذا التوفيق؟

تبسّم وهو يقول: هذا من بركة الامام الحسين (عليه السلام) وقد شجعنا على الكتابة قائلا: يجب ان تكتبوا كل ما تدرسونه، فالكتابة تبقى والخطابة تذهب..

وطلب منا البقاء في ضيافته، وأهدى الينا مجموعة من الكتب، وهو يقول: انكم لن تستطيعوا قراءتها في موسم الحج، ولكنكم عند العودة بمشيئة الله تستطيعون مطالعتها.

هذه الفترة التي قضيناها برفقة السيد الشيرازي، كانت تقريبا حوالي ساعتين ونصف، وكان ذلك هو اول لقاء مع السيد الشيرازي. واتذكر انه في ذلك الوقت هو كان شابا ونحن كذلك، وقد طلبنا منه النصيحة في كيفية العيش في هذه الحياة وجعلها مثمرة، فقال: العلم والعمل كررها ثلاث مرات.

أفكار للمستقبل

بعد مرور سنتين على هذا اللقاء قامت الثورة الايرانية، كان جارنا قبل قيام الثورة الاخ المرحوم السيد علي الفالي، وكان يأتي لزيارتنا ويذكر السيد الشيرازي، وايضا كان من الاصدقاء سماحة السيد محسن الخاتمي، فتح ابواب عقولنا أكثر على سماحة السيد الشيرازي، بعد ان نجحت الثورة جاء السيد الشيرازي الى ايران، وقد ذَكّرته بزيارتي له في الكويت، فقال لي لم تجدد زيارتنا بعدها، فقلت له: لا سيدنا لا يوجد توفيق، كانت رحلات الخطوط الجوية غير مواتية بشكل جيد.

دعانا في ذلك اللقاء الى تجديد الزيارة له، بعد ان استقر في مدينة قم، وتعددت لقاءاتي بسماحته في بيته وهو شرف كبير لي، كنت اذهب الى زيارته مع سيد محسن وسيد علي، وتعودت عند زيارته في كل اسبوع ان يعطينا كتاب من كتبه الجديدة، وكنا نشتاق الى كتبه تلك، ولم أكن متعودا على الذهاب الى منازل مراجع اخرين في قم المقدسة.

في هذا المجال يمكنني القول انني قد اخذت الكثير من المعارف من السيد في اللقاء الاول في الكويت، واللقاءات اللاحقة في قم المقدسة والتعرف الى شخصيته، التي تتجسد عن معالم انسانية كثيرة، وتتجسد من خلال العلم والتقوى عملا لا قولا. فهو (قدس سره) عندما كان يقول يجسد قوله الى عمل ملموس. كان وجوده حاضرا وفاعلا حتى خارج الحوزة، وجود يستضيء منه كل مؤمن.

اذكر في احدى المرات اني سافرت الى مدينة دبي، للقاء بعض الشخصيات في اوقاف الادارة الشرعية الجعفرية، ودار هناك حديث عن مواضيع عديدة، وجاء ذكر السيد الشيرازي من خلال اطروحته عن النظام الشرعي في المجتمع، وهي اطروحة عجيبة، وذلك ان ما يقوله فيها لا يمكن تحقيقه في الحاضر، ولكن بعد مرور الزمن يتحقق بعض الاشياء منها وكنا شهودا على ذلك، فنكتشف ان نظريته تلك لم تكن بذلك الوقت الخاص والمحدد بالحاضر، بل بالمستقبل، كان يتكلم الى ما بعد الظهور وانه سيحصل كذا وكذا حسب الروايات. واعتقد ان الله سبحانه وتعالى منحه فكرا خاصا، وايدهُ بأداء الواجب بأسلوب خاص.

كل عالم ديني يؤدي واجباته اما السيد الشيرازي فكان يؤدي واجبه بأسلوب مختلف ومتجسد بكل المعالم والمعارف، وكان (رحمه الله) عندما يتكلم يتكلم عن واقع الامور من خلال جوهرها، وليس الظاهر منها فقط.

بالنسبة للسيد الشيرازي، والمعروف عن هذه العائلة الكريمة انهم يمتلكون اخلاقا طيبة، اعتقد من مميزاته الاخلاقية فهي (التواضع العلمائي) وهو واضح عنده من خلال الاسلوب العملي، والتواضع العلمي، والتواضع الاخلاقي، وهذه طبعا من الصفاة الكريمة عند كل انسان مؤمن، ولكنها عند الانسان الذي هو مرشد ومرجع ديني كبير، والذي هو يبين رسالات الله ويبين معالم اهل البيت (عليهم السلام) للناس فهو كان حقيقة حاملا لهذه الصفات الاخلاقية الكريمة بصورة متميزة.

اما بالنسبة الى مقومات نجاحه فاعتقد انه امتلك الاخلاص الشديد لله وهذه صفة مهمة للعالمين في سبيل اسعاد الناس وتوجيههم.

بين الإيجابية والسلبية

• كيف كان يستطيع النظر الى الجوانب الايجابية في القضايا المطروحة امامه ولا ينظر الى السلبيات منها؟

يجيب الشيخ الغديري: كل مسألة في المجتمع او الفقه او السياسة، لا يأخذ الجانب السلبي منها في تناولها، رغم معارضته لها، بل كان يطرح الامور الايجابية الموجودة فيها، مثل شورى الفقهاء حيث اعطى رأيا معارضا بصورة ايجابية، وكان لا يلجا الى المعارضة السلبية، فهو يعتمد على ما يتسلح به من معرفة علمية، والتي تعد سلاحا ايجابيا مقابل باقي الاسلحة السلبية، وهذا ما اتصور انه هو الذي كان يقوّم نجاحه في كثير من قضاياه ومشاريعه العلمية.

وانا كباكستاني كنت قد جئت من باكستان مع مجموعة من الاخوة وذهبنا للقاء السيد قبل هجرتنا الى قم المقدسة، لأخذ النصيحة والمشورة منه حول ما يمكننا عمله، وقد اشار علينا بالتنظيم، قبل ان يضيف: التنظيم مع التقوى، وعلى ضوء ذلك شكلنا منظمة علماء الشيعة في باكستان.

• هل كان هو من يدير تلك المنظمة بعد ان ارشدكم الى تأسيسها؟

كلا، كان السيد الشيرازي فقط هو المرشد، وهو من دلنا على الامور التنظيمية، ونحن اسسنا وشكلنا تلك المنظمة في باكستان، وقد وفقنا في الكثير من الامور العلمية والتبليغية نتيجة ارشاداته لنا، لأننا أصبحنا ننظر الى قضايانا بصورة ايجابية ونترك السلبيات التي تعيقنا عن العمل رغم وجودها، وهو على حد تعبيره (السلب نتيجته السلب والايجاب نتيجته الايجاب).

ومن خصائص السيد الراحل المتميزة انه كان دائما يستدل ويذكر ويستند على الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث الشريفة للنبي واله (عليهم السلام) فكلما كان يذكر موضوعا يذكر الآية وكنت افكر كيف هو يأتي بالآية مع كل موضوع؟ وكان يأتي بالأحاديث للائمة (عليهم السلام) مباشرة قال الصادق (عليه السلام)، قال الباقر (عليه السلام)، وهذه ايضا من الصفات الخاصة به، لان كل انسان يريد ان يظهر شخصيته العلمية يأتي ببيانه الشخصي ولكن هو كان يأتي ببيان اما من القرآن او من الحديث او الرواية لأهل البيت (عليهم السلام) هذا ايضا من مميزاته العلمية، واعتقد ايضا ان هذا من مقومات نجاحه الفكري ونجاحه العلمي ونجاحه التخطيطي ونجاحه التنظيمي، اضافة الى ان الله سبحانه وتعالى وفقه لهذه الامور.

أصالة العمل

• هل كانت له اراء سياسية لايمكن الافصاح عنها؟

طبعا كانت عنده على اسس سياسة الائمة (عليهم السلام) كان يذكر الواقع، هو كان يطبق الظاهر، فبهذا هو طبعا كان يواجه المشاكل بالإضافة الى شورى الفقهاء.

طبعاً عدد من العلماء عندهم موقف حول شورى الفقهاء، لكن لم يكن عندهم رؤية في الظهور، السيد الشيرازي كان يظهر، يقول هذا رأيي العلمي، فبالنسبة الى مباحث الحديث الموجودة بالفقه، كان يأتي بالرأي الفقهي مع الدليل.

فأعتقد انه حتى الجانب السياسي كان عنده راي خاص بالمواضيع السياسية وكان يطبق الواقع في الاوضاع السياسية في ايران وخارج ايران قبل الثورة وبعد الثورة بمراحل. كان بأماكن مختلفة مع ذلك واجه المشاكل بعض الشيء، رغم هذا لم يترك الواجب الايجابي في المشاكل مع انهم كانوا يتوقعون ان السيد كان يأخذ الجانب السلبي، هو لم يترك الجانب الايجابي.

الحديث عن مواقف السيد الراحل بالنسبة الى المواضيع العلمية والعملية، تجرنا الى ما كان يعتقده وما اختص به وهو (أصالة العمل) وهذا الاختصاص بمعنى اخر هو ابداع بالرأي والموقف، واصالة العمل تعني ان كل عمل للإنسان دون عقيدة ليس له أثر ولا فائدة.

• اصالة العمل، شكلت اضافة في الاصول الموجودة في امهات الكتب والمباحث الحوزوية، واعتقد أنه اذا طبق هذا الاصل في المجتمع في شؤونه المختلفة، يكون هذا المجتمع مجتمعا انسانيا كاملا، لكننا ومع الاسف نشاهد في كل العالم مسلمين او غير مسلمين مؤمنين او غير مؤمنين كلهم ليس لهم اهتمام كامل بهذه الاصالة (اصالة العمل)، ما هو السبب برأيكم؟

انها اسباب عديدة، منها الضغوط المادية الكثيرة، والمشوقات والمشجعات للأمور المادية وصلت الى حد جعلت الانسان في أكثر اوقاته مشغول بأمور مادية فقط، ولا يرى غير هذا المورد، حياته المادية ورفاه المادي.

طبعا إذا كان مثل هذا الانسان يتوجه ويلتفت في كل الاوقات الى الامور المادية المحضة فلا يمكن له ان يتوجه الى اصالة العمل الواقعي الواجب تحقيقه في حياته. والامام الراحل (قدس سره) كان يؤكد ويصر على تحقيق اصالة العمل في المجتمع وهذا هو من ميزاته، واما الآراء الاخرى للإمام الراحل في شؤون المجتمع كالحريات واللاعنف واخرى من هذا القبيل، فقد كان يتخذ امامها موقفا قويا، وكمثال على ذلك: الحرية، حيث كان يؤكد على تحقيق الحرية بالمجتمع بالمعنى الواقعي للكلمة، ويقول اننا كثيرا ما نتحدث عن الحريات لكن تطبيقها وتحقيقها عمليا لايوجد.

مواجهة الإرهاب الفكري

• هل يمكن ان تشرح لنا بشيء من التفصيل نظرته الى الحريات والى اي مدى وصلت تلك النظرة؟

كان الامام الراحل، وباعتباره مرجع تقليد وعالم دين، يعتقد بأن الحريات يجب ان تكون في دائرة الاسلام والدين وليست خارجة عنها، لأنها ستكون لا قيمة لها، بل قد تعطي نتيجة سلبية، وهو كان يعتقد انه يجب ان تطبق الحريات في المجتمع في دائرة الدين والحكم الالهي، وهذا الحكم الالهي يضمن السعادة للبشر في الحياة على مستوى الافراد والمجتمع، وهو يعتقد ان الحريات بهذا المعنى الله سبحانه وتعالى قد خلق الانسان واعطاه فضل الارادة والاختيار، ويجب ان لا تخرج الاستفادة من هذه القوى عن دائرة الشرع، واذا خرجت فإنها توجب المفسدة، بل تنشئ المفسدة، فتفسد حياة الانسان في الدنيا والاخرة. لهذا كان الامام الراحل يؤكد ان كل الحريات يجب ان تكون في دائرة الدين والشرع الالهي المبين.

ومن المؤكد انه كان يقيم الادلة في الحقوق الاجتماعية لكل انسان، كحق الحياة مثلا، ولا أحد له السلطة ان يسلب هذا الحق عنه، لماذا؟

لان اي انسان كما انه له الحق ان يحيا في هذه الدنيا ويتمتع بكل ما موجود من النعم الالهية، وكذلك انا لي الحق بكل ذلك كما للآخرين.

حق الحياة محفوظ لكل واحد منا، فباعتقاد الامام الراحل، ان اللاعنف والسلم وغيرها من الامور تضمن حق الحياة للإنسان، في مجتمعات لا تخلو من العنف والارهاب بشكل عام، ولا اقصد الارهاب بمعناه العام من قتل النفس المحترمة، بل هناك ارهاب اشد اثراً من ارهاب القتل، وهو الارهاب الفكري، وكان الامام الراحل يصر بأن المجتمع يجب ان يكون خاليا من الارهاب الفكري.

وكان يعتقد بأن هذه الحوزات العلمية الموجودة عندنا تعمل على تبليغ ما هو الحق للناس لكي لا يؤثر احد من الارهابيين على الفكر، واكيد ان ارهاب الفكر اشد فساداُ من الارهاب الجسدي.

كان يؤكد اننا يجب ان نعارض الارهاب الفكري من اجل ترسيخ الاسس السليمة للحياة والمجتمع.

وكان يؤكد في كتاباته وخطاباته انه يجب علينا، على كل واحد من العلماء والمثقفين وعلى كل مؤمن ان يقوم بدوره مقابل الارهاب الفكري، فانا كرجل دين العب الدور في مقابل الارهاب الفكري بالكتابة والخطابة وبيان الحق، والمثقف يلعب دوره في دائرة عمله حسب منهجه الموجود وحسب طاقاته واستعداداته، والشخص الذي عنده مال وليس لديه علم هو يقوم بدوره في دائرة عمله ويعارض الارهاب الفكري، يعني قطع طرق الارهابيين الذين يريدون ان يسلبوا حق الحرية للإنسان، تلك الحرية التي منحها الله سبحانه وتعالى للإنسان (ان الدين عند الله الاسلام) ويقول (لا اكراه في الدين)، الدين هو الاسلام ولكن مع ذلك يقول (لا اكراه في الدين انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا) الانسان خلقه الله سبحانه وتعالى حراً فلماذا الانسان الآخر يأتي ويسلب هذا الحق و يقوم بأعمال لسلب هذه الحرية؟

هذا هو الارهاب الفكري، انا اريد ان أفكر بأي شيء اعتقد بصحته حسب قناعتي، ولكن شخصا اخر يأتي ويجبرني على اعتناق ما ارفضه كما نرى من هؤلاء الارهابيين والجماعات التكفيرية، انهم يكفّرون كل شخص، يدعون انهم مسلمون، حتى في ايام الحج والعمرة لا يعطون الحرية للشخص المسلم الاخر ليتمتع بمذهبه ودينه، هذا هو الارهاب الفكري.

الامام الراحل كان يعارض وبقوة ويعطي الافكار القوية بمقابل هذا الارهاب، وهو نفسه لعب دورا كبيرا في سد باب هذا الارهاب ومعارضته، ومن خلال كتبه الموجودة نرى تأكيده على ما كان يعتقده، وهو تأكيد يستند الى التأكيد القرآني على التذكير بقوله تعالى: (فذكر ان نفعت الذكرى)، انه تذكير نافع، فكان يذكر لكي ننتبه.

هذا كان دأب الامام الراحل في بياناته، انه يرغّبنا ويشجعنا ويشجع كل الشيعة ان يحاربوا الارهاب الفكري بكل قوة.

لذا كان يعتقد بالسلام واللاعنف، ولهذا الغرض اعطى الكثير من الاطروحات الممتلئة بالإرشادات الصحيحة للإنسان، وكيف يحارب ويعارض الارهاب وكيفية العمل والية العمل.

من ميزات الامام الراحل، انه كان يعطي آلية العمل ويبين كيفيته وهذا هو المهم، ليس فقط عرض للآراء بل كان يعطي الارشاد الصحيح للتطبيق المقصود في مقابل الارهاب الفكري والعملي، اي انه كان يبين طرق المعارضة والمحاربة وكل هذا كان يرجع الى اصالة العمل.

في مواجهة الفساد

كان دور الامام الراحل دور ارشاد وتوجيه الى الطرق الواقعية للتطبيق، وهذه من اهم الخصائص المميزة له، واكيد هو كان يشاهد ما يقع في الغرب وكان يقول ان هؤلاء الغربيين يخططون ضد المسلمين فلماذا لا ننتبه؟ يجب ان ننتبه ونتوجه الى معرفة مخططاتهم الفاسدة. وكان يعتقد ان جميع ما يخططون له لا يعطي النتيجة المطلوبة لهم، لان مستقبلهم مستقبل فاسد، فالإسلام يعلو ولا يعلى عليه، وكان يعتقد ان الغربيين كل ما يخططون له فان مصيره الفشل، وذلك من خلال سياق الآية الكريمة (وأنتم الاعلون ان كنتم مؤمنين) بشرط الايمان، والايمان يقتضي العمل وهو ما سماه (اصالة العمل).

فالمجتمع السليم الانساني الالهي الديني، هو المجتمع الذي تكون فيه الحريات الحقيقية للإنسان، وليس لاحد ان يسلب هذا الحق عن الآخر، وهو ما كان يؤكد عليه كما في كتابه (الفقه – الاجتماع) حيث ذكر طرقا عديدة لسلامة المجتمع من الفساد.

اذكر اني كنت حاضرا في احد مجالس الامام الراحل، ودار الحديث فيه عن وسائل الاعلام والفضائيات، وقد تحيرنا كثيرا مما طرحه حول انشاء وتأسيس فضائيات اسلامية في ذلك الوقت المبكر من ظهور القنوات الفضائية،، ومصدر تحيرنا اننا كنا نفكر بأن مثل هذا العمل هو عمل حكومي، فالحكومات والدول هي التي تقوم بإنشاء وتأسيس القنوات الفضائية، لا رجال الدين ولا المؤسسة الدينية، ولكن بعدما تحققت مثل تلك الافكار، وشاهدنا ظهور الكثير من تلك القنوات الفضائية، توصلنا الى نتيجة مفادها، ان الامام الراحل كان يفكر في المستقبل، ويفكر فيه عميقا، وكان في نظرته لمستقبل البشرية يعتقد ان القنوات الفضائية لها دور كبير في ارشاد وتوجيه وهداية الناس وهكذا هو واقع الحال.

دور الاعلام والتأليف

واتذكر في احدى المرات، ان الامام الراحل تطرق في حديثه عن وسائل الاعلام ومنها الجرائد والمجلات وقال ان تلك الاصدارات لها دور كبير في تثبيت العقيدة، فيجب ان نكتب في الجرائد والمجلات المقالات القويمة المبتنية على الآيات الكريمة واحاديث الائمه (عليهم السلام)، وكان يؤكد على هذا الامر تأكيدا عمليا، من خلال تشجيعنا على الكتابة، وكنت واحدا من الذين شجعني على الكتابة، واعتقد ان تشجيعه لي كان له الاثر الكبير في حبي للكتابة واستمراري عليها، كنت حين التقيه في مناسبات متفرقة واتشرف بحضوره، كان يسألني ماذا كتبت، وكنت اجيبه باني طالب علم اريد الدراسة وليس لدي وقت للكتابة، وكنت وقتها في مرحلة درس الخارج، وكان يجيبني قائلا: ما تدرسه الان اكتبه واحتفظ بكتابتك تلك، ففي المستقبل سيكون لديك كتابا كاملا عنه.

واذكر انه عاود طرح سؤاله على بعد أشهر ماذا كتبت؟ فأجبته قائلا: لقد قمت بكتابة موضوعات دروسي، فقال: سبحان الله، ما شاء الله، ما كتبته سيصبح كتابا في المستقبل، وكان موضوع ما كتبته تلك الفترة موضوعا عن الميراث، وبعدها بفترة عرضت على سماحته كتيبا صغيرا بخط اليد، حول النظام السياسي للإسلام باللغة الفارسية، ولشدة سروره امر بطباعته، وقد اخبرته وقتها ان الكتاب بحاجة الى تصحيح، وانا ليست لدي الخبرة الكافية لذلك، لكنه طمأنني قائلا: لقد عملت جاهدا، واعتقد ان كل ما كتبته صحيح. وقد طبع هذا الكتيب في إيران باسم (نظام سياسي اسلامي) بالفارسية.

دور المنبر الحسيني

من الامور الاخرى يمكن ان نذكر الكثير حول المنبر الحسيني، ودور الامام الراحل في التشجيع عليه والاهتمام به، كان (قدس سره) يمحض المنبر الحسيني نظرة اساسية لتطبيق (اصالة العمل) ويقول هذا المنبر نعمة ببركة الحسين (عليه السلام) نستطيع من خلاله ان نبلغ رسالاتنا الى العالم، ولا يوجد في اي دين او مذهب مثل ما يوجد لدينا عبر المنبر الحسيني. وهذا هو الواقع، فالمنبر الحسيني هو سبب احياء الدين، وهو اكبر وسيلة للإرشاد والهداية، واكبر وسيلة للنصيحة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال الامام الحسين (عليه السلام): اني خرجت لآمر بالمعروف وانهى عن المنكر.. وهذا هو المقصود الحقيقي من قيام الامام الحسين (عليه السلام) بنهضته المباركة.

والمنبر الحسيني يقوم بدور الامر والنهي بشكل سهل وواسع، والذي يجلس في المجالس الحسينية ويسمع الحديث الحكيم والكلام النوراني ويأخذ معارف كبيرة، سوف يسعى ليطبق هذه المعرفة في الحياة كلما وفق للتطبيق فيها.

في تشجيعه للمنبر الحسيني، كان يطلب من الخطيب ان يكون عارفاً بالأمور، ويجب ان يبلغ الناس ما هي وظيفتهم في الحياة بالنسبة الى الله سبحانه وتعالى خالقهم وربهم، وبالنسبة الى اهل البيت (عليهم السلام)، ويطالب الخطيب ان يوجه ويشجع الناس الى اداء الحقوق، حقوق الله وحقوق الناس، من خلال توضيح العبادات والمعاملات، لأجل كل هذه الامور التي يضطلع بها المنبر الحسيني، وهو يقوم بدوره بترغيب الناس وجلبهم الى طريق اداء الحقوق.

كان يطالبنا دائما بتوسيع وظائف المنبر، وكان يقوم بتأسيس الحسينيات لأجل ارشاد الناس، وله اكثر من كتاب حول الموضوع، منهما: (الاستفادة من عاشوراء) و(رسالة المساجد والحسينيات) اضافة الى توجيهاته الكثيرة بهذا الخصوص في محاضراته ولقاءاته.

واتذكر انه كان لدي قبل اربعين عاما، كتيب صغير مطبوع في كربلاء، وهو عبارة عن ارشادات وجهها الامام الراحل الى الخطباء، وهو ما يدل على اهتمامه بالمنبر الحسيني، وكنت كثيرا ما اسمعه يردد على لسانه الحديث النبوي الشريف (ان الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة)، ويتساءل: هل ركبنا هذه السفينة او أصبحنا خارجها؟ كان يفسر الاحاديث النبوية الشريفة، وكان يذكر في احاديثه بعد فقرة واخرى، كلام الامام المعصوم (عليه السلام) وكان يقول في رواية كذا ورواية كذا وتعودنا انه يذكر الرواية بدقة شديدة، وكان يتنقل بين الروايات والاحاديث للائمة عليهم السلام بمنتهى السهولة واليسر فهو يذكر رواية عن الامام الصادق (عليه السلام) ليتبعها بعد ذلك برواية للإمام الباقر (عليه السلام) ثم ينتقل الى رواية اخرى للإمام الكاظم (عليه السلام)، وكان يؤكد دوما على اهمية كلام المعصوم، لما فيه من معارف، ويجب علينا ان نتوسل اليهم بكل المعارف، والمنبر الحسيني يضمن لنا مثل تلك المعرفة لهم.

دور المرأة

اما بالنسبة الى دور المرأة في المجتمع الاسلامي، فهو (قدس سره) كان يعتقد ان المرأة لها دور كبير في التربية، لان التربية الصحيحة تبدأ في حجر الام، الام بمقدورها ان تربي اولادها تربية صحيحة او فاسدة، وعليه يجب توجيه المرأة ويجب ارشادها، لان المجتمع الاسلامي تقوم سعادته ويحصل عليها عبر هذه التربية.

البيت هو المدرسة الاولى للطفل، وحجر الام هو المصدر الحقيقي للتربية، وكل ما يصلح الام يصلح التربية، وبالتالي يتأسس المجتمع الصالح.

لذا كان الامام الراحل يؤكد ان تكون المرأة عالمة، عابدة، صالحة، وعارفة بأمور التربية الاسلامية الصحيحة، وكان يذكر قصة أحد العلماء، وهو رجل دين وعالم كبير كانت امه حين ترضعه الرضعة بعد الاخرى، كانت تتوضأ لأجل الاخرى، يعني انه اخذ اللبن من الام على الطهارة، فأصبح عالماً جيداً صالحاً ومصلحاً.

فالتربية الاسلامية الصحيحة والواقعية والانسانية والالهية عبر الام، ودور المرأة دور كبير في الاسلام، اعطاها الكثير من الحقوق، لكننا مع الاسف في مجتمعنا نسلب حقوق المرأة كثيراً في الكثير من الموارد، مثلاُ بعض الجهلاء يتمسكون بالآية الكريمة (الرجال قوامون على النساء)، معنى قوامون الحاكمون على النساء وهذا خاطئ وليس بصحيح، فالقوامون تعني يقومون بأمورهن، اي تقع على عاتقهم مسؤولية امورها، لا انهم قوامون بمعنى الحاكمون، كيف تكون حكومة بين الزوج والزوجة؟

الامام الراحل يؤكد ان ما بين الزوج والزوجة علاقة انسانية، وكل واحد مسؤول عن تربية الاولاد تربية صحيحة، والله سبحانه وتعالى خلق الانسان من ذكر وانثى ويقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) التقوى هي الاساس للإنسان المتقي، وهو يستحيل ان يسلب حق الانسان الاخر المتقي، فالمتقي يؤدي حق الاخر، والمتقي يؤدي حق الله وحق الناس، المرأة اذا كانت صالحة وكانت مؤمنة، تكون تربيتها للأولاد تربية صحيحة سليمة الاهية دينية، ويكون المجتمع الاسلامي مجتمعا صالحا.

هذا هو دور المرأة في المجتمع الاسلامي، كما كان يؤكد الامام الراحل، ليكون المجتمع على الاساس الصحيح ولا يفسد ولا يكون فيه ما يخرب تلك التربية وتلك التنشئة، لان المرأة تقدر ان تخرّب المجتمع وتقدر ان تصلح، فهي لها دور كبير، وللإمام الراحل في هذا المجال اراء قيمة لتوجيه المرأة ولإرشادها الى وظائفها ومسؤولياتها.

دور الشباب

الامر الذي يرتبط بهذا الموضوع هو نظرة الامام الراحل الى الاطفال والشباب، وهذا الرابط هو التربية، فاذا كانت التربية صحيحة، يكون الطفل فردا في مجتمع صحيح صالح، وإذا كان ذو تربية فاسدة يكون الطفل مصدرا للفساد داخل المجتمع.

وكذلك الشباب، وهم في مرحلتهم العمرية، هناك الكثير مما يجذبهم، مثل الجمال والمال والجاه، التي يريد ان يتمتع بها ويستفيد منها، وهي موجودة بكثرة في مجتمعاتنا، لذا من الضروري ارشاده الى اين يستفيد بطريقة صالحة وليست فاسدة، وان يتمتع بطريقة صحيحة وليست فاسدة، اي بعبارة اخرى، ان الانسان بطبعه يريد ان يأكل لسد الجوع، وان يشرب لإرواء العطش، وان يلبس لستر العري او التجمل،، لكن يجب عليه ان يأكل حلالا و يشرب حلالا ويلبس حلالا، والشاب الذي يعيش في المجتمع الصحيح السليم فهو يستحيل ان يميل الى الحرام..

فالإمام الراحل عنده اراء حول الشباب، وكان يؤكد انه يجب ان نلعب دورا كبيرا لإرشادهم وتربيتهم لان هؤلاء هم ابناء المجتمع في الحاضر والمستقبل، فيجب ان نبني اساسهم على التربية الصحيحة و نوجههم وميولهم الى الحلال عن طريق مشاريعنا الفكرية، وكان يؤكد ان اهمية تربية الشباب تدعونا الى ان نقوم بدورنا المنوط بنا، وان نقوم بمسؤولياتنا قبالها، وكان يشجع الشباب على البرامج التعليمية الواسعة.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–2018Ⓒ
http://shrsc.com

اضف تعليق