q
الصين والولايات المتحدة الأمريكية، كلتاهما قوتان عظميان اقتصاديًّا، وسياسيًّا، ودوليًّا، ولكنهما مختلفتان في العديد من الأمور الخاصة بالنظام الدولي، والمحلي، والعسكري، والاقتصادي، والقدرة والسعي إلى الهيمنة، وهو ما سبَّب عددًا من الأزمات بين البلدين على مدار السنوات ومع قدوم الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، فإن هذه الأزمات ما زالت موجودة ومتجددة، وفي هذا التقرير، نحاول أن نوفِّر قراءه عن مشاكل الملكية الفكرية بين الولايات المتحدة والصين في الوقت الحاضر...

الصين والولايات المتحدة الأمريكية، كلتاهما قوتان عظميان اقتصاديًّا، وسياسيًّا، ودوليًّا، ولكنهما مختلفتان في العديد من الأمور الخاصة بالنظام الدولي، والمحلي، والعسكري، والاقتصادي، والقدرة والسعي إلى الهيمنة، وهو ما سبَّب عددًا من الأزمات بين البلدين على مدار السنوات ومع قدوم الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، فإن هذه الأزمات ما زالت موجودة ومتجددة، وفي هذا التقرير، نحاول أن نوفِّر قراءه عن مشاكل الملكية الفكرية بين الولايات المتحدة والصين في الوقت الحاضر.

الملكية الفكرية

تمتد جذور الملكية الفكرية إلى مدينة البندفية شمال إيطاليا في العام 1474 لم يعد هناك منتج أو خدمة في العالم تقريبًا إلا ويسعى صاحبها للحصول على حق الملكية الفكرية وحقوق النشر المحمية قانونيًا، علمًا أن هذا الأمر ليس حديث العهد بل يمتد جذوره إلى شمال إيطاليا في العام 1474 حيث صدر في ذلك العام قانون في مدينة البندقية الإيطالية ينظم حماية الاختراعات ونص على منح حق استئثاري للمخترع، أما نظام حق المؤلف فيرجع إلى اختراع الحروف المطبعية والمنفصلة والاَلة الطابعة على يد يوهانس غوتنبرغ عام 1440.

وفي نهاية القرن التاسع عشر، رأت عدة بلدان ضرورة وضع قوانين تنظم الملكية الفكرية أما دوليًا فقد تم التوقيع على معاهدتين تعتبران الاَساس الدولي لنظام الملكية الفكرية هما: اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية 1883 واتفاقية برن 1886 لحماية المصنفات الأدبية والفنية.

وتشير الملكية الفكرية إلى إبداعات العقل ونتاج فكر الإنسان من اختراعات ونماذج صناعية ومصنفات أدبية وفنية وتصاميم وشعارات ورموز وأسماء وصور مستخدمة في التجارة والملكية الفكرية محمية قانونًا بحقوق منها مثلا البراءات وحق المؤلف والعلامات التجارية التي تمكّن الأشخاص من كسب الاعتراف أو فائدة مالية من ابتكارهم أو اختراعهم ويرمي نظام الملكية الفكرية كما ورد في موقع المنظمة العالمية للملكية الفكرية، إرساء توازن سليم بين مصالح المبتكرين ومصالح الجمهور العام، وإتاحة بيئة تساعد على ازدهار الإبداع والابتكار.

ولا تختلف حقوق الملكية الفكرية عن حقوق الملكية الأخرى، فهي تمكن مالك الحق من الاستفادة بشتى الطرق من عمله الذي كان مجرد فكرة ثم تبلور إلى أن أصبح في صورة منتج أو خدمة ويحق للمالك منع الاَخرين من التعامل في ملكه دون الحصول على إذن مسبق منه كما يحق له مقاضاتهم في حالة التعدي على حقوقه والمطالبة بوقف التعدي أو وقف استمراره والتعويض عما أصابه من ضرر.

انتهاك الملكية الفكرية

ظهرت العديد من أنواع الانتهاكات التي أثّرت على حقوق المُلكيّة الفكريّة، وتختلف وفقاً لطبيعة الحقوق التي تُهاجمها، فالحقوق الخاصة بالمؤلفين مثل المُصنفات الفنيّة والأدبيّة من الممكن أن تتعرّض للهجوم والسرقة؛ عن طريق بيعها أو تأجيرها أو نشرها بطُرقٍ غير مُرخصةٍ من قبل صاحب المُصنفات، أمّا الحقوق الخاصة بالعلامات التجاريّة، والتصميمات الصناعيّة، والاختراعات، فتتعرّض للهجوم من خلال تقليدها بطُرقٍ غير مشروعةٍ أو قرصنتها.

ينتج عن كافة الانتهاكات السابقة عدّة أضرار اقتصاديّة تؤدي إلى نتائج خطيرة، وتؤثر بشكلٍ سلبيٍّ على أصحاب حقوق المُلكيّة الفكريّة، والمجتمعات والدول بشكلٍ عام، ومن الأمثلة على هذه الأضرار الضرر المُؤثر على أصحاب الإنتاج الإبداعيّ ينتج عن هذا ضعف في العوائد الماليّة مقابل تقديمهم للإبداعات؛ نتيجةً لاستغلالها دون تقديم أيّ مبالغ ماليّة لهم، كما أنّ الإنتاجات المُبدعة تُصبح غير قادرةٍ على تغطية التكاليف الماليّة للنشاطات الخاصة بالتطوير، والبحث التي تؤدي إلى الابتكار؛ بسبب أنّ العوائد الماليّة لهذه الاستثمارات لا تُغطّي كافة مصروفاتها نتيجةً لظهور مُنافسةٍ غير قانونيّة يُطبقها المُقلدون ومهاجمو حقوق المُلكيّة الفكريّة. الضرر المُؤثر على الدول: هو تراجع حجم الإيرادات الناتجة عن الضرائب المُحصلة؛ لأنّ معظم الجرائم المؤثرة على حقوق المُلكيّة الفكريّة تُنفّذ من قبل أشخاص بعيدين عن قطاع العمل الرسميّ، ولا يدفعون للدول أيّ ضرائب مقابل عملهم غير القانونيّ، كما يؤدي ذلك إلى تقليل حجم الاستثمار، وضياع الفرص المناسبة للتطور والنموّ.

صراع الهيمنة

في جولة جديدة من صراع الهيمنة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مذكرة تنفيذية لكي يبدأ الممثل التجاري الأمريكي، روبرت لايتهايزر، فحص ما يقال عن الممارسات الصينية بشأن الملكية الفكرية، فيما توعدت بكين بالرد على أي عقوبات تستهدف التجارة بين البلدين، فعلى الرغم من استمرار التعاون الاقتصادي بين البلدين والاستثمار التجاري العملاق، إلا أن التدخلات والتحركات الأمريكية في القارة الصفراء مؤخرا، أججت الصراع بين أقوى اقتصادين في العالم، فربما تريد أمريكا تطويق الصين، خصوصا بعدما بدأ النفوذ الصيني يتسع إلى مناطق مختلفة من العالم.

وعلى ما يبدو، ومع توقيع هذه المذكرة، أن الفترة المقبلة سوف تشهد مزيدا من التوترات بين البلدين نتيجة للسياسات التي يود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تنفيذها في العديد من المجالات مع العالم، فمنذ تولي ترامب سدة الحكم تم توجيه انتقادات وبشدة إلى منظمة التجارة العالمية بل واتهامها الإدارة الأمريكية بأنها "عاجزة" عن فرض عقوبات على الممارسات التجارية غير النزيهة.

خسائر الاقتصاد الأمريكي

وقد قدر، أحدث تقرير اقتصادي مستقل أجرته "لجنة دراسة القرصنة الفكرية" المستقلة الأمريكية للعام 2017، خسائر الاقتصاد الأمريكي بنحو 600 مليار دولار سنوياً، ويؤكد التقرير أن القرصنة على حقوق الملكية الفكرية الأمريكية ما زالت تمثل تهديداً كبيراً للاقتصاد الأمريكي، وتنعكس خسائر هذه القرصنة التي تقدر قيمتها بما يزيد على 250 مليار دولار في صورة، سلع مقلدة، وبرامج كمبيوتر منسوخة، وسرقة الأسرار التجارية التي يمكن أن ترفع التكلفة إلى 600 مليار دولار.

وما تواجهه الصين حاليا كان متوقعا، حيث سبق للرئيس الأمريكي ترامب خلال جولاته الانتخابية بالحديث عن هذه القضايا ومنها قضية التجارة مع الصين على وجه الخصوص ، واتهم الصين ، بعدم تعاونها في مجال أسعار العملات بقوله " نحن نتأثر بخفض العملة الصينية التي من شأنها تحفيز الصادرات الصينية إلى الخارج " ، حيث تعتبر الصين اليوم واحدة من القوى الصاعدة في مختلف المجالات، وأنها الدولة المرشحة بقوة خلال الفترة القادمة لأن تكون المنافسة للولايات المتحدة الأمريكية مهددة مكانتها كقطب أوحد في العالم، بجانب تمكنها في مجالات التصنيع والابتكار والإنتاج وبالتالي المنافسة في المجالات التجارية والصناعية.

ربح بالمليارات

في 14 أغسطس 2017، قرر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فتح تحقيقات تجارية في الممارسات المتعلقة بالملكية الفكرية في الصين، ونقل التقنيات الأمريكية إلى الصين دون مراعاة حقوق الملكية الفكرية الأمريكية، وهو ما أنذر حينها بحرب تجارية بين البلدين.

وقد وجَّه ترامب طلبه إلى الممثل التجاري للولايات المتحدة الأمريكية، روبرت لايتهايزر، والذي أكد أن الرئيس ترامب طلب منه "النظر في القوانين والسياسات والممارسات الصينية التي يمكن أن تضر بحقوق الملكية الفكرية والابتكار والتطور التقني الأمريكي" ومنذ أغسطس الماضي، وحتى منتصف يناير 2018، لم نسمع بنتائج هذا التحقيق، إلى أن أعلن الرئيس ترامب أن الولايات المتحدة تدرس فرض غرامة كبيرة على الصين، وذلك بعد انتهاء التحقيقات حول انتهاك الصين حقوق الملكية الفكرية الأمريكية، وأوضح ترامب أن إدارته ستتخذ إجراءً تجاريًا انتقاميًا ضد بكين في وقتٍ قريب.

وفي مقابلة مع وكالة رويترز، قال ترامب، ومستشاره الاقتصادي، جاري كوهن، إن بكين أرغمت شركات أمريكية على نقل ملكيتها الفكرية إلى الصين في إطار تكلفة تنفيذ أعمال هناك، ولم يحدد ترامب تفاصيل هذه الغرامة أو قيمتها، غير أن البند 301 من القانون التجاري الأمريكي الصادر عام 1974، والمتعلق بالملكية الفكرية، والذي كان يستخدم بكثافة في ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي، يسمح للرئيس الأمريكي بفرض رسوم جمركية أو قيود تجارية أخرى بشكل أحادي ضد دول أجنبية.

الجدير بالذكر أن عددًا من الشركات الأمريكية خسرت مئات المليارات من الدولارات، وملايين الوظائف، والتي ذهبت إلى شركات صينية استولت على أفكارها أو برمجياتها، أو أجبرتها على تسليم حقوق الملكية الفكرية لتنفيذ الأعمال في الصين من جانبه، قال ترامب إنه يريد أن تكون للولايات المتحدة علاقة جيدة مع الصين، لكن يجب على بكين أن تعامل الولايات المتحدة بإنصاف.

تحقيق رسمي

أطلقت الولايات المتحدة رسميا تحقيقا تجاريا في الممارسات المتعلقة بالملكية الفكرية في الصين والنقل القسري للتقنية الأميركية، وذلك تلبية لطلب الرئيس دونالد ترمب، مما ينذر باندلاع حرب تجارية بين البلدين.

وقال الممثل التجاري الأميركي روبرت لايتهايزر في بيان له إن الرئيس ترمب طلب منه "النظر في القوانين والسياسات والممارسات الصينية التي يمكن أن تضر بحقوق الملكية الفكرية والابتكار والتطور التقني الأميركي" وأضاف لايتهايزر أنه قرر فتح تحقيق شامل في هذه القضايا الحساسة بعد التشاور مع أصحاب المصالح ووكالات حكومية، وأكد أنه "سيتم حماية الملكيّة الفكرية وبراءات الاختراع والعلامات التجاريّة والأسرار التجارية وأي ملكية فكرية حيوية لأمننا وازدهارنا"، مشددا على أن الولايات المتحدة لن تتسامح مجددا مع سرقة الصين لأسرارها الصناعية.

وجاء إطلاق هذا التحقيق بموجب البند 301 من القانون التجاري الأميركي المتعلق بالملكية الفكرية ويسمح هذا البند الذي كان يستخدم بكثافة في ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي للرئيس الأميركي بفرض رسوم جمركية أو قيود تجارية أخرى بشكل أحادي ضد دول أجنبية.

واستبقت الصين إطلاق هذا التحقيق الرسمي الأميركي بتحذيرها الأسبوع الماضي من أنّ "الجميع سيخسرون" في حال اندلاع حرب تجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، متوعدة بالرد على أي عقوبات تستهدف التجارة بين البلدين وحذرت المتحدثة باسم الخارجية الصينية هوا تشون يينغ بأن الصين لن تقف مكتوفة الأيدي، لكنها ستتخذ كافة الإجراءات المناسبة للحفاظ على حقوقها ومصالحها المشروعة.

وقدر تقرير اقتصادي مستقل أجرته "لجنة دراسة القرصنة الفكرية" المستقلة الأميركية للعام 2017، خسائر الاقتصاد الأميركي بنحو 600 مليار دولار سنوياً ويؤكد التقرير أن القرصنة على حقوق الملكية الفكرية الأميركية ما زالت تمثل تهديداً كبيراً للاقتصاد الأميركي، وتنعكس خسائر هذه القرصنة التي تقدر قيمتها بما يزيد على 250 مليار دولار في صورة سلع مقلدة وبرامج حاسوب منسوخة، وسرقة الأسرار التجارية التي يمكن أن ترفع التكلفة إلى 600 مليار.

إصرار ترامب

تعتبر الصين اليوم واحدة من القوى الصاعدة في مختلف المجالات، والدولة المرشحة بقوة خلال الفترة القادمة لأن تكون المنافسة للولايات المتحدة والمهددة لمكانتها كقطب أوحد في العالم، بجانب تمكنها في مجالات التصنيع والابتكار والإنتاج وبالتالي المنافسة في المجالات التجارية والصناعية.

وتحاول الولايات المتحدة أن تتدارك ذلك بإيجاد عقبات وعراقيل أمام الصين بحيث يكون المدخل من خلال منظمة التجارة العالمية وفرض الضرائب على الصادرات الصينية وبشكل كبير، والتوجه بانتقادات لهذه المنظمة وسبق للرئيس الأميركي ترمب خلال جولاته الانتخابية أن تحدث عن هذه القضايا ومنها قضية التجارة مع الصين على وجه الخصوص، واتهم بكين بعدم التعاون في مجال أسعار العملات وقال "نحن نتأثر بخفض العملة الصينية التي من شأنها تحفيز الصادرات الصينية إلى الخارج" ومنذ تولي ترمب سدة الحكم تم توجيه انتقادات حادة إلى منظمة التجارة العالمية، بل واتهاماتها الإدارة الأميركية بأنها "عاجزة" عن فرض عقوبات على الممارسات التجارية غير النزيهة.

كم خسرت أمريكا من سرقة الصين؟

فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوم جمركية على بضائع صينية تصل قيمتها إلى 60 بليون دولار، كوسيلة للرد على سرقة الصين لحقوق الملكية الفكرية الأمريكية، وفقا لـcnn money وقالت أمريكا إن سرقة حقوقها الملكية الفكرية كلفت اقتصادها بلايين من الدولارات إضافي إلى خسارة الآلاف من الوظائف.

وبحسب cnn money فممثل التجارة الأمريكي الذي قاد تحقيق عن سرقة الصين لحقوق الملكية الفكرية ووضع توصيات لإدارة ترامب، وقال إن سرقة الصين الحالية لحقوق الملكية الفكرية الأمريكية تتراوح بين 225 مليار دولار و600 مليار دولار، وهذه الأرقام متوافقة مع تقرير 2017 من لجنة سرقة حقوق الملكية الفكرية الأمريكية وعلى الجانب الآخر قال مسئولون صينيون إن حماية الشركات الأجنبية وحقوق ملكيتها الفكرية هام للصين.

وتعتبر واحدة من أبرز الأمثلة على سرقة الصين لحقوق الملكية الفكرية لشركات أمريكية بحسب cnn money هي شركة في بكين لتوربينات الرياح، تم اتهامها بسرقة أسرار تجارية مستخدمة أكواد سرية مسروقة من شركة أمريكية وقال خبراء إن التكلفة مرتبطة بسرقة الأسرار التجارية، وبلغت القيمة المادية لإجمالي الأسرار التجارية الأمريكية المسروقة ما بين 180 مليار دولار وتصل إلى 540 بليون دولار سنويا وفقا للجنة المسئولة عن سرقة حقوق ملكية الفكرية الأمريكية، وأن هذه الأرقام قد تزداد لأن الصين ضاعفت من سياستها للاستحواذ على التكنولوجيا الأجنبية للمعلومات.

من الفائز بعد أن دقت طبول الحرب الاقتصادية؟

يبدو أن طبول الحرب الاقتصادية بين واشنطن وبكين قد دقت بالفعل، هي حرب تجارية يخشاها العالم منذ اعتلاء "دونالد ترامب" سدة الحكم في الولايات المتحدة وبالفعل بدأت تتشكل، بعدما وقع الرئيس الأمريكي، قرارًا يسمح لبلاده بفرض رسوم جمركية على واردات صينية بقيمة 60 مليار دولار، وهو ما قد يكون له آثار وخيمة على الاقتصاد العالمي.

في المقابل اقترحت الصين قائمة تضم 128 منتجاً أمريكياً كأهداف انتقامية محتملة، بعد إعلان الولايات المتحدة عن تعريفات جمركية على واردات صينية بقيمة 50 مليار دولار ما أقدم عليه "ترامب" لم يقربه أي من الرؤساء السابقين الذين اكتفوا بالتلويح باعتبار الصين متلاعبة بالعملة لكنهم ابتعدوا دائما عن اتخاذ إجراءات فعلية، أما الرئيس الحالي فكان قراره قاطعا بمعاقبة الصين كونها متهمة بالعدوان الاقتصادي وانتهاك حقوق الملكية الفكرية لبلاده.

وبحسب تقارير دولية فإن عواقب هذا القرار فإنها تتركز في عاملين، أولهما هو هل سيتماشى حجم التعريفات المفروضة على المنتجات الصينية مع مقدار الانتهاكات الصينية الذي صوره "ترامب" في خطابه؟

ومن المحتمل تخفيف الإجراءات إذا تسببت في اضطراب الأسواق المالية، لكن "ترامب" كشف عن نواياه منذ توليه منصبه، وسوف يكون من الصعب العثور الآن على شركة كبرى متعددة الجنسيات لا تعتقد أن الصين مارست انتهاكات عدة، فلا يخفى على أحد سرقة حقوق الملكية الفكرية من قبل شركاتها.

العامل الحاسم الثاني هو كيف ستستجيب الصين لهذا القرار؟ خاصة أنها تعهدت مرارًا وتكرارًا بالدفاع عن حقوقها ومصالحها المشروعة إذا استهدفتها واشنطن بإجراءات مشابهة

الرئيس "شي جين بينغ" سيجد أنه يتعامل مع رئيس أمريكي يعتقد (بصدق) أن الولايات المتحدة قادرة بسهولة على الفوز في الحرب التجارية مع ذلك قالت وزارة التجارة الصينية إن بكين لا تريد خوض حرب تجارية لكنها أيضًا لا تخشى أبدا من الحرب التجارية وستخوضها حتى النهاية إذا اضطرت لذلك.

ويحذر معظم الاقتصاديين من أن الكثيرين سيصبحون أكثر فقرا، وأن حديث "ترامب" عن الفوز بالحرب التجارية أمر سخيف وخطير، لكن من الصحيح أيضا أن الصين لديها الكثير لتخسره نظرا لاعتمادها الواسع على التصدير "بلغت صادراتها السلعية إلى الولايات المتحدة نحو 500 مليار دولار العام الماضي".

ومن الصعوبة تحديد الفائز إلى الآن، لكن الخسائر ورادة لدى كلا الطرفين وليس صحيحا أن فوز أمريكا سيكون سهلًا، فبحسب "سي إن إن موني" هناك شركات أمريكية كبرى مثل "آبل" و"بوينج" و"إنتل" وغيرها قد تعاني كثيرا إذا قررت الصين توسيع نطاق إجراءاتها العقابية اذ حققت "آبل" إيرادات بقيمة 18 مليار دولار"20% من إجمالي مبيعاتها" في الصين وحدها خلال الربع الأخير، فيما بلغت إيرادات "بوينج" في السوق الصيني 12 مليار دولار "13% من إجمالي المبيعات".

كما تحظى "إنتل" و"نفيديا و"ميكرون" و"كوالكوم" و"تكساس إنسترومنتس" بتواجد كبير في الصين، وتحديدًا في قطاع التصنيع بالإضافة إلى شركات التكنولوجيا المحلية التي تعتمد على منتجاتها وبلغت مبيعات شركة "نايكي" في الصين خلال الربع الرابع من العام الماضي 1.2 مليار دولار وهو ما يمثل 15% من إجمالي إيراداتها، فيما باعت شركة "جنرال موتورز" 4 ملايين سيارة في الصين على مدار 2017 بأكمله عبر شركاء محليين اما سلسلة متاجر القهوة الشهيرة "ستاربكس" قد تكون بين أكبر الخاسرين أيضا، حيث تراهن بقوة على السوق الصيني المكتظ بالمستهلكين، والذي يؤمن لها 14% من إجمالي الإيرادات.

من يكسب الحرب القادمة؟

في حربها التجارية مع الصين والاتحاد الأوروبي، أعلنت الإدارة الأمريكية عزمها على فرض تعريفة جمركية بقيمة 50 بليون دولار على صادرات الصين إلى الولايات المتحدة من الإلكترونيات والآلات وعدد من المنتجات الأخرى، يجري إعداد قوائمها رداً على سرقة الصين حقوق الملكية الفكرية لعدد من الشركات الأمريكية.

وتضم القائمة الأمريكية 1300 منتج تخضع لمراجعة أخيرة خلال 30 يوماً قبل أن تدخل حيز التنفيذ، وقد جاء القرار الأمريكي بعد يوم واحد من فرض الصين جمارك جديدة على بضائع أمريكية قيمتها 3 بلايين دولار معظمها صادرات زراعية تشمل الفاكهة والنبيذ ولحم الخنزير، وقد أدانت وزارة التجارة الصينية القرار الأمريكي الأخير باعتباره إجراء حمائياً تدينه الصين وترفضه وتؤكد استعدادها للرد الفوري عليه.

وعلى امتداد الشهور الماضية شغلت سياسة الولايات المتحدة في فرض رسوم جمركية جديدة على واردات أمريكا السلعية من مجموعة الدول الصناعية التي تمثل شركاءها الأساسيين مثل الاتحاد الأوروبي والصين أسواق العالم، وتسببت في اضطراب واسع رغم توجه الولايات المتحدة الآن إلى التفاوض مع شركائها الأوروبيين.

وتمثل الحرب التجارية بين أمريكا والصين والاتحاد الأوروبي تحدياً كبيراً للرئيس الأمريكي ترامب الذي وعد أنصاره بأن يصلح سياسات أمريكا التجارية لتحقيق مصالح العمال الأمريكيين الذين تتقلص فرص العمل أمامهم بسبب المنتجات الأرخص ثمناً القادمة من الصين والاتحاد الأوروبي، وكان قرار الرئيس ترامب رفع التعريفة الجمركية على واردات الولايات المتحدة من الصلب والألمونيوم قد أحدث ضرراً بالغاً لعدد من الدول الأوروبية في مقدمتها ألمانيا، أهم الأطراف الأوروبية تصديراً للصلب إلى الولايات المتحدة، وزاد من حدة الأزمة تغريدات الرئيس الأمريكي على تويتر التي أعلن فيها أن الحرب التجارية شيء حسن لأنه يمكن للولايات المتحدة أن تكسبها بسهولة.

وليس الألمان فقط هم المتضررين من سياسات ترامب التجارية الجديدة، ولكن الفرنسيين الذين يخشون من أن يؤدي تطبيق التعريفة الجمركية الأمريكية الجديدة إلى إغلاق فرص عمل كبيرة في أوروبا بما يؤثر سلبيا على أحوال القارة الأوروبية الاقتصادية، وكما يقول الأوروبيون فإن ترامب يلعب دوراً خطيراً لأن سياسته الحمائية لن تكون في مصلحة أوروبا التي سوف تفقد الآلاف من فرص العمل ما لم يظهر الاتحاد الأوروبي قوته، ويوحد جهوده في منظمة التجارة العالمية مع جهود الصين والبرازيل، ورغم أن البريطانيين هم الأكثر سيطرة على ردود أفعالهم تجاه القرارات الأمريكية لكن ثمة مخاوف كبيرة من أن يكون لسياسات ترامب تأثيرها على صناعة الصلب الإنجليزي .

وداخل الولايات المتحدة يرفض 54 في المائة من الأمريكيين سياسات ترامب في فرض تعريفة جمركية جديدة على واردات الصين والاتحاد الأوروبي، ويرون أنها لن تنجح ولن يكون لها أثر إيجابي على التجارة الأمريكية، لأن التعريفة الجمركية الجديدة سوف تضر المستهلك الأمريكي بسبب تأثيرها المؤكد على رفع الأسعار كما أنها لن تؤدي إلى تغيير سياسات الصين، وهذا ما يؤكده ديان جارفيلد المسئول التنفيذي عن شركات تكنولوجيا المعلومات الأمريكية مثل آي بي إ م وجوجل.

ورغم اعتقاد كثيرين بأن الحرب التجارية عادة ما يكون أثرها السلبي أقوى على الطرف الذي يحقق فائضاً تجارياً، ويحتل فيها المدين مرتبة أفضل من الدائن، وربما تُسفر عن خفض ضخم في حجم التجارة المتبادلة، يكون له آثاره السلبية على الاقتصاد الأمريكي، وإذا كانت أمريكا قد صدرت هذا العام بضائع إلى الصين بقيمة 130 بليون دولار إضافة إلى 40 بليون دولار هي قيمة البضائع الأمريكية المصدرة إلى هونج كونج والتي يذهب معظمها إلى الصين فإن استمرار سياسة ترامب في رفع التعريفة الأمريكية وأثرها في رفع الأسعار بالنسبة للمستهلك الأمريكي سوف يقلص بالضرورة حجم التجارة بين البلدين، وربما يكون المتضرر الأكبر هو الولايات المتحدة.

مركز النبأ الوثائقي يقدم الخدمات الوثائقية والمعلوماتية
للاشتراك والاتصال [email protected]
او عبر صفحتنا في الفيسبوك (مركز النبأ لوثائقي)

...........................................
المصادر
-ساسة بوست
-بوابة الشروق الالكترونية
-رويترز
-موقع المصري اليوم
-الجزيرة
-موقع موضوع
-نون بوست
-المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)
-اليوم السابع
-بي بي سي
-عربية CNBC
-الوطن
-القدس

اضف تعليق